مظاهرة حب لمؤلفها الحادثة جريمة الحب بالإكراه

مظاهرة حب لمؤلفها الحادثة جريمة الحب بالإكراه

العدد 618 صدر بتاريخ 1يوليو2019

لم أشاهد النسخة الأولى من عرض “الحادثة” الذي يُقدم حاليًا على مسرح الغد تأليف الكاتب لينين الرملى، إخراج عمرو حسان، بطولة مصطفى منصور، ياسمين سمير، ريهام أبوبكر، فتحى الجارحى، الذي حصل على جوائز أفضل ممثل وأفضل ممثلة في مهرجان نقابة المهن التمثيلية خلال دورته الأخيرة التي عُقدت فى ديسمبر الماضى، لكنني شاهدته بعد تغيير فريق العمل حيث يقوم بالبطولة ميدو عبد القادر، شيماء عبد الناصر، نيجار محمد، مع استمرار فتحى الجارحى، لكنني على يقين أن هؤلاء الأبطال سيحصدون أيضًا الجوائز نفسها إذا شاركوا في مهرجانات أخرى.
تدور أحداث العرض في سياق كوميدي حول شخص يدعى “عاصم” مريض بمرض تعدد الشخصية الانفصامية، يقوم بتجسيد شخصيته “ميدو عبد القادر”، ومن الأحداث يتبين أن مرضه وراثي، هذا الشخص يقوم بخطف الفتاة “زهرة” التي تجسد شخصيتها “شيماء عبد الناصر” لحبه الشديد لها ويصر أن يناديها “منى” بعد أن يقوم بمراقبتها وقت طويل ومعرفة كل شئ عنها، ويحاول أن يقنعها بحبه بشتى الطرق السلمية وغير السلمية حيث يحاول إجبارها، ومن خلال التفاوض يصلان معًا إلى اتفاق أن تقيم معه شهرًا يتركها ترحل بعد انتهاءه، وخلال هذه الإقامة الجبرية تتحول العلاقة بينهما لنوع من الألفة حيث يتحول السجان لمصدر الشعور بالأمان، ففي غيابه تهاجمها الأشباح التي تكون في حقيقتها ما هي إلا مخاوفها الداخلية، لم تكن شخصية عاصم المريض النفسي فحسب شخصية مركبة تحتاج لجهد كبير وقد نفذها ببراعة ميدو عبد القادر، شخصية زهرة هى الآخرى مركبة حيث الانتقال من حالة إلى أخرى بينما تحاول جاهدة أن تجعله يكرهها ويتركها ترحل، إلى أن تم تبادل الأدوار ويتحول السجين إلى سجان، بعد أن تلقي المفتاح من الشباك، وظهور الأشباح إلى عاصم بعد أن تحول هو الآخر إلى سجين.
جسد هذه الأشباح ببراعة فائقة إسلام البشبيشى، مجدى طلبة، محمد شوقى، حسام بوريو، وعمر أحمد، مع ملابس أحمد فرج ومكياج إسلام عباس، ودراما حركية محمد على بكر،  وإضاءة عز حلمي التي لم تنفصل لحظة عن السياق الدرامي فهي جزء لا يتجزء منه.
من الأساليب التي استخدمها عاصم لإيقاع  زهرة في حبه جلب فتاة ليل تجسدها “نيجار محمد” لإثارة غيرتها، والتي تعتبر من وجهة نظري بمبونة العرض، فمن خلال مشهد واحد استطاعت أن تؤكد حضورها الطاغي بتقديم فقرة كوميدية لفتاة ليل من دون كلمة واحدة مسفة، ولا ملابس عارية. كذلك فتحي الجارحي الذي قدم شخصية “جون” عالم الآثار الأجنبي الذي جاء لشراء قطعة أثرية من عاصم، بأداءً أقل ما يوصف به أنه رائع، الحقيقة أن العرض مباراة أدائية لممثلين أثبتوا أنهم على قدر المسئولية وقد نجحوا في تقديم عمل فني متكامل بتضافر كل العناصر وتكاملها معًا حيث ديكور محمد فتحى موسيقى محمود صلاح حامد، مع كل العناصر السابقة، فضلاً عن المادة فيلميه لشادى أحمد، والتي كان لها دورًا كبيرًا في اختزال زمن العرض.
هذه الوجبة الفنية المتكاملة تحسب للمخرج عمرو حسان أولاً في إعداد النص بما يتلائم مع ملامح العصر من دون الإخلال بالنص الأصلي، واختياره للعناصر ونسجها بهذه البراعة لتقديم لوحة فنية رائعة، والتي اعتبرها محطة هامة في تاريخه الفني الذي بدأ قويًا إلى حد كبير، فلم أعرف الأسباب التي دفعته إلى إعادة تقديم هذا العرض “الحادثة” للكاتب الكبير لينين الرملي بعد مرور أكثر من ربع قرن على تقديمه، لكنني على يقين تام أنه أصاب بهذا العرض عدة أهداف في آن واحد وأنه من الذكاء أن يختار هذا النص تحديدًا ليقدمه (هنا والآن)، هنا في مجتمعنا المصري العربي والآن بما يحمل من قيمٍ سلبية، لعل أهمها من وجهة نظري كثرة السطو والسرقات الأدبية حيث أعتاد عدد من الكتاب والمخرجين على وضع كلمة تأليف على أعمالٍ عالمية شهيرة من دون أن يطرف لهم جفن أو يشعرون بالخجل ونحن ندين هذا الجُرم طوال الوقت، بل أن هذه الجرائم لم تعد تكتف بسرقة النص بل امتدت إلى نقل المشاهد والملابس والديكورات بشكل يكاد يكون تصويرًا للعمل الأصلي. فيأتي هذا العمل الذي كتبه لينين عن قصة للكاتب الإنجليزي جون ماولز، ويدون هذا على النص بل أنه أعلن بأكثر من وسيلة عن تجربة اقتباس هذا النص، وبالمناسبة فهو ليس النص الوحيد المقتبس بل أن (انتهى الدرس يا غبي)، (الهمجي)، (علي بيه مظهر) أيضًا نصوصاً مقتبسة عن روايات أجنبية.
هدف آخر حققه حسان هو التأكيد على أن كتابات الرملي صالحة لكل الأزمنة، فالقهر والإجبار والتسلط يحاوطنا في كل مكان وزمان، حتى الحب الذي لا يصلح مطلقًا للإجبار خضع هو الآخر، فعشق الجلادين وتمجيدهم موروث ثقافي واجتماعي ويتجسد في علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة السلطة بالشعب.
وأخيرًا يمثل الانضمام لمظاهرة الحب التي فجرها عدد كبير من الفنانين والمثقفين مطالبين بتكريم الكاتب الكبير لينين الرملي، كما أنني أؤيد هذا المطلب الشرعي الذي تأخر كثيرًا، وربما لم يقدم أو يؤخر شيئًا عند صاحبه الذي يرقد الآن بين يدي الخالق وحده من يملك حق تقرير مصيره، ولا نملك نحن سوى الدعاء بالشفاء والعودة بين محبيه ليلمس هذا الحب ويشهد هذا التكريم المنتظر.


نور الهدى عبد المنعم