«صانع البهجة» هو الأداء التمثيلي

«صانع البهجة» هو الأداء التمثيلي

العدد 774 صدر بتاريخ 27يونيو2022

نشأنا على مقولة (الستينات هي مرحلة العصر الذهبي للمسرح) وهي بلا شك مقولة حقيقية، فقد كان هناك مشروع قومي تتبناه الدولة وتدعمه بل السبل، منها إنشاء دور العرض وإرسال البعثات للخارج لدراسة فن المسرح وإنتاج عدد لا بأس به من العروض المسرحية المتميزة، وتكريم رموز الفن، وذلك لإيمانها بالدور الكبير الذي يقوم به المسرح في نشر الوعي والتثقيف والتنوير وهو من أهم أهدافها في هذه المرحلة، التي كانت تعمل فيها على إقامة نهضة شاملة في كل المجالات، مع جهود مجموعة من الشخصيات والفنانين آمنوا بالمشروع وعملوا من أجل إنجاحه.
 والآن وبعد دعوة الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي للاحتفاء بمرور مائة عام على عشرينيات القرن الماضي وإحياء أمجاده، مما يلقي الضوء على  مدى ثراء هذا العقد أيضًا والذي بنى مجده الثقافي والفني معتمدًا على أفراد بذلوا الكثير من الجهد والأموال لتحقيق هذا الثراء والذي بقي في ذاكرة التاريخ حتى اليوم، بجانب دعم الدولة التي لم تتخل عن هذا الحراك الثقافي الهام.
 وقد استجابت لهذه الدعوة على الفور الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وبدأت بالفعل بإقامة مؤتمرًا يرصد إنجازات هذه المرحلة في مختلف الميادين الثقافية،   وبدأت المسارح في الاستجابة لهذه الدعوة فأعاد مسرح البالون التابع للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية عرض «سيد درويش»، وقام مسرح الغد التابع للبيت الفني للمسرح بإنتاج عرض «صانع البهجة» إعداد وإخراج ناصر عبد المنعم، الذي قدم من خلاله مقتطفات من بعض العروض المسرحية التي تمثل هذه المرحلة التي قدمها الثنائي نجيب الريحاني وبديع خيري، وإن كنت اعتقد أنه كان من الأفضل تناول عروضًا للريحاني وأخرى للكسار لكونهما وجهان لعملة واحدة، وأنهما الجانب المضئ للكوميديا في ذلك الوقت، فقد كانت الفرق الكوميدية تعتمد على الإسفاف والابتذال في تقديم عروضها باستثناء فرقتي علي الكسار ونجيب الريحاني اللذين تميزت عروضهما بالكوميديا الراقية والمحترمة التي تقدم للعائلات، مع الإشارة للسياق العام لهذه المرحلة والفرق المهمة التي قامت عليها النهضة المسرحية.  
 فيما عدا ذلك فإن الفنان ناصر عبد المنعم من خلال المشاهد التي اختارها من ثلاثة عروض للثنائي نجيب الريحاني وبديع خيري هي: «عسل وطحينة»، «استنى بختك»، و»جنان فى جنان» قد نقل جزء من الملامح التي تميزت بها عروضهما ومنها أن هذا المسرح كان من الشعب وإليه حيث ينحاز لكل ما هو شعبي، فعلى الرغم من أنه كان يعتمد على الترجمات وخاصة الفرنسية التي كان يجيدها الريحاني، إلا أنه حرص ليس على تمصيرها فحسب بل انحاز في هذا التمصير للطبقة الشعبية من الشعب والتي تمثل النسبة الأكبر منه، مما كان له أثر كبير في نجاح هذا الثنائي بجانب حرصهما على تقديم كوميديا راقية تحترم الجمهور حيث خلدت أسماءهما في تراث المسرح المصري. 
 تضمن العرض بعض الاستعراضات والأغاني التي تعبر عن المرحلة بإعداد موسيقي للفنان جمال رشاد، ومنها استعراض «أبجد هوز» والذي شاهدناه في آخر أعمال الريحاني السينمائية وهو فيلم «غزل البنات»، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه العروض تعتبر من أضعف العروض التي قدمها الثنائي نجيب الريحاني وبديع خيري، فهناك عروض أهم بكثير تناولت قضايا جادة كانت تستحق أن تقدم في إطار الاحتفال بهذه المرحلة منها: «حسن ومرقص وكوهين»، «الدلوعة»، «الجنيه المصري (السكرتير الفني)»، «حكم قراقوش»، «العشرة الطيبة» هذا العرض قام بإنتاجه الريحاني ولم يمثل فيه تأليف محمد تيمور وألحان سيد درويش، بالإضافة لمجموعة كبيرة من العروض تتناول أحداث ثورة 1919، تضمنت مجموعة متميزة من الأغنيات تعبر عن كل طوائف الشعب كلمات بديع خيري وألحان سيد درويش.
 اعتمد المخرج على الأبيض والأسود من خلال ديكور أحمد هاشم- البسيط والذي يتم توظيفه بحيث تستخدم كل قطعة عدة استخدامات- وملابس سماح نبيل- التي عبرت عن المرحلة بدقة، وهو الدور نفسه الذي يقوم به مكياج إسلام عباس- وكأنه يصطحبنا في رحلة إلى عصر الأبيض والأسود، وتضيف إضاءة عز حلمي للصورة الأكثر من رائعة إطارًا جعل من المشاهد وكأنها لقطات سينمائية أخذت بأحدث تقنيات التصوير. لتكتمل حالة البهجة التي يصنعها العرض.
 لا شك أن البطل الأول في العمل المسرحي هو الآداء التمثيلي وهو من أهم العناصر الذي تميز العرض بها: سامية عاطف ممثلة محترفة تجيد الانتقال من شخصية إلى أخري بسهولة وتعبر عن هذا العصر بكل الوسائل من طريقة كلام وحركة وملابس ومكياج، سيد الرومي أهم ما يميزه هو أنه لم يقلد الريحاني بل قدمه بطريقته هو وخفة دمه، محمود الزيات ممثل شاطر بمعنى الكلمة أجاد تجسيد عدة شخصيات بحرفية، ريم أحمد تشع طاقة وجمال وحيوية، خضر زنون أداء متمكن في عدة شخصيات، كذلك محمد حسيب، هايدي بركات بنوتة جميلة خفيفة الظل وممثلة شاطرة، فكل منهم يبدع في الشخصيات التي يجسدها ويصدر للمتلقي طاقة من الحب والبهجة، ومع كل الاحترام والتقدير للفنان أشرف عبد الفضيل فإن ما يقدمه في هذا العرض لم يضف له ولا للعرض أي شئ.
 أخيرًا فإنني أرى من وجهة نظري أن الأداء التمثيلي لهذه المشاهد كان يكفي للتعريف بصانع البهجة نجيب الريحاني وعدم إقحام مادة تقريرية بين مشاهد العرض وإن كانت تقدم بشكل كوميدي، خاصة أن هذه المادة لم تتضمن أهم العلامات المميزة في مشوار الريحاني.
أما المادة الفيلمية فهي كانت تحتاج للاستعانة بمتخصصين يعرفون من هو نجيب الريحاني، لا لمجموعة من البائعين والمارين من أمام المسرح القومي.


نور الهدى عبد المنعم