«في انتظار بابا» صورة مبهرة وآداء مميز

«في انتظار بابا» صورة مبهرة وآداء مميز

العدد 759 صدر بتاريخ 14مارس2022

اعتدت على مشاهدة بعض العروض أكثر من مرة قبل الكتابة عنها، وقد حدث ذلك مع عرض «في انتظار بابا»، ولاحظت في المشاهدة الثانية تطورًا كبيرًا لصالح العرض، منه تقليل الزمن الذي كان يضيع أكثر من نصف ساعه منه لحساب ممثلة معينة لشغل مساحة أكبر لها في العرض بحوار لا يمت للعرض بأي صلة سوى أن تقول أنها كوميديانة ومشهورة والجمهور يعرفها جيدًا، كذلك وجدت أن النص نفسه أصبح أكثر تماسكًا مما يدل على أن صناع العمل على دراية ووعي بما يُقال ويُكتب، كما أنهم حريصون على أن يصلوا بهذا العرض -الذي يضم العديد من العناصر التي تجعله عرضًا مميزًا – إلى أقصى درجة من الكمال والتميز، فهو عرض كوميدي من إنتاج المسرح القومي، إخراج الفنان الكبير سمير العصفوري، ويضم نخبة من الفنانين الكبار والمتميزين: ‏‎‏ احمد سلامة، سماح انور، بثينة رشوان، مفيد عاشور، سميحة عبد الهادي، ماهر محمود، فتحي سعد، ايمن إسماعيل، بسمة شوقي، علي كمالو، وليد ابو ستيت، خالد عبد الحميد.
كذلك الاعتماد على الصورة المبهرة من خلال  الآداء الحركي واستعراضات ضياء شفيق وإضاءة مصطفى عز الدين التي تلعب بحرفية عالية، وبساطة ديكور الفنان إيهاب العوامري فتقريبا تخلو الخشبة تماما من الديكور باستثناء بيانو وبعض الكراسي في بعض المشاهد وتمثالان أمام اللوحة التي تعبر عن القصر وشازلونج وشماعة، استخدام شاشة السينما والفيديو مابينج للفنانة سماح أنور واللوحات التشكيلية والغناء من أشعار محمود جمعة، أحمد الناصر الذي قام بالتلحين أيضًا، وبراعة أزياء أماني حسني.
عمل المخرج الكبير سمير العصفوري على توظيف نظرية «كسر الجدار الرابع لبيرتولد بريخيت» حيث قام بكسر الإيهام بكل الطرق والوسائل المعروفة، أولها التأكيد من وقت لآخر على أن ما يدور هو مسرحية وقد تكررت هذه العبارة مرات عديدة طوال زمن العرض من بدايته إلى نهايته، بل أنه قدم أبطال العرض بأسمائهم الحقيقية، وجعلهم يتناقشون من وقت لآخر ويشركون الجمهور معهم، السخرية من العرض ومن توزيع الأدوار منها أن تقوم بثينة رشوان بدور الام، وذلك في إطار عملهم في فرقة مسرحية تقوم بعمل بروفات عرض مسرحي لكنه متعسر منذ وقت طويل، وهو ما حدث بالفعل مع هذا العرض الذي صادف معوقات كثيرة حتى خرج مؤخرًا للنور، وقد ربط بين قصة إليكترا التي تضمنتها الإلياذة والأوديسة للكاتب اليوناني هوميروس والتي تآمرت مع أخيها لقتل أمها حين علمت بأنها قتلته، التي فسرها فيما العالم النفسي سيجومند فرويد بعقدة إليكترا، وعزيزة إحدى شخصيات الرواية التي يقومون بتمثيلها على خشبة المسرح نظرًا لارتباطها الشديد بأبيها ورفضها فكرة موته، حيث ترفض التسليم لفكرة موته، كما أنها تكتشف في ذات الوقت أن أمها على علاقة بخطيبها، وقيل ذلك على لسان أحد شخصيات العرض هو الفنان مفيد عاشور، لكنني أرى أن هذا الشرح لم يضف إلى العرض بل أنقص منه لأنه أراد به التنصل من النص الذي تم الإعلان عنه فيما سبق، لكن الحقيقة أن شخصية عزيزة في عرض «في انتظار بابا» قريبة جدًا من شخصية عزيزة في عرض «بير السلم» وبعيدة عن شخصية إليكترا، كذلك معظم التفاصيل التي تم تغليفها بلعبة (يلا نلعب مسرح) قريبة جدًا من العرض نفسه.
واستمرارًا لنظرية كسر الإيهام تم قطع تسلسل الأحداث أكثر من مرة مع التأكيد أن هذا تمثيل ويعاد المشهد لأدائه بشكل أفضل، خاصة مشهد النهاية الذي كان سينتهي بوقوع جرائم قتل لكنه قرر تغيير هذه النهاية إلى محاولة الإصلاح ولم شمل هذه العائلة التي تتصارع على الميراث.
 أما آداء الفنانين فجميعهم على قدر المسئولية وبذلوا جهدًا كبيرًا لإنجاح العرض وتقديم كوميديا راقية تحترم المتلقي: سماح أنور التي تعود إلى المسرح بعد غياب سنوات طويلة بنفس الحيوية واللياقة الجسدية والآداء الذي يعد سهلاً ممتنعًا، فهي تمثل من دون تمثيل ولا تكلف، فالبساطة والتلقائية من أهم ما يميز آدائها، لشخصية مركبة ذات طبيعة مختلفة فهي عزيزة الشرسة صاحبة ردود الفعل العنيفة، كما أنها المحبة لأبيها لأقصى درجة ممكنة والبريئة إلى حد الطفولة والمطعونة من أمها وخطيبها، وغلفت ذلك بآداء كوميدي راقي. مفيد عاشور الذي أراه لأول مرة كوميديان خفيف الدم وعلى الرغم من ذلك لم يفقد رصانته وجديته التي اعتدنا عليهما في أداءه، أحمد سلامة الأستاذ شريف المحامي وكيل العائلة وخطيب عزيزة ويوهم الأم أيضا بأنه يحبها في محاولة للإستيلاء على أموالهما، وهي شخصية جديدة ومختلفة بالنسبة له خاصة أنه يقوم فيها بالغناء والاستعراض. سميحة عبد الهادي قدمت الشخصية بخفية دم وكوميديا لطيفة خاصة مشهدها مع الطبيب ومشهد السكر، على الرغم من كونها تجسد شخصية سميحة الكوميدية فقد نجحت في إبراز معاناة الزوجة التي تعاني من مراهقة زوجها والمحرومة من الأمومة، وتسعى بكل السبل لتحقيق حلمها لتكون أم، فتتنازل بكل بساطة عن رغبتها في الحصول على الميراث والذي جعلها تحرض على القتل، فتصطحب زوجها وطفلها وتعود من حيث أتت. فتحي سعد فنان يمتلك موهبة كبيرة وكون مع سميحة عبد الهادي دويتو رائع أبو علي وزوجته سميحة. أيمن إسماعيل  الذي جسد أكثر أنواع الشخصيات صعوبة هي شخصية  مرتضى الأخ الأصغر المريض النفسي، وقد بذل جهدًا كبيرًا لإجادة هذه الشخصية وأبدع فيها. بثينة رشوان جسدت شخصية الأم ببراعة وبساطة 
ماهر محمود جسد شخصية «شادي» وهو شاعر ومفكر كبير مشغول بقراءاته دائما ولا يتأثر بأي من الأحداث التي تدور حوله، وقد تنوع آداءه بين الجد والهزل والغناء 
وزوجته بسمة شوقي التي جسدت الشخصية برشاقة وبساطة أيضًا. خالد عبد الحميد «كرم» الأخ الأكبر والأكثر طمعًا. علي كمالو «مهند» دراع كرم اليمين. وليد أبو ستيت «عوض» صديق أبو علي. 
وعلى الرغم من احتواء العرض على كل هذه العوامل والتي تؤكد على نجاحه إلا أنه يضم عدد من العبارات التي تسئ إليه وتصدر طاقة سلبية للمتلقي منها: الرواية اللي محدش فاهم لها حاجة، انتو اللي مصبرني على المسرحية دي،..


نور الهدى عبد المنعم