غنام غنام والرقص نازفا على الوجع الفلسطيني سأموت في المنفى أو بدل فاقد

غنام غنام والرقص نازفا على الوجع الفلسطيني سأموت في المنفى أو بدل فاقد

العدد 635 صدر بتاريخ 28أكتوبر2019

يظل الوجع الفلسطيني نازفا على أرض فلسطين والجولان وسيناء وكل الأراضي العربية المحتلة سواء كان الاحتلال من قوى خارجية أو داخلية.. ويظل الفلسطينيون يتمسكون بالأمل والمعاناة.. والمبدع الفلسطيني سواء كان ممثلا أو مخرجا أو فنانا تشكيليا أو موسيقيا يتلوى ويكتوي بنار المنفى محروما من العودة والأرض والذكريات والأمل في المستقبل حيث تحاصره المؤامرات سواء كان من الداخل أو الخارج.
والمسرح الفلسطيني بداخل الأرض المحتلة أو خارجها يزدهر أو ينطفئ حسب الموجات السياسية المرتبكة في الوطن العربي.
غنام غنام.. فنان (مسرحجي) لأنه يمثل ويؤلف ويخرج للمسرح ويفهم كل شاردة وواردة في هذا الفن العظيم ألا وهو فن المسرح.. أعرفه منذ الثمانينات حيث شكل فرقة «موال» مع رفيقه ومعلمه جبريل الشيخ وقدمت تلك الفرقة عملا وحلت بقرار عرفي قبل تقديم العمل الثاني قبل الافتتاح بليلة واحدة عام 1987. بعد ذلك بسنوات شكل فرقة «مختبر موال» وانضم لها الفنان محمد غباشي 1991 والفنان علي عليان 1993، واستمرت الفرقة بنجاحاتها حتى 1996. حيث ترك «مختبر موال» وشكل مع علي عليان وسامي عبد الحليم ونبيل نجم وحسين أبو حمد فرقة «المسرح الحر» التي تواصل عملها منذ 1999 إلى أن تركها عام 2007.
وفي نفس الوقت كان مسرح الفوانيس الذي يقوده الفنان الكبير خالد الطريفي قد أصبح له شعاع على مستوى الحركة المسرحية العربية.. وانشق النجمان غنام غنام وعلي عليان وأجهض المشروع وكل منهما ذهب في وادٍ مسرحي آخر.. وهذه الأمور طبيعية في الوطن العربي فكل الجماعات المسرحية تقريبا التي كانت تحمل مشروعا انشطرت وانقسمت وتجزأت وأصبحت كيانات فنية مستقلة.. ولما لا نحن أمة الانشطار ولا يوجد لدينا مشروع يكتمل إلى نهايته.. وكأنه حكم عليه بالتقسيم والاختلاف أيا كان.
غنام غنام (مسرحجي) وهو لقب لا يطلق على آلاف الكثيرين من الذين يتعاملون مع فن المسرح العربي..
غنام غنام قدم أخيرا (مونودراما) بعنوان «سأموت في المنفى» والعرض ينتمي إلى المسرح الفقير جدا لا ديكور لا إضاءة لا ملابس لا مكياج لا موسيقى إنه مسرح (لا) لكن في الحقيقة هو مسرح غني جدا بالبوح والمضامين الفكرية والقضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية، ويشرح هذا المسرح النفس البشرية بكل ما فيها من عذابات ووساخات وطهر وصراحة الملائكة ونبل الفرسان وخيانة الأصدقاء وحصار الحياة والتضليل السياسي. إنها مسرحية تبكيك وتضحكك وتشرح الوضع السياسي والاجتماعي والإنساني الفلسطيني الفرد الواعي (غنام غنام).. إن هذا العرض يقدم القضية بصراحة ووقاحة بصدقها وكذبها.. بجمالها وقبحها.. إنها مسرحية الشهادة على التاريخ أو شهادة ما قبل الموت في وطن عربي محكوم عليها بالموت.. أو شهادة على الواقع حين ينقسم الفلسطيني إلى جنسيتين (أردني وفلسطيني.. أمريكي وفلسطيني.. لبناني وفلسطيني.. و.. و.. إلخ).
لقد فتح غنام غنام صندوق صدره وقلبه وباح بجرأة واستباح كل ما هو ممنوع ليكشفه مجازفا بكل شيء كأنها كلمات لرجل مصلوب كالمسيح ويدلو بشهادته على العصر والأرض والفن والثقافة.. إنه عرض موجع ومؤلم لمن يفهم.. هذا العرض المسرحي نال صدى كبيرا في الوطن العربي والمهرجانات. ولاحظت أن الجمهور يصفق بحماس للفنان القدير غنام غنام ليس من باب الإعجاب فقط ولكن للتطهير من إحساسه بالذنب، بل الكل شارك في القضية الفلسطينية أن تتدنى وتتندى وتتلاشى وتتلاشى وتتلاشى من على سطح الأحداث المهمة في حياة الفرد المقهور.. الفرد المغلوب على أمره.. والمستسلم للواقع العفن الفرد الخائف المرتعد.. جمهور بائس يصفق بحماس كبير كأنه أدى واجبه تجاه القضية الفلسطينية ويذهب لينام مستريحا مطمئنا بأن القضية قد حلت. ونوع آخر من الجمهور البرجوازي يتسأنس بالعرض المسرحي والتعرف على معاناة الفرد القضية والقضية الفرد.
ويعود المؤلف المخرج الممثل غنام غنام إلى وطنه الثالث في الإمارات العربية ليستعد لعرض جديد قد يكون في ذهنه صور لبعض الشخصيات المعروفة التي شاهدت العمل وهنأته وباركته وبعض التصفيق الذي حصل عليه عندما كان يمثل ويحكي معاناته منذ مولده حتى الآن.. حيث قدم القضية الفلسطينية من خلال حياته الخاصة والعامة.. إن غنام غنام يفتح الباب للفنانين العرب أن يقدموا أعمالا مثل هذا العمل وهو ما يشبه كتابة رواية السيرة الذاتية.
شكرا لك على هذا العرض وهذه المونودراما الفقيرة الغنية المحتشدة بمسرح الفقراء. وسيظل غنام غنام أحد رموز الفرجة المسرحية في الأردن ومن الأسماء التي تجاوزت الحدود الجغرافية للوطن وأكدت وجودها بإنتاجات مسرحية مختلفة جديرة بالمناقشة والحوار والاهتمام بها.


السيد حافظ