بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (3) صراع حول رئاسة الجمعية

بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (3) صراع حول رئاسة الجمعية

العدد 720 صدر بتاريخ 14يونيو2021

كادت جمعية أنصار التمثيل أن تتوقف وينتهي نشاطها وتاريخها بعد وفاة رئيسها «محمد عبد الرحيم»، وذلك بعد أقلّ من عامين من ظهورها! ولحسن الحظ أنقذها من هذا المصير الكاتب المسرحي «إبراهيم رمزي» عندما تولى زمام أمورها، حيث عرّب لها مسرحية «عزة بنت الخليفة» أو «نور العين»، وقررت الجمعية تمثيلها يوم 6 يناير 1916 على مسرح «باتيه»، كما ذكرت الصحف المعاصرة. وكتب أحد المشاهدين لبروفة المسرحية كلمة، نشرها في جريدة «المنبر» في الثالث من يناير، قال فيها: 
« .. شهدنا «البروفة» الأخيرة لرواية «نور العين» أو «عزة بنت الخليفة» للكاتب المجيد الأستاذ إبراهيم أفندي رمزي، وهي الرواية التي عزمت جمعية أنصار التمثيل على تمثيلها يوم 6 يناير المقبل في محل باتيه. وقد أعجبنا موضوعها ورأينا فيه درساً جليلاً من دروس علم النفس الدقيقة التي عني بأبحاثها علماء الغرب في عصر النور هذا. ورجونا أن تكون فاتحة حياة جديدة للمسارح العربية، فتعنى بإبراز أشباه هذه الرواية، وتجعلها دروساً علمية مجسمة يتلقاها الشبان والشيوخ فتستمتع بها عقول محبي الأبحاث العلمية من أدباء الأمة في ثياب اللذة والفكاهة التمثيلية. إن موضوع الرواية من ثمرات العقول الناضجة في الغرب. وقد أحسن رمزي أفندي في تقديم هذه الثمرة الشهية لأبناء وطنه. كما أحسن في اختيار ممثليها وكلهم من الشبان الأذكياء الناهضين بهذا الفن الجميل. وقد أعجبتنا براعتهم ومقدرتهم على تأدية الإشارات والحركات التي تستلزمها مواقفهم في الرواية. وسلامة ألسنتهم من الخطأ الذي يشوه محاسن الألفاظ. ونذكر من هؤلاء الأدباء محمد أفندي تيمور، فقد لبس روح دور سيف الدين فبهرنا بإلقائه وتعبيره. ووقف داود أفندي عصمت موقف الخليفة فحسبنا أننا في ذلك العصر بين تلك المشاهد المعجبة للعين. وأبدع محمد أفندي عبد القدوس في تمثيل دور عمارة اليمني برشاقة حركاته وظرف لهجته. وأجاد رمزي أفندي نظيم في تمثيل الطبيب ابن يحيى الأندلسي، وأتقنت السيدة ماري إبراهيم تأدية دور «عزة» بنت الخليفة، وأجادت في تمثيل العواطف الفطرية لفتاة لا تعرف شيئاً من العالم غير ما تلمسه يداها المحسوسات تمثيلاً ناضجاً. وأحكمت الممثلة القديرة السيدة ماري سماط تمثيل دور الوصيفة عائشة. وبالجملة فقد أجاد كل ممثلي الرواية. وقد تناول موضوع الرواية بعض من سمع بها ولم يشهدها لأنها لم تبرز فوق المسرح بعد، أو بعض من شهد «بروفتها» وألهته براعة الممثلين وحلاوة الإلقاء عن موضوعها الدقيق، وسنرى كيف يغير هؤلاء ظنهم بالرواية عندما يشهدون تمثيلها ويقفون على حكمة وجودها ويثنون معنا على واضعها الفاضل. [توقيع] «مشاهد»».
شاهد عيا ن
تم عرض المسرحية، وكتب عنها «شاهد عيان» مقالة نقدية، نشرها في جريدة «الأفكار» يوم 17 يناير 1916، قال فيها: «.. الرواية من أصل دانيمركي تُرجمت إلى الإنجليزية فنقلها عنها إلى المسرح العربي حضرة الأديب الفاضل إبراهيم أفندي رمزي بعد أن أبدل أسماءها وجعلها عربية الصيغة والأبطال والأشخاص والمواقع! وتلك فكرة مستحسنة، فإن مؤلفي الغرب قد بلغوا في فن التأليف الروائي ما نرجو أن نبلغه قريباً، وكذلك إعطاء الرواية شكلاً عربياً قشيباً أمر يحمد عليه المترجم كل الحمد. والرواية من النوع الغنائي القصصي الوجداني؛ ولكنها اليوم في مسارحنا رواية من رواياتنا لها ميزة هي أنها ذات فصل واحد. وقد قام بتمثيلها بعض أعضاء جمعية أنصار التمثيل، وهم من شبابنا المصريين المهذبين والواقفين على شيء كثير من فن الروايات في أوروبا ومصر. وقد قالوا إن الرواية تدور حول مسألة من مسائل علم النفس العصرية ويقصدون بذلك أن عزة بنت الخليفة وقع لها في صغرها ما أفقدها بصرها، ولكنهم أخفوا عنها ما حل بها واستعاضوها بالحواس الأربعة مجتمعة إدراكاً يغنيها عن حاسة البصر. ويدعي الطبيب أنه يشفيها متى بلغت أعصاب عينها حداً وزماناً تقبل فيه التغيير. ولكن يشترط وجوب إخبارها بأنها عمياء حتى تعرف أنها في حاجة إلى الإبصار. فيأبى أبوها ذلك ولكنها تعلم بعماها صدفة من شاب يلتقي بها في منزل بالجبل وكان قد خرج للصيد. ثم يشفيها الطبيب فتنكر من ترى وما ترى حتى تلمسهم وتسمع أصواتهم خصوصاً صوت ذلك الشاب الذي أحبته والذي يكون لها خطيباً وزوجاً. هذا ما في الرواية مما يدور حول «علم النفس» ولم نر فيه عجباً بل لم نر فيه شيئاً بل لم نفهم ما وجه الارتباط بين الشعر وعلم النفس هذا. اللهم إنا سمعنا فيها ذكراً للنور وتعريف النور وانعكاسه وأثر النور وسرعة النور فخلنا لوقت أنها تدور حول «علم الطبيعة»».
أعادت الجمعية تمثيل مسرحية «عزة بنت الخليفة» أمام سلطان مصر «حسين كامل» في أول عرض مسرحي يحضره بعد توليه حكم مصر – أثناء قيام الحرب العالمية الأولى – وكتبت عن هذا مجلة «الأدب والتمثيل»، لصاحبها «إبراهيم رمزي» مُعرّب المسرحية! أما المجلة فتُعدّ مشروعاً من مشاريع الجمعية، كما سنعلم لاحقاً! وما يهمنا الآن ما كتبته المجلة عن هذا العرض الذي حضره سلطان مصر، حيث قالت في مايو 1916: « لم تزل جمعية أنصار التمثيل تسلك سبيل الترقي والتقدم، حتى استباحت منزلة محترمة في القطر. ولا عجب في ذلك فإنها تجمع بين أعضائها أكبر من يخدمون المرسح في مصر بأقلامهم سواء بالتأليف أو بالتعريب أو بالنقد، وتعليم الإلقاء. وفيهم من الأدباء من يصح أن يكون مثالاً لطالب فن التمثيل. ولقد بلغ من أمرها أن أوثرت على الأجواق الحاضرة جميعها لتمثل فرقتها التمثيلية أمام مولانا السلطان الكامل حفظه الله إذ شرف دار الأوبرا في حفلة الجمعية الخيرية السنوية يوم 24 مارس الماضي، وكان حضوره ذلك التمثيل هو المرة الأولى لعهده منذ سعدت به الأريكة العلوية. مثلت الجمعية يومئذ رواية عزة بنت الخليفة التي نقلها عن الإنجليزية صديقنا الكاتب الفاضل إبراهيم رمزي، ثم عرّبها لتكون أقرب إلى المرسح المصري منها إلى الإفرنجي، وصفق لها الحاضرون تصفيقاً حاداً، وأعجب مولانا الكريم إعجاباً كبيراً بها وبالأدباء الذين تشرفوا بالتمثيل بين يديه الكريمتين. أما الرواية فدينامركية الأصل من النوع المعروف في عالم الأدب باللبريكى أي الغنائي أو الوجداني. والرواية من هذه الوجهة مضرب المثل في موضوعها ولغتها. وهذا ما امتازت به أيضاً في ثوبها العربي. أما اللبريكى هذا فتكون الرواية فيه كالبشرف الموسيقى، يسليك ولا تدري كيف يسليك، أو لماذا يسليك. ولقد تولت السيدة ماري إبراهيم تمثيل دور عزة، فأجادت إجادة فيه لا تدانيها فيها ممثلة مصرية. وتولى تمثيل دور سيف الدين فتى أمير بلا إمارة [يقصد محمد تيمور]، وشاعر بلا قيثارة، وهو ذلك الذي ندعوه «بابن رشيق». ولعمرى ما رأيت إلى اليوم ممثلاً أتى في مثل دور سيف الدين بمثل ما أتى ابن رشيق. أما أدوار الخليفة، والشاعر عمارة اليمني، والطبيب، والحارس منصور، فقد بلغوا فيها درجة الإحسان الفني في مصر».
صراع وأسرار
دب الشقاق بين الرفقاء، وجاءت لحظة الحساب والمكاشفة، فخرجت أسرار لم نكن نعلمها! والبداية كانت من جريدة «الأخبار» التي قالت يوم 19/5/1916: «عقدت جمعية أنصار التمثيل جلسة عادية لفحص حساباتها وانتخبت باتفاق الآراء حضرة الفاضل «صادق عفيفي» المهندس أميناً لصندوقها واستلام دفاترها. وهذه الجمعية أنشأها المرحوم محمد عبد الرحيم الأستاذ في المدرسة السعيدية، وانضم إليها جمهور كبير من الأدباء وعقدت عدة جلسات ألقى فيها الأستاذ عبد الرحيم محاضرات عن التمثيل وتاريخه. وأقامت حفلات سمر وشخّص فيها أعضاؤها رواية «الممثل أو دافيد جرك»، وكانوا يتأهبون لإنشاء مجلة، والقيام بأعمال ذات شأن لترقية التمثيل؛ ولكن حال دون ذلك نشوب الحرب [أي الحرب العالمية الأولى]، ثم وفاة المرحوم محمد عبد الرحيم رئيسهم، فتشتت شملهم وألف أحدهم وهو حضرة إبراهيم رمزي جمعية سماها «جماعة أنصار التمثيل» فمثلوا بعض روايات حازت الإعجاب. فنرجو أن يكون عودة أنصار التمثيل إلى العمل خير باعث على إحياء هذا الفن».
قام عضو الجمعية «أحمد فؤاد أبو السعود» بالرد على هذا الكلام في الجريدة نفسها – وبعد ستة أيام – قائلاً: « تحية وسلاماً وبعد، فقد ذكرتم إن جمعية أنصار التمثيل انتخبت حضرة الفاضل صادق عفيفي أميناً لصندوقها وقلتم بمناسبة ذلك إن هذه الجمعية أنشأها المرحوم محمد عبد الرحيم، وأنهم كانوا يتأهبون لإنشاء مجلة لنشر أغراضهم، ثم ألف حضرة إبراهيم رمزي جمعية أخرى سماها جمعية أنصار التمثيل، ومثلوا بعض روايات …. إلخ ما جاء في المقالة. ونريد أن نوضح ما خفي عسى أن نخدم الحقيقة: أولاً، إن جمعية أنصار التمثيل لم يؤلفها المرحوم عبد الرحيم، وإنما كان الداعي لها حضرة الفاضل «حسين فتوح» مع صديقه «إبراهيم رمزي». ثانياً، إن الجمعية المذكورة كانت قد فترت همتها العملية بسبب نشوب الحرب، وتفتيش نادي الموظفين. وخشى المؤسسان أن يُقضى على فكرتهما، فجمعا ما تبقى لديهم من الأعضاء ومثلوا رواية «عزة بنت الخليفة»، التي شهدها عظمة السلطان في دار الأوبرا يوم 24 مارس الماضي. ولما كانت المدة التي قضتها الجمعية منذ عهدها إلى فتورها كاشفة عن كثير من العيوب الإدارية، فقد استفاد مؤسساها من ذلك وغيرا كثيراً من ذلك، وهي الآن سائرة على هذا النحو، ولعلها هي التي تقولون إن رمزي قد ألفها باسم «جماعة أنصار التمثيل»، وما هي إلا الأولى بعينها على شكل جديد من النظام. أما فكرة المجلة فهي فكرة حضرتي المؤسسين المذكورين؛ ولكن لما لم يكن أموال الجمعية لتسمح بالإنفاق عليها، فقد تولى أحدهما – إبراهيم رمزي - وحده إصدارها، وهي «مجلة الأدب والتمثيل»، التي صدرت في الشهر الماضي. فعسى أن يكون في هذا البيان ما يدفع الخطأ التاريخي ودمتم أنصار للأدب والتمثيل. [توقيع] أحمد فؤاد أبو السعود العضو بجمعية أنصار التمثيل».
وهكذا زاد الشقاق بين أعضاء الجمعية، لا سيما بين رئاسة «محمد تيمور» للجمعية – كما ذكر محمود تيمور في كتابه «طلائع المسرح العربي» - ورئاسة «إبراهيم رمزي»، رغم أن أعضاء الجمعية هم أنفسهم أعضاء الجماعة!! وتأزم الموقف أكثر عندما ظهر منافس ثالث في الرئاسة، وهو «إسماعيل وهبي» المحامي – شقيق الفنان يوسف وهبي – الذي عرّب مسرحية «العرائس» تأليف «بيير وولف»، والتي مثلتها الجمعية، ووزعت إعلاناً بذلك، جاء فيه:
««العرائس» مساء يوم الاثنين 10 يوليو سنة 1916 في تياترو برنتانيا خلف التلغراف المصري، تمثل جمعية أنصار التمثيل الساعة 8 ونصف مساء رواية «العرائس». وهي رواية جديدة ذات أربعة فصول، تأليف الكاتب الفرنسي الكبير «بيير وولف Piere Wolf» وتعريب الأستاذ إسماعيل وهبي بك المحامي والعضو بالجمعية. وقد اهتمت الجمعية بإظهار هذه الرواية بأجلّ مظاهر الكمال والاستعداد، وسيقوم بالتمثيل فريق من أعضائها هم من زهرة الشبيبة في مصر تربية وفضلاً، ويمثل الأدوار المهمة طائفة من خيرة رجال الجمعية الذين تفخر بهم المسارح في عالم التمثيل. وتطلب التذاكر من شركة التعاون المنزلي لموظفي الحكومة بعمارة الأوقاف بالعتبة الخضراء من الساعة 9 صباحاً، ومن نادي الموظفين بشارع محمد علي من الساعة 2 بعد الظهر، ومن شباك تياترو برنتانيا تليفون 4561 يوم التمثيل من الساعة 5 بعد الظهر».
وعلى الرغم من هذا النشاط، ظل الشقاق موجوداً بين أعضاء الجمعية، والذي وصل إلى حد لا يجوز الصمت أمامه، لذلك نشرت جريدة «الأخبار» خبراً في أكتوبر 1916، قالت فيه: «تعقد جمعية أنصار التمثيل جمعيتها العمومية بصفة غير عادية في الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم في مدرسة وادي النيل للنظر في حال الجمعية الحاضرة «. وبعد أسبوع، نشرت الجريدة نفسها خبراً آخر، قالت فيه: «اختارت جمعية أنصار التمثيل حضرة الأستاذ إسماعيل بك وهبي رئيساً لها، وألفت مجلس إدارة جديداً من نخبة الأدباء وأهل الفضل».
ومنذ اختيار إسماعيل وهبي لرئاسة الجمعية، وعلى مدار عام ونصف العام لم نقرأ شيئاً يتعلق بعروض الجمعية أو أنشطتها المسرحية، سوى خبر نشرته جريدة «المقطم» في يناير 1918، علمنا منه أن جمعية المواساة الإسلامية العامة بالقاهرة، ستقيم حفلتها السنوية بدار الأوبرا السلطانية، وستمثل في الحفلة جمعية أنصار التمثيل مسرحية «عزة بنت الخليفة». وبعد عام ونصف العام، قرأنا عن النشاط الثاني، وقد نشرته جريدة «السفور» - أكثر من مرة – ابتداء من الأول من مايو 1919، وهو عبارة عن إعلان، هذا نصه:
««اقرأوا هذا الإعلان الهام» عودة جماعة أنصار التمثيل للعمل بروايتين جديدتين في ليلة واحدة، تأليف الفييري شاعر الطليان الكبير، وهو عند الطليان بمثابة شكسبير عند الإنجليز. «فرجينيا» رواية ذائعة الشهرة تمثل أسمى عواطف الشمم والإباء، ورواية «لولو ولوله». وهي رواية مضحكة جداً تأليف الممثل الشهير محمد عبد القدوس، تمثلان لأول مرة في مسرح برنتانيا في مساء يوم الخميس 22 مايو سنة 1919 الساعة الثامنة مساءً. «الرجاء عدم طلب تذاكر بنوارات فقد بيعت جميعاً». ويمثل ابن المعتصم دور أبيو الحاكم، وزكي طليمات دور فرجينو، ومحمد عبد القدوس دور ماركو، وحسن عبد الرازق دور أشيليو، ومريم سماط دور نوجييوريا، وسرينا إبراهيم دور فرجينيا. وتطلب التذاكر من إدارة جريدة السفور بشارع عبد الدايم بباب اللوق». والملاحظ على هذا الإعلان ذكر كلمة «جماعة» وليست «جمعية»، مما يعني أن التخبط مازال موجوداً!!


سيد علي إسماعيل