حلم الراعي رحلة البحث عن الكنز

حلم الراعي رحلة البحث عن الكنز

العدد 558 صدر بتاريخ 6مايو2018

سنتياجو هذا الصبي الأندلسي الذي يرعى الأغنام تأخذه نداهة الوصول إلى الكنز الذي قد راوده عن البقاء في بلاده في الحلم مرات كثيرة وأرقه، فدفع به أن يقرر الذهاب في رحلة طويلة ومرماها بعيدا عن موطنه الأصلي إلى بلاد الشرق، ليجد في طريقه ما كان لا يلقي له بالا من مشاق وصعاب تملثت بوضوح في العرض المسرحي «حلم الراعي» في الشخصيات الدرامية التي اصطدم بها في رحلته، كثير منها من أظلمت مسيرته وأنهكت قواه في سفره الطويل، ومنها من كانت له ومعه نورا ليصل إلى ما يتمنى. وقد قدم العرض من خلال تلك الشخصيات الرئيسية بنص العرض والارتكاز على تطور هذه الشخصيات من خلال قصة العرض المتفردة في حبكتها عن روايتي “الخيميائي” و”تحولات الجحش الذهبي” كالعرافة وسيلينا في مجابهة قوى حائلة بين تحقيقه لحلمه بالوصول لكنزه في شخوص تمثلت في اللصوص (قطاع الطريق) أكثرها في إعاقته في رحلته للوصول إلى ذاك الكنز، فإذا بنا نجد عالما آخر من هؤلاء اللصوص الذين يظهرون دوما في الرحلة تأكيدا على انتشار هذا الوجود للسطو والسرقة لأهالي بعض المدن في مجابهة الحلم والإرادة نحو الوصول لتحقيقه.
تمثلت أهمية وقيمة سينوغرافيا العرض المسرحي “حلم الراعي” في ذاك الوجود الحقيقي للممثلين بالعرض عبر الأداء الجماعي المتمثل مثالا في تشخيص هذا الكورس للخراف أو الجمال في الرحلة والشخصيات الرئيسية بالحكاية الذي اتسم بالوعي بلغة الجسد على خشبة المسرح في تقديم هذا المزيج الممتع من اللغة الجسدية والصوتية بوضوح وتنوع في مستويات تشكيل الجسد ووجوده في الفراغ المسرحي، فقدموا عرضا مسرحيا واضحا في رغبات تلك الشخصيات داخل القصة الدرامية بالعرض وتطور أدائها في جميع المشاهد المسرحية بالعرض، وتميز بصفة أكثر تحديدا في شخصية «العرافة» التي جسدتها مي مراد التي أخذت على عاتقها كأن تحمل مهمة من يصر على أن يلقي بنفسه في الهلاك مقابل أن ينزع فتيل أزمة الحرب المتقدة دائما ليعيش الناس في سلام فاهتمت بابراز التناقض في سمات الشخصية النفسية والجسدية من المعرفة واليقين إلى جسد هزيل وضعيف أثرت دراما العرض على صنع البهجة والسعادة للجمهور المتلقي فلم تقتصر على تقديم الشخصية النمطية للعرافة كما يقدمها الكثيرون، فنجحت بأدائها غير الميلودرامي في الحفاظ على قوة وإيقاع العرض بصفة عامة، إضافة إلى الوضوح في كونها تلهم هذا الراعي سنتياجو طيلة الرحلة لتساعده للوصول لكنزه، فقدمت مي مراد أداء متميزا بخليط من الكوميديا والتراجيديا بصوت واضح وسليم لغة ونطقا وجسد حر يتحرك بانتباه كبير وبتحكم في إطار هذي الشخصية، يترك أثره في عدم وجودها في المشهد المسرحي طيلة العرض. واهتم سامح عزام أيضا بكثير من التفاصيل في أدواته المسرحية جسدا وصوتا في تجسيد شخصية الراعي الأبله الساذج بحالة من الطبيعية والبساطة والمرح من خلال كوميديا الموقف في العرض الذي أبرز التناقض بينه و”سنتياجو الراعي” الحالم القاصد كنزه طيلة الوقت الذي قدمه أحمد نبيه.
كما تميز الكورس في الأداء الجماعي بالحركة والصوت معا قدمهم مخرج العرض بإيضاح شديد في صورتين هما تجسيد قطيع الخراف بأجسادهم وأصواتهم وكذلك تجسيدهم للجمال ومرورهم بالمسافرين في القافلة عبر الصحراء في تناغم عال مع الموسيقى والإيقاعات الحية المصاحبة للمشاهد وتوازن في إشغال المساحة على خشبة المسرح.
غير أنه في “حلم الراعي” امتلأ نص العرض بكثير من الأداء الحي من قبل الممثلين على إيقاعات وألحان مقتطفة من جمل موسيقية من الأغاني والمعزوفات المتعارف عليها التي ينتشر وقعها على مسامع الجمهور في وسائل الإعلام؛ مما أحدث بعضا من الغمامة على آيديولوجية العرض ورؤيته التي استلهمها الإعداد من النص الروائي للعرض وفكرته الأساسية التي كانت تغيب بعض الوقت في هذا الزحام.
“حلم الراعي” رحلة قدمها فريق مسرح كلية الآداب بجامعة المنوفية ليؤكدوا على رغبة الإنسان في البحث عن الكنز والإصرار على الوصول إليه ليطرح محاولة لرصد مسيرة حياة الإنسان ورحلة للنجاح والفشل التي يصادفها في طريقه نحو أهدافه ويهتدي إلى مشاعره الحقيقية وإيمانه الكبير بتصديق حدسه وهي كنز الرحلة في غياهب تحقيق حلمه، وقدمها العرض المسرحي في تناغم جيد فيه التشكيل في الصورة المسرحية المقدمة التي اتسمت ببساطة ووضوح اتساقا مع عمق الطرح الفكري بتقديم شخصيات درامية ثرية بدوافعها منحنا فيها المخرج سبر أغوار النفس الإنسانية، وكشف مواطن الضعف والقوة فيها، وهي محاولة في عملية التفكير الإنساني نفسه.
“حلم الراعي” إعداد مشترك جيد لثلاثة كتاب من الشباب هم أحمد نبيه وأمير خالد وأحمد عيسى، لمزيج من نصي روايتين في فلسفة كتابتهما رمزية شديدة نحو قضايا بعينها هي الحلم وكنز الرحلة ذاتها الذي تمثل في تلك المشاعر التي كادت أن تتوارى في غياهب الوصول لكنز لا يعرف أنه هو مشاعره التي حملها طوال رحلته، قدم العرض هذا الإعداد المزيج لرواية “الخيميائي” و”تحولات الجحش الذهبي” بوعي وإدراك لم يخلُ بالبناء الدرامي للعرض المسرحي في بناء المشهد المسرحي وخطوط الدرامية للعرض حتى نهايته أو يظهر ضعف الانتقال من حبكة رواية للأخرى وصولا لنهاية العرض وإبداع ناجح ثلاثي الأبعاد في التأليف والتمثيل والإخراج باهتمام واضح في بالتفاصيل، قدم بأذهان وقلوب واعية ومحبة للمسرح.


همت مصطفى