التقنية في المسرح(1)

التقنية في المسرح(1)

العدد 864 صدر بتاريخ 18مارس2024

عندما يتم تعريف التقنيات علي نطاق واسع – باعتبار أنها عملية موجهة وتتضمن عملا إنسانيا نحو الأهداف – ونجدها في كل نشاط إبداعي إنساني : في الرياضة والرقص والرسم والعزف علي الآلات الموسيقية والتمثيل ؛ وفي الفيزياء والكيمياء والطب وعلم الفلك ؛ وفي التعليم والإدارة . ويجادل (جوزيف أجاسي Joseph Agassi) بأن السحر يتكون من تقنيات , رغم أنها غير علمية (1) . وتذكر قصيدة “ أنظر إليّ الآن Look At Me Now “ أسلوب القبل . ويمكن تعريف التقنيات بشكل أكثر تحديدا لتشمل الممارسات الواضحة المعترف بها بشكل مستقل والتي يتم تحديدها ودراستها علي أنها تقنيات علي وجه التحديد (مثل تقنية ألكسندر).
 وسواء فهمناها علي نطاق ضيق أو واسع , فان التقنيات تميل الي استلهام رد فعل متناقض , بين ممارسي الفنية ولاسيما في المسرح . اذ ينكر الأبطال وجود تمييز بين التقنية والفنية , حيث يرون أن الأولي هي تمكين وتحرير الثانية وضرورية لها . ويرسم المتشككون فاصلا حادا بين التقنية باعتبارها تتعلق بجماليات الأفعال ( غير القابلة للتعريف) ثم يشير إلي عدد المرات التي يأتي فيها الأول للسيطرة علي الأخير وخنقه وتعطيله . ويشتهر الموسيقي ( تشارلز ايفز Charles Ives) , وهو من نقاد التقنية , بقوله “ يا الهي ! ما علاقة الصوت بالموسيقي ! “ . في الواقع إن مقولة ان “ التقنية منفصلة عن الفنية “ هي فعلا أكلاشيه ثقافي . ففي رسم كاريكاتوري في مجلة “ نيويوركر “ يوضح أن لصا يشرح لعدة لصوص كيفية استخدام مسدس جديد إذ كان التعليق “ التقنية مهمة , ولكنك في مرحلة ما يجب أن تثق في غرائزك الإجرامية “ . تكمن بين القطبين – التقنية باعتبارها تمكين للفن أو تعطيل له – مجموعة من المواقف المتنوعة بشتى الطرق  وبدرجات مختلفة في الأهمية (2) . 
 وفي المسرح , ظهر خلاف كبير في الرأي حول العلاقة بين التقنية والفن أو الكثافة العاطفية للأداء بين الفلاسفة وعلماء المسرح منذ تأملات أفلاطون حول “تقنية التمثيل” , والتي لم يجد فيها أي معرفة بل فقط مشاعر مغرية ناشئة عن استلهام أعمى – حضور الإله الذي لا يمكن تفسيره . فشكسبير الذي تعجب من قدرة العاطفة والشكل علي العمل معا , اذ جعل هاملت يعاقب نفسه لفشله في فعل ما يمكن تفعله الصلاة  “في الخيال , في حلم العاطفة ....  وظيفته الكاملة تتناسب / مع أشكال فكره “ . وشعر ( ديدرو Diderot) أن العواطف كانت بارزة في التمثيل حتى لاحظ أن تقنية “ ديفيد جاريك David Garrick” سمحت له أن يؤدي جيدا باستمرار كل ليلة , بينما أولئك الذين اعتمدوا علي الالهام لم يستطيعوا المحافظة علي عمق العاطفة في العروض اللاحقة . ووجد ستانسلافسكي أن الممثلين في عصره كانوا الذين اعتمدوا علي التقنية علي حساب الحقيقة العاطفية , كانوا متأثرين علي ما يبدو ب (تشالابين Chalipin) وعبقريته الطبيعية العفوية , فعمل علي وضع نظام لتدريب الممثلين يمكن الاعتماد عليه لاستدعاء الصدق العاطفي إلي المسرح , لكي يخلق علي خشبة المسرح حياة حية لروح الإنسان (3) . التقنية , باختصار , تٌرى عموما باعتبارها مجموعة من المهارات ( أعني , أدوات يمكن اكتسابها ) تسمح للمؤدين بالوصول إلي المحتويات العاطفية التي يتطلبها دور ما , ولكن يجب استكمالها – حتى أثناء تداخلها أحيانا – بالكثافة الكاريزمية التي تتطلب الانتباه , وتفهم باعتبارها غير ملموسة ومستمدة من الإلهام المذهل أو الحضور , مثل “ روح الإنسان “ عند ستانسلافسكي . 
 يشير هذا التناقض طويل الأمد حول قيمة التقنية , وكذلك تدرج الأنشطة الواسع في المجالات المختلفة إلي كبير , والتي يقال أنها تندرج تحت هذه الفئة , الي عدم وضوح مفاهيمي أساسي من النوع الذي من المتوقع أن يعالجه الفلاسفة . قد نتوقع تقديم تقييم فلسفي لكي تعمل علي إظهار مجالها وحدودها للإشارة إلي ما هو مماثل وما هو مختلف في كل شكل من أشكالها المتنوعة , وتوضيح كيفية ظهور تدرج المواقف المستقطبة حولها في كثر من الأحيان , والكشف عن تلك الشروط التي تحررها والتي تخنقها . ولكننا نجد بين الفلاسفة تكرارا لنفس تدرج المواقف . اذ يبدو أن الفلاسفة انقسموا بين القطبين في توجهاتهم نحو التقنية . ففي القطب الأول , أولئك الذين يعتبرون أن التقنية سلبا هي أحد المظاهر المميزة لأزمة الحداثة , في حين أن الذين في القطب الآخر يرون بشكل ايجابي أنها ميزة لا تنفصم عن النشاط البشري نفسه .  
 ويجادل النقاد الذين يرون التقنية بشكل سلبي – ومن ضمنهم (مارتن هيدجر Martin Heidegger) , و ( جاك ايلول Jacques Ellul) , و ( لويس مومفورد Lewis Mumford) – بأنها وسيلة لفرض إرادتنا علي أنفسنا وعلي العالم الذي يفصل الصنعة عن فن الشعر ويشوه العلاقات بيننا و الطبيعة , والعلاقات بين أنفسنا(4)  . فبالنسبة لهم , التقنية أكثر من مجرد آلية , وأكثر من وسيلة للتشتيت والتدمير ؛ فالبحث عن التقنية والبحث عن وسائل فعالة لتحقيق الغايات يصبح غاية مستوعبة وغير مشبعة في حد ذاتها , مما يقودنا الي اكتساب السيطرة علي المخلوقات علي حساب فهمنا للوجود . ومن المفارقات أن أصبحت التقنية هي سيدتنا وليست خادمتنا . ففي كتاب “ وهم التقنية The Illusion of Technique”, مثلا , يعارض الفيلسوف ( ويليام باريت William Barett) التقنية – التي هي بالنسبة له قابلة للتمييز علي غرار اتخاذ القرار وتحكمها قاعدة للإبداع الأصيل الذي لا يمكن تمييزه , وحر , لا تحكمه قاعدة . “ توضع كل تقنية لخدمة غاية ما , وتتحدد هذه الغاية في ضوء رؤية فلسفية ما “ . والنتيجة هي أن التقنية تفترض الحرية من أجل معناها . وبالتالي , فان ( باريت) لا يدعي , بالطبع , أنني أستطيع أن أكون “ موتسارت» بدون دراسة السلم الموسيقي , أو أن أنافس في مباراة تنس بدون أن أتدرب علي الضربة الخلفية للكرة ؛ الفكرة هي أن التقنية تخدم غايات هي نفسها لا تختارها أو تؤثر فيها , وأن الإبداع الحقيقي يكمن بالتحديد في هذه الغايات. ولكن التقنية تمتصنا , كما يقول (باريت) إتباعا ل( هيدجر) , مما يؤدي بنا الى فقدان الاهتمام بهذه الغايات , أو تحويل الغاية إلى بحث عن التقنية نفسها (5) . ونتيجة لذلك , تعمي التقنية رؤية الفلسفة الحديثة , لأنها تميل الي تعمية رؤية مجالات الإبداع الأخرى . يتعارض مشروع الفلسفة الحقيقية غير المعماة (والمهارة) مع التقنية , لأنه سوف يسعي إلي إيقاظ إحساسنا بالوجود الحقيقي للجسم الإنساني المعاش وعالم الحياة الذي قبل تراكب نظريات التقنية التي تشوهها وتجردها من التجربة . ويمكن أن يعطينا هذا أقصى قدرة للاتصال بالعالم والاستجابة له والإمساك به إلي أقصى حد. 
وفي القطب الآخر أولئك العلماء الذين ينظرون إلى التقنية بطريقة ايجابية ولا يمكن فصلها عن التجربة الإنسانية التي بدونها سوف تكون قبضتنا علي العالم ضعيفة أو معدومة . ويرى ( مارسيل موس Marcel Mauss) ما يسميه “ التقنية الجسمي’ “ في كل مكان من الغناء والسباحة وما إليها . ويقول إن إلقاء نظرة فاحصة علي الممارسات الملموسة في هذه المجالات لا يكتشف الروح والطاقات المتكررة بل يكتشف تقنيات العقل العملي والفردي والجماعي (6) . فالتقنيات بالنسبة ل ( موس ) هي الأفعال المؤثرة والتقليدية ( لأنه لا توجد تقنية ولا انتقال في غياب التقاليد ) المحسوسة بواسطة المؤلف باعتبارها العمليات الميكانيكية أو الفيزيائية أو النفسية الكيميائية المتبعة مع هذا الهدف المرئي . وبالنسبة ل ( فرويد) , يمتد تطبيق المصطلح كثيرا إلى مجال اللاشعور , لأنه يعمل أيضا من خلال التقنيات ( كما في تقنية الحلم ) . ويؤكد فلاسفة التكنولوجيا , ومن أبرزهم ( باتريك هيلان Patrick Heelan) و ( دون أيد Don Ihde) , أن عالم الحياة لا يحتوي فقط على أعراض للنشاط العلمي مثل موازين الحرارة والميكروويف , ولكن يحتوي أيضا الظواهر العلمية التي يمكن إدراكها من خلال التقنيات القابلة للقراءة , ولا يمكن الوصول إليها إلا من خلال التقنيات (7) . وبالتالي فان التقنية منتجة جزئيا لعالم الحياة وترتبط ارتباطا جوهريا بما يجب أن يكون عليه الإنسان . 
فمن ناحية , إذن , يٌنظر إلي التقنية علي أنها نشاط للتأكيد الذاتي والهيمنة , التي تتجلى في أشكال عديدة في مختلف المجالات , التي يمكننا من خلالها تحقيق أهداف عشوائية ( فنية وغيرها ) . إنها ابتكار الوسائل إلى غايات , ومع اختيار هذه الغايات يجب أن يكون نتاجا من نوع مختلف من النشاط ( أفعال الإرادة أو الفكر ) أوليا أو أكثر أساسية من الوسائل . فالتقنية , وفقا لكلمات (باريت) , تفترض الحرية. والخطر وفقا لهذه الرؤية , هو أن التقنية تقودنا لكي نصبح مستوعبين فيها أكثر من استيعابنا بواسطة الغايات التي يجب تخدمها , وبالتالي تعمينا عن المهارة . ومن الناحية الأخرى , تٌرى التقنية كوجه لا مفر منه للتجربة الإنسانية وإنتاج عالم الحياة , بما في ذلك مهارته . فالبشر مزودون بالتقنيات منذ البداية : أن تكون يعني أن تكون مزودا بالتقنية . وبقلب ملاحظة ( باريت ) رأسا علي عقب , يمكننا أن نقول من هذه الفكرة القديمة أن الحرية تفترض التقنية . فما يبدو مهملا في الرؤية الأولي هو سرد لما يحدث عندما تعمل التقنية بشكل خلاق ومنتج في عالم الحياة , وفي الرؤية الثانية سرد لما يحدث في عند افقار أو تخريب النشاط ذاته الذي يفترض أن تخدمه . 

· نحو فلسفة للتقنية :
 سوف تضطر النقاشات الفلسفية للتقنية الي امتطاء السياج التنظيمي ؛ إذ يتطلب الأمر معالجتها كشيء يحدث في كل من العلوم والفنون , وان كان بأبعاد مختلفة في كل مجال . والإصرار علي معالجة الأداء بشكل منفصل في بيئة المسرح والعلم سوف يفرض حدا تنظيميا زائفا . فما أكتشف فيما يتعلق به في مجال واحد ربما يساعد في إلقاء الضوء علي مجال آخر . فالفاصل التنظيمي بين الفنون والعلوم , رغم ذلك , يشغل الكثير من تفكيرنا بأن المتشددون ربما يجدون هذا الكلام مجردا أو مفككا – ومع ذلك لا يتطلب الأمر معالجة هذا الأسلوب عبر الفاصل من التجريد الخيال أكثر مما يٌمارس عادة في أي من المجالين . 
 يجب أن تتضمن المناقشة الفلسفية للتقنية , كما ندعي , كل من الاعتبار التأويلي لأصل التقنية والاعتبار الظاهرات للجسم . ونعني بالاعتبار التأويلي , ذلك الذي ينظر الكيفية التي تتطور بها التقنيات من مشاركة موجودة بالفعل مع موقف ملموس وفهمه , مما يؤدي إلى تحولات من هذه المشاركات والفهم , وبالتالي من الموقف وفهمنا له , ما إلى ذلك , في عملية لا نهائية (8) . ونعني بالاعتبار الظاهراتي ذلك الذي ينطلق مما يسمى بشكل متنوع التجسيد أو الجسم المعاش أو البدن أو الشكل المتحرك , والتجارب ذات الكينونة الموحدة , والتي لا يمكن أن تفهم بمعزل عن التجربة الإنسانية المادية . 
 أحد طرق بدء قصة التقنية هي اعتبار توحيد القدرة على الأداء . ففي كتابه “لعبة الطبيعة : التجريب باعتباره أداء The Play of Nature : Experimentation as performance” , جادل “ روبرت  ب كريز Robert P. Crease) بأن بنية الأداء هي نفسها في فنون المسرح والعلم التجريبي(9) . فالأداء يشتمل علي فهم الإجراءات وإنتاجها ومشاهدتها , من أجل الحصول علي شيء لا يمكن الحصول عليه من خلال استشارة ما لدينا بالفعل . وبالتالي فان الأداء أكثر من الممارسة أو المهارة , أو القدرة التي تنتج ما تعمله , ولكنها تعويذه poiesis , وتوليد لظاهرة , شيء له وجود في العالم , شيء يمكن الرجوع اليه ويمكن أن يظهر بمختلف الطرق في مختلف الظروف , وبالتالي يعرض سلوكا ما أشبه بالقانون . وفي فنون الأداء , فان هذا السلوك الأشبه بالقانون يتمثل أو ينتظم جزئيا بواسطة النصوص , والسجلات وما إليها , والتي ترتبط عندئذ بالتقنيات والممارسات حتى تظهر الظاهرة ( العمل ) . وبالتالي يبني التمثيل كل من عملية الأداء والعمل نفسه . فنص الأداء مثلا يبني أفعال المؤدين من ناحية , ويصف , من جهة أخرى , ما يحدث علي خشبة المسرح . وبالتعبير بلغة ظاهراتية , فان التمثيل المقروء بصوت عال ( فيما يتعلق بالإبداع) هو شيء لابد من أدائه , بصوت عال (فيما يتعلق بالمنتج , الإبداع) يصف الشيء الذي يظهر في الأداء . والحجة هي أنه يصدق نفس الشيء علي النشاط التجريبي للعلم . 
 وبالتالي , فان الأداء ليس استعارة ممتدة بشكل موح من الفنون الدرامية الي العلم , فضلا عن هيكله نفسه . ففي كليهما , لا يحدد التمثيل ( النظرية واللغة والنص ) المستخدم في تنظيم الأداء , النتيجة ( الإنتاج والعمل ) , ولكنه يساعد في اللقاء مع الجديد . فالعالم أشرس وأغنى مما يمكننا تمثيله ؛ وما يظهر في الأداء كن أن يتجاوز البرنامج المستخدم في تجميعه , لدرجة أنه يفاجئنا ويحيرنا . فتخطيط التجربة العلمية وبرمجتها علي أساس نظرية معينة , يمكن أن يكشف عن الأشياء التي تجعل مبدعيها يغيرون النظرية , في حين أن نشاط تجميع الأداء يمكن أن يأخذ اتجاهات لا يتوقعها المؤدي والكاتب المسرحي . ولهذا السبب , في الواقع , نقدم العروض علي خشبة المسرح – للحصول علي شيء لم نكن لنحصل عليه بما لدينا. 
 في حين أن هذا ما يبدو أنه يسمى ببساطة “ التجربة والخطأ “ , فان الفكرة الأساسية هي أن الطريقة التي تعمل بها التجربة والخطأ تؤدي إلى تعميق وإثراء ارتباطنا بالعالم – فمعنى التجربة الخطأ له بنية محددة ثلاثية الأطراف تتميز ملامحها من خلال “ الدائرة التأويلية Hermenutic Circle” (10) . فاللحظة الأولي هي حضور مجموعة موجودة من التشابكات والقدرات التي نحكم بها قبضتنا علي العالم , والتي يمكن أن نقدمها مع كل موقف جديد .  واللحظة الثانية وهي المعنى والشك والتوقع الذين يمكن أن نكتسب بهم قبضة أكبر علي الموقف , توفر لنا أكثر مما نفعل بالفعل . واللحظة الثالثة وهي الشعور بكيفية البدء في أن نقبض بشكل أفضل علي كل ما نعرفه بالفعل وكيفية القيام به . والفكرة التأويلية هي أن العملية ليست علاقة تدريجية نجد فيها المعرفة ثم نطبقها , ولكن الحركة المستمرة التي تعمل فيها اللحظات الثلاث طوال الوقت . في كل لحظة – حتى مجرد التجديف والتشويش والعبث والارتجال – هي بالفعل حركة باتجاه التفسير , مما يوضح ما فهمناه بالفعل , والذي يضمن مشاركاتنا وتوقعاتنا ويعمقها . 
 هذه العملية تعرض نفسها أيضا في حالة التقنية . ولكن قبل مناقشة الدائرة التأويلية في تطور التقنية , من المفيد إجراء  مناقشة التقنية قصيرة للتقنية في العلوم, حيث التقنية هي الشيء الذي ينشأ من قياسات وإجراء اختبارات لأشياء للقياس أو لمزيد من المعالجة . اذ يجب تمييز التقنية عن التأثير من ناحية , والتكنولوجيا الموحدة من الناحية الأخرى . ويمكن تعريف التأثير باعتباره نتيجة مميزة أو تعليمية مفيدة لظاهرة علمية ( التشتت عند “راذرفورد» , والتأثير عند «دوبلر» , والتأثير الكهروجهدي .. الخ ) . عندما يكون التأثير حساسا لبعض المعايير المطلوبة للنظام ( تشتيت راذرفورد حساس للشحن والتوزيع الشامل , وتأثير دوبلر حساس للسرعة النسبية , والتأثير الكهروجهدي يمكن أن ينتج رشقات كهربية قصيرة عالية الجهد ) يكون التأثير مفيدا كتقنية , لأنه يمكن استخدامه لتغيير هذا المعيار أو تحليله أو قياسه , أو يمكن استخدامه في عروض أخرى . ويمكن التفكير في التكنولوجيا باعتبارها تقنية تحولت إلى معايير كافية لكي تصبح صندوقا أسودا , وهو شيء لا يتعين علي المستخدم فهم مبادئه بالكامل . إذ يمكن توصيل الصندوق الأسود واستخدامه , ليس فقط دون فهم , ولكن أيضا مستقلا عن سياقه . ويمكن استخدام مسدس (دوبلر) لفحص سرعة السيارات بدون فهم لموجة الميكانيكا وتحت العديد من الظروف المختلفة . 
     وبالتالي , يمكن التفكير في التقنيات في العلوم باعتبارها جزءا من مسار المعايرة وإلغاء التطابق لذي تتحول فيه الآثار الي أساليب والأساليب إلى تكنولوجيات (11) . وهي ليست منتجات تامة , لأننا لا نهتم بها لذاتها بل بالأحرى في كل جديد تمكننا من صنعه . ولكنها ليست الصندوق الأسود أيضا , تلقائيا , وميكانيكيا بالكامل , بل مجرد  وسيلة  لتحقيق غاية نسيناها ولا نحتاج إليها , لأننا مازلنا في حاجة الي بعض التقدير لما يدور فيها . لتقنية هي معايرة قدرة الأداء – شيء نعرف كيف نفعله – بحيث تلبي التوقعات بموثوقية كافية , لأننا بدلا من استخدامها للاستمرار في استكشاف الظاهرة , يمكن أن نضعها في خدمة أداء آخر, واستخدامه لتوصيلنا الي موقف يصبح ممكنا – نوع جديد من التفاعل مع الظواهر . يمكن التفكير في التقنية باعتبارها شيئا نستخدمه , ولكن تظل مبادئه واضحة لنا , وبالتالي تظل تحت السيطرة . ويمكن التفكير في التقنيات بعكس التكنولوجيات باعتبارها أداء للقدرات التي تظل سميكة , وغير شفافة كقطعة زجاج بالنسبة لمن يشاهد حديقة . 
 وفي المسرح , يذكرنا تناظر المؤثرات هي القدرات الطبيعية والتلقائية علي الرقص أو اللعب أو التمثيل , بعبقرية “ تشالابين» الطبيعية في عيون ستانسلافسكي ورغبة الأخير في تطوير تقنية من شأنها أن تمكن الممثلين الذين لم يكن لديهم القدرة الطبيعية علي الأداء وكأنهم يملكونها . والتناظر مع غاية أخرى هو القدرة علي استخدام هذه التقنية خارج سياق محدد . فالتناظر مع التقنية التكنولوجية هو تطبيقها بدون تمييز , دونما حاجة إلي القلق بشأن قابلية التطبيق أو البيئة . 

 • الهوامش 
(1) جوزيف أجاسي « التكنولوجيا السحرية والعلمية « في « التكنولوجيا جوانب فلسفية واجتماعية « 1985 . 
(2) لمناقشة الرقص انظر سوزان لي فوستر « قراءة الرقص : الأجسام والموضوعات في الرقص الحديث « ( مطبوعات جامعة كاليفورنيا 1986 ) 
(3) جوزيف روش « شغف اللاعب « ( مطبوعات جامعة ميتشجان 1996) . 
(4) مارتن هيدجر « السؤل المتعلق بالتكنولوجيا ومقالات أخرى «  ( نيويورك 1977) . 
(5) ويليام باريت « وهم التقنية « نيويورك 1979 . 
(6) مارسل ماوس « مقالات في علم الاجتماع وعلم النفس «  روتليدج 1979 . 
(7) باتريك هيلان « ادراك الفراغ وفلسفة العلم «  مطبوعات جامعة كاليفورنيا 1983 , ودو ايهيد « التكنولوجيا وحياة العالم « 1990 . 
(8) مارتن هيدجر « الزمان والوجود « نيويورك 1996 
(9) روبرت كريز « لعب الطبيعة : التجريب كأداء « 1993 . 
(10) هيدجر « الزمان والوجود « , وكريز « لعب الطبيعة . 
(11) انظر روبرت كريز « كيف تغير التقنية العلم « 1992 . 
(12) ماكسين شيتس جونستون  « الحركي والحركية اللمسية « مجلة دراسات انسانية  2000 . 
(13) سبق ذكره . 
(14) ماكسين شيتس جونستون « اولوية الحركة « 1999 . 
(15) سبق ذكره . 
(16) ماوس « علم الاجتماع وعلم النفس « 
(17) سبق ذكره 
          -------------------------------------------

    •    ديفيد كريزنر  باحث في مجال المسرح والدراما وله العديد من الكتب منها 
«الدراما الأمريكية « , « تاريخ الدراما الحديثة « 
    •    جون لوتربي يعمل أستاذا للفنون والمسرح في جامعة ستوني بروك بالولايات المتحدة الأمريكية . وهم كتبه « نحو نظرية موحدة لفن التمثيل « 2006 . 
    •    هذه الدراسة هي الفصل الثامن من كتاب « تقديم الفلسفة على خشبة المسرح» – اعداد ديفيد كريزنر وديفيد سولتز  الصادر عن جامعة ميتشجان عام 2006 
              


ترجمة أحمد عبد الفتاح