العدد 740 صدر بتاريخ 1نوفمبر2021
كانت دبلن عاصمة جمهورية أيرلندا على موعد مع مهرجانها المسرحى السنوى الذى اقيمت عروضه على عدد من مسارح المدينة وتضمن هذا العام عددا من العروض المسرحية المتنوعة وإن كان بعضها قد أثار جدلا كبيرا وهاجمه رجال الدين والشخصيات العامة لاساءته إلي تقاليد المجتمع الأيرلندي الكاثوليكى المحافظ.
استمر المهرجان لمدة 16 يوما وعرضت مسرحياته على عدد من مسارح العاصمة دبلن وكان الشرط الأساسي لمشاركة أي مسرحية أن تكون أيرلندية بالكامل نصا وتمثيلا وإخراجا وحتى ديكورا.
ولا يتسع المكان هنا لتناول كل العروض وسوف نكتفى بتناول ثلاثة منها أحدها أشاد به النقاد والأخران تعرضا للهجوم بسبب مضمونهما الصارخ رغم ما حققته المسرحيتان من نجاح جماهيرى للأسف وأقبل عليهما مشاهدون من خارج أيرلندا ربما بسبب موضوعهما .
كتاب الأسماء
ونبدأ بالأفضل وهى مسرحية «كتاب الأسماء» . المسرحية مأخوذة من التاريخ الأيرلندي وهو تاريخ ثرى يوفر المادة للأدباء خاصة فى مرحلة الكفاح ضد الاحتلال البريطانى حتى حصلت أيرلندا على استقلالها.
جاء ذلك بعد أن انتزعت بريطانيا سدس مساحة شبه الجزيرة الأيرلندية وضمتها إليها بعد استفتاء مدبر جرى بعد توطين أعداد كبيرة من البروتستانت فيها حتى فاق عددهم عدد الكاثوليك واسمتها أيرلندا الشمالية. وبعد الاستفتاء وقعت بريطانيا معاهدة استقلال مع ثوار أيرلندا لتجلو بعد ذلك عن الخمسة أسداس الباقية من شبه الجزيرة الأيرلندية بمقتضى معاهدة الاستقلال التى أدت إلي قيام جمهورية «أيرلندا الحرة» أو «أيرلندا الجنوبية» كما نسميها.
وتعد مسرحية «كتاب الأسماء» أحدث إبداعات المخرج المسرحى الأيرلندي الشهير «أوين بوس». ولهذه المسرحية أهمية خاصة حيث انها تأتى فى الذكرى المئوية لاستقلال أيرلندا الجنوبية عن بريطانيا. وتكشف المسرحية عن صفحات من ملفات المخابرات الأيرلندية لا يعرفها الكثيرون عما دار فى هذا العام الحاسم من تاريخ بلادهم عندما استقلت عام 1921 بعد المعاهدة الأنجلو أيرلندية لإنهاء القتال بينهما. وكما يقول ناقد أيريش تايمز أن المسرحية القت الضوء على هذه الصفحات وأكسبتها بعدا إنسانيا. فقد صورت رجال المقاومة الأيرلندية وهم يتحملون المخاطر الجمة من أجل توصيل السلاح والذخيرة والطعام لزملائهم.
ويقول الناقد أن النص لم يقدم لنا معلومات تاريخية جافة، بل قدمها من خلال أدوات مساعدة منها صوت مؤثر للراوية ومؤثرات صوتية مناسبة ولوحات راقصة معبرة تجعل المشاهد شعر بانه يعايش رجال المقاومة وهم يهربون الذخيرة أو يدبرون لكمين. ويرى الناقد أن من أسباب جودة العرض قلة عدد الممثلين (9 ) وكانوا يؤدون الرقصات أيضا. ويشيد ناقد الصحيفة بوجه خاص «بهارييت لافيرى» التى قامت بدور الرسامة وتيودور ليهى الذى جسد شخصية خبير المفرقعات.
الغرض الحقيقي
ونأتى إلي مسرحية أخري هاجمها النقاد وهاجمتها الكنيسة الكاثوليكية وهى «مرة قبل أن أذهب». يزعم مؤلف المسرحية فيليب مكماهون أنها تستعرض التغيرات الاجتماعية والثقافية التى طرات على المجتمع الأيرلندي فى السنوات الأخيرة. ويتم ذلك من خلال استعراض العلاقات بين مجموعة من الاصدقاء من اواخر الثمانينيات حتى اليوم.
لكنها فى الحقيقة تدافع عن المثليين حيث يقول مؤلفها ماكماهون إنها تسعى إلي تخليد ذكرى شباب ايرلندى ماتوا من جراء مرض الايدز وتم اخفاء سبب وفاتهم لأن الشذوذ أو المثلية كانت مجرمة فى أيرلندا المحافظة وقتها!!!!.
تبدأ احداث المسرحية فى شقة فى لندن حيث يستقبل البطل «دايسى» وهو رجل فى وسط العمر صديقه كبير السن «لين» وتذكرا جهودهما فى الثمانينيات مع برنارد شقيق لين فى الدفاع عن حقوق المثليين وكيف لم يستطع دايسى وبرنارد الصمود فى وجه التيار المحافظ واضطرا إلي الهجرة إلي باريس حيث اصيب برنارد بالإيدز ومات فى فرنسا . ولم تجرؤ اسرته على التصريح بسبب وفاته. وتتوالى التفاصيل الفاضحة والمخزية التى استنكرها معظم النقاد ورجال الكنيسة والشخصيات العامة.
اسم صادم
وكان الهجوم أيضا من نصيب المسرحية ذات الاسم الصارخ والمباشر والصادم «بعد الجماع». وتدور المسرحية حول فتاة من سكان دابلن لم تذكر المسرحية اسمها وقامت بدورها النجمة الأيرلندية الشابة كيت ستانلى برينان تمارس الجنس مع ثلاثة من الشبان تتعرف بهم عن طريق تطبيق app. يدور حوار بينها وبينهم على سرير موجود فى منتصف خشبة المسرح بعد انتهاء الجماع يتناول بعض النقاط عن العلاقة الحميمية ثم ينتقل الحديث إلي بعض النواحى الاجتماعية. وقد جسد ممثل واحد هو “فيون لونجيش”شخصيات الثلاث مع تغيير صوته ونبرة الحديث. والمسرحية من إخراج توم كريد صاحب هذه الفكرة.
فى ذكرى فو
دقيقة حداد على مسارح ايطاليا
80 مسرحية و30 لغة
عالج مشاكل ايطاليا بالكوميديا
توقفت عروض المسارح فى ايطاليا لمدة دقيقة إحياء للذكرى الخامسة لوفاة الكاتب والمخرج والممثل المسرحى الايطالى ومؤسس عدد من الفرق المسرحية داريو فو عن عمر يناهز 90 عاما بعد حياة حافلة من الابداع فى المسرح وفى مجالات أخري. فقد كان مؤلفا للاغانى ورساما ومغنيا ومصمما للديكور. وأهلته أعماله للفوز بجائزة نوبل للأدب عام 1997. وكان بذلك أول أديب إيطالي يفوز بتلك الجائزة منذ 1975 وأول كاتب مسرحى إيطالي يفوز بها منذ 1934.
وكانت بداية علاقته بالمسرح عندما كان يؤلف اسكتشات غنائية خفيفة للمسارح بالتعاون مع زوجته الممثلة «فرانكا رامى» منذ عام 1957 . وحققت نجاحا كبرا حتى اتفق معه التلفزيون الإيطالى على تقديمها فى 1962 . وكتب عددا من المسرحيات التى عالجت بأسلوب كوميدى مشاكل المجتمع الإيطالى مثل الفقر والفساد وعصابات المافيا والجريمة المنظمة وإدمان المخدرات والتفرقة بين الأجناس وبين الرجل والمراة والحرب والاغتيالات . كما اهتم فى مسرحياته بالتاريخ الاوروبى وتصوير حياة الطبقة العاملة. وكان يهاجم الحكومات اليمينية. وكان يصف أعماله المسرحية بانها نوع من الكوميديا المخلوطة باليسارية غير الرسمية على حد تعبيره.
وقد كتب فو أكثر من 80 مسرحية شاركته زوجته فى كتابة بعضها وترجمت معظم مسرحياته إلي اكثر من 30 لغة وعرضت فى كل قارات العالم وفى دول راسمالية رغم انتقاده للرأسمالية فى مسرحياته. ومن أشهر مسرحياته «الموت المفاجئ لشخص فوضوى» و«لن نستطيع أن ندفع ولن ندفع» و«السر الكوميدى» و»البابا والساحر» و«امرأة بالصدفة» وكان يشارك فى تمثيل بعض مسرحياته ويقوم بإخراجها. وكان يؤلف مجموعات قصصية تجد اقبالا واسعا من القراء. وأحيانا ماكان يقوم بتحويلها إلي مسرحيات. وكانت معظم أعماله المسرحية تعتمد على الارتجال. وكان كثيرا ما يثير الغضب فى إيطاليا بسبب هجومه على الكنيسة الكاثوليكية فى عدد من أعماله.
ويقول أنه ورث حب المسرح من أبيه الذى كان عاشقا للمسرح وكان يمارس التمثيل المسرحى مع فرق الهواة فى أوقات فراغه من عمله كناظر محطة للسكك الحديدية. وقد ورث اخوته حب المسرح عن والدهما حيث عمل شقيقه مديرا لفرقة مسرحية بينما كانت اخته كاتبة مسرحية. وكان عند وفاته يملك فرقة مسرحية باسم فرقة «فو ورامى» على اسمه واسم زوجته. وعموما تمتلئ حياته مع المسرح بالتفاصيل التى يضيق بها هذا الموضع.
حركة مزدهرة
وتوجد فى ايطاليا حركة مسرحية مزدهرة حيث يوجد بها عدد كبير من المسارح والفرق المسرحية ومعظمها قطاع خاص .ويوجد عدد من المسارح والفرق تابعة للدولة وتشرف عليها وزارة السياحة وتمولها الدولة .ويمكن أن تقدم تمولا إلي الفرق والمسارح الخاصة.
وهناك ثلاث مؤسسات معنية بدعم قطاع المسرح وهى مجلس المسرح الإيطالى ومعهد الدراما الإيطالية والمعهد القمى للدراما القديمة والذى يدعم إعادة العروض المسرحية المهمة والناجحة.
وفى 1990 شددت الحكومة الإيطالية القيود المفروضة على تمويل الفرق المسرحية مما سبب مشاكل لفرق المسرح ولجأ بعضها إلي التمويل الأجنبى.
ويبدى البعض دهشته من اهتمام المسارح الإيطالية بعرض المسرحيات الأوروبية المعاصرة أكثر مما تهتم بالأعمال الإيطالية رغم وجود أدباء إيطاليين مجيدين على غرار لويجى برانديللو.