من دفتر أحوال المسرح المصرى عرض «لا مؤاخذة يا مستر ريختر»

من دفتر أحوال المسرح المصرى  عرض «لا مؤاخذة يا مستر ريختر»

العدد 818 صدر بتاريخ 1مايو2023

في موسم عام 1996 – 1997– أي منذ (27) سبعة وعشرين عاما، قدم المسرح الكوميدي عرض «لا مؤاخذة يا مستر ريختر» في مسرح محمد فريد، وكانت قد تواصلت تدريبات هذا العرض لعدة شهور، وفوجئ فريق المسرحية بأن رئيس هيئة المسرح يعترض على عرضها معلنا أن مؤلفها (الراحل نبيل بدران) 1941 –نوفمبر 2004 يداوم على انتقاد وزارة الثقافة ونشاطها، وأن وزير الثقافة ساخط على هذا المؤلف بسبب هجومه على الوزارة ]وأنه ليس من المنطقي أن تنفق الوزارة أموالها على إنتاج نص مسرحي يقدمه مثل هذا المؤلف[.
لكن التدريبات استمرت مع محاولات التوفيق، ولما لم يقنع هذا السبب إيقاف العرض فوجئ فريق المسرحية بإعلان أن نص هذه المسرحية تم سرقته من مسرحية أخرى.
وأن هذه المسرحية وعنوانها “خيمة على النيل” تأليف (جلال محمد)! وهو المؤلف الذي لم يسبق له كتابة مسرح من قبل –بل ولم يكتب نصا مسرحيا بعد هذا الادعاء، وأن هذا النص يتناول موضوع (الزلزال) الذي ضرب البلاد عام 1992، واعتبروا أن هذا الموضوع هو نفس موضوع عرض “ريختر”، فتشكلت لجنة من المتخصصين لدراسة (النصين) من المتخصصين في المسرح، وهم: الراحلون ]د. عبدالمعطي شعراوي، د. حسن عطية، الشريف خاطر، د. محسن مصلحي، د. مدحت أبو بكر، مختار العزبي والدكتور جلال حافظ، وقررت اللجنة بإجماع الآراء عدم وجود أي تشابه بين النصين، لأن فكرة الزلزال شائعة عند الجميع، وأن نص “لا مؤاخذة يا مستر ريختر” بريء من هذه التهمة، ورغم هذا القرار ظل العرض معوقا، ولم تُتح له المدة الكافية لتقديمه رغم توفر اختيار فريق أداء تمثيلي متميز على رأسه النجم الراحل (عمر الحريري) 2/2/1926 – 17/10/2011، والنجم الراحل (جمال إسماعيل) 1933 – 19/12/2013، اللذان سعيا للدفاع عن العرض، ومعهم عدد آخر من الممثلين الجادين.
وفي مواجهة تلك الضجة التي أُثيرت حول سرقة هذا النص – إذ تأكد للجنة من خلال قراءة النص الذي ادعاه المؤلف -]الذي لم يكمل مشوار الكتابة المسرحية[- عدم وجود أي تشابه بينهما بإجماع آراء اللجنة كما جاء في نص التقرير الذي كتبه د. حسن عطية في مجلة “المسرح” عدد مارس 1997 ص (208).
 وقد أثارت هذه المسرحية عدة تساؤلات حول: هل من حق أي مؤلف أو إنسان ما أو عابر سبيل أن يلغي عرضا مسرحيا لمجرد الزعم أن هناك تشابها بين المسرحية المعروضة ومسرحية (له) تدور حول نفس الحادثة أو حول واقعة تاريخية بعينها أو حادث معاصر مثلما حدث لهذه المسرحية؟! التي تتناول حادث الزلزال الذي حدث بمصر في أكتوبر عام 1992، وهل ليس من حق أي مؤلف في الدنيا أن يتناول هذا الحادث أو الموضوع من وجهة نظره وبرؤيته الخاصة.. فلقد شاهدنا في المسرح – من قبل الكثير من الأعمال المسرحية لكتاب مسرح  من عصور مختلفة يتناولون –مثلا– واقعة تاريخية أو شخصية من الشخصيات التاريخية مثل (كليوباترا) التي تناولها (شكسبير وأحمد شوقي وبرنارد شو) في أعمالهم.. على سبيل المثال.
          ومن خلال قراءة (النص المزعوم) الذي ادعى صاحبه أن مسرحية “لا مؤاخذة يا مستر ريختر” مأخوذة عنها، وهو “خيمة على النيل” زلزال 1992 تأليف: جلال محمد نجد أن نص “خيمة على النيل” ينقسم بشكل متعسف إلى ثلاثة فصول، وأن مشاهده مختلفة وتفتقد الإحساس بالزمان والمكان –بما يؤدي إلى بناء غير متماسك، وأنه يقوم منذ البداية على حدوث ذلك الزلزال ونزول صاحب أكثر من عمارة في المدينة منهم (عبدالسلام) إلى الشارع –بعد حدوث الزلزال، وإقامته في خيمة على النيل أمام عمارته خوفا من قيام زلزال آخر أو توابع الزلزال الأول، وتنبئ محاولات زوجته وصديقه وبواب العمارة وسكانها بالفشل بإقناعه بالعودة إلى شقته –فهو يشعر بالأمان في تلك الخيمة على النيل، بل وأتى بحارسين يحرسان الخيمة. ومن هذا المكان يستعرض المؤلف بصيغة خطابية ومباشرة: شخصية الملتحي (الذي يصر على الكلام بالفصحى) داعيا إلى الشكل الخارجي لمبادئ الإسلام في شكل نداءات ومنشورات ذات بنود ونقاط، وشخصية الشاب العاطل الذي يحاول الانتحار، وثلاثة شبان منحرفين يحاولون السطو على الخيمة، وشحاذ، وناظر مدرسة، وطبيب نفسي، وموظف بلدية يعترض على إقامة الخيمة لأنها تخالف التنظيم، وغيرهم من الشخصيات العابرة التي لا تتسم بملامح واضحة.
 ففي المنظر الأول يحدث التنبؤ بالزلزال – ليهرب (عبدالسلام) من عمارته إلى الشارع مع بقية السكان –حيث ينزل بعضهم شبه عار– ليتحول النص إلى حكاية الزوج الذي أصيب بعقدة نفسية لأن زوجته خرجت أثناء الزلزال شبه عارية ويشعر بالعار بسبب ذلك فيلجأ إلى الطبيب النفسي، وهكذا تتواصل الثرثرة إلى ظروف المعيشة والمعاناة التي يعانيها المواطنون، في شكل (مونولوجات) طويلة تتسبب في ركود الحدث. لذا، فإن المسرحية منذ بدايتها حتى نهايتها راكدة لا يتطور فيها حدث أو تنمو شخصية وكأنها لوحة جامدة، فمنذ نزول (عبدالسلام) إلى خيمته على النيل وحتى نهاية المسرحية، لا يتحول الموقف الدرامي، ولا ينمو، وكل ما يدور حولنا من ثرثرة وحوارات وكلام مكرور.. حتى إن رغبة البطل (عبدالسلام) في التبرع لبعض المدارس تأتي عابرة ولا تضيف جديدا من حواره مع ناظر المدرسة.
 وقد استغرق فحص هذا النص المزعوم وقتا مما عوق وعطل إجراء التدريبات على نص “ لا مؤاخذة يا مستر ريختر”، وبدا أن ذلك كان هدفا من أهداف بيروقراطية هيئة المسرح التى رفعت شعار أن الدولة – لا تدفع أموالا للكتاب الذين ينتقدون أجهزة الوزارة أوكما يرون (يهاجمونها) وأن الدولة لا – تنفق أموالها على هؤلاء، وتوسط بعض النجوم الذين شاركوا في هذا العرض - حفاظا  على جهودهم – مثل النجم الراحل (عمر الحريري) الذي قام ببطولة المسرحية في دور (بواب) لأول مرة في حياته.. فقد تعود جمهوره أن يشاهده في أدوار الجنتلمان وأمثال هذه الشخصية، ومعه الممثل (جمال إسماعيل)، وسعيا للتوسط والرجاء لإقناع المسئولين بأن تلك الإتهامات الكاذبة للمسرحية عارية عن الصحة، وطال الجدل وأستغرق ذلك فترات طويلة لكن (فريق العمل) وهو مجموعة الممثلين والفنيين والمؤلف والمخرج يتصدرهم النجمان (عمر الحريرى، جمال إسماعيل) حتى تم أخيرا افتتاح العرض – بعد ستة شهور في مسرح محمد فريد بشارع عماد الدين.
          وتتوقف أمام المشاكل التى أصطنعها المسئولون مع (المؤلف) أساسا – بسبب إنتقاده لوزارة الثقافة – ولنستعرض النص أو العرض الذى أخرجه الراحل ( د. سامى صلاح) الذى تأكد إختلافه تماما عن النص المزعوم، ونقطة التلاقى بينهما هى أن زلزالا ما يقع – وما أكثر الزلازل التي تقع في بلاد العالم، وأشهرها في مصر ذلك الزلزال الذي وقع في عصر (كافور الإخشيدي) في نهاية الدولة الإخشيدية في القرون الوسطى الذي ينافقه فيه الشاعر بقوله “وما زُلزلت الأرض في عهده ... ولكن رقصت طربا لعدله”. وينقسم (العرض) الذي نتوقف عنده إلى جزأين في أربعة عشر مشهدا، والبطل في هذه المسرحية هو البواب عوضين (عمر الحريري)! الذي يمثل المصري الأصيل الكريم العنصر، والذي تتوافد عليه ألوان من البشر من سكان العمارة التي يحرسها وغير سكانها، مثل (مادلين) التي يعمل زوجها بالخارج وتتعرض لمضايقات الشارع ومضايقات جيرانها، والبواب يلبس كمامة لتحميه من الزبالة ذات الروائح الكريهة التي يلقيها السكان المستهترون إلى جواره بالمنور، ثم ينتقل الحدث إلى زوجين في بداية حياتهما الزوجية ويستعرضان الهدايا التي أُهديت إليهما في عيد زواجهما، وتلفت نظرهما علبة مذهبة نكتشف بعد ذلك أنها وصلتهما عن طريق الخطأ وأن بها مادة (البلوتينيوم) المُشعة التي تُستخدم في صنع القنبلة الذرية. جاء بها العالم (طاجي) (عبدالوهاب خليل) القادم من طاجكستان، الذي يرغب أن يمد بلدنا بهذه الطاقة حتى نصبح أقوياء في مواجهة أعدائنا، ويفزع الزوجان ويلبسان ملابس واقية من الإشعاع، ويظنان أنها تحميهما، وبعد وصول خبير وعالم الذرة (طاجي) يرفض الجميع مساعدته أو التعاون معه –فيحذرهم من ذلك– حيث سيأتي (جاسوس) صهيوني (قيس عبدالفتاح) ليحاول سرقة شحنة البلوتنيوم، ويخادع البواب بأنه من المباحث. ونتعرف على الراقصة (كيكي اللي إيه) (سميحة عبدالهادى) التي وجدت أن الرقص والتفاهة هما أسرع وسيلة للثراء والشهرة، وكأن هذا كان بداية عصر الانفتاح (سداح مداح) الذي نعيشه الآن في الفن في عصر شعارات ديموقراطية حسني مبارك التي اختلطت فيها الأمور واختلط الحابل بالنابل، وتشتري الراقصة الشقة المواجهة لها كي تفتحها مدرسة للرقص –كما فتح الأستاذ الجامعى مدرسة للرقص في مسرحية الكاتب الذي ضل الطريق (علي سالم) في مسرحية “عفاريت مصر الجديدة”- ولهذه الراقصة عشيق محتال (رئيس حزب الستر تحت التأسيس) (زايد فؤاد) وهو رجل بلا مبادئ ويزيف الحقائق ويتصور أن هناك أعداء يتربصون به، وفي هذه العمارة تُسلط الأضواء على شقة بها مقر وكالة (جعورة فون) ومديرها (جمال إسماعيل) الذي يذهب إليه مطرب شاب (محمد الفيتوري) الذي درس الموسيقى والغناء وفقا للمناهج العلمية الرصينة، وهو صديق البواب عوضين، ويطلب من هذا المدير أن يقدمه للجمهور، فينكل به هو ومؤلفه الملاكي التافه (سامي عبدالحليم)، ويطردانه لأنه يغني أغاني جادة ذات معنى وطرب من التراث الغنائي، وهما يريدان أن ينشرا الأغنية الهابطة.. مع بقية شركات توزيع الأشرطة للغناء الهابط مثل (هجص فون، وشرشح فون) المنتشرة كالوباء، ولا ييأس المطرب الشاب ويحاول أن يقنعهما مرة أخرى، فيقيدانه كي يوقع عقد احتكار مع الشركة، ولا يفك قيده سوى عم عوضين البواب المعجب به الذي يثير صوته أشجانه وذكرياته. ويتعرض (عوضين) لخداع شركة إعلانات تصوره في إعلان مسحوق غسيل يجعله (يمأمأ) كالمعزة، ويرضى بذلك في سبيل أن يرد (كردان) زوجته الذهب التي تعيش في القرية الذي رهنه كي يستطيع أن يواصل العيش في المدينة بعد أن أقنعوه بأنهم سيعطونه نصف كيلو من الذهب لكنهم يتركون له عندما ينصرفون (عشرة جنيهات)، كذلك نلتقي بصاحب شركة مبانٍ نصاب يجمع أموال الشباب ويوهمهم بأنه يبني لهم عمارات وشققا بالتقسيط.
          وفي نهاية الجزء الأول من العرض يحدث الزلزال، وتستمر (توابعه) منذ بداية الجزء الثاني، وفيه تكتشف حقيقة كل هذه الشخصيات من خلال مداهمة (مجنون) للمكان يتوهم أنه ضابط شرطة كبير (عزت بدران)، فنجد أن صاحب شركة المباني يريد أن يهرب بالنقود التي جمعها من عرق الشباب وكدهم، وأن مدير شركة جعورة فون يعمل في تجارة المخدرات، وأن مؤلفه الملاكي ليس إلا (منجدا)، وتشك جميع الشخصيات في بعضهم البعض عندما يجدون رجلا غريبا عند السلالم لا يرد على أسئلتهم، وهو في الحقيقة عامل فقير أخرس حبسه الزلزال في العمارة عندما أتى (عوضين) به ليمسح ويكنس السلالم، ويوجه الجميع التهم إلى بعضهم البعض، وتنكشف شخصية (الغريب) الذي يتحدث في جهاز إرسال مع الصهاينة، ويجد البواب عوضين طفلا رضيعا في عمارة مجاورة انهارت بسكانها، وليس له أهل فيحافظ عليه ويقرر العودة به إلى قريته ليتربى هناك وسط أولاده، فتطمع فيه الراقصة فيرفض أن يعطيه لأي من السكان خوفا عليه من أن يسيئوا تربيته ويفسدونه، بينما يحاول مدير جعورة فون ومؤلف الأغاني استغلال الزلزال في تقديم أغانيهم الهابطة حول الزلزال، وتنضم إليهم الراقصة كيكي في استغلال الزلزال لمجرد الدعاية لنفسها.
وفي المشهد الأخير يتجمع سكان العمارة في مدخلها، ويحذرهم (طاجي) من التوابع، قاصدا بذلك ألا يكونوا تابعين لأحد أو لأي دولة، ويحاول السكان الخروج من العمارة فيداهمهم (المجنون) في هيئة ضابط كبير، وتسقط الأقنعة، ويقبضون على الجاسوس، ويتعهد الجميع بالتوبة عن اقتراف الموبقات والخطايا، وتصر الزوجة التي يشك فيها زوجها على الطلاق لأن الزوج أهانها وجرح كرامتها، ويحاول السكان الخروج مرة أخرى فيمنعهم المجنون.. مُوهما إياهم أنه يتشاور مع كبار رجال الدولة، وتتعهد (كوكي) أن تكون محتشمة، ورئيس الحزب أن يكون صادقا وملتزما بأهداف حزبه السامية، ويعترف مدير شركة جعورة فون أنه كان (كفتجي)، وأتى ممرض من مستشفى الأمراض العقلية يُجبر المجنون على ارتداء قميص المجانين، ويهرب (الجاسوس) بشحنة البلوتينيوم بعد أن يهددهم بطلقات الرصاص. وفي النهاية، يعود الفاسدون إلى طبيعتهم الفاسدة، إلا المطرب الشاب (محمد الفيتوري) الذي قرر أن يبتعد عن هذا الجو الموبوء، ويعيش مع البواب عوضين في خيمته الذي قرر أن يعود إلى قريته ليربي الطفل الذي وجده في العمارة المنهارة تربية أفضل، ويسميه (حارس) ليكون حارسا على البلد.
ونشير هنا إلى هذا العرض الذي نسجله في دفتر أحوال المسرح المصري، إلى أنه عرض أقرب إلى الكوميديا السوداء، ففيه من المشاهد العبثية ما يجعله كذلك، ويجعله كذلك بعيدا عن التراجيكوميدي، مع لمسات من الأسلوب الذي تميز به (نبيل بدران) في بعض أعماله السابقة -وهو أسلوب الكاباريه السياسي– الذي يعتمد على اللقطات السريعة الساخرة والتعليقات اللاذعة، وهو هنا يتناول حالة عامة من الفساد والتسيب والهزل التي سادت أبناء الوطن في تلك الفترة، ولا يبقى حارسا على المبادئ والمثل والتقاليد السامية سوى الإنسان المصري البسيط الفقير الذي يتجسد في شخصية عوضين البواب والمطرب الشاب الذي يبحث عن القيمة والمعنى.
وقد حافظ المخرج (الراحل د. سامي صلاح) ]19 فبراير 2008[ على نص المؤلف، وقدمه بأمانة لا يرعاها كثير من مخرجي هذه الأيام، واستطاع المطرب الشاب (محمد الفيتوري) بأغنياته الجادة من تراثنا الغنائي ليبدو الصوت صافيا ونقيا واضح النبرات في وصلات غنائية قصيرة تتبعها موسيقى نشاز هزلية كي يكشف عن المقابلة بين الجد والهزل في الانتقال بين مشاهد العرض الذي جاء بطيئا ويحتاج إلى مزيد من سرعة الإيقاع، خاصة وأنه جعل كثيرا من الشخصيات تدخل من الصالة وكأنها الشارع إلى خشبة المسرح التي بدت كمدخل (العمارة نزهة النفوس). تصميم: (محمد الصعيدي)، وكان ذلك كفيلا بأن يمد جذورا بين الشخصيات والملتقي لولا أن الديكور الثابت بألوانه الباردة وخلوه من الدلالة على المكان، قد أفقد العرض الحيوية المطلوبة. وكذلك الموسيقى المؤلفة ] لعماد الرشيدي[ التي تحدث ضجة بلا معنى وبلا وظيفة درامية، وتحمل العبء كاملا الممثلون الموهبون الذين حملوا خطاب النص إلى المتلقي في عرض يعتمد أساسا على النص الأدبي.. دون لجوء إلى زخرفة أو إبهار في استعراضات لا ضرورة لها أو حيل تقنية لا تهدف لاستعراض العضلات، بالإضافة إلى بعض الارتباك والبطء في رسم الحركة التي جاءت سكونية جامدة في بعض تفاصيل (الحركة) بشكل عام، وخاصة في المشاهد الجماعية.
    وعن الأداء، يأتي الراحل عمر الحريري في دور البواب (عوضين) الذي خاطر بقيامه بهذا الدور الذي يختلف تماما عن تاريخ أدواره العديدة في المسرح والسينما، والتي كان يقوم فيها باستمرار بأدوار الجنتلمان الأرستقراطي أو الشخصية المهمة ذات الحيثية، وهو هنا يقوم بدور إنسان ريفي بسيط وفقير، لذا كان التلقي بالنسبة للجمهور أشبه بالصدمة أو المفاجأة، فقد تعود جمهورنا من ممثلينا على الأدوار النمطية، وعمر الحريري هنا كان يجرب تجربة جديدة قد تكون مهمة في تاريخ حياته التمثيلية كممثل، ولكنه لم يعد إلى مثل هذا الدور بعد ذلك، وقد وُفق كثيرا واتسم أداؤه بالصدق والإقناع، وأدى دوره برصانة لا تخلو من خفة ظل، وعلى العكس قام الراحل (جمال إسماعيل) بدوره التقليدي الهزلي الفكة وتفوق فيه مع التزام –إلى حد ما– بالنص دون خروج أو تعليقات مبتذلة، وأضافت (سميحة عبدالهادي) في دور الراقصة كيكي في هذا العرض إلى رصيدها الكثير، وكشفت من خلاله عن مواهبها الكامنة التي عرفنا جانبا منها في عروض سابقة وأبرزها القدرة على الغناء المميز، ونكتشف في الأستاذ الأكاديمي الموهوب (د. سامي عبدالحليم) ممثلا كوميديا من طراز جديد، فهو يقوم بدور مؤلف الأغاني التافهة كنموذج بشري ذي نسيج مميز دون لجوء إلى الحركة الهزلية المبالغ فيها ولا يقلد فيها نمطا هزليا رائجا في الهزليات المصرية، فلا ينحدر إلى الأراجوزية، وبحضور مسرحي مؤثر، وكذا (زايد فؤاد) في دور رئيس حزب الستر، وهو موهبة غنية حاصرت نفسها في الأدوار الهزلية فقط -رغم أنه ممثل قادر على أداء أدوار متعددة ذات أبعاد– رغم أنه قام هنا بدور صغير إلى حد ما، أبدى فيه حضورا مسرحيا ملموسا، وكذا المخضرم الراحل (عبدالوهاب خليل) في دور (طاجي) بلمساته الحساسة في دور أصغر من حجمه، لكنه جعل من هذه الشخصية الهامشية ثقلا في خطاب العرض، خاصة وهو ينطق بخطاب العرض (ويل للتوابع) مع البواب والمطرب الشاب، وكان موفقا في نطق الكلمات العربية وترتيبها وما تحمله من علامات لفظية معبرة، ونشير إلى كفاءة إمكانيات من أدوا الأدوار الصغيرة والمهمة في نفس الوقت مثل (محمد عبدالحليم) في دور المخرج، و(سيد) المصور، و(مديحة أنور) الممثلة، والمخضرم أيضا (قيس سعيد) الجاسوس الغريب الذي يضع بصماته الخاصة في دور مكروه لا يرحب به كثيرا أي ممثل، (عبير نوزي) الزوجة، وبقية الأسماء الأخرى من القدامى والجدد في ذلك الوقت الذين لم  يقدمهم (العرض) الذي تأخر طبعه – نظرا للظروف الصعبة والمشاكل التي مر بها العرض منذ البداية- وانعكاس ذلك على الإعلان عن العرض والدعاية له و(توقيته) من قبل.. ثم وأثناء شهر رمضان المبارك، وما سبق من ليلة الافتتاح من زوابع وأعاصير وعواصف كانت كفيلة بأن تقضي عليه وتطيح به لولا حكمة بعض العقلاء أو فلنقل: لولا (جنون) بعض الفنانين.                      


عبد الغنى داوود