ميكانيكا المسرح المعرفة التي لا تنتقل تكتهل(1)

ميكانيكا المسرح المعرفة التي لا تنتقل تكتهل(1)

العدد 604 صدر بتاريخ 25مارس2019

كتب المخرج، الدراماتورج، وأستاذ المسرح بجامعة هافانا –كوبا- كارلوس سيلدران Carlos Celdran رسالة جميلة ومؤثرة قرأها الكثيرون من عشاق فن المسرح عبر العالم، وستحتفل بقراءتها الخشبات في يوم المسرح العالمي الذي يصادف 27 من مارس كل سنة.
كتب المسرحي الكوبي في ما كتبه العبارات التالية: قبل معرفتي بالمسرح والتعرف عليه، كان أساتذة المسرح وهم أساتذتي بالطبع موجودين هنا، كانوا قد بنوا إقامتهم ومناهجهم الشعرية على بقايا حياتهم الشخصية. الكثير منهم الآن غير معروفين، أو لا يستحضرون كثيرا في الذاكرة. كانوا يعملون في صمت، وفي قاعات التدريبات المتواضعة داخل المسارح المزدحمة. بعد سنوات من العمل والإنجازات الرائعة راحت أسماؤهم تتوارى تدريجيا ثم اختفوا.
في كلمة هذا المسرحي الكوبي الشفيفة كثير من الأشياء التي لا ينبغي إغفالها. أو لأقل إنها –ووراء ستارة البداهة- تذكرنا أو تعلمنا أشياء ربما نعرفها وربما لا نعرفها، لكننا –حتما- ننساها أو نتناساها ونحن ننشغل ونشتغل بهذا المسرح وفيه. وسأضع الأصبع على إشارات ثلاث أعتبرها أساسية في علاقتها بالموضوع الذي نجتمع من حوله هذا اليوم:
- أولى الإشارات، هي أن المسرح ليس كباقي الأشياء التي يمكن أن نقوم بها هكذا بكل بساطة. إنه يمتزج بالحياة على نحو مريع وخطير.
- المسرح كذلك استئناف متواصل للسير، إذا قررت أن تخوض تجربته فأنت تقرر أن تستأنف مسيرا، وطريقا طويلا ستكون فيه محطة بين محطات سابقة، وأخرى لاحقة.
- لا يتعلق الأمر في المسرح بإتقان الظهور ولكن كذلك بإتقان الاختفاء. على رجل المسرح أن يعي تماما أن المسرح لا ينتهي عنده، وأنه أبدا لن يكون محطة أخيرة، لأنه ببساطة ليس هناك من محطة أخيرة.
تستلزم الإشارات السابقة تواطؤا ما يفتأ يتجدد يعرفه المسرحيون عبر العالم، وهو لا يتجدد إلا لأن أهل المسرح –الحقيقيين طبعا- متواضعون بطبعهم وطبيعتهم. لا أتحدث هنا عن التواضع الأخلاقي، ولكن عن التواضع المعرفي، تواضع أمام ما قيل، وتواضع أمام ما ينبغي أن يقال.
تستلزم الإشارات السابقة –كذلك- أن كل إخلال بهذا التواطؤ، يستتبع إخلالا بحياة المسرح وحياة من يحيون من حوله، مادام أن هذا المسرح يمتزج –وكما سبق أن قلنا- على نحو خطير ومريع بحياة الآخرين.
الآن ماذا يحدث؟
يحدث أن التجارب المسرحية تتحدث عن بعضها بتشنج واضح، ويدعي كل «جيل» بأنه وجد بمعزل عن أي وجود سابق، وهو إذ يقول هذا لا يفسح –بطبيعة الحال- إمكانية لوجود جديد. ينكر السابق على اللاحق رغبته في الظهور ويتأولها قتلا له، وينكر اللاحق على السابق وجوده ويتأوله وصاية واستبدادا. يحدث هذا الإنكار المتبادل –في تقديرنا- في غفلة من طبيعة المسرح، ومن طبيعة المعرفة عموما. يحدث ذلك إذ يتحول التواطؤ –الذي اكتشفناه في رسالة المسرحي الكوبي- ليصبح صراعا، ويتحول الانتقال ليصبح محوا واستبدالا، تتحول الرغبة في الوجود والحياة في المسرح وبه إلى مجرد رغبة خامدة وباهتة في البقاء والاستمرار.
الصراع من أجل الاعتراف:
يذكرني هذا الوضع بمسألة «الصراع من أجل الاعتراف» التي سبق وأن اجترحها هيغل في سياق توصيفه لطبيعة «الإنسان الأول»(2). وهو الصراع الذي يصفه الفيلسوف الألماني بالمعركة الدامية. إن ما يميز هذه المعركة هي حالة العنف القصوى، فالحقيقة الاجتماعية بعيدة كل البعد على أن تكون حقيقة حب ووفاق، إنها على العكس تماما حقيقة حرب معلنة، أهواء متضاربة، حرب الكل ضد الكل...
نجد شيئا موافقا لما ذهب إليه هيغل عند هوبس كذلك في توصيفه لحالة الطبيعة، إذ يشير إلى أن الناس يمكن أن يتصارعوا لثلاثة أسباب رئيسية: المنافسة، عدم الثقة، المجد. بحسب هوبس فإن الشيء الأساسي الذي يؤدي إلى الصراع ليس الطمع في أشياء مادية فقط، إنما إرضاء كبرياء وغرور بعض الطموحين أيضا (3).
بالنسبة لهيغل وهوبس فإن هذا الصراع لا يمكن أن يفضي إلا إلى إخضاع طرف لآخر، وأن هذه المعركة الدامية تقود تاريخيا إلى علاقة السيد والعبد التي ينظر إليها هيغل على أنها مرحلة ضرورية في التاريخ الإنساني وإن كان يعلم أن علاقة من هذا النوع هي علاقة بدائية وقمعية. أما هوبس فلا يستطيع أن يرى في هذه العلاقة إلا شكلا من أشكال الاستبداد...
بطبيعة الحال –وحتى نظل متفائلين- نقول أن لا أحد يريد أن تنسب إليه تهمة الإساءة إلى نبل المسرح، أو حتى تهمة الإساءة إلى الآخرين، ولا أحد سيقبل أن يقال عليه أنه نقل الصراع من الخشبة –حيث مكانه الطبيعي- إلى صراع مع رفقائه فقتل أبا بجحوده، أو وأد ولدا بإنكاره. و لا أحد سيقبل تهمة الاستبداد، مثلما لن يقبل أحد أن يكون لا عبدا ولا حتى سيدا. فمهما أوغل المسرحيون في ابتعادهم عن المسرح فسيتذكرون –حتما- وسيحدسون أن تسميات من قبيل (الصراع، العبد، السيد...) هي بعيدة كل البعد عن روح المسرح وفلسفته، وينبغي أن تظل بعيدة عنه. على أن هذا التفاؤل لا يغيب حقيقة وجود صراع يبدل جلدته بين العنف واللين، بين السفور والكتمان، لكنه صراع موجود لا يمكن إنكاره.
المسرحيون أذكياء، ولهذا فهم يلجؤون إلى ما يشرعن صراعاتهم عموما، وصراعات الانتقال خصوصا، إرضاء وتنزيها لذواتهم المشتغلة بـ «الفن»، وحفظا لـ «نقاء» مفترض وظاهري لحقلهم ومجالهم الذي ينتمون إليه. إنهم يستبدلون الكلمات والمفاهيم بكلمات أخرى ومفاهيم أخرى، كأن يستبدلوا كلمة «الصراع» التي لا تشرف أحدا بكلمة أخرى أكثر عذوبة هي كلمة «التدافع» مثلا، مع ما يستلزمه هذا الاستبدال من استبدال حقل معجمي بآخر، فيصير الغرور والتبجح تقديرا للذات وثقة في النفس، ويصير الخلاف اختلافا، والإخضاع تميزا، وإنكار الوجود دفاعا عن الحق في الوجود...
يفضي هذا الاستبدال الذي يقع على مستوى المفاهيم بتحويل الصراع ليكون تدافعا شرعيا، ليس إلى تعطيل إحلال مجايلة حقيقية فقط، بل إلى تعطيل وعي الحاجة إلى هذه المجايلة. إن ما يحتاجه المسرح ليس استبدالا للمفاهيم، ولكن تحويلا جوهريا يطال هذه المفاهيم، تحويل الصراع ليصبح تدافعا حقيقيا واعيا.
في نهاية المطاف، على الجميع أن يطمئن أن هناك صيغ مسرح، وليست هناك صيغة يمكن أن نطلق عليها اسم «المسرح» ولن تكون، كما أن المسرح ليس متحفا، تعرض وترتب فيه القطع جنبا إلى جنب، وتحفظ فيه الأماكن مسبقا وأبدا، وهذا يعني أنه ينتشي بالنبش والتقليب لا بالتحنيط. من هنا تأتي حاجة المسرح للتدافع لا للصراع، التدافع سيرورة منتجة، لا تذهب بالضرورة نحو نهاية، ولا تحتم إقصاء أو إخضاعا، يحتفي التدافع بالاختلاف ويمجده، يفسح مجالا لوجود آخر بل ويستلزمه، لا ينطلق التدافع من وهم اليقين لذا فهو يحتمل التساكن والتجاور.
إن إحلال مجايلة حقيقية لن يتم في تقديرنا إلا بإحلال عقيدة التدافع مكان عقيدة الصراع، على أن هذا الإحلال إنما هو إحلال معرفي أولا وأخيرا، ولن يتم إلا بإحلال وعي جديد ضروري.
وعي اتصال المسرح والمعرفة عموما:
كتب البروفيسور مارفن كارلسون، وهو واحد من أهم الدارسين الأجانب للمسرح العربي –كتب- دراسة طريفة وعميقة في نفس الوقت، يستنطق فيها التجربة المسرحية بكثير من الروحانية التي تسندها رؤية عميقة لهذه التجربة بما هي معرفة أولا، وللمعرفة بما هي اتصال ثانيا. كتب دراسة عنونها بـ«المسرح المسكون»(4)The Haunted Stage، ينظر مارفن كارلسون إلى أن الأشياء التي نراها أو نسمعها على الخشبة إنما هي أشياء سبق توظيفها، هكذا يكون المسرح مستودعا كبيرا للذاكرة الثقافية، إن إعادة حكي القصص، وممارسة العواطف التي سبق ممارستها على الخشبة، واستخدامات أجساد الممثلين، والأماكن التي تروى فيها القصص، وتلك التي احتضنت القصص، وحتى المواد الفيزيقية التي توظف في العروض، كلها أشياء يعاد تدويرها لتشغيل آلة المسرح الكبيرة والعجيبة، أو الآلة السيبرنيتيكية كما وصفها رولان بارث(5). نقرأ من كلام مارفن كارلسون «إن كل مسرحية هي مسرحية ذاكرة (...) إن المسرح هو مستودع الذاكرة الثقافية، لكنه ومثل ذاكرة أي فرد فهو خاضع أيضا للتعديل والتغيير حيث تستدعى الذكريات في ظروف وسياقات contexts جديدة. فالتجربة الحالية تسكنها أشباح تجارب وتداعيات associations سابقة. وفي نفس الوقت يتم تبديل وتعديل تلك الأشباح عن طريق إعادة التدوير recycling والتذكر...»(6)
ينظر البروفيسور مارفن كارلسون إلى المسرح من حيث ينبغي النظر إليه، أي من حيث هو معرفة، فميثاق المسرح الذي بموجبه تتحقق اللحظة المسرحية، وتنتقل من لحظة تعاش وتتداول في مكان وزمان خاصين، لتصبح تجربة قابلة للاستعادة، القراءة والمراجعة، هي لحظة معرفية. كما أن الطابع المفارق الذي يسم الفعل المسرحي عموما في مراوحته بين الاجتماعي العام والحميمي الخاص، هو لحظة معرفية أيضا. ثم إن لحظة تلقي العرض المسرحي، بما هي لحظة حيرة وأسئلة، لحظة التواجد في مكان بيني، لا هو بالحقيقي تماما ولا هو بالزائف تماما، لحظة اكتشاف الجسد والذات في لقائها مع الجسد الآخر والذات الأخرى، وما سيسفر عنه هذا اللقاء، لحظة تذوق الأشياء وهي تظهر على نحو جديد نعرفه ولا نعرفه، كلها لحظات معرفية بامتياز...
على أن مقول مارفن كارلسون السابق لا يكتفي بخلع الطابع المعرفي – الذي لا يهمنا هنا إلا بشكل مبدئي- على تجربة المسرح، بل يؤكد على شيء أساسي يميز المعرفة عموما ومنها المعرفة المسرحية، وهو قابلية هذه المعرفة للانتقال، بل واستلزامها لهذا الانتقال. ما عساها تكون التجربة المسرحية غير تذكر وتدوير مستمرين لتجارب سابقة؟
تخفي كلمتا التذكر والتدوير وعيا عميقا وأساسيا بقواعد التجربة المسرحية بما هي تجربة معرفة. في هذا الصدد، يذهب إدغار موران إلى أن المعرفة تنتقل انطلاقا من خواص ثلاث أساسية: الملازمة، الانفصال والاتصال(7)...
لا يمكنك ببساطة أن تسهم في إبداع مسرحي، كيفما كان وجه إبداعك ما لم تلازم المعرفة المسرحية السابقة، وتعني الملازمة الانتماء للعالم نفسه، فمثلما تفترض المعرفة الفيزيائية انتماء للعالم الفيزيائي، تفترض المعرفة المسرحية انتماء للعالم المسرحي، عالم الآخر الذي انوجد قبلنا. من دون ملازمة يكون الانفصال المطلق، ويكون الاتصال مستحيلا. إن فعل التذكر عند كارلسون هو المعادل الموضوعي لفعلي الملازمة والاتصال عند موران. على أن فعل التدوير يقابل فعل الانفصال، فالمعرفة والذات العارفة لا تتواجدان إلا بتحقيق هذا الانفصال عن الأشياء التي لازمناها واتصلنا بها، بمقتضى هذا الشرط نستدعي ما تذكرناه وما لازمناه في سياقات جديدة. هنا فقط يكون الإبداع، هنا يتحقق المسرح، وتكتمل حقيقة المعرفة.
إن وعي الحاجة إلى تدبير حقيقي لسؤال المجايلة، يبدأ أولا بوعي طبيعة المسرح بما هو معرفة متنقلة، ومتغيرة، وباحترام الشروط التي تضمن انتقالا طبيعيا للتجربة المسرحية دونما تعسف.
الوعي بالتاريخ:
ولا نقصد هنا التاريخ من حيث هو تراكم للأحداث والوقائع، أو تاريخ المسرح حتى، فهذا يدخل في باب الاتصال والملازمة المعرفيين اللذين يتوجب على كل رجل مسرح أن يحصلهما. ولكننا نقصد فكرة التاريخ في حد ذاتها، وفلسفة هذا التاريخ. يسند وعي من هذا القبيل وعينا بالتجربة المسرحية من حيث أنها تجربة تكون وتحفظ داخل التاريخ، ومن ثم حتمية حفظ هذا التاريخ بتنظيم تداول فقراته. يعلمنا هذا الوعي أن نظرتنا إلى المستقبل محكومة أبدا بالنظر في الحاضر وفي الماضي، وأن الزمن في التاريخ يتنظم علائقيا بين هذه الأقانيم الثلاثة، وهي علاقة لا تتوقف عن التغير والتبدل والتحول، ودون أن يستلزم الأمر أفضلية زمن على آخر. بتحصيل الوعي بالفكرة العميقة للتاريخ، نعرف هشاشة الأثر والموضوع التاريخي وهي هشاشة متحصلة من لا ماديتهما. إذا تأملنا جيدا هذه الحقيقة، أمكن لنا أن نفهم جيدا أن التجارب المسرحية تخلف آثارا وحقائق رمزية هشة وجب حفظها، على أن الحفظ الذي نقصد لا يعني التحنيط والتقديس بقدر ما يعني التأويل. فعندما نقول بهشاشة الأشياء الرمزية فإنما نقول بحاجتها الدائمة إلى التأويل. إن تاريخ المسرح بما هو سرد للانتقالات والانعطافات وتجارب الجماعات والأفراد والحساسيات والتجارب، لا ينفصل في شيء عن إعادة البناء الرمزية لكل ما سبق من خلال إعادة ترتيب العناصر التي لطالما وجدت هنا أو هناك، في هذا الزمن أو ذاك...
لهذا فعندما نطرح فكرة الوعي بحركة التاريخ فإنما نطرح تدبيرا معقولا ومفكرا فيه للتداول، للمجايلة في إطار زمن تاريخي موضوعي، وإلا فإن تعطيل هذه المجايلة أو حتى عدم الاعتقاد في حتميتها أو الحاجة إليها يدخلنا في وعي أسطوري يصفه كاسيرر بأنه وعي لازمني، يتصف بعدم الانقسام، يتماهى مع نفسه، ثابت ولا متغير، ليس له مبنى محدد، إنه زمن أزلي لأن الأسطورة ترى أن الماضي لم ينته بل لا يزال مستمرا(8).
على سبيل الختم:
إن سؤال المجايلة ليس بالسؤال السهل والهين، ولا يمكن استيعابه ضمن إجراءات تدبيرية تلجأ إليها المؤسسات المعنية بالتجربة المسرحية –على أهمية هذه الإجراءات- لتنظيم التداول وتمكين الممارسين من الأجيال المختلفة من الاشتباك الإيجابي بعضهم ببعض. بالنسبة لنا، إنه سؤال معرفي أساسا، يرتبط بنظرتنا إلى هذا الفن الذي ننتمي إليه جميعا، وبما نريده منه، يرتبط بنظرتنا إلى المعرفة، وبنظرتنا إلى أنفسنا وإلى الآخر، بقراءتنا للتاريخ والأثر، باستبصاراتنا عن المستقبل...
لا يمكن تدبير مسألة المجايلة، إلا بربط الطموح الفردي بالجماعي، الفكرة الخاصة بالعامة، المسرح لم يكن أبدا مكانا مهجورا، المسارح الكبرى تحتل أمكنة رفيعة وسط المدن، لذلك فعندما ندخل مسرحا –أيا كانت طبيعة دخولنا- فإنما ندخله للتداول في شأن ما يهمنا جميعا، وليس من المنطقي في شيء أن يدعي شخص ما معرفة ما يهمنا جميعا. في المسرح نتعلم كيف نرغب في الأشياء، وفي المسرح أيضا نتعلم كيف نرشد الرغبات والأهواء.
لقد أبدع المسرح من صميم وجوده مؤسسة معنوية مهمة، وهي مؤسسة الجمهور، وعندما نتحدث عن المجايلة، علينا أن لا نغفل الدور الذي يمكن أن تقوم به هذه المؤسسة إن وجدت وتسنى لها أن توجد كما ينبغي لها أن توجد. للمؤسسات الأخرى العاملة داخل وحول المسرح رهاناتها، لكن رهان الجمهور كان وسيظل هو مشاهدة فرجة مسرحية جيدة تهمه. إذا نظرنا إلى هذه النقطة بما يجب من الوعي والأهمية أمكن لنا أن نفهم لماذا تتم عملية المجايلة على نحو سلس في المجتمعات ذات التقاليد المسرحية العريقة، ولماذا يتعطل الأمر عندنا...
أعود إلى نقطة البدء وأقول: لا يتعلق الأمر في المسرح بإتقان الظهور فقط، يتعلق الأمر كذلك بإتقان الاختفاء. كما أن الانتماء إلى المسرح هو استحقاق، ولا ننتمي إليه –حقيقة- بمجرد أن ننوي ذلك، ونريده. على رجل المسرح أن يشتغل دائما كي يستحق انتماءه لفن المسرح...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - ألقيت هذه الورقة لأول مرة بملتقى الشارقة السادس عشر للمسرح العربي، ومهرجان دبا الحصن الرابع في الفترة ما بين 27 فبراير و3 مارس 2019.
2 - للمزيد حول هذه النقطة، انظر كتاب «فينومينولوجيا الروح» لهيغل، ترجمة وتقديم د، ناجي العونلي، عن منشورات المنظمة العربية للترجمة، ط 1، أبريل 2006.
3 - للمزيد، انظر كتاب «اللفياثان: الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة»، ترجمة: ديانا حرب وبشرى صعب. منشورات هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث ودار الفارابي. ط 1، يناير 2011 وبالضبط القسم الأول المعنون ب «في الإنسان».
4 - مارفن كارلسون: المسرح المسكون. ترجمة جمال عبد المقصود. منشورات المجلس الأعلى للثقافة، ط 1، 2005.
5 - Roland Barthe: Essais critique. Editions du Seuil 1981. P 267.
6 - مارفن كارلسون: مرجع مذكور، ص 15.
7 - ادغار موران: المنهج: معرفة المعرفة، الأفكار. الجزءان الثالث والرابع، ترجمة الدكتور يوسف تيبس، منشورات إفريقيا الشرق، ص 44.
8 - الزواوي بغورة: من فلسفة التاريخ إلى «علم التاريخ» بحث في أسس المعرفة التاريخية عند إرنست كاسيرر. مجلة عالم الفكر، العدد 177، ص 15/16.


كمال خلادي