مخرجو المسرح المصري جيل وراء جيل (جيل الثمانينيات)

مخرجو المسرح المصري جيل وراء جيل (جيل الثمانينيات)

العدد 686 صدر بتاريخ 19أكتوبر2020

تتناول هذه الدراسة بالرصد والتحليل (إحصائيا وبشكل إجمالي) عروض خمسة وأربعون مخرجا مسرحيا مصريا بدءوا تجاربهم الإخراجية بمجال المسرح الإحترافي خلال فترة ثمانينات القرن الماضي، وقدموا خلال فترة الثمانينيات وما بعدها ثلاثمائة وأربعة وأربعون عرضا مسرحيا علي مدي حوالي أربعين عاما، وبالطبع فإن أعمال هؤلاء المخرجين لا تشمل كل عالم المسرح في مصر فلدينا عروضا أخرى كثيرة خلال نفس الفترة لكبار المخرجين من أجيال سابقة وكذلك من شاركهم عبء إحياء حياتنا المسرحية علي مدي أجيال متتالية بالإضافة إلي عروض مخرجي مسرح الثقافة الجماهيرية والمسرح الجامعي وباقي مسارح الهواة. ولم يكن من اليسير أن نتناول كل هذا العدد الكبير من العروض والمبدعين بمجال الإخراج بشيء من التفصيل إلا إذا خصصنا لهم الوقت والجهد - ربما الجماعي - لعمل كتاب خاص بهذا الجيل الذي يبدو أنه جيل مظلوم لأنه جاء في ظروف سياسية واجتماعية غير مواتية تخلت فيها السلطة عن دعم المسرح بشكل كاف في ظل وزير ثقافة الربع قرن وليس  من قبل في فترة الستينيات الذي تم  لتوظيفه لترويج شعاراتها وتبريرها، وبالتالي لم يكن القصد من هذا البحث القصير - الذي قد يتبعه إصدار الأحكام المتسرعة علي البعض – إلا الإشارة إلي بعض نقاط الضوء في مسيرتنا المسرحية التي لا تحظي بالعناية الكافية من الكثيرين.
وفي البداية، نود أن نطرح سؤالا حيويا حول فن “الإخراج المسرحي” في مصر، وهل بالفعل قام ويقوم على أصول فنية وعلمية، أم تعرض في كثير من الأحيان للإرتجال والفهلوة والشطارة، فعندما نتابع أساليب “الإخراج المسرحي” منذ ما بعد الستينيات وحتى الآن نجد أنه قد شهد ظواهر سلبية كثيرة لدرجة أن مخرجينا الذين سافروا إلى الخارج في بعثات علمية منذ أوائل الخمسينيات قد عاد بعضهم ليقدموا لنا نسخا مكررة من تلك العروض التي شاهدوها في الخارج، وحاولوا تقليدها مع إضفاء الصبغة المصرية عليها.
ولنا أن نتوقف قليلا عند مخرجي سبعينيات القرن الماضي الذين جاءوا من بعدهم وحرموا من البعثات العلمية الطويلة إلى الخارج، وكذلك مخرجي الثمانينيات الذين حرموا أيضا من الذهاب في بعثات طويلة إلى الخارج، والذين مازال أغلبهم يمارس الإخراج حتى الآن رغم تسلل الكثيرين إلى هذه “المهنة” وليس إلى هذا “الفن” حتى ولو كان قد حصل بعضهم على مؤهلات علمية، لكننا نكتشف أنه ليس بالمؤهل وحده يبدع المرء إخراجا جيدا، ويصنع عرضا متقنا، فكم من نصوص متميزة سواء من الشرق أو الغرب قد تحولت إلى شيء بائس على أيدي بعض هؤلاء، وقد جاء مخرجو الثمانينيات في فترة متأخرة منذ بداية ظهور “فكرة المخرج” في المسرح المصري، عندما نؤرخ للرواد (عزيز عيد، جورج أبيض، يوسف وهبي، نجيب الريحاني، عبد العزيز خليل، وفتوح نشاطي وغيرهم)، وبالطبع في مقدمتهم رائد فن الإخراج على أسس علمية “زكي طليمات” (1894-1982) الذي عاد من باريس عام 1929 ومن جاء بعده فى الخمسينيات والستينيات (مثل: حمدي غيث، نبيل الألفي، كمال عيد، سعد أردش، كرم مطاوع، وجلال الشرقاوي الذي مازال يعمل حتى الآن والراحلين/ أحمدعبد الحليم وحسين جمعة) والذين نقلوا لنا ما تعلموه هناك على خشبات مسارحنا.
وبالعودة إلى المرحلة المختارة “الثمانينيات” من القرن العشرين - وطبقا لما جاءت الإحصائيات والنتائج من خلال “موسوعة المسرح المصري المصورة” من إعداد المؤرخ / د.عمرو دوارة - أن من بدأوا ممارسة الإخراج المسرحي (واستمرت إبداعات بعضهم حتى الآن) إحصائيا أربعة وأربعون مخرجا قدموا ثلاثمائة وأربعة وأربعين عرضا مسرحيا، وقد تباينت أعمالهم كثيرا، فمنهم من ترك بصمته الإخراجية واضحة، ومنهم من عبر عبورا سريعا على خشبات المسارح ولم يترك مجرد ذكرى تشير إلى حضوره.
ويمكن تقسيم هؤلاء المخرجين إلى فئات، منهم فئة ركزوا نسبة كبيرة من نشاطهم في “المسرح التجاري” أو ما يسمى بالقطاع الخاص وهم حسب الحروف الأبجدية: -  
أشرف زكي (تسعة عشر عرضا)، حسام الدين صلاح (احدى وعشرون عرضا)، رزيق البهنساوي (سبعة عشر عرضا)، شريف عبد اللطيف (خمسة عروض)، عصام السيد (تسعة وأربعون عرضا)، فؤاد عبد الحي (إحدى وثلاثون عرضا)، فيصل عزب (خمسة عشر عرضا)، محمد أبو داود (اثنى وعشرون عرضا)، محمود أبو جليلة (ستة وعشرون عرضا)، ونبيل الهجرسي (ستة عروض)، ويجب الإشارة إلى أن عدد عروض كل منهم تمثل إجمالي عدد عروضهم بكل من القطاعين الخاص وفرق الدولة.
وفئة أخري من المخرجين عملوا في إطار ما يسمى “فرق مسارح الدولة” وهو الإطار الوظيفي التقليدي فأتيحت لهم فرص الإخراج بحكم وظائفهم وانتمائهم للفرق وهم – بخلاف ماسبق ذكرهم (حسام الدين صلاح، رزيق البهنساوي، شريف عبد اللطيف، عصام السيد، فؤاد عبد الحي، محمد أبو داود، محمود أبو جليلة) طبقا للترتيب أبجديا:-
إميل شوقي (إحدي عشر عرضا)، إنتصار عبد الفتاح (تسعة عروض)، إيمان الصيرفي (سبعة عشر عرضا)، أحمد هاني (ثلاثة عروض)، بديوي عبد الظاهر (أربعة عروض)، جلال عبد القادر (تسعة عروض)، حمدي أبو العلا (ستة عشر عرضا)، رزيق البهنساوي (سبعة عشر عرضا)، شريف عبد اللطيف (أربعة عروض)، صبحي يوسف (عرضين)، عاصم رأفت (تسعة عروض)، علي خليفة (ثلاثة عروض)، فاروق زكي (عشرة عروض)، فتحي الكوفي (أربعة عروض)، فتوح الطويل (عرضين)، ماهر سليم (عشرة عروض)، محمد الخولي (أربعة عشر عرضا)، محمود عبد الحافظ (خمسة عروض)، مصطفي سعد (خمسة عشر عرضا)، هناء سعد الدين (تسعة عروض)، منصور مهدي (عرضين).
ويلاحظ مما سبق ندرة عروض بعضهم بالرغم من استمرارية وضعهم الوظيفي، حيث لم يتعد عدد تجارب بعضهم خلال العمر الوظيفي كله خمسة عروض (ومن بينهم: أحمد هاني، بديوي عبد الظاهر، شريف عبد اللطيف، صبحي يوسف، علي خليفة، فتحي الكوفي، فتوح الطويل، محمود عبد الحافظ، منصور مهدي)، وذلك نظرا لرحيل البعض عن عالمنا وكذلك لتفضيل بعضهم العمل ببعض الدول العربية الشقيقة. 
هذا وتجدر الإشارة إلى أن هناك في جيل الثمانينيات من لم يكملوا مسيرتهم حتى الألفية الثالثة بسبب رحيلهم للأسف عن دنيانا وهم أبجديا”: أبو بكر خالد، جلال عبد القادر، رزيق البهنساوي، صالح سعد، عاصم رأفت، عبد الرحمن عرنوس، فؤاد عبد الحي، فيصل عزب، منصور مهدي، محمود أبو جليلة، نبيل الهجرسي، هناء سعد الدين، هناء عبد الفتاح، وأخيرا محسن حلمي، وإن كان بعضهم قد ترك ذكرى طيبة ببعض العروض التي تعد علامات مضيئة مثل: عرضي “الرقصة المجنونة” 1980 بالمسرح القومي، و”رسائل قاضي أشبيلية” 1987 بالمسرح المتجول، وهما من إخراج أبو بكر خالد، “حكاية شعبية” 1985 إخراج/ بديوي الظاهر ومن تأليف/ حسن أحمد حسن، وعرض “ إزى الصحة” 1983 من اخراج/ جلال عبد القادر وتأليف/ أحمد عفيفي، وعرض “حلق حوش” 1990 من إخراج/ رزيق البهنساوي وتأليف/ فوزي عيد، وعرض “زفة المحروسة” 1988 من إخراج/ صالح سعد بمسرح الطليعة تأليف/ محمد الفيل، وعرض “ليلة زفاف إليكترا” 1989 إخراج/ عاصم رأفت وتأليف/ مهدي بندق، وعرض “المهر” 1989 إخراج/ فؤاد عبد الحي وتأليف/ منصور مكاوي، وعروض الراحلين/ المخرج/ هناء سعد الدين الذي قدم مجموعة عروض جيدة للأطفال ومن بينها: “الحيوانات على السفينة” 1986 على المسرح القومي للطفل، والمخرج/ هناء عبد الفتاح وعرضيه المتميزين “الفيل يا ملك الزمان” 1986 بمسرح السامر و(الشعبة التجريبية) تأليف/ سعد الله ونوس، و”مشاحنات” 1998 بالمسرح الحديث تأليف/ كاترين هيس.
كذلك يجب الإشارة إلى أن بعض مخرجي الثمانينيات قد انصرفوا عن الإخراج المسرحي  وانشغلوا بمهام فنية أخري أبرزها التمثيل، حيث انشغل المخرج/ أشرف زكي الذي لم يقدم منذ عام 2010 سوى عرض هزلي بعنوان “سكر هانم” لانشغاله بالتدريس والعمل النقابي بجانب التمثيل، كذلك تحول اهتمام المخرج/ انتصار عبد الفتاح إلى مهرجانه الخاص بالطبول والإنشاد منذ عام 1998، وإن كان قد قام بإعادة إخراج عرضه المهم “مخدة الكحل” عام 2019، وأيضا المخرج/ سيد خاطر الذي ركز اهتمامه بالتدريس والسفر لدولة الكويت ثم تولي بعد عودته بعض المناصب القيادية (رئيس قطاع الإنتاج الثقافي)، وإن كان قد عاد للإخراج عام 2019 ليقدم عرض “توهان” من تأليفه وإخراجه. وكذلك المخرج/ علي خليفة الذي لم يقدم سوى ثلاثة عروض وتوقف منذ عام 2006 بعد إخراجه لمسرحية “بيت الدمية” لهنريك ابسن في المسرح القومي، ليركز نشاطه في التمثيل والتدريب للوجوه الجديدة. وماهر سليم الذي ركز اهتمامه أيضا في الاداء التمثيلي بعدما قدم عرض “أمير الأراضي البور” 2003 بمسرح الطليعة تأليف ماكس فريش، ثم “الحادثة إللي جرت” عام 2010، والمخرج/ محمد أبو داود بتركيز نشاطه في التمثيل منذ آخر عروضه “مولد سيدي المرعب” عام 2010 بعد أن سبق له أن قدم ثمانية عشر عرضا مسرحيا كوميديا لبعض مؤلفي الكوميديا المتميزين (من أمثال: مصطفى سعد، لينين الرملي، بهيج إسماعيل، مهدي يوسف، ويوسف عوف)، وتكرر ذلك أيضا مع المخرج/ محمد عبد المعطي الذي قدم عرض “مؤتمر الحيوانات” للأطفال 2004 تأليف/ يسري خميس ثم انشغل بالتدريس والتمثيل.
وكذلك إختفى عن ساحة الإخراج المسرحي منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعض المخرجين: فاروق زكي الذي قدم عرض “الأب” 2001 بالهناجر عن أوجست سترنذبرج، وفتحي الكوفي الذي قدم عرض المتميز “جواز مع النفاذ” بمسرح الشباب لتوفيق الحكيم، وكانت آخر عروضه مونودراما بعنوان “حبيتي بدرية” عام 1996، وفتوح الطويل الذي قدم عرضيه “الثائر والشاعر والغريب”، الطبيب يأتي مبكرا عام  1986 بالمسرح المتجول، وكمال الدين حسين الذي قدم عرض الجيد “الذباب الأزرق” 1984 بالمسرح المتجول تأليف/ نجيب سرور، ومصطفي سعد وعرض “ما تستفهمش” 2004 بمسرح الطليعة من تأليفه وإخراجه، وأحمد هاني الذي أخرج عرض “حارة العشاق” 1989 عن نجيب محفوظ بمسرح الطليعة. 
ونحن مع ذلك لا نستطيع أن نتجاهل بعض العروض المسرحية المميزة والشائقة التي ظلت بالذكرة مثل: مسرحية “الإسطبل” في مسرح الطليعة 1997  من إخراج/ أحمد مختار وتأليف/ عزة شلبي، ومسرحية “مخدة الكحل” 1998 في مسرح الطليعة من إخراج/ إنتصار عبد الفتاح، المستلهم من دراسة حول واحة سيوة، وهو تجربة جديدة في توظيف الفولكلور والمسرح، وعرض “حمام شعبي” 1996 بمسرح الطليعة لإميل شوقي وتأليف/ محمد الفيل، والذي يغوص في العالم السري للطبقة المهمشة من خلال طقس الزار، وعرض “لما قالوا ده ولد” بمسرح الشباب من إخراج/ إيمان الصيرفي وتأليف/ أمير سلامة الذي اعتمد على براعة الإيقاع وإتقان الأداء التمثيلي لتيسير فهمي وهادي الجيار لتكشف ما بداخل النفس من صراع بين الذكر والأنثى، وعرض “شفيقة ومتولي” 1998 بمسرح الغد إخراج/ أشرف زكي وتأليف/ شوقي عبد الحكيم وتميز بسرعة إيقاعه، وعرضي “نوبة صحيان” 1988، و”داير داير” من إخراج/ حسن الجريتلي، والعرض الأول من تأليف/ داريوفو وفرانكا راما والثاني من تأليف/ الفريد جاري. وكذلك العرض البديع “راكبوا البحر” 1986 بالمسرح المتجول من إخراج/ سيد خاطر وتأليف/ جون ميلنجتون سينج، وأيضا يمكن الإشارة إلى تميز عرض “ما أجملنا” 1999 من إخراج/ محمد الخولي بمسرح الطليعة تأليف/ محفوظ عبد الرحمن، وأيضا العروض التجريبية الأربعة محكمة الصنع للمخرج/ محمد عبد الهادي وهي: “رجال لهم رؤوس” 1983 بالمسرح المتجول تأليف/ محمود دياب، “ماراصاد” 1987 بالمسرح الحديث تأليف/ بيتر فايس، “الملك لير” 1991 بمسرح الطليعة لوليم شكسبير، “الحارس” عام 1996 بالمسرح القومي تأليف هارولد بنتر.  لكنه ركز إهتمامة فى التدريب على الاداء المسرحي  وفنيات المسرح ، ولكن للأسف فإن أغلب هؤلاء المخرجين الطموحين الذين بدأوا بدايات قوية مبشرة قد تعثرت خطواتهم وتقلص عدد عروضهم بصفة عامة، بحيث أصبحت عروضهم المتميزة قد لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة. ، وأن كان بعضهم قد وفقوا في ترك لمحات تشير إلى ما كانوا يصبون إلى تحقيقه خاصة المخرج محمد عبد الهادي .
وبخلاف مجموعة التصنيفات السابقة يمكن على المستوى الكيفي رصد فئة أخري من المخرجين المتميزين – سواء كانوا من المعينين بفرق الدولة أو من الخارج – الذين حرصوا على تقديم أعمال تجمع بين الفكر والفن، وتطلعوا إلي ترك بصمتهم الإبداعية المتميزة على أغلب عروضهم، وذلك بالرغم من تحملهم لبعض الظروف الصعبة والمعوقات التي لم تتح لهم غالبا فرصة استكمال مشاريعهم الإبداعية وتحقيق كل ما سعوا إليه. فبخلاف هؤلاء المخرجين الذين سبق ذكرهم ولم يستطيعوا أن يقدموا سوى عدد قليل من العروض المتميزة لم يتبق من الجيل الذي بدأ في الثمانينيات سوى ستة مخرجين تركوا بصمة واضحة وهم: عصام السيد (تسعة وأربعون عرضا)، عمرو دوارة (واحد وعشرين عرضا)، محسن حلمي (ستة وعشرين عرضا)، مراد منير (خمسة عشر عرضا)، ناصر عبد المنعم (تسعة وعشرون عرضا)، هشام جمعة (إثنى عشر عرضا). فبعض عروض هؤلاء المخرجين مازالت تضيء في ذاكرة المسرح المصري مثل بعض عروض المخرج/ عصام السيد (التي قدمها بمسارح لدولة بعيدا عن إطار المسرح التجاري الخاص)، فنتوقف عند تجربته في عرض “درب عساكر” 1985 بالمسرح المتجول تأليف/ محسن مصيلحي كعرض إرتجالي، و أيضا عرض “منمنمات تاريخية” 1995 بالمسرح القومي تأليف سعد الله ونوس،وقضيته الجرئيية وثلاثية المخرج/ عمرو دوارة المميزة “خداع البشر” 2001 بمسرح الهناجر تأليف أمير سلامة، و”السلطان يلهو” 2002 بمسرح الغد تأليف/ محفوظ عبد الرحمن، و”يوم من هذا الزمان” 2003 بمسرح الغد تأليف/ سعد الله ونوس، وتميزهم بالايقاع المنضبط وتوظيفه الجيد للمفردات المسرحية ، ونشير أيضا إلى العروض المتميزة للمخرج/ مراد منير “منين أجيب ناس” 2003 بمسرح السلام لنجيب سرور  (وهو العرض الذي  سبق أن قدمه للمرة  الثالثة  على خشبات المسارح)،  وعرض “ الملك هو الملك” بمسرح  السلام  تأليف/ سعد الله  ونوس (والذي قدمه ثلاث مرات أيضا)، ونسجل أيضا للمخرج/ محسن حلمى عدة عروض متميزة جمعت بين الفكر وتقديم المتعة وتحقيق الجماهيرية ومن أهمها العروض الثلاث: “دقة زار”مسرح الطليعة 1980 ، “ألف ليلة وليلة”  لبيرم التونسي بدار الأوبرا المصرية 1996 ، “اللهم اجعله خير” بالمسرح الكوميدي 1997 . وكذلك نشير لأهم عرضين للمخرج/ ناصر عبد المنعم وهما: “رجل القلعة” بمسرح الغد 2005 تأليف محمد أبو العلا السلاموني، و”الطوق والأسورة” بمسرح الطليعة 1996 عن قصة ليحيي الطاهر عبد الله إعداد/ سامح مهران (والذي حصل على عدد من جوائز المهرجانات مثل مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي 1988، ومهرجان المسرح العربي 2019، ومهرجان أيام قرطاج المسرحية 2019، وذلك لإرتباط العرض بالجماليات الشعبوية)، كما نشير إلى أن أبرز عروض المخرج/ هشام جمعة في مسرح المحترفين فنتوقف عند عرض “برلمان الستات” بالمسرح الحديث 1988 تأليف الإغريقي/ أريستوفانيس، وعرض “حمام روماني” 2009 بمسرح الطليعة تأليف/ ستانسلاف ستراتيف.
ولعل هذا المنهج الإحصائي قد لا يرضي الكثيرين عنه خاصة الأصدقاء من المخرجين الموهوبين الذين لم يحققوا الإنجاز المتوقع منهم لسبب أو لآخر، ولندع من يتوهم منهم أنه قد حقق طفرة أو اعجازا في تارخنا المسرحي. وتقتضي الموضوعية أن نسجل أيضا حقيقة مهمة وهي أن هذه الدراسة - والتي تم من خلالها رصد وتقييم أعمال مخرجي جيل منذ ثمانينات القرن الماضي – قد أغفلت تماما الإسهامات الإيجابية والجهود الإبداعية لعدد من المخرجين المتميزين بمختلف مسارح الهواة (الأقاليم والشركات والجامعات)، وفي مقدمتهم كل من المخرجين (أبجديا): إميل شوقي، إيمان الصيرفي، حسن الجريتلي،  وتجاربه  في “نوبه صحيان” و”غدير الليل” صالح سعد، عاصم رأفت، عصام السيد، عمرو دوارة، محسن حلمي، محمد الخولي، مراد منير، ناصر عبد المنعم، هشام جمعة والذي من بينهم بصفة خاصة 
وأخيرا لنتوقف عند أسباب تردي مسرحنا في الثمانينيات في زمن حكم الرئيس/ حسني مبارك والتي انتهت بثورة 25 يناير 2011 وما بعدها، وأولى هذه الأسباب هو تحكم الإقطاع البيروقراطي الذي يحكم الحياة في مصر بشكل عام والحياة الثقافية على وجه الخصوص رغم أن تلك الفترة قد سمحت فيها السلطة بقليل من النقد والمعارضة الشكلية خاصة في السينما الروائية  كنوع من “التنفيس” منعا للإنفجار الحتمي، والذي قد حدث بالفعل في 25 يناير 2011، ولكن للأسف سرعان ما حدث الإلتفاف على هذه الثورة وتم الإنفجار في كل تقرحات وتقيحات الطبقات الاجتماعية وأصبحت ثورة في مهب الريح!! لن أضيف كثيرا إلى الدراسات العلمية والتألق الإبداعي في مجال “الإخراج المسرحي” الذي تم إنجازه على مستوى العالم، وأتساءل هل استطاعت عروضنا الوصول إلي أي مستوى إبداعي منشود؟ خاصة وقد بدأت دورات مهرجان “القاهرة الدولي للمسرح التجريبي” منذ عام 1989 الذي قد توهم البعض انه قد يغني عن ارسال بعثات علمية الي الخارج لدراسة المسرح ، او انه قد يصنع جسورا بين مسرحنا المصري ومسارح بلاد العالم الاخرى شرقا وغربا – لكننا للأسف لم تأتي الثمار المرجوة من هذا المهرجان الدولي وتحول بعضنا الي ناقلين او مقلدين – دون تأصيل لهوية مسرحنا المصري والعربي ، وظلت التجارب الفردية تطغي على الحركة المسرحية المصرية ولم تصبح تيارا او تأسيسا لمسرح جديدا ، وهو الامر الذي يحتاج الي اعادة نظر – ويحتاج الى مزيد من حرية الرأي والانطلاق الي آفاق ارحب بما يجعلنا نرى اهمية استكمال هذا المنهج الإحصائي الذي اتخذناه منهجا لهذه الدراسة بتقديم دراسات أخرى توضح كثيرا من المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كان لها تأثير كبير على ابداعات هذا الجيل من المخرجين والأجيال التالية لهم.


عبد الغنى داوود