د.حازم عزمي.. رجل المواقف الجريئة

د.حازم عزمي..  رجل المواقف الجريئة

العدد 570 صدر بتاريخ 30يوليو2018

تواصل الرسائل المتتالية على هاتفي للكثير من طالبات ورشتي التي أقمتها في جامعة عين شمس، أقلقني كثيرا، لأن تواصلهن حدث في توقيت متقارب، وفي يوم واحد، كان قلبي ينقبض مع كل رسالة تصلني للاطمئنان علي، مرفقة بتساؤلات عشوائية، لا مقدمات لها! إلى أن أدمت قلبي إحداهن، وطوقتني بلون داكن، حين أفجعتني بالخبر المؤلم:
 صديقك الأحب توفي!
للحظة، اكتظ ذهني بالهواجس والكثير من الأسماء، دون أن أتصور أن كلماتها تتعلق بواحد من أقرب وأعز الأصدقاء إلى قلبي، أخي وصديقي الحبيب د. حازم عزمي.
تمنيتها أن تكمل جملتها بأخرى تكذبها، لكنني أدرك أنه لا مزاح في الموت.
أيقنت بعد دقائق عصية، أن الموت قرر أن يختطف منا إنسانا نبيلا، لن يتكرر.
حازم عزمي، رجل المواقف الصريحة، بوضوح وشفافية، صاحب الآراء الجريئة التي أفقدته الكثير من الامتيازات، لكنها أكسبته محبة والتفاف الكثير من الأصدقاء، الطلبة، ومحبة واحترام العقول الصادقة، والأهم من كل ذلك أن تلك المواقف أكسبته نفسه قبل كل شيء.
رغم أن معرفتي بأخي الغالي حازم منذ سنوات ليست بالطويلة، فإن علاقتنا كانت عميقة، وتواصلنا شبه مستمر، سواء عن طريق وسائل الاتصال، أو اللقاء المباشر في زياراتي الدائمة لمصر، فمنذ أن عرفته، لا أذكر أبدًا أنني لم ألتقِ به أثناء وجودي في القاهرة، حيث تكتمل سعادتي باللقاءات التي تجمعنا سوية أو رفقة الصديق المشترك الناقد العزيز أحمد خميس أو الصديقة التي كان حازم سببا في معرفتي بها العزيزة د. إيمان عز الدين.
لكن، في زيارتي الأخيرة إلى القاهرة قبل مدة قصيرة، استغربت كثيرًا من عدم لقائنا، رغم اتفاقنا المسبق لعدة مرات، فكنا نحدد الوقت والمكان، إلا أن ظروفا طارئة تمنعنا عن اللقاء في اللحظة الأخيرة، أثار هذا الأمر استغرابنا سوية، فلم يحدث قط أن زرت القاهرة منذ أن عرفته دون أن ألتقيه، فلماذا لم يحدث اللقاء الأخير؟! إلى درجة أن حازم اتصل بي قبل توجهي للمطار ليعتذر مني عن الظروف الصعبة التي منعت لقاءنا، ويخبرني أنه سيأتي إلى المطار ليودعني، ورغم إصراره على الحضور، رفضت أن أتعبه في ذلك المشوار، خاصة وأن موعد طائرتي كان في وقت متأخر من الليل.
حزنت في ذلك اليوم لعدم رؤيته قبل السفر، لكن خبر وفاته المفاجئ فسر لي السبب، يبدو أن الله عز وجل لم يشأ أن تبقى ذكرى اللقاء قريبة لتدمي القلب أكثر، فاسترجع فيها كل جملة، حوار، نقاش، ضحك، وعشرات المشاريع التي كنا نخطط لها سوية ونطمح أن نقوم بها من أجل أبنائنا الطلبة، على وجه الخصوص.
كانت جملة حازم الدائمة التي يرددها كل مرة وهو يضحك (ما موعد زيارتك القادمة إلى مصر يا علاء، لأستغل جهودك!) فأرد عليه ضاحكا (أنا جاهز يا دكتور لاستغلالك الذي أعرفه).
مذ عرفت د. حازم عزمي، وهو إما يخطط لورشة أو محاضرة عامة لطلبته وطالباته، أو حتى متابعة فردية علمية لأحد طلبته يثق أنني سأقوم بها بكل محبة واهتمام، وما أجمله من استغلال.
صديقي الجميل د. حازم.. رحلت سريعا، فثمة خطوات كثيرة لم نخطها بعد، ودروب لم نمشها سوية ونحن نتناقش ونضحك، كما اعتدنا أن نفعل في لقاءاتنا في مقاهي وسط البلد، المكان الأحب إلينا، رفقتك أو صحبة الأحبة والأصدقاء، رحلت سريعا أيها الصديق قبل أن ننجز الكثير من المشاريع التي فكرنا أن ننجزها سوية، وأشياء كثيرة تركتها معلقة برحيلك المفاجئ.
الأخ الحبيب د. حازم، سأظل أذكرك وأدين لك بكثير من الأشياء الجميلة التي قدمتها لي، لعل أقربها إلى قلبي تنظيمك لورشتين جمعتني بالطلبة الأحب إلى قلبي في جامعة عين شمس، وعرفتني بإنسانة مخلصة تسلك دربك مثل د. إنجي، وسيدة فاضلة على علم وخلق رائع، قريبة إلى القلب، مثل د. منى صفوت.
صديقي حازم، قد نجد في الكثير من النقاد والمبدعين المحبين للنقد تعويضا عن غياب أحد المخلصين لهذا المجال، لكن فقد الصديق يصعب تعويضه، ولا يمكن أن يشغل مكانه أحد، مهما كان!
ولعل السلوى الوحيدة التي قد تهون على قلبي هذا الخبر المفجع، جمال وطيبة أصدقائنا المشتركين، الذين يحملون بعضا منك، ويذكرونني بك، كما أن وجود الوجوه الطيبة المليئة بالحب والأمل من طلبتك الذين سأمنح لهم الكثير من الوقت (لاستغلالي) كما كنت تحب أن تقول، علميا وإنسانيا، قد يشكل لي ذلك نهرا من الذكريات النقية التي تجمعني بهم على ضفة محبتك، لتبقى الأخ والصديق الأحب دائما.


علاء الجابر