جولة فى شارع المسرح الأوروبى

جولة فى شارع المسرح الأوروبى

العدد 645 صدر بتاريخ 6يناير2020

 يعتبر الكاتب المسرحى الفرنسى موليير من اعمدة الادب الفرنسى. وتعادل مكانة موليير (1622 – 1673)الذى عاش فى القرن السابع عشر  فى الادب الفرنسى مكانة شاعر الانجليزية الاول وليم شكسبير. ومن المفارقات ان الاثنين عاشا عمرا واحدا تقريبا حيث توفى شكسبير عام 1616 عن 52 عاما.
لكن على مدى السنوات المائة الماضية ثار تساؤل مهم...هل كتب موليير (واسمه الاصلى جان باتيست موكيلى)هذه الاعمال بالفعل ام انها منسوبة اليه فقط ام انه سطا عليها. وقال بعض مؤرخى الادب   انه من المحتمل ان تكون هذه الاعمال من ابداع اديب مسرحى اخر شهير  كان معاصرا لموليير هو “بيير كورنيل”. وثار جدل واسع حول هذا الموضوع كان يتجدد بين الحين والاخر دون الوصول الى رأى حاسم. ووفقا للقاعدة الشهيرة المتهم برئ حتى تثبت ادانته كان الامر يستقر فى النهاية على ان الاعمال المنسوبة الى موليير من ابداعه الفعلى وليست منتحلة. وتهدأ العاصفة قليلا لعدة سنوات ثم تتجدد مرة اخرى.
دليل لا يقبل الشك
واخيرا جاء الدليل الذى لا يقبل الشك لينصف اديب الفرنسية الاول ويؤكد بما لايقبل الشك انه كاتب الاعمال التى تحمل اسمه. جاء هذا الدليل عن طريق الكمبيوتر حيث تم استخدامه فى تحليل عناصر اللاوعى ومهارات التعبير لدى الاديبين.
وكانت بداية التشكيك فى اعمال موليير قبل مائة عام بالضبط فى 1919 بالتحديد عندما قال كاتب  فرنسى يدعى بيير لوى ان موليير قضى معظم حياته كممثل متجول ثم بدا يكتب اعمالا مسرحية متميزة فى حوالى الاربعين من عمره . كما انه لم يتم العثور على اى مخطوط اصلى له يحمل توقيعه.
وقال لوى انه من المحتمل ان تكون هذه الاعمال من ابداع كورنيل الذى كان اكثر تعليما من موليير. ورجح ان يكون الاثنان اتفقا على ان يستفيد كورنيل من شهرة موليير كممثل بان يضع الاخير اسمه على اعماله فتكون الفائدة متبادلة.
ويقول فلوريان كافيرو استاذ بحوث اللغويات الحاسوبية فى وكالة البحوث الفرنسية انه بات من الامور السهلة الشك فى نسبة الاعمال الادبية لاصحابها. فقد ثارت شكوك مماثلة أيضا فى اعمال شكسبير باعتبار انه لم يتلق تعليما نظاميا ولاتعرف مصادر ثقافته التى هيات له ما ابدعه.
 ويمضى  كافيرو قائلا إن  الشكوك تعمقت  بشكل اكبر فى مطلع القرن 21 بعدما لاحظ عدد من الباحثين وجود تداخل بين الالفاظ التى يستخدمها الاديبان المسرحيان. وغلب بعضهم جانب الشك فتوصلوا الى حكم بأن كورنيل هو المبدع الحقيقى للاعمال المنسوبة لموليير.
من هنا قرر كافيرو مع زميله جان كامب بجامعة بى اس ال البحثية فى باريس استخدام تقنية جديدة فى السعى للاجابة على السؤال المحير. قام الاثنان بتجميع المسرحيات الكوميدية المنسوبة لموليير وكورنيل والاعمال الكوميدية المنسوبة الى 10 اخرين من الادباء المعاصرين لهما. وبعد ذلك تم استخدام برنامج كمبيوتر متطور فى تحليل الخصائص اللغوية والمقارنة فيما بينها. وبدلا من الاكتفاء بتحليل المفردات اهتم الباحثان ايضا بتحليل الخصائص الدقيقة مثل استخدام ما يعرف بالكلمات الوظيفية function words مثل the,” “that,” and “of فى الانجليزية . ويطلق عليها هذا المسمى باعتبار انها تساعد على خلق العلاقات بين الكلمات فى الجملة.
كما اهتم الاثنان بالمقارنة بين البنى القاعدية grammatical structures والانماط اللغوية الاخرى التى تكشف بشكل لا ارادى عن الخصائص المميزة لاسلوب الافراد فى الكتابة.
مؤشرات
وفى ذلك يقول خبير اخر فى بحوث اللغويات الحاسوبية هو الامريكى  باتريك جولا  ان ما حدث كان ببساطة محاولة للنظر فى مؤشرات مختلفة لمعرفة ما اذا كانت جميعها تقول نفس الشئ.
ويقول جولا ان برنامج الكمبيوتر قام بتجميع المسرحيات التى توجد بينها خصائص لغوية مشتركة. واذا كان كورنيل هو كاتب مسرحيات موليير، كان البرنامج سوف يصنفهما فى نفس المجموعة. لكن ماحدث ان الكمبيوتر صنف كتابات موليير فى طبقة مختلفة  تماما عن مجموعة كتابات كورنيل. وكان ذلك بمثابة الدليل الذى لايقبل الشك على ان موليير هو كاتب المسرحيات التى تحمل اسمه. ويرى كافيرو انه دليل قاطع يرجو ان يقتنع به الباحثون وتوقفوا عن التشكيك فى نسبة اعماله اليه.
وتلتقط خيط الحديث الدكتورة جوان ديجان استاذة الادب الفرنسى فى جامعة بنسلفانيا فتقول ان النتيجة التى توصل اليها برنامج الكمبيوتر المتطور لم تكن مفاجئة لكثيرين من عشاق الادب الفرنسى. ذلك ان اعمال موليير لها نكهة خاصة يستشعرها كل من يقرأ اعماله او يشاهدها متجسدة على المسرح بشكل يعبر عن روح موليير اذا كان المخرج مجيدا.
ويتعجب ادم هاموند استاذ الادب فى جامعة تورنتو من ان يكون هناك فى القرن 21 من يشكك فى نسبة اعمال اديب مثل موليير او شاعر مثل شكسبير بدلا من ان يتمتع بها.
مظاهرة فى المجر من اجل “حرية المسرح”
تبريرات الحكومة غير مقنعة
“ايها الخنازير...ارفعوا ايديكم عن المسرح “ كان هذا هو الهتاف الذى ردده الوف  المتظاهرون فى الميدان الرئيسى فى العاصمة المجرية امام مسرح “ترافو” الشهير فى بودابست احتجاجا على محاولة تقوم بها الحكومة المجرية للسيطرة على المسرح. شارك فى المظاهرة عدد كبير من الفنانين والجمهور متهمين الحكومة بتهديد حرية الفن فى البلاد ومحاولة العودة الى ماكان يحدث فى العهد الشيوعى. كما رفع المتظاهرون لافتات تحمل نفس العبارة.
جاء ذلك فى اعقاب تقدم حكومة رئيس الوزراء فيكتور اوربن  الى البرلمان بمشروع قانون يمنح الدولة سلطة السيطرة على المسرح فى البلاد.  
وتحدث الى المتظاهرين عدد من ممثلى المسرح البارزين و مخرجيه. كما تحدث عمدة بودابست  جيرلى كراكسونى المعروف باتجاهاته الليبرالية وادانوا جميعا التشريع المقترح واعتبروه تهديدا خطيرا لاستقلالية المسرح فى المجر.
وقال عمدة العاصمة ان حكومة اوربن تسعى الى السيطرة على كل مجالات الحياة وكان المسرح هو احدثها. ويضيف ان سوء النية مبيت من جانب الحكومة التى تسعى عن طريق ممثليها وحلفائها فى البرلمان  الى اقراره بسرعة دون حتى السماح بمناقشته. وتحدث ايضا المخرج المسرحى  “ بيلا بنتر” الذى قال ان اى دعم تقدمه الدولة للمسرح هو من الضرائب التى يدفعها المواطن ومن حقه الاستمتاع بعمل فنى جيد ولا يحق للدولة حرمانه من ذلك الحق. وتحدث كذلك الممثل والمخرج المعروف تاماس جوردان فاتهم اكاديمية الفنون المجرية بالتواطؤ مع الحكومة لتمرير القانون.
بيان
وقبل هذه المظاهرات  تم اعداد بيان يناشد اعضاء البرلمان رفض اقرار القانون الجديد ووقعه اكثر من 50 الف شخص. وتمت تلاوة البيان خلال المظاهرة. كما تمت تلاوته فى عدة مسارح قبل بدء عروضها.
 قام البرلمان بنشر مسودة  القانون  على موقعه بالشبكة العنكبوتية مما اشعل الغضب. ولم تخف حدته بعد ان تم استبداله بمشروع قانون مخفف. ولا يتعامل مشروع القانون مع المسرح بشكل مباشر بل يعتبر مايعرف باسم “مجلس الثقافة الوطنى “مسئولا عن وضع “توجه استراتيجى “ لمختلف القطاعات الثقافية فى البلاد.  
وبناء على هذا القانون سوف يكون من حق وزير الموارد البشرية –المسئول عن الثقافة فى المجر – ان تكون له الكلمة فى اختيار المخرجين والمديرين فى المسارح   التى تدعمها الدولة والبلديات. ويتعين على الوزير او رئيس البلدية ان يوقع مع المسرح  اتفاقا  قبل منح الدعم يحدد اطار عمل المسرح  ومعايير اختيار المخرجين والممثلين والاعمال المسرحية نفسها. ويتضمن القانون بندا يؤكد على ضرورة ان يتم ذلك بشكل لايمس حرية الفن والتعبير. لكن الرافضين للقانون يرون هذا البند مجرد ذر للرماد فى العيون لا يخفى الوجه القبيح للقانون الجديد.
مبررات
وتسعى حكومة فيكتور اوربان وحزبه فيديز اليمينى الحاكم منذ وصولها الى الحكم فى 2010 الى السيطرة على كافة نواحى الحياة فى المجر. وفى سبيل ذلك لجأت الى اساليب عديدة منها  اعادة صياغة الدستور والسيطرة على وسائل الاعلام. كما سيطرت على الاقتصاد المجرى بشكل كبير ادى الى ظهور طبقة من رجال الاعمال الذين حققوا ثروات طائلة فى ظروف تبعث على التساؤل.
وتحاول الحكومة تبرير مثل هذا القانون بحجج غير مقنعة . من هذه المبررات التى وردت على لسان متحدث باسمها حادث التحرش الجنسى الذى وقع فى احد المسارح مؤخرا حيث تحرش المخرج باحدى الممثلات.ويقول المتحدث انه كان من الضرورى فصل المخرج لكن وفقا للقوانين الحالية لا يوجد لدى الحكومة اى سلطة لفصله هو وامثاله.  ومضى المتحدث فقال ان القانون الجديد يضمن الشفافية فى الحياة الثقافية ويساعد على تطور المجتمع المجرى!!!.
وتدعم الدولة فى المجر الثقافة بشكل كبير سواء فى المسرح او السنيما او حتى المتاحف حيث تعد المجر صاحبة ارخص اسعار للتذاكر فى دول الاتحاد الاوروبى.


ترجمة هشام عبد الرءوف