العدد 610 صدر بتاريخ 6مايو2019
المونودراما عالم خاص يصنعه ممثل واحد، يقدم فيه قدراته الفنية ويطلق العنان لخياله بأسلوب مسرحي مختلف، وحبكة درامية وسردية واسعة ليخطف أنظار الجمهور. فن المونودراما أحد الفنون الدرامية، يعد شكلا من أشكال المسرح التجريبي، التي تطورت واتسعت رقعتها خلال القرن العشرين، وله عدة تعاريف، لكن جميعها تتفق أن المونودراما مسرحية يقوم بتمثيلها ممثل واحد يكون الوحيد الذي له حق الكلام على خشبة المسرح، يعتبر كثيرون أن أصل هذا النوع يعود إلى ما قدمه الممثل والكاتب المسرحي الألماني جوهان كريستيانا براندز عام 1775 - لكنه لم يلقَ رواجا كبيرا لأنه لا يعد حوارا ثنائيا، ويعود أول نص مسرحي يصنف كمونودراما مكتملة الشروط الفنية إلى الفيلسوف والمفكر الفرنسي جان جاك روسو، وكان ذلك عام 1760، وهو نصه “بجماليون 1780”.
حول عروض الدورة الرابعة عشرة لمهرجان الساقية للمونودراما حدثنا مخرجوها عن تجاربهم، وعن كيف يرون هذا الفن، توقعاتهم لهذه الدورة..
قالت المخرجة سلمى عمرو التي تقدم عرض «ترحال» من تأليفها وإخراجها، إنها تناقش بعض القضايا السلبية المتعلقة بالمرأة، وأوضحت أن سينوغرافيا وتكنيك العرض منفذ بشكل مختلف وجديد عن الشكل المتعارف عليه للمونودراما في مصر.
وتابعت: العرض لا يخاطب المسرحيين فقط كجمهور ولكنه يستهدف فئات فنية كثيرة مثل الموسيقيين. وعن أبرز صعوبات التجربة أضافت سلمى: أبرز المعوقات تمثلت في آلية تنفيذ الأفكار الجديدة التي وضعتها في العرض من الجانب اللوجيستي والمادي، فدعم المسرح المصري لعروض المونودراما ضعيف للغاية، وهذا الأمر يرجع إلى الاعتقاد الخاطئ أن عرض المونودراما يعتمد على ممثل واحد، ولكن الحقيقة أن المونودراما بها جهد كبير وخصوصا إذا كان الإنتاج ذاتيا، وهذا خطأ يقع فيه الممثل عندما يقوم بإخراج العمل لنفسه.
وعن فن المونودراما في مصر استطردت قائلة: فن المونودراما في مصر يحتاج إلى توجيه والتفات من جانب وسائل الإعلام والصحافة، وذلك لتوعية ولفت نظر الجمهور إلى أن هناك عروضا مسرحية تقدم على قدر عالٍ من الجودة الفنية، ولا يشترط الحديث عن تجارب المونودراما فقط في وجود فعالية أو مهرجان، ولكن هناك ليالي عرض حرة يجب الحديث عنها.
وعن توقعاتها للدورة الرابعة عشرة من مهرجان الساقية قالت: إقبال جماهيري كبير وخصوصا أن هناك انتعاشا للحركة المسرحية في مصر، بالإضافة إلى تنوع الموضوعات المطروحة والنصوص المختارة مختلفة مما يعطي طابع التنوع الدرامي.
ويقدم المخرج والممثل خالد إبراهيم عرض «الممثل» تأليف خالد الصاوي لفرقة بداية جديدة، وعن التجربة قال: إنها التجربة الأولى لي في تقديم عمل للمونودراما، وتكمن الصعوبة في أنني أقوم بإخراج العمل وتمثيله في الوقت نفسه. وعن فن المونودراما قال: أشعر أن هذا الفن مهمل بعض الشيء ولكن في الآونة الأخيرة بدأ الاهتمام به بعمل مهرجانات متخصصة مثل مهرجان الساقية، أولى المؤسسات الثقافية التي تقوم بعمل مهرجان له، ومؤخرا مهرجان أيام القاهرة للمونودراما.
وأشار إبراهيم إلى أن مهرجان الساقية للمونودراما ينقصه الدعاية والتغطية الإعلامية، حيث لم تعد هناك دعاية كافية مثلما كان في السابق، مشيرا إلى أن الأمر ليس فقط في ساقية الصاوي وبشكل عام فالغالبية العظمى من الدعاية تعتمد على السوشيال ميديا.
وعن تجربته أضاف: تدور أحداث مونودراما «الممثل» حول كل الفنانين الذين لم يحالفهم الحظ بشكل كبير في أن يجدوا فرصتهم الحقيقة، فتدور أحداث العرض حول فنان مغمور حاول أن يقدم فنه للجمهور بشكل خاطئ فقام بغلق الأبواب على الممثلين وقرر أن يمثل للجمهور بمفرده.
وعن توقعاته للمهرجان قال: أعتقد أن المنافسة ستكون قوية فهناك مجموعة مختلفة من العروض المقدمة.
حاضرة بقوة
ويقدم المخرج نور عفيفي مونودراما «طومان باي» لفرقة شظايا كيان آرت، وقال إن التجربة ترصد اللحظات الأخيرة في حياة طومان باي قبل إعدامه على باب زويلة، وكيف أحب مصر وكيف واجه مصيره وتقبله بشجاعة. أضاف: أعتمد من خلال العرض على تكنيك إخراجي مختلف.
وعن أبرز المعوقات التي واجهته قال: أكثر الصعوبات تمثلت في الرقابة وعدم تسهيل الأمور وتعقيدها على تجارب الشباب، وهو ما شكل صعوبة كبيرة للكثير من التجارب. وعن فن المونودراما في الفترة الحالية أضاف: المونودراما أصبحت حاضرة بقوة على الساحة المسرحية وأصبح لها جمهور يتابعها، وتعد ساقية الصاوي من المؤسسات الناجحة في تنظيم مهرجانات مسرحية قوية منها مهرجان المونودراما، وأتوقع لهذه الدورة نجاحا كبيرا، خصوصا أن العروض المقدمة ذات مستويات فنية كبيرة وهو ما يثري المهرجان.
فيما قال المخرج محمد متولي مخرج مونودراما «دنيا»: فن المونودراما من أصعب أنواع الفنون المسرحية للمخرج والممثل، وذلك لأن أدوات المخرج محدودة لوجود ممثل واحد فقط يعتمد عليه في التعبير عن الأحداث والرؤية. بالإضافة إلى أن المونودراما تعد اختبارا حقيقيا لحضور الممثل وطاقته وتركيزه، فهو المسئول الأول عن إيقاع العرض، لذلك المونودراما تتطلب قدرات خاصة للممثل ومنها الحضور الجيد والتركيز وطاقة كبيرة حتى يستطيع توصيل رسالة العرض.
وأضاف: واجهت الكثير من الصعوبات تمثلت في اعتذار أكثر من ممثلة وصولا لاختيار البطلة سارة إيهاب، مرورا بالرقابة على المصنفات الفنية التي اعترضت على الكثير من الجمل في النص وتم إزالة بعض الجمل وإحلال أخرى، وذلك حتى لا أخل بالنص أو بالرسالة المطلوبة. تابع قائلا: أتوقع للمهرجان نجاحا كبيرا، خصوصا أنها المرة الأولى التي يشارك بها 21 عرضا بالإضافة إلى وجود مستويات فنية قوية على مستوى التمثيل والإخراج.
تابع: تدور أحداث مونودراما «دنيا» وهي عن مسرحية «امرأة وحيدة» تأليف داريفو و”فرانكاراما” عن اضطهاد المرأة ووقوعها في الكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية، وأطرح رؤيتي الخاصة للنص وهي ضرورة أن تثق الأنثى في نفسها وأن تواجه كل صعاب الحياة.
قلة المهرجانات
وقال المخرج عبد الرحمن أحمد عبد الفتاح: أقدم عرض «أغنية الوداع» وهو مأخوذ عن نص «أغنية الدم» لتشيخوف، وتدور أحداث العرض حول ممثل يعشق مهنة التمثيل ويفني عمره في هذه المهنة ويواجه الكثير من الصعوبات من مجتمعه، والعرض يناقش ما يواجهه الفنان من متاعب مهنة الفن.
وعن أبرز صعوبات التجربة أضاف: تتمثل صعوبات التجربة في أنني أقوم بالتمثيل وإخراج العرض، وهو يمثل مشقة كبيرة، وقد سبق وأن قدمت تجربة سابقة للمونودراما لم أعتمد بها على فكرة الإيقاع الخاص بالعرض، فمن وجهة نظري المسرح ليس له قاعدة بعينها وقاعدة إيقاع العرض تم اختراعها ونستطيع تغييرها.
وأضاف: نواجه مشكلة كبيرة في قلة عدد المهرجانات التي تتصدى لأعمال المونودراما، فمعظم المهرجانات المسرحية تعتمد على تقديم عروض كبيرة، وهناك الكثير من الجماهير ليس لديها علم بفن المونودراما أو الديودراما.
المخرج محمد حافظ بطل عرض «مستر ألبرت» تحدث عن تجربته التي تقدمها فرقة يوتوبيا من تأليف منال المغربي وإخراج هشام علي، قال: من الصعوبات التي واجهتني في التجربة على سبيل المثال الحصول على ترخيص المصنفات، حيث ظل النص في المصنفات لأكثر من 35 يوما، وكان هذا يهدد مشاركتي بالمهرجان، بالإضافة إلى صعوبات أخرى وهي توفير الموارد لظهور العرض ومنها الديكور أو الملابس، وعن فن المونودراما قال: تعاني المونودراما من قلة الكتابات فلا يوجد كتاب محترفون يقبلون على الكتابة للمونودراما، المهرجانات هي السبيل الوحيد لإقامة عروض المونودراما حيث لا يقبل المتلقي على حضور عروض مونودراما كأيام عرض منفصلة عن المهرجان، وتقوم ساقية الصاوي منفردة بعمل ليالي عرض خاصة بالمونودراما، أما بقية المسارح فلا تقوم بالفعل نفسه لعدم الجدوى المادية.
أما عن تجربته في مونودراما «مستر ألبرت» فقال: منذ عام ونحن متحمسون لأن أقوم بتمثيل المونودراما، ولكن كنا نبحث عن موضوع مناسب فكان كتابة «مستر ألبرت» الذي تم عليه بعض التعديلات من جانب الكاتبة منال مغربي كي يظهر بالشكل اللائق، ثم تم التعاون مع المخرج هشام علي الذي رحب كثيرا بالتجربة وبذل مجهودا كبيرا بعيدا عن الوقوع في مصيدة الحكي التي من الممكن أن تصيب المتلقي بالملل إذا تم تقديمها نمطيا، ولكن قدم رؤيته باستخدام المدرسة الرمزية.
عودة المونودراما
وقال الكاتب والمخرج محمود كحيلة الذي قدم مونودراما «لقطة من عمري» لفرقة فنانيست من تأليف ولاء ذكي، إن ساقية الصاوي أولى المؤسسات الثقافية التي أسست مهرجانا للمونودراما. وأشار إلى مشاركته في مهرجان الفجيرة للمونودراما بعرض «المرآة».
أما عن تجربته «لقطة من عمري» فقال: تتحدث عن صراع الأجيال من خلال حوار شاب في حضور الجد والأب، يقوم باستدعاء الصور المعلقة في المنظر المسرحي ويحاورها.
وعن فن المونودراما استطرد قائلا: هو فن أصيل، بدأ منذ عهد الإغريق، فالأصل في العمل الدرامي هو المونودراما.
وعن دورة المهرجان أشاد كحيلة بانتظام الساقية في عمل دورات خاصة بمهرجان المونودراما، بالإضافة إلى الشروط الدقيقة ومنها مدة العرض التي لا تتعدى 20 دقيقة، وهو ما يجعل المخرجين يعملون بتكثيف المدة الزمنية للعروض لتقديم جرعة درامية أقل في الزمن يجب أن يصل مضمونها للجمهور، مما يعطي مساحة أوسع لتقديم أكبر عدد من العروض، وهو شيء جيد. تابع: فاليوم هناك عروض للمونودراما وصلت إلى 5 و4 دقائق وهو أمر جيد يمكن الفنان من التعبير عن ما يقدمه في أي زمن.
ويقدم عرض “الجوكر” المخرج رضوان جلال، تأليف منال المغربي. وعن التجربة قال المخرج إن فكرة العرض تدور حول شخص «سيكوباتي» قضى حياته في السجن، قاتل يتلذذ بالقتل، حاول أن يغني ويكتب شعرا ولكن النجاح لم يحالفه فيتجه إلى القتل لأنه يرى فيه نجاحا أكبر وشهرة. وأضاف: أطرح من خلال تجربتي فكرة مهمة وهي أهمية التربية السليمة للأطفال، فبطل المونودراما يعاني منذ الصغر من مشكلات اجتماعية وسط أهله وهو ما جعله يصل في النهاية إلى القتل والإجرام، والشخصية تحكي قصتها وتخرج الكثير من الشخصيات منها مثل القاضي والأب والأم.
وعن أبرز صعوبات التجربة أشار جلال إلى أن الصعوبات تتمثل في استخدام ألوان من الفنون في هذا العمل ومنها الحكي والاستعراض والشعر والغناء.
وأشار جلال إلى صعوبة المونودراما قائلا: هي تحتاج إلى مهارات متعددة لدى الممثل بالإضافة إلى مهارات تمثيلية وأداء جاذب حتى لا يبعث الملل للجمهور، مؤكدا على ضرورة أن تتوفر للمونودراما ليالي عرض حرة بعيدا عن المهرجانات، مؤكدا أن هذا الفن لم يعد يعتمد على الممثل الواحد، وأن في الخارج تقدم عروض المونودراما بأكثر من شخص على خشبة المسرح، على سبيل المثال يقوم المخرج بالاستعانة بأكثر من شخص لعمل التعبير الحركي الذي يخدم حالة العمل.
الاهتمام بالكتابة للمونودراما
فيما قال أحمد رمزي مدير النشاط المسرحي بساقية الصاوي: بدأت فكرة تأسيس مهرجان للمونودراما بهدف تشجيع هذا الفن الذي يعد من أقدم وأعرق الفنون، وتعد إحدى المشكلات الخاصة بالمونودراما في مصر مشكلة الممثل الواحد التي تؤثر بشكل كبير على الحضور الجماهيري، فإذا لم يكن الممثل نجم شباك لا يحدث إقبال جماهيري، بالإضافة إلى أن المونودراما تحتاج إلى قدرات خاصة للممثل والتركيز الشديد على الأداء حتى لا يصاب المتلقي بالملل، فهي تعتمد على الممثل الواحد ويكون التركيز عليه، وهو ما يجعل الأمر بالغ الصعوبة في تقديم عمل متكامل وذي جودة فنية عالية.
وأشار رمزي إلى مرور 14 عاما من عمر المهرجان، مؤكدا أن ساقية الصاوي أولى المؤسسات الثقافية التي بادرت في تنظيم مهرجانات للمونودراما، موضحا أن شروط المهرجان تتمثل في ألا يزيد مدة العرض على 20 دقيقة بالإضافة للاعتماد على الديكورات البسيطة التي يسهل رفعها، وهي شروط أساسية.
وأضاف: هناك قلة في الكتابات الخاصة بالمونودراما، وهناك عدم اهتمام بنشر نصوص خاصة المونودراما، وكما نعلم أن مهرجان الفجيرة للمونودراما قام بعمل انتعاشة للكتابة في المونودراما، ومن الضروري عمل مسابقات لتنشيط الكتابة في المونودراما. وأوضح رمزي أن الدعاية لا تشكل معاناة بالنسبة للأماكن الخاصة، وأن هناك تنوعا هذا العام في العروض المقدمة وهو ما يعطي ثراء كبيرا للدورة الرابعة عشرة.