وداعا هادى الجيار.. المشاغب الهادئ

وداعا هادى الجيار.. المشاغب الهادئ

العدد 701 صدر بتاريخ 1فبراير2021

برحيل هادي الجيار عن عالمنا، غيب الموت عن الوسط الفني أحد أكثر الوجوه الفنية ألفة وقربا لقلوب الجمهور العربي، تاركا لمحبيه إرثا فنيا جاوز 200 عملا. توفي الممثل الكبير، متأثرا بإصابته بفيروس كورونا، صباح الأحد 10 يناير عن عمر يناهز 71 عامًا متأثرا بإصابته بفيروس كورونا، بعد يوم من دخوله المستشفى. رحل الفنان المثقف الواعي أحد تلامذة مدرسة المشاغبين وصاحب مدرسة الأداء الهادئ الرصين، الذي تشعر وأنت تتابع أدوراه بقدرته المميزة على تجسيد كل الشخصيات وصدق إحساسه بما يقدمه والحميمة التي بينه وبين الشخصيات التي يؤديها، فهو الفلاح ، والمثقف، والعامل، وابن البلد.
عبر بصدق عن أبناء الطبقة المتوسطة التي ينتمي إليها بكل مشكلاتها وصراعاتها وهمومها وأحلامها، وعلى الرغم من أنه لم يكن من نجوم الصف الأول إلا أنه وجوده في أي عمل كان يمثل إضافة كبيرة ومهمة.
عشق الجيار الفن منذ صغره، وكان مولعا به فشارك بفرقة التمثيل في مدرسته وبعد الثانوية التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، دفعة الفنانين محمد صبحي ونبيل الحلفاوى ولطفى لبيب وشعبان حسين. أول أعماله الاحترافية كان “القاهرة في ألف عام “ وكان لايزال طالبا بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، ثم دخل عالم الدراما التلفزيونية بدرو رئيسي فى مسلسل “القاهرة والناس “ للمخرج الكبير محمد فاضل عام 1972 ، ثم شارك في المسرحية الشهيرة “مدرسة المشاغبين “ التي رشحه لها النجم عادل إمام. الدراما التليفزيونية كانت العالم الذي أحبه هادي الجيار ونجح فيه وقدم روائع الأعمال وروائع الشخصيات ومنها شخصية “ منعم الضو في مسلسل “المال والبنون ، وبعدها توالت نجاحاته في سوق العصر، الراية البيضا، ومازال النيل يجرى، أبناء ولكن، العصيان، الوجه الأخر، كفر دلهاب ، شارع عبد العزيز، وسلسال الدم، أبو ضحكة جنان، الملك فاروق، حق ميت، الأسطورة، وغيرها . عقب رحيله خيمت حالة من الحزن على الساحة المسرحية والفنية ونعى عديد من الفنانين الفنان الراحل وتحدثوا عن مواقفهم وتجاربهم معه

الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة نعت الفنان قائلة إن الراحل قدم مسيرة فنية كبيرة في السينما والمسرح والتلفزيون بدأت في ستينات القرن الماضي ترك خلالها بصمة كبيرة تعرفها جيدا الأسر المصرية والعربية، وذلك من خلال أدواره التي عبرت عن واقعنا ومشكلاتنا بشكل كبير، وتوجهت وزيرة الثقافة بخالص العزاء لأسرته وأصدقائه ومحبيه داعية الله أن يتغمد الفقيد برحمته.
بداية انطلاقه الفني
بحزن وأسى شديدين نعى المخرج الكبير محمد فاضل الفنان الراحل وكشف عن بدايته الفنية فقال “ كانت بدايته معي فى مسلسل “ القاهرة والناس “ وكان آنذاك لايزال طالبا بالمعهد العالى للفنون المسرحية ووقع إختيارى عليه للقيام بدور رئيسي
وكنت أقدم الجزء الثاني من المسلسل، ثم توالت الأعمال فقدم معي كثير من الأعمال الفنية منها مسلسل “الراية البيضا “ ، “ ولازال النيل يجرى “ . أضاف: كان الجيار يتسم بالثقافة الواسعة، وهو اسم على مسمى، يوصف بأخلاقه وسلوكه في مواقع التصوير بين زملائه و فريق العمل.
الملتزم في الحياة والفن
ودعا المخرج الكبير جلال الشرقاوي له فقال “ أدعو له بالرحمة من كل قلبي وأن يسكنه الله الفردوس الأعلى. أضاف: هادى الجيار كان فنانا ملتزما في حياته وفى فنه، محبا للناس و محبوبا من الجميع. وهب حياته للفن ولأصدقائه ومحبيه، فكان يقدم لهم كل خدماته متى استطاع ذلك. تابع: وهو واحد من تلامذة مدرسة المشاغبين، وقد أسهم بفنه وحبه للناس في إنجاحه. رحمه الله وغفر له بقدر ما أسعد الناس.
صاحب المقام العالي
وعن تجربته مع الفنان الراحل قال المخرج حسن سعد :” عمل معي عملين من تأليفي هما : “محبوب الحبوب” و”مقام سيدنا الولي” ومن خلال ذلك استطيع ان اقول إنه كان إنسانا علي قدر كبير جدا من الاحترام والجدية والالتزام في التعامل مع الجميع، ومع الزملاء وعلي كافة مستوياتهم ومواقعهم في العمل صغيرا وكبيرا. وفي هذا فهو يعد نموذجا للفنان المحب لعمله وللجميع علي حد سواء، أضاف: علاقتي به تبدأ من مرحلة الشباب فهو لم يتغير أو تتغير طباعه، هو الفنان والإنسان الطيب الحنون. أما من المنظور الفني فهو الفنان صاحب المقام العالي تقنيا وحرفيا وقد جسد كل الأدوار بكل أشكالها: التراجيدية والكوميدية والتراجيكوميدي، وفي كل مراحلها العمرية والنوعية والموضوعية وقد لمست فيه حرصه علي عمله واهتمامه بكل التفاصيل التي تصنع جماليات العمل، وهو ما ميزه وجعله شامخا بين أبناء جيله، و قد استمر علي تميزه وحفاظه علي مكانه ومكانته حتي الآن. أضاف: وهو يمثل فناني الزمن الجميل في تجسيد سيمفونية الاحترام والجدية والتميز والجدارة في اكتساب حب الناس والبقاء حتي لحظاته الأخير كبيرا وقد سجل سيرته بحروف من نور.
محبة في الله
فيما أعرب الفنان مفيد عاشور على بالغ حزنه لفقد الفنان هادى الجيار فكتب: “ توقفت مذهولا غير مصدق قبل أن أكتب هذه الكلمات في نعيك يا صديقي ، ولكنها مشيئة الله ، ولن تجد لها تبديلا بقلوب مؤمنة بقضاء الله نقول “ إنا لله وأنا إليه راجعون ، وداعا يا أستاذ هادى وداعا يا آخى الأكبر، فقد كانت تربطي بك صلة روحية خاصة ومحبة في الله يا نقى السريرة ، كنت محبا للجميع فأحبك الجميع ، كنت أصيلا متواضعا تواضع الكبار، وكنت فنانا كبيرا تعلمنا منك حين جلسنا إليك نتحدث ونشاهد أعمالك ، اللهم أسعد أيامه اليوم وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وثبته عند السؤال.
لا تشعر بشهرتهم
الكاتب الصحفي والناقد بجريدة الأهرام شريف سمير رصد مشوار الجيار الفني فقال “ أتابع أعماله منذ سنوات ولمست فيه التميز فهو ينتمى لمدرسة الأداء الهادئ المحترم، و أكثر ما تميز به هو حفاظه على أسلوبه الخاص وأدائه الرصين حيث كان ينتمي إلى حد كبير الى الجيل العظيم الذي يحترم فنه وقد ترك بصمة لها وضوحها وتأثيرها، وهو يعد من العلامات الهامة في الدراما المصرية ومن نجوم الظل الذين لا تشعر بشهرتهم برغم أعمالهم الكثيرة. أضاف: هو ينتمى لمدرسة أحمد راتب وجميل راتب و يعد من نوعية الممثلين الذي لا يمكن لأى عمل فني الاستغناء عنهم؛ لأنهم يشكلون إضافة لأى عمل، وذلك لاحترامهم لأنفسهم ولأنهم ملتزمين ويتمتعون بسمعتهم الطيبة.
تابع: “ هادى الجيار الفنان الملتزم الجاد المحافظ على ترمومتر أدائه، الذي لا يتنازل عن مبادئه التي تربى عليها، سيظل من النماذج المشرفة والمضيئة.
وذكر الناقد شريف سمير عددا من الشخصيات التي لعبها الفنان الراحل ومنها دوره فى مسلسل “الريا البيضا” وشخصية السيد العربي مدرس الفلسفة ابن البيئة الشعبية الذي يحافظ على التقاليد والعادات ويدافع بقوة عن المبادئ . كذلك قال أن من الأدوار التى تركت بصمة عميقة دوره فى مسلسل “ أبناء ولكن “ وهو دور الابن الأكبر رشاد، وهو دور إنساني يمثل نقطة تحول فى حياته الدرامية ومشواره، كما أشار إلى محطة مهمة في حياته لا ينساها الجمهور وهي دوره فى مسلسل “المال والبنون “ مؤكدا أن الجيار تميز باختياره لأدواره بعناية فائقة.
لقائي الوحيد
وكشف المخرج إيمان الصيرفي عن أن مسرحية “ لما قالو ده ولد” كانت هي التجربة الوحيدة التي جمعته بالفنان الراحل. أضاف قدمناها عام 93 من تأليف الراحل أمير سلامة وبطولة كوكبة متميزة من النجوم وهم تيسير فهمي، لطفى لبيب، عزت البرشومى ومجموعة أخرى. واشار إلى أن العمل مثل مصر فى مهرجان “المسرح العربي” بالمغرب عام 94 وحصل على أفضل عرض مصري موسم 93 ،94، وافتتح بيه يوم المسرح المصري الذي يماثل الآن المهرجان القومي للمسرح المصري. أضاف: هوجمت هجوما شديدا آنذاك لإختيارى الفنان هادى الجيار، ولكن كان لدى وجهة نظر خاصة، وبخلاف كل التوقعات والهجوم تحول كل من هادى الجيار وتيسير فهمي إلى قاسم مشترك وشكلوا ثنائية متميزة فيما يقرب من سبعة أعمال بعد ذلك، حيث لاقى العرض استحسان وقبول نقدي وجماهيري كبيرين وحظي بمشاهدة عديد من كبار المخرجين والفنانين وكبار النقاد وكتبت عنه مقالات كثيرة متميزة.
واصل الصيرفي: “ استمرت علاقتي بهادي الجيار على المستوى الإنساني والعائلي حيث كانت زوجته زميلة بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وكان متابعا لكل أعمالي، ولكن للأسف لم نلتقي فى أعمال أخرى بعد تجربة “لما قالوا ده ولد “ التي قدم بعدها ثلاثة مسرحيات فقط ثم اتجه للعمل فى الدراما التلفزيونية. تابع : هناك ذكريات عميقة وجميلة بيني وبينه و قد تميز بالالتزام الشديد، فكان أول الموجودين بالبروفة وأخر المغادرين، إضافة إلى ذلك احترامه لحالة المسرح، كما كان مستمعا جيدا للتوجيهات التي أطرحها عليه، وقد كان يخيل له ان مستقبله في الكوميديا ولكن الشخصية التي لعبها كانت مختلفة ، فقد كانت تعبر عن أزمة المثقف المصري فى ذلك التوقيت ، ولم تكن شخصية خفيفة أو كوميدية ،وكان يطبق التوجيهات الفنية على أعلى مستوى من الدقة وكان دائم السؤال في تفاصيل الشخصية يدفعه شغفه لمعرفة ما وصل إليه في تجسيد الشخصية.
يحفر الصخر
ووصف الكاتب والسيناريست فيصل ندا الفنان الراحل هادى الجيار بالمجتهد الدءوب الذي كان يحفر في الصخر منذ مشاركته فى مسرحية مدرسة المشاغبين التي حولت كل زملائه إلى نجوم الصف الأول، ولكنه لم يصل إلى هذه المرتبة مما تسبب له في أزمة. أضاف: ولكن عندما تقدم به العمر حصل على أدوار وأبدع فيها، وقد تميز بالأدب والخلق الكريم فلم يكن حاقدا وكان شديد التركيز فيما يقدمه من شخصيات و يجتهد فى كل ما يسند إليه من أدوار ولم نسمع فى يوم عن مشادة أو خلاف بينه وبين زملائه، كانت علاقته بزملائه طبية وكان يمثل صورة مشرفة للفنان المصري، و قدمت معه العديد من الأعمال الفنية لا حصر لها.
علمني الكثير
وقالت الفنانة روحينا أمين الفنان “ شرفت بعملي معه وتعلمت منه الكثير من الصفات ومنها الصبر وكان أول من يحادثني بعد كل نجاح أحققه ويفرح فرحة شديدة بنجاحي.. ربما غيبه الموت عنا لكنه سيظل باق بأعماله وعطائه الكبير في وفي كل الحب الذي يملأ قلبه لكل الناس.
صديق عمري وزميل دفعتى
و كتب الفنان محمد صبحي عبر صفحته على مواقع التواصل الإجتماعى “ رحل اليوم الفنان والإنسان الرائع هادى الجيار.. صديق عمري وزميلي ودفعتي بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، بكل الأسى والحزن والألم أدعو الله لك بالرحمة والمغفرة وان يسكنك فسيح جناته وللأسرة والأصدقاء الصبر والسلوان.
اسم على مسمى
فيما وصفت الفنانة تيسير فهمي الراحل بالفنان ذو الأخلاق الطيبة هادئ الطباع وقالت: “هادى اسم على مسمى، فهو فنان على خلق كبير ، صديق وأخ. بدأت صداقتي به منذ تقديمنا مسلسل “ أبناء ولكن “ وكان ممثلا بارعا، وإني أحزن بشدة لأنه لا يستطيع الاستماع إلى هذه الكلمات الآن. أضافت: من خلال عدة أعمال تشاركنا بها سويا أصبحنا أصدقاء وأخوة، كما كانت هناك صداقة أسرية استمرت لسنوات طويلة ، وقد كان هادى يتمتع بطيبة القلب والأخلاق.
تابعت تيسير فهمي: سافرنا كثيرا وتشاركنا كثيرا في الأعمال الدرامية فرأيت فيه الإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأذكر أننا ظللنا ثلاثة أشهر تقريبا نصور مسلسل “ أبناء ولكن “ واستمرت علاقتي به بعد المسلسل لسنوات طويلة أدعوا الله أن يتغمده بواسع رحمته.


رنا رأفت