الجميلة والوحش.. مغامرة تكشف الجوهر

الجميلة والوحش..  مغامرة تكشف الجوهر

العدد 628 صدر بتاريخ 9سبتمبر2019

ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري دورته الثانية عشرة، في إطار مسابقة مسرح الطفل، قدم عرض «الجميلة والوحش» تأليف محمد زكي إخراج مصطفى حسني الكتبي، منذ العتبة الأولى من عتبات العرض “العنوان” يمكن إحالة تفكيرك كمتلقٍ إلى فيلم “الجميلة والوحش” والت ديزني، وهو ما يؤكده بامفلت العرض الذي يقدم الممثلين في هيئة شخصيات كارتونية، هذا إلى جوار مجموعة من الرسومات الكارتونية المجسدة لعالم والت ديزني وحكايته التي تستقبلك، مع دخولك مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية الذي أنتج العرض وقدم على خشبته، مما يدعم فكرة أنك كمتلقٍ ستشاهد عرضا هو صورة مكررة لفيلم والت ديزني الشهير، لكن مع بداية المشاهدة تكتشف أن العرض يتخذ من التيمة الأساسية لفيلم ديزني مرتكزا لأحداثه “حيث الأمير المغرور الذي جعلته الساحرة وحشا ممسوخا لا يفك سحره إلا بحب فتاة جميلة”. العرض لا ينقل الفيلم نقلا حرفيا والغابة هي المكان الأساسي للأحداث الدرامية، وكل ما هو خارج الغابة ترويه الشخصيات، في هذا العرض الساحرة تحب الأمير المغرور وتطلب أن يبادلها حبا بحب، وهو ما لم يحدث فيكون هذا هو السبب الجوهري في سحرها له، لا تتركه على ذلك وترحل إلى الأبد بل تعود إليه من جديد بعد أن أحب الجميلة، فلا يكون من الساحرة إلا تهديده بأن تسحر تلك الجميلة، تتعقد الأحداث بظهور جاستوه المطارد للجميلة رغبة في زواجها، إلى جوار محاولة إبعاد الوحش للجميلة حتى لا يصيبها شر الساحرة، وبمعركة بين جاستوه والأمير يصاب الأمير الوحش وتتطور الأحداث وصولا إلى فك السحر وعجز الساحرة في مقابل حب الجميلة لمن كان وحشا “فالحب أسمى من أن نعرف معناه” هكذا يختتم العرض أحداثه وهي مقولة ترددها الجميلة ويؤكدها الأمير أو من كان وحشا.
في هذا العرض لا تتحول الأشخاص إلى أشياء متحركة كما في فيلم الكرتون بل يتخذ العرض سبيلا آخر لتقديم رؤيته، حيث يستخدم «أسلوب الجروتسك» في تقديم شخصياته حيث الاعتماد على المبالغة في الأداء فهي شخصيات أقرب إلى الشخصيات الكارتونية للأطفال أو كما حال الكاريكاتور بالنسبة للرسم حيث التضخيم، فالشخصيات تضخم من أفعالها ومن عيوبها الشخصية لتثير الضحك، ويقوم “مينا نبيل/ الأمير بيرت” بتضخيم عيب الغرور ليبدو انشغاله بمظهره وخصلات شعره واستعلائه على مساعديه وهما “شريهان شاذلي/ نورسين، بولا ماهر/ روس” الحاضران مع الأمير إلى الغابة موقع الأحداث نظرا لأنه يريد المغامرة، المساعدان يقدمان حالة من الصراع الدائم لكنه صراع مضحك أشبه بصراعات القط والفأر الطفولية، صراعات تثير الضحك دائما قائمة على غباء كامن في شخصية كليهما، وهما أيضا شخصيتان لا تحملان في داخلهما سوى الحب والنقاء، أما “الجميلة/ لانا عماد/ آنا” فقد أدت دورها بقدر كبير من الكوميديا وخفة الظل واستخدمت أداءات طفولية أسهمت في تدعيم حالة الضحك. “مصطفى حسني/ جاستوه” ذلك الفارس الذي لحق بالجميلة اعتمد في أدائه على التشويه والمبالغة لإبراز العيوب الشخصية في هذا المحب المتكبر. “نادر الجوهري/ الوحش” أدى الدور الموكل إليه بشكل جيد وبدا مدركا لحالة التشوش الدائمة التي تعاني منها الشخصية بعد سحرها إلى مسخ كان في السابق يشعر بغرور كونه أميرا وسيما، أما الآن بعد هذا القبح يكتشف أن الجمال يكمن في الجوهر وليس في المظهر كما كان يعتقد، وقد علمته ذلك تلك الجميلة التي أحبت جوهره ورأت فيه جمالا مخبوءا لم يره هو ذاته. “لميس الشاذلي/ أيف الساحرة” بدت قادرة على التنقل في أداءات الشخصية وفق اللحظة الدرامية مما انعكس على ثراء الدور. تصميم وتنفيذ الديكور “أحمد أبو الحسن” وهو ديكور يخطف الأنظار منذ لحظة دخول المسرح حيث الغابة الممتلئة بالأشجار وفي العمق يبدو القمر في استدارة كاملة، يمكن أن نرى من خلاله صورا لشخصيات داخل العرض في لحظات درامية معينة، ومن اللافت للنظر استخدام الدخان في هذا العرض بشكل يخدم ولا يخل بالعرض، لا يؤذي الجمهور كحال معظم العروض التي تستعين بالدخان، يحتوي العرض على مجموعة من الاستعراضات والتعبير الحركي لـ”هاني فاروق” وتميزت بقدر كبير من الإتقان إلى جوار أنها بدت من نسيج العرض غير دخيلة عليه، ومع ذلك يمكن السؤال عن شخصية الفتاة المجهولة التي دخلت في استعراض من استعراضات “الجميلة/ آنا” كصدى لحركاتها في الخلفية وقد كان وجودها دلالة ملتبسة تؤدي لبعض التشتيت الذي لم يكن في محله. الملابس والمكياج “أميرة صابر” حققت اكتمالا للشخصيات وتوافقت مع طبيعة كل شخصية، الإضاءة “وليد درويش” كانت فارقة بشكل واضح، فالعرض يعتمد على ما تضفيه الإضاءة للحظات الدرامية من حالة شعورية ترسل إلى المتلقي. الموسيقى والألحان “أحمد حسني” تضافرت مع نسيج العرض وأضفت الجو العام وساهمت في تفاعل جمهور الحاضرين مع العرض، تحديدا لأن معظم الحاضرين أسر كاملة والأطفال هم أبطال الجمهور، وقد بدا استمتاعهم بشكل ملحوظ بكل لحظة من لحظات العرض مما يجعلنا نمعن النظر في طبيعة تلك العروض على هذه الشاكلة أي العروض التي تستلهم حبكاتها فقط من أعمال والت ديزني ولا تنقلها نقلا حرفيا، فهل هي تقدم للطفل عرضا مبهجا يتفاعل معه ويجعله يذهب لعروض الأطفال أم أنها تعد حملا ثقيلا على المسرح لأنها بالأساس تستلهم أفكارها من عروض عالمية. ومن الجدير بالذكر أن العرض حصد عدة جوائز في دورة هذا العام للمهرجان القومي للمسرح المصري ضمن مسابقة عروض الأطفال، منها جائزة أفضل عرض أول.

 


داليا همام