«ليل الجنوب» يثير إشكالية استنساخ الرؤى الإخراجية

«ليل الجنوب»    يثير إشكالية استنساخ الرؤى الإخراجية

العدد 638 صدر بتاريخ 18نوفمبر2019

اتهم المخرج الكبير ناصر عبد المنعم على صفحته بالفيسبوك، مؤخرا أحد المخرجين الشباب، بأنه استنسخ الرؤية الإخراجية الخاصة بعرضه «ليل الجنوب» وأعاد تقديمها في أحد عروض مهرجان جامعة سوهاج الذي أقيم في أبريل 2019. حول هذا الموضوع الذي تكرر أكثر من مرة خصصت «مسرحنا» هذه المساحة لتستطلع الأمر، وتستمع إلى أطرافه، وتناقش هذه المشكلة.
يقول المخرج ناصر عبد المنعم: قدمت نص «ليل الجنوب» بشكل مختلف عن النص، وما تم تقديمه في جامعة سوهاج هو نفسه العرض الذي قدمته على مسرح الغد، وليس النص.
ويضيف «عبد المنعم»: شاهد أحد الأصدقاء العرض الجامعي على «اليوتيوب» وأخبرني أنه يعد نسخة متطابقة لما قدمته أنا، فشاهدت العرض الذي قدمه مخرج كلية صيدلة وتأكدت من وجود حالة تطابق كبيرة بين العرضين، وهو ما ينطبق على أوضاع الممثلين والسينوغرافيا وتناول الفكرة، ونشرت العرض الذي قدم بجامعة سوهاج على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».
أضاف عبد المنعم: ما أحزنني هو أن الأجيال الشابة من المخرجين يعتمدون على النقل واستنساخ العروض، دون اجتهاد لتقديم رؤى إخراجية جديدة، فهناك حالة فقر شديدة في الخيال، واستسهال يلجأ إليه كثير من المخرجين الشباب، فعلى سبيل المثال أنا قدمت سينوغرافيا مختلفة عما اقترحه النص، ولم أضع العرض كاملا على «اليوتيوب»، ولكنني وضعت «برومو»، أجزاء صغيرة من العرض مدتها لا تزيد على 15 دقيقة هي ملخص الحكايات الأربع ولكنه يضم كل اللحظات الخاصة وتفاصيل العرض.
تابع: أعتقد أن المخرج شاهد العرض ونقله، أو أنه استعان بالبرومو في تصميم عرضه. وأشار المخرج ناصر عبد المنعم إلى أن الأمر نفسه تكرر مع عرضه «الطوق والأسورة».
في إحدى مدارس محافظة الجيزة، ولكن موجه عام المسرح بمديرية التربية والتعليم بالجيزة، عصام رشوان، ألغى العرض. أضاف: عندما يكون المسئول، أو لجنة التحكيم، على صلة بالحركة المسرحية يمكن تعطيل هذا الأمر، ولكن تستمر المشكلة عندما يكون مسئولو النشاط أو لجنة التحكيم غير متابعين للحركة المسرحية.
وعما يجب اتخاذه من إجراءات لعلاج مثل هذا الأمر، قال: يجب إيقاف المخرج لمدة عامين عن النشاط، ويتم إعلان حجب الجوائز.. ففي المهرجان القومي مثلا في حالة تقديم المخرج عرضا يخالف المعروض على «السي دي» يتم حرمانه من المشاركة لمدة عامين.
دافع مصعب صبري، مخرج فريق كلية الصيدلة بجامعة سوهاج، عن نفسه، قائلا: قدمت العرض بشكل مختلف عما قدمه المخرج الكبير ناصر عبد المنعم، فقد قدمت نص المؤلف شاذلي فرح، واستعنت بإرشاداته، وقد نشر نص «ليل الجنوبي» بجريدة «مسرحنا» بتاريخ 2 يناير 2012، وشاهدت «البرومو» الخاص بعرض المخرج ناصر عبد المنعم، ومدته لا تزيد على 15 دقيقة، بينما العرض الذي قدمته مدته 55 دقيقة.
وتساءل «صبري»: كيف يتسنى لي نقل العرض كاملا والمدة المعروضة على الـ«يوتيوب» لا تزيد على 15 دقيقة. وأضاف: المخرج ناصر عبد المنعم قدم العرض عام 2013 ولم أكن وقتها قد خضت تجربة الإخراج المسرحي بعد، كما أنني لم أشاهد العرض كاملا، وأولى تجاربي في الإخراج كانت منذ عامين.
وعن تجربته قال: بدأت التحضير للعرض في فبراير 2019 وأقيم المهرجان في أبريل، وحصل على 8 شهادات تقدير وجائزة إعداد موسيقي. وختم بقوله: أكن كل التقدير والاحترام للمخرج الكبير ناصر عبد المنعم.
المخرج هشام جمعة كان عضو لجنة تحكيم مهرجان جامعة سوهاج الذي قدم من خلاله عرض «ليل الجنوب» لكلية الصيدلة، أشار إلى أن لجنة التحكيم تشكلت من الفنان طارق الدسوقي رئيسا وعضوية الفنانة شيرين وأنا. وقال: كنت قد رأيت عرض المخرج ناصر عبد المنعم «ليل الجنوب» حينما قدمه على مسرح الغد. وأثناء مشاهدة عرض الجامعة أوضحت لأعضاء لجنة التحكيم أنه منقول ومستنسخ من عرض المخرج ناصر عبد المنعم، ولم يكن قد سبق للفنان طارق الدسوقي والفنانة شيرين رؤيته. لذا فقد قررنا استبعاد المخرج من جوائز الإخراج ومن التقييم، ولكننا قدرنا مجهود الممثلات، خصوصا أنهن الشخصيات الرئيسية ورشحناهن للفوز لجوائز تقديرا لجهودهن في التمثيل فقط.
وأضاف جمعة: الأمانة العلمية والفنية تحتم علي كفنان ومخرج إيقاف جوائز الإخراج وإبلاغ اللجنة بذلك، وقد ذكرت ما حدث في تقرير لجنة التحكيم وفي إحدى التوصيات الخاصة بالمهرجان. وتابع: لا نملك إيقاف المخرج خصوصا أنه ليس طالبا في الجامعة.
أما المؤلف شاذلي فرح مؤلف نص «ليل الجنوب»، فقال: لم أشاهد عرض مخرج جامعة سوهاج، فقد تم إزالته من اليوتيوب، وحتى أستطيع الحكم يجب أن أرى العرض أولا، ولكن هذا لا ينفي أن الكثير من المخرجين الشباب يستمدون من «اليوتيوب» والإنترنت الرؤى الإخراجية، وهناك أيضا مؤلفون يستنسخون أفلاما أجنبية ويقومون بمسرحتها، وهناك مصممو ديكور يقومون بنقل «موتيفات» من بعض العروض العالمية، وهي مسألة شائكة للغاية تهدد المسرح المصري. وتابع: المخرج ناصر عبد المنعم قيمة وقامة وعندما يتحدث يكون حديثه له مصداقية فهو مخرج يمتلك نظرة ثاقبة وواعية بمجريات الأمور.
من جانبه، أشار الكاتب المسرحي السيد فهيم إلى أن السرقات الأدبية والفكرية ليست ظاهرة وليدة اللحظة، وكما أن هناك إبداعا وفنا حقيقيا فهناك أيضا مدعون، وقراصنة أفكار، ينسبون لأنفسهم ما ليس لهم، كنوع من الإفلاس والاستسهال. أضاف: طالما شاهدنا أعمالا مسرحية منقولة بتفاصيلها من عروض احترافية تعرض على مسارح الأقاليم، وتلقى نجاحا جماهيريا كبيرا باعتبار أن جمهور الأقاليم لا يشاهد ما يعرض على مسارح العاصمة، لكن مؤخرا كشفت مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من هذه الجرائم، وأصبح من الحمق الإقدام على مثل هذا النوع من السرقات الفنية. تابع فهيم: لكن هناك مشكلة حقيقية وهي عدم تفعيل قانون الملكية الفكرية.
وكشف السيد فهيم عن أنه شخصيا كان ضحية هذا الأمر، موضحا: أحد نصوصي المسرحية كان منشورا في كتاب وتم عرضه في أكثر من مهرجان، وحاز الكثير من الجوائز وعرض في أكثر من دولة عربية، كما عرض في المسار الثالث من مهرجان المسرح العربي.. ورغم كل ذلك تم السطو عليه من أحد المدعين الشبان ونسبه لمؤلف آخر بحجة تمريره على الرقابة.. بل وبلغ به الأمر أن عرض النسخة المرقية باسم المؤلف الزائف للبيع لأحد المخرجين الشباب.. وحينما تمت مواجهته اعترف بكل بساطة أنه وجد نصا منشورا على شبكة الإنترنت فأخذه.. هكذا بكل بساطة.. ظنا منه أن لا أحد يقرأ ولا أحد يرى.. بل ولا أحد يحاسب.
د. مصطفى سليم قال إن السطو على الرؤى الإخراجية تقع مسئوليته على لجان التقييم، حيث من المفترض أن تكشف عنه وتضع العرض خارج التقييم. وأضاف: كما يجب أن يتقدم صاحب العرض المسطو عليه بمذكرة للجامعة وتسحب الجائزة من المخرج، إذا كان قد فاز بها، وعقابه بعدم مشاركته في النشاط لمدة عامين.
وكشف سليم أيضا أن أحد مخرجي الجامعات كان قد نقل الرؤية الإخراجية لأحد عروض المعهد العالي للفنون المسرحية، بتفاصيله الدقيقة عن نسخة العرض المتداولة على موقع «اليوتيوب» وبالتالي اتخدنا قرارا فوريا بإيقاف العرض ووضعه خارج التقييم، فما بالنا بعرض معروف واحترافي كعرض «ليل الجنوب».
وقال المخرج عمرو حسان إن جيلا من الشباب ظهر مؤخرا على الساحة المسرحية يفتقد إلى الثقافة المسرحية وخصوصا في الأقاليم، يستسهلون السطو على الرؤى الإخراجية للعروض التي حققت نجاحا كبيرا، وبالأخص العروض القائمة على الورش الارتجالية، وذلك لمجرد نجاح العرض وليس لأنه استهوى المخرج. أضاف: هذه الظاهرة أصبحت أكثر انتشارا في الجامعات، خاصة في الأقاليم.
فيما شدد الفنان والناقد جلال الهجرسي على مسئولية إدارة المهرجانات المركزية باعتبارها المسئولة عن لجان التحكيم على مستوى الجمهورية، فقال: أنا شاهد على العرض وكتبت عنه مقالا في مصطبتي وليست الأزمة في السرقات فهي لا تنتهي، ولكنها أزمة إدارة وتنظيم فإدارة المهرجانات المركزية يفترض مسئوليتها عن جميع لجان التحكيم على مستوى الجمهورية بجميع قطاعاتها واختيار النقاد مع مراعاة تفاعل الأجيال.
تابع: سبق وأن قلت إن ذاكرة المسرح المصري لا تصلح بدون تسجيل العروض بالفيديو الاحترافي وتسجيل ندوات مناقشة العروض بالشكل العلمي، هذا إلى جانب حماية الإبداع المصري من التطاول عليه أمنيا وقضائيا وتوثيقه لدى المركز القومي للمسرح، ولا يجوز للجامعات ولا الشباب والرياضة ولا التربية والتعليم ولا أي جهة، تحديد وتعيين أعضاء لجان التحكيم والندوات للعروض المسرحية والموسيقية ومعارض الفنون التشكيلية، إلا عبر إدارة المهرجانات التي تكلف السادة النقاد بالمتابعات والتحكيم والندوات كجهة اختصاص مركزية.
المخرج محمد حافظ تساءل: لماذا أقدم هذا النص بالتحديد؟ وما هدفي من تقديمه؟ أجاب: من هنا تأتي فكرة أن أقدم النص بشكل يختلف عما سبقوني إلى تقديمه، والنص الجيد دائما يستهوي المخرج لتحويله إلى صورة مسرحية بها حياة، والمخرج دوره خلق صورة مسرحية.
أضاف: عملية استنساخ النصوص تعد ابنة غير شرعية وتكشف ضعف موهبة المخرج واستسهاله، فالمخرج هنا سطا على تعب وجهد مخرج آخر اجتهد لخلق رؤية، والمخرج في النهاية رؤية. كما أن الاستنساخ يؤدي إلى تشابه ما يقدم، والإبداع رونقه في الاختلاف والتنوع.
وذكر د. أبو الحسن سلام أن هذه المشكلة تتشابك مع أربعة مصطلحات وهي: الاستلهام ويكون من التاريخ أو التراث، والتناص ويعد اقتباسا جزئيا وله نوعان: تناص اختلاف وتناص ائتلاف، وهناك كتابة على كتابة أخرى وهي تستخدم في فنون ومسرح ما بعد الحداثة ولكن لها حدود معينة.
وضرب د. أبو الحسن سلام مثالا بعرض المخرج محمود أبو دومة «ماراصاد»، حيث قام بحذف شخصيات وجعلها خمسا فقط من أصل أربع وعشرين شخصية، حيث كان له وجهة نظر مغايرة لرؤية الكاتب بيتر فايس، فغير اسم العرض إلى «ثورة في الحمام».. وهناك الكتابة على الكتابة ويجب أن يتبعها وجهة نظر جديدة.
وأشار إلى أنه للحكم على ما سبق من مصطلحات يجب أن يتم الاعتماد على ما يسمى «بالنقد المقارن» من نظريات المدرسة الفرنسية، وهي تعتمد على تاريخ العرض وعلاقته بالتوقيت الذي قدم فيه ويتم مقارنته بتاريخ العرض السابق.


رنا رأفت