فرصة سعيدة فرصة للسؤال عن قدرته باعتباره عملا مسرحيا على إنتاج المعنى

فرصة سعيدة فرصة للسؤال عن قدرته باعتباره عملا مسرحيا على إنتاج المعنى

العدد 543 صدر بتاريخ 22يناير2018

الاعتماد على الخيال الإبداعي في المسرح من الروافد المتاحة التي استخدمها كثيرون من كتاب المسرح في نصوصهم المسرحية عبر تاريخ المسرح في محاولة لتحفيز خيال المتلقي ودفعه للانتقال إلى عوالم أخرى أكثر رحابة تتيح تبسيط الفكرة المطروحة من خلال العمل وسهولة توصيلها في رسائل عن طريق الأدوات والمفردات المسرحية المتعارف عليها.. هذا التوجه كان الخيار لدى صلاح عربي عندما شرع في كتابة نصه المسرحي (فرصة سعيدة) والذي أخرجه محمد جمعة ليقدم على خشبة مسرح السلام.. حيث اعتمد الكاتب على الفانتازيا في محاولة منه لتحقيق هدفين في آنٍ واحد أولهما توصيل رسالة العمل وثانيهما القدرة على توليد مفارقات ضاحكة تصبغ العمل بإطار كوميدي، وهي أغراض مشروعة واختيارات متاحة وملائمة لفكرة العمل التي تحاول في بساطة طرح تساؤل على المتلقي ليواجه به نفسه في نهاية العمل من خلال الفرضية التي صاغها الكاتب وأسس عليها البناء الدرامي للعمل وهي ماذا لو أتيح لإنسان أن يعود إلى بدايات حياته ليصحح كل أخطائه وخطاياه؟.. ليقدم الكاتب للمتلقي شخصية مرتضى (أحمد بدير) ذلك الرجل الطاعن في السن والثري الذي يعيش وحيدا في قصره الكبير بعد أن ابتعد عنه الجميع (الزوجة والأبناء والأصدقاء) حتى في يوم مولده الذي قرر أن يحتفل به بمفرده إلا أن نفسه (أحمد الدمرداش) تقرر أن تواجهه بكل أخطائه التي كانت سببا في ابتعادهم عنه بل وتقدم له فرصة للعودة للماضي لتصحيح ما اقترفت يداه من آثام في حقهم جميعا.. وهذا هو العقد الذي تم بين المنصة والمتلقي للعودة إلى الماضي في بداية العمل.. تلك الرحلة قدمت في ثلاثة مشاهد احتلت المساحة الأكبر من زمن العمل تاركة للبداية والنهاية مساحة زمنية صغيرة.. ولكن المشاهد الثلاثة لم تقدم تطورا دراميا لشخصية مرتضى بل لعبت على نفس الصفات الشخصية له منذ بدايته في المرحلة الابتدائية مرورا بدراسته الجامعية وحتى عمله كمدير مكتب لوزير من الوزراء وزواجه من زميلة الدراسة منذ المرحلة الابتدائية تلك الثرية التي تحبه.. معتمدا في المشاهد الثلاثة على المفارقات الكوميدية وكثير من الارتجال والكوميديا اللفظية.. تاركا العمق الفلسفي للإشكالية المطروحة جانبا فجاءت المشاهد الثلاثة بمواقف ساذجة من حيث الطرح ضعيفة من حيث البناء.. بل إن المشهد الثالث الذي احتوى على استقبال الوزير في قصر مرتضى ومحاولة تزويج بنتيه لأبناء الوزير الذي ضم شخصية رجل الأعمال الذي يحاول رشوة مرتضى للتأثير على الوزير للموافقة على السماح بدخول شحنة ما إلى البلاد، جاء مفككا وغير مكتمل الخطوط الدرامية.. هذا كله أدى إلى تكرار الحدث بصور مختلفة حيث يكون الخطأ والطمع في البداية من قبل مرتضى تجاه أصدقائه وحبيبته ثم تتدخل (نفسه) الشخصية المعادل الخير لمرتضى فتدفعه لإصلاح ما أفسده.. هذا الشكل أدى إلى توقع الحدث من قبل المتلقي فافتقد العمل متعة التكشف مما أثر على الإيقاع العام للعمل وإصابته بالترهل والبطء.. أما الإشكالية الأهم والأبرز هي تلك النهاية التي جاءت منافية لكل البناء والفرضيات الخاصة بالعمل حيث نرى الجميع حول مرتضى يحتفلون بيوم مولده وأنهم يحبونه ولن يتخلوا عنه.. فهل أطاح المؤلف بالفرضية الأولى أن مرتضى وحيد بسبب خطاياه هل كانت شخصية (نفسه) حقيقية فأصلحت الماضي ليجني الحب من الجميع في الحاضر، وهي فرضية لا يقبلها المنطق أو المتلقي إلا في إطار الخيال الساحر للعمل المسرحي.. هل كان مرتضى يعيش وساوس قهرية بأنه ظلم الجميع وفي حقيقة الأمر لم يظلمهم.. أم أن فريق العمل فشل في صنع نهاية تتفق مع الفرضية الرئيسية للعمل؟!
أما عن الإخراج، فقد قدم المخرج محمد جمعة رؤية نمطية للنص معتمدا على ديكور مصطفى حامد الذي كان وظيفيا ولم ينجح في صنع معنى أو دلالة مضافة إلى النص المنطوق حيث لم يختلف القصر الخاص بمرتضى في المشهد الأول قبل بداية الرحلة المتخيلة (الفانتازيا).. عن الثلاثة مشاهد في الرحلة المتخيلة التي جاءت كلها واقعية التشكيل بمراحله التاريخية المحفورة في ذاكرة المتلقي (فصل المدرسة الابتدائي/ فناء جامعة القاهرة/ منزل مرتضى).. الملابس التي صممتها (هبة طنطاوي) أيضا جاءت على نفس النهج الواقعي لكل مراحل العمل دون محاولة لصنع إطار تشكيلي مغاير يتماشى مع الفانتازيا التي تم البناء الدرامي بمقتضاها حتى في ملابس شخصية (نفسه) التي جاءت مماثلة لما يرتديه مرتضى في كل المشاهد التي جمعتهم عدا المشهد الأخير لعيد الميلاد الذي اختلف بارتدائه بدلة بيضاء تعبر عن رضاه عن مرتضى لترسخ الملابس أيضا لإشكالية العمل التي لم تستطع صنع نهاية تتفق مع الفرضية الرئيسية للعمل.. أما الحركة التي رسمها المخرج لم تختلف كثيرا عن نفس النهج السابق وجاءت نمطية غير قادرة على صنع معادل حركي للنص المنطوق تاركة العبء الأكبر على الأداء التمثيلي لفريق العمل الذي قاده أحمد بدير لمنطقة الكوميديا اللفظية والارتجال بعيدا عن الأداء المفترض للشخصية المطروحة وانسحب ذلك على كل فريق العمل وإن برز خالد محروس بذلك التنوع والتباين في الأداء للشخصيات الثلاث التي أداها (المفتش المدرسي – ضابط أمن الدولة – رجل الأعمال) في مهارة ودون تكرار وفهم لطبيعة كل شخصية دون افتعال أو مبالغة.. والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هنا في عمل يعاني من فقر في اللغة ومشكلات في البناء الدرامي تصل لتشويه رسائل العمل وعدم قدرة البناء على إنتاج الأفكار هل هذا النص الذي تم تقديمه على أحد مسارح الدولة قد مر على لجنة القراءة المعنية بإجازة النصوص؟!.. أم أن اسم بطل العمل يكفي لتمرير العمل وإنتاجه.


طارق مرسى