العدد 625 صدر بتاريخ 19أغسطس2019
مدير المسرح أو المؤسسة المسرحية هو العنصر الإداري المنفذ لكافة متطلبات العرض المسرحي الفنية والتقنية والإنتاجية، فهو يشرف على وحدة التنظيم المتجسدة في عمال ديكور الإكسسوارات، تنفيذ الإضاءة.. مخزن الأزياء أو الملابس.. تنفيذ الموسيقى والمؤثرات الصوتية، وغيرها من المتطلبات، وبذلك يشكل بالنسبة إلى المخرج الخارطة الإدارية التنفيذية لوحدة العمل، وعليه يجب أن يكون متفهما لعناصر الإخراج المسرحي وتقنيات التمثيل، لأن معرفة ذلك تجعل منه الشخصية التنظيمية المهنية التي تتمكن من تفهم مهماته الإدارية، كما يجب أن يكون لديه إلمام باللوائح والقوانين.
وفي تاريخ المسرح المصري أسماء لامعة من كبار الفنانين حققوا إنجازات على مستوى الإدارة الخاصة بالمؤسسات المسرحية، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر الراحل عبد الغفار عودة والفنان القدير السيد راضي والمخرج سمير العصفوري وغيرهم من كبار المسرحيين، ومن خلال هذه المساحة نطرح عدة تساؤلات على بعض المسرحيين الذين لديهم خبرات سابقة في إدارة المؤسسات المسرحية، منها: هل لا بد أن يكون الإداري أو المسئول فنانا مسرحيا أم يكفئ أن يكون إداريا على دراية بالقوانين واللوائح فقط، وما هي معايير نجاح الإداري في المؤسسات المسرحية.
قال الفنان القدير محمود الحديني الذي تولى إدارة مسرحي الطليعة والسلام ورئاسة المركز القومي والبيت الفني للمسرح: من المفترض عندما يدير الفنان مؤسسة مسرحية أن يكون قد اجتاز «كورس» تدريبيا في فن الإدارة المسرحية من الجهاز الإداري للتنظيم والإدارة، وذلك حتى يستطيع أن يدير المؤسسة المسرحية ويكون على علم بالإدارة في كل فروعها وحتى لا يعمل بشكل عفوي قد يتسبب في الكثير من الأخطاء التي تحيله إلى النيابة الإدارية.
أضاف: عندما يدير الفنان المؤسسة المسرحية يكون على خبرة كبيرة، وذلك لانغماسة في العملية المسرحية، سواء على مستوى الإخراج أو التمثيل، وهذه الممارسة تكسبه الكثير من الخبرات التي تؤهله لأن يدير مؤسسة مسرحية، بالإضافة إلى التعاون مع مدير الشؤون المالية والإدارية، فعندما كنت مديرا لمسرحي الطليعة والسلام ورئيسا للبيت الفني، كنت أستعين بمدير الشؤون المالية والإدارية قبل توقيع أي مذكرة.
تابع: يجب أن يكون بكل مسرح لجنة قراءة ومكتب فني يساعد المدير في إدارة الفرقة.
حلول بديلة
بينما أكد الفنان محمد الخولي أن الإداري والفنان يستطيعان تحقيق النجاح عند إدارة مؤسسة مسرحية، إذا توافرت لهم مجموعة من الشروط ومنها الخبرة وموهبة الإدارة والقدرة على إيجاد حلول بديلة.
وأضاف: عندما يسند إلى الفنان إدارة مؤسسة مسرحية يجب أن يكون لديه خبرة ونجاحات سابقة كما يجب أن يكون ملما باللوائح والقوانين.
وضرب الخولي مثالا ببعض الفنانين الذين أداروا المؤسسات المسرحية وحققوا نجاحات كبيرة ومنهم الفنان الكبير عبد الغفار عودة والفنان أشرف ذكي، وفي المواقع الثقافية الكتاب سعد الدين وهبة ويوسف السباعي وثروت عكاشة.
المسرح أساسه الروح الفنية والانضباط
ومن وجهة نظر أخرى أوضح الفنان أحمد شاكر عبد اللطيف مدير المسرح القومي أن الأمر ليس له قواعد، ضاربا مثالا بأحد أهم وأنجح المديرين في تاريخ المسرح القومي - حسب قوله - وهو آمال المرصفي الذي قدم أعظم الأعمال ولم يكن فنانا إنما كان ضابطا بالجيش، موضحا أن المسرح يختلف عن الوسائط الفنية الأخرى، أساسه الروح الفنية وشحن الهمم والانضباط.
أضاف قائلا: ولكن تبقى نقطة قدرته على التعامل مع الفنان سواء كان مخرجا أو مؤلفا أو صانعا للديكور أو مصمما للملابس، فهي ضرورية لتحقيق التناغم بين أطياف العملية الفنية، والمدير الذي يجمع بين الصفتين يكون النجاح حليفه.
وتابع: يجب أن يكون للمدير رؤية واختيار فيما يقدم من أعمال، وذلك بالاستناد إلى الإجابة على مجموعة من التساؤلات، وهي: أين ولماذا وكيف ولمن ومتى؟ فمن الممكن أن يقدم عملا يحقق نجاحا في فترة أو عصر ما ولا يحقق نجاحا في فترة أخرى، ومهمة المدير أن يتخيل جميع عناصر العمل الفني مسبقا قبل تنفيذها، على أن يخلق بينها عنصر التناغم لأنه عنصر مهم للغاية.
واستطرد قائلا: من المهم أن يتمتع من يدير مؤسسة مسرحية بالانضباط والحزم بجانب الدبلوماسية. وأشار الفنان أحمد شاكر عبد اللطيف إلى أن في مجال الفن يتصور البعض أن عمله يرتقي إلى أن يقدم على أفضل المسارح، هذا ما يتخيله كل صانع عمل فني، أما الحقيقة فأحيانا تكون مختلفة، وذكاء المدير الناجح أن ينتقي أفضل العناصر في جميع التخصصات حتى وإن كان سيرجئ بعض الأعمال لصالح الأخرى أو سيقدم بعض الأعمال قبل أعمال أخرى.
مشروع واستراتيجية
واتفق المخرج عصام السيد أحد مديري إدارة المسرح السابقين في أن الإدارة ليس لها قاعدة وضرب مثلا ببعض القيادات السابقة التي لم تمارس الفن، ولكنها حققت نجاحا كبيرا في إدارة المؤسسة المسرحية، ومنها الأستاذ أحمد حمروش الذي كان مديرا للمسرح القومي، ومصطفى معاذ الذي كان مديرا عاما لإدارة المسرح، وغيرهما من القيادات التي حققت نجاحات في إدارة المؤسسات المسرحية، كما وضع السيد بعض الشروط التي يجب أن تتوافر في مديري المؤسسات، والتي تتوافق مع الواقع الحالي، وهي ألا يخضع للابتزاز وأن يكون له مشروع للمؤسسة التي يديرها كما لا بد أن يكون حر الرأي وملما باللوائح والقوانين حتى لا يخضع لسلطة الموظفين.
أزمة في الإدارة
الفنان محمد دسوقي مدير مركز الهناجر للفنون ومدير مسرح الطليعة سابقا، قال: هناك أهمية بالنسبة للإداري الفنان لأن يستطيع أن يستنتج مسبقا أن المنتج الفني سيحقق المرجو من تحقيقه، وهو ما يتمتع به الفنان الإداري الذي يتمتع بدرجة وعي كبيرة، وحتى يحقق النجاح يجب أن يحقق هوية المؤسسة التي يديرها، فهناك أزمة كبيرة في الإدارة في الوقت الحالي، فلا توجد هوية للمسارح.. هناك هويات مفقودة وبالتالي من المهم للغاية تأكيد الهوية الخاصة بكل فرقة، فما يقدم في مسرح الطليعة من المستحيل تقديمه في المسرح الحديث، وهكذا.
وتابع قائلا: المنهج والرؤية والفلسفة والهوية من أسباب غضب الكثيرين مني حيث كنت أرفض الكثير من المشاريع أثناء فترة إدارتي لمسرح الطليعة لأنها لا تتناسب مع هوية المسرح، وهنا يتضح أهمية المدير الفنان وثقافته المسرحية ودراسته لعلم الإخراج المسرحي وفن التمثيل، فعندما يتناقش مع المخرج صاحب المشروع المسرحي يستطيع أن يستنبط هل هذا المخرج لديه رؤية وثقافة وقادر على تقديم مشروع مسرحي جيد أم لا؟
وتابع قائلا: يجب أن يستعين الإداري الفنان بمدير للشؤون المالية والإدارية على درجة من الحنكة والكفاءة، أما عن المعايير التي يجب أن تتوافر في المسئولين عن إدارة المؤسسات المسرحية، فأوضح: أن يكون لديه خلفية عملية وأكاديمية وثقافية تؤهله لإدارة مؤسسة مسرحية، بالإضافة إلى تجارب كمخرج وممثل، وهي المعايير التي من المفترض أن تكون أهم ما يتمتع به من يدير مؤسسة مسرحية. واختتم حديثه قائلا: للأسف الشديد نفتقد لوجود كوادر جيدة في الإدارة.
كما قال الفنان سامح مجاهد مدير مسرح الغد إنه من المهم أن يدير المؤسسة المسرحية فنان ملم بالقوانين واللوائح الإدارية، مؤكدا على أنه أثناء العملية الإنتاجية الخاصة بالفن تكون هناك أمور لا يستطيع استيعابها سوى الفنان، مشيرا إلى أن الإداري غير الفنان سيتعامل مع الأوراق بدون النظر للجودة الفنية أو لمتطلبات العمل الفني التي قد تطرأ، وهي أمور قد تغيب عن الإداري.
أضاف: مدير مسرح الغد: لا بد أن يتعاون معه المدير المالي والإداري، وإذا كانت هناك مشكلة تتعلق بالمنتج الفني لا بد من أن يتحاور كل منهما حتى يصلا إلى جانب إداري سليم دون إهدار حق العملية الفنية، وكل من المدير الفني والمدير الإداري والمالي يكملان بعضهما البعض، فلا غنى عن المدير المالي والإداري الملم باللوائح والقوانين الذي لديه خبرة واسعة بكل ما يتعلق بالأمور الفنية.
أما عن المعايير التي يجب أن تتوافر في من يدير مؤسسة مسرحية، فيجب أن يكون لديه خطة قادر على تحقيقها، وأن تكون لديه أدواته التي يعمل بها، وتخطيط جيد لكل المواسم وأن يكون لديه مشروع ويمتلك أدواته.
فلسفة الإدارة فن التعامل مع الواقع
وبنظرة تاريخية قال د. أبو الحسن سلام الرئيس السابق للمركز القومي للمسرح: بالرجوع للماضي فسنجد أن من أدار المسرح القومي باقتدار هو آمال المرصفي وهو ليس فنانا، وبمراجعة قيادات هيئة المسرح سنجد أن من أدار هيئة المسرح بكفاءة كانوا نقادا مثل علي الراعي، وفيما يخص الثقافة الجماهيرية فهناك الفنان سعد كامل الذي أدار جهاز الثقافة الجماهيرية باقتدار وبنجاح كبير، وأيضا الكاتب سعد الدين وهبة وهو من أنجح القيادات التي أدارت الثقافة الجماهيرية والفنان عبد الغفار عودة من أهم الفنانين الذين أداروا مؤسسات مسرحية وقد أتاح الفرصة للكثير من الفنانين لطرح إبداعاتهم.
أضاف سلام: من المهم النظر إلى فلسفة الإدارة التي تعني فن التعامل مع الواقع، وعليه أن يخطط المدير للمؤسسة بالشكل الذي يضيف لها، فإن لم يستطع أن يضيف فعليه أن يحافظ على ما تركه سابقوه، ومن أكثر الأمور سلبية هدم ما فعله السابقون.
في القطاع الخاص
فيما أوضحت الفنانة أروى قدورة مديرة مسرح الهوسابير أن مسرح القطاع الخاص يجب أن يتمتع من يديره بالحس الفني دون إغفال الجانب التجاري لمسرح القطاع الخاص، وشددت على أهمية أن يكون مسئول المؤسسة المسرحية أو الثقافية لديه حس فني بجانب الشق الإداري ليستشعر جودة الأعمال المقدمة.
وقال الفنان محمد الشافعي مدير دار عرض مسرح القاهرة للعرائس: لا بد لمن يدير المؤسسات المسرحية أن يكون مخرجا فقط، وليس أي عنصر آخر.. وذلك لأن المخرج يتعامل مع جميع العناصر الإدارية والفنية والمهنية. أضاف: عندما أصبح البيت الفني للمسرح يديره الإداريون سارت الأمور بشكل غير جيد وغير متقن.
تابع: وبالرجوع للتاريخ المسرحي فعندما أنشأ السيد بدير مؤسسة المسرح والسينما والموسيقى والأوبرا، كان معه ثلاثة من الموظفين ولديه 10 فرق مسرحية تجوب مصر، وعندما كان ثروت عكاشة وزيرا للثقافة أنشأ مسرح العرائس وقام بتأسيس 10 فرق وهيئة المسرح ووزارة الثقافة والإرشاد القومي وهيئة الاستعلامات، بالإضافة إلى تأسيس مشروع الثقافة الجماهيرية الذي كان من أهم معالم ثورة يوليو، وعندما آلت الإدارة إلى الإداريين فقط انهار المسرح وراح الإداريون يقومون بتستيف الأوراق.