جولة في شارع المسرح الأمريكي

جولة في شارع المسرح الأمريكي

العدد 628 صدر بتاريخ 9سبتمبر2019

بعد 61 سنة من تمنيها، وبعد 58 سنة من وفاته منتحرا برصاصة أطلقها على نفسه خلال رحلة ترفيهية إلى ولاية إيداهو المتاخمة لكندا التي كان يعشق بحيراتها، تحققت أمنية الأديب الأمريكي الراحل إرنست هيمنجواي (1899 - 1961) تحولت روايته الشهيرة “العجوز والبحر” إلى مسرحية.
كانت الرواية قد نشرت عام 1952 لأول مرة وحصلت على جائزة بوليتزر الأدبية الأمريكية المرموقة. وتحولت بعد ذلك إلى فيلم سنيمائي في عام 1958 حقق نجاحا كبيرا بعد عرضه في دور السنيما عبر الولايات المتحدة وفي الخارج.

ومع هذا النجاح، لم يكن هيمنجواي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1954 سعيدا بها. فقد رأى أن المعالجة السنيمائية لم تكن صادقة في التعبير عن فكره في الرواية. وقد أصدر الحكم على هذه المعالجة السنيمائية بسرعة دون انتظار لانتهاء عرض الفيلم بعد 13 دقيقة فقط من بدأ العرض حيث انصرف بحجة شعوره بالتعب حتى لا يؤثر على إقبال الجمهور على مشاهدة الفيلم ويسبب خسائر للمنتج. وكان بصحبته وقتها صديقه المقرب وأحد كبار المؤرخين لحياته وأدبه بعد وفاته هو الكاتب المسرحي أيضا (أ. هونتر). وقد أصدر هونتر كتابا عن هيمنجواي عام 1966 بعنوان «أبي هيمنجواي» حقق مبيعات قياسية.
سرا.. لا علنا
ولم يعبر هيمنجواي عن هذا الرأي علنا، بل عبر عنه في حديث خاص مع هونتر. قال له إنه غير راضٍ عن المعالجة السنيمائية للقصة. ومضى قائلا إن بطل الفيلم «سبنسر تريسي» (1900 – 1967 - حائز على أوسكار أحسن ممثل مرتين) لم يكن موفقا في التعبير عن شخصية العجوز. وقال إنه عبارة عن ممثل بدين وغني يحاول القيام بدور صياد. واستعمل بعض العبارات غير اللائقة كان أبسطها «إنه يشبه رجلا يتبول في كأس يشرب منه أبوك».
ومضى هيمنجواي في حديثه – وفقا لرواية صديقه – فقال إنه لا يعتقد أصلا أن السنيما كانت الوسيلة المناسبة لعرض القصة وأنها يمكن أن تعرض بنجاح على المسرح. وطلب من صديقه الكاتب المسرحي أن يعد معالجة مسرحية لروايته.
وبالفعل بدأ هوتنر في إعداد المعالجة المسرحية التي وجدها صعبة للغاية بسبب طبيعته القصة التي تدور على شاطئ البحر. وكان أحيانا يحتاج شهرا لكتابة صفحة واحدة. ولم يتراجع عن المعالجة حتى بعد وفاة هيمنجواي منتحرا. وعلى العكس قرر المضي قدما في المعالجة لكن ببطء شديد جدا جدا جدا. واحتاجت المعالجة نحو 55 عاما حتى أتمها. وبدأ بعدها رحلة أخرى من المعاناة للبحث عن منتج للمسرحية أو فرقة مسرحية تتولى تقديمها. وكان كل ما يخشاه أن يوافيه أجله قبل أن يحقق وصية صديقه العزيز خصوصا أنه بلغ عامه المائة العام الماضي.
قبل الموت
لكن القدر لم يخذله ووجد الفرقة ويبدأ عرض المسرحية بعد أيام على مسرح جامعة بوينت بارك بمدينة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا. وستكون أول مسرحية تعرض على هذا المسرح بعد تجديدات استمرت عامين. وتأمل الجامعة أن تحقق المسرحية عائدا يعوض نفقات التجديد.
ويقول هونتر إن نقل الرواية من بين دفتي كتاب إلى خشبة المسرح لم يكن عملا سهلا على الإطلاق، خصوصا أن شخصية العجوز كانت تعبر عن هيمنجواي نفسه. ويمضي قائلا إن الولايات المتحدة تحفل بمجموعة كبيرة من الكتاب المسرحيين المتميزين. لكن يعتقد أنه أفضل من يعبر عن رؤية هيمنجواي بسبب صداقتهما الحميمية. وكان رفيقا لهيمنجواي في رحلات الصيد التي كان يقوم بها في الولايات المتحدة وخارجها خاصة في كوبا وإسبانيا. وزار معه أفريقيا عدة مرات. كما تعاون معه في صياغة بعض قصصه مثل «الصيف الخطير». وساهم في تحويل عدد من قصصه إلى أعمال تلفزيونية في حياته مثل «ثلوج كليمانجارو» و«القتلة» و«المقاتل». وكان شريكا له في شركة لتجارة الأغذية كان هيمنجواي يستعين بدخلها لمواجهة نفقاته المرتفعة حيث كان مسرفا ولم تكفِ عوائد قصصه الضخمة للوفاء بنفقات حياته. وكل ذلك جعله حريصا على إنفاذ وصيته التي توفي منتحرا بعد أقل من ثلاثة أعوام عليها. وكشف عن أنه أعد أكثر من عشر معالجات لكنه كان يمزقها لعدم رضاه عنها وكان يشعر أن شبح هيمنجواي الذي يلازمه لن يرضي عنها، حتى توصل إلى المعالجة التي اقتنع بها هذا الشبح. ولحسن حظه ساعده ابنه تيم رغم أنه مخرج أفلام تسجيلية ولا علاقة له بالمسرح.
ويقوم بدور العجوز أو هيمنجواي الممثل ديفيد كابوت وهو ممثل حاصل على جائزة توني. ويشارك في المسرحية عدد من الممثلين البارزين مثل أنتوني كريفيلو وجابرييل فلورينتينو ويخرجها رونالد بلوم. وتعرض المسرحية بعد بروفات وتجهيزات احتاجت ستة أشهر.
لا طيران فوق عش المجانين
وبينما يبدأ عرض مسرحية «العجوز والبحر» على المسرح لأول مرة في تاريخ هذا العمل الذي يعد من عيون الأدب الأمريكي، كان العكس يحدث مع عمل آخر من عيون الأدب الأمريكي، ولكن في ألاسكا هذه المرة.
العمل هو “طار فوق عش المجانين” أبرز أعمال الأديب الأمريكي كين كيزي (1935 - 2001). كتب كيزي الذي كان معروفا برفض الموروثات التقليدية والقيم السائدة، هذه المسرحية على مدى 3 سنوات حتى نشرت عام 1962 أي قبل أن يتم عامه الثلاثين. وكانت أولى المعالجات المسرحية لهذه القصة في العام التالي لصدورها عام 1963 حيث عرضت في برودواي، وذلك قبل أن تتحول إلى فيلم سنيمائي عام 1975 فاز بخمس جوائز أوسكار. وصنفت مجلة تايم الأمريكية الرواية بين أفضل مائة عمل أدبي كتبت باللغة الإنجليزية بين عامي 1923 و2005.
أعلنت إحدى الفرق المسرحية البارزة بالولاية وهي فرقة مسرح برسيرفانس إلغاء خطتها لعرض معالجة مسرحية لهذه القصة. وقالت الفرقة في بيان لها إنها اتخذت القرار بسبب التكلفة المرتفعة للمسرحية.
إلا أن البعض لا يقتنع بهذا التبرير ويرون أن الرقابة في الولاية هي التي رفضت المعالجة المسرحية للقصة. ذلك أن القصة الأصلية – وهي من القصص الفكاهية - تتضمن بعض السخرية بالسكان الأصليين للبلاد وبعض المشاهد الجنسية التي لا تصلح للعرض على المسرح ولن تكون المسرحية مفهومة بدونها. كما أنها تتناول قيما لم تعد مقبولة في الوقت الحالي. ويمكن أن تسيء إلى علاقات الفرقة مع السكان الأصليين.
فهي كما يقول قصة كتبها كاتب أبيض عن حياة السكان الأصليين. والشخصية الرئيسية لرجل من السكان الأصليين متهم بالاغتصاب نزيل إحدى المصحات النفسية.
أحداث
وتدور أحداث القصة في مستشفى للأمراض النفسية في ولاية أوريجون حول باحث يسعى لإجراء دراسات نفسية على المرضى من نزلاء المستشفى، ومنهم بطل القصة الذي يدعى ماك ميرفي وهو من السكان الأصليين من جهة الأب. ولم يكن برومدن مجنونا في حقيقة الأمر وإنما ادعى الجنون ليتم نقله من مزرعة السجن إلى المستشفى. وكان له ما أراد بعد أن أجاد تمثيل شخصية المجنون. وتدور صراعات بينه والممرضة المسئولة عن العنبر الذي ينزل به. وتتعقد الأمور عندما يتمكن من تهريب اثنتين من العاهرات إلى العنبر ويتمكن من سرقة كمية من الأدوية المخدرة من صيدلية المستشفى. وتتوالى الأحداث بعد ذلك لتكشف بعض أشكال التفرقة العنصرية في الولايات المتحدة وقتها.

 


ترجمة هشام عبد الرءوف