أعضاء فرقة أبو المطامير المسرحية ينعون مؤسسها الفنان محمود الجندي

أعضاء فرقة أبو المطامير المسرحية ينعون مؤسسها الفنان محمود الجندي

العدد 609 صدر بتاريخ 29أبريل2019

لن أرثيه بمجرد كلمات مكتوبة، فهو باقٍ في القلوب، ظل طوال حياته الفنية يحترم المشاهد بتقديم أدوار جادة أصيلة قريبة من روحه، حتى لتشعر وأنت تشاهده أنه أخوك أو صديقك المقرب، لا تملك إلا أن تتعاطف معه في أي دور يؤديه لصدقه الفني واحترامه لذاته ولفنه ولجمهوره. كان الحاج محمود الجندي كنزا من زمن الفن الجميل، وهب نفسه في السنوات الأخيرة لخدمة أهل بلده وتثقيفهم وحماية الشباب من الانحراف والتطرف، فأقام مشروع العودة للجذور دون بحث عن شهرة أو نجومية، كان عمله خالصا لوجه الله. لذا التقينا بمن اختتم حياته بينهم أعضاء فرقة أبو المطامير المسرحية كي نكتب شهاداتهم لفنان أحبهم فأحبوه، ليكون نموذجا لكل فنان أصيل.
التقينا في البداية مع دكتور عادل الجندي، طبيب صيدلي وعضو الفرقة، وهو ابن أخ الفنان محمود الجندي، فقال: الفنان الراحل يعتبر حالة فريدة، فعلى المستوى الفني كان بداخله خبرات كبيرة حيث كان قارئا ومتابعا للفن الكلاسيكي من الستينات والسبعينات ويحفظه عن ظهر قلب، ولديه مكتبة رائعة للمسرح العالمي. كان قارئا جيدا جدا للسيرة النبوية والعصور التاريخية المختلفة، فكان يعمل على استلهام مادة تراثية للعمل عليها، كما كانت إمكانياته الدرامية كبيرة جدا فيكتب الدراما بأسلوب ساحر ويظهر هذا في كتاباته للأعمال التي قدمها بالبحيرة، فتجد بها سلاسة وبساطة تعتمد على الكلمة، بالإضافة لحسه الموسيقي ودراسته للمقامات وأنواع الآلات وكان يعزف العود والبيانو وكان عاشقا للكمان، ويعشق عبده داغر والشيخ محمد عمران والابتهالات الدينية ودائما كان يستمع إليهما.
أما رحلته الفنية، فكان في بداية شبابه غرته النجومية كأي نجم لكن الله أراد له الخير لطيبة قلبه وجمال روحه، فأراد الله عز وجل أن يستوقفه ويجذبه من أضواء النجومية التي انبهر بها واغتر بها، تلك كلماته واعترافاته، فمثلا ما حدث مع الفنان الراحل مصطفى متولي في عز نجوميته حيث توقف الجندي تحت منزله ليطلب منه النزول ليذهبا إلى السهر في مكان ما وفوجئ بابنه يخبره بأن والده قد توفي، فصدم ولم يتمالك نفسه، وبعدها بأيام حدث حريق منزله، فاستوعب رسالة الله له، بأن كل هذه النجومية وكل هذا زائل وأنه لا بد أن يستعد للحساب مع الله وأن يقوم بتحسين علاقته مع الله فذهب سريعا لأداء العمرة في اليوم التالي، وانقطع عن الدنيا وأصلح علاقته مع الله. في الوقت نفسه كان صديقا مقربا للحبيب علي الجفري الذي أخذ بيده وأرشده، بالإضافة لأخيه جمال الجندي رجل الأعمال وهو علامة في الدين، الذي ساعده في التقرب من الله. وابتعد تماما عن كل ما يغضب الله، لدرجة أنني كنت مرة معه في منزله بالهرم في لقاء مع الحبيب علي الجفري وأثناء ذلك اتصل به بعض زملائه أثناء سهرهم في مكان ما كان يحبه ويسهر به معهم من قبل وفتحوا خط التليفون ليسمعهم دون أن يتحدثوا كنوع من الإغراء له أو الكيد ثم أغلقوا الخط، لكنه عاود الاتصال بهم وأدار صوت القرآن الكريم بسماعة التليفون كي يعرفهم أنه لا تراجع عن طريقه. كما أنه كان يرتدي الجلباب باستمرار حتى لا تخونه نفسه ويتراجع عن الطريق الذي اختاره له الله.
في هذا التوقيت بدأ اهتمامه ببلده أبو المطامير، وفي حفل عيد الأم جاءه طفل صغير قائلا له أنا أريد أن أمثل، فشعر الجندي أن الولد موهوب فعلا، وكانت تلك بذرة لإقامته مشروعه الكبير، الذي قال عنه إنه أقوى بكثير من فرق كبيرة موجودة بالقاهرة بها نجوم ومحترفون، من حيث المادة التي يقدمها وفطرة الشباب والبراءة وحب العمل وكل منهم يبذل كل ما لديه من أجل العمل، لدرجة أن منهم من يحضر صالون منزله ليوضع على خشبة المسرح، إن لم يوجد خشبة مسرح كانوا يحضرون الكنب البلدي بأعداد كبيرة لصنع خشبة مسرح في الساحة الكبيرة حيث يصل عدد المتفرجين لأكثر من خمسة آلاف متفرج، وكان يمثل العروض من بطولته فكانت كل العروض التي قدمها بالقاهرة مع المحترفين قام بإعادتها بالبحيرة مع الهواة ولاقت نجاحا جماهيريا غير مسبوق.
كانت توجد مكتبة صغيرة تابعة لهيئة قصور الثقافة واتفق الحاج محمود الجندي مع الراحل د. سيد خطاب حينما كان رئيسا للهيئة حينها، على تطويرها، وتم اعتماد ميزانية لها وصلت إلى نصف مليون جنيه حتى صارت المكتبة قاعة كبيرة وأضيفت لها الإضاءة وأجهزة التكييف حيث ساهم محمود الجندي في التكاليف، حتى صارت بيت ثقافة وكان ذلك نحو سنة 2003. بعد ذلك عمل على تخصيص قطعة أرض نحو 1200 من أصل حديقة مساحتها 3000 متر وكان يأمل أن تخصص الأرض بالكامل، لإنشاء مشروع قصر ثقافة الذي تم بناؤه وما زال في التشطيبات، وتم الاتفاق مع وزيرة الثقافة على تسميته قصر ثقافة محمود الجندي بأبو المطامير، ولم يكن يهتم بهذه التسمية ولكن كان اهتمامه الأساسي بكيفية استفادة الناس من المشروع الثقافي.
بدأ الجندي مشروع العودة للجذور، الذي تكمن فكرته في أن كل نجم في مجال معين عليه العودة إلى بلده لتعليم وإفادة أهل بلده في مجاله مثل الطبيب أو وكيل النيابة أو الفنان أو المهندس والكتاب والشعراء.. وهكذا، لتعليم الموهوبين ومساعدتهم. فأقام الحاج محمود الجندي ورشة تمثيل لزرع القيم والأخلاق في نفوس الشباب على مدار تسعة عشر عاما منذ 2000 وحتى 2019. وتحمس معه الكثير من زملائه نجوم الفن الذين انبهروا بالتجربة مثل فاروق الفيشاوي وفاروق فلوكس، ومصمم الديكور د. حسين العزبي الذي شارك بالديكور، والمخرج محمد عمر الذي شارك بالعمل في المشروع بمجهوده، وكذلك المخرج علي بدرخان الذي فتح ورشته بالقاهرة مجانا لأبناء الفرقة، وأيضا زوجة المخرج محمد عمر فتحت ورشتها الفنية مجانا لهم.
كان الفنان الراحل يهتم بالقيم والتربية، فمثلا من يعرف أنه لا يطيع كلام أبيه لا يصعد على خشبة المسرح أو مثلا أرمله تشتكي له أن ابنها لا يطيعها أو أنه مريض، فكان يتداخل مع مشكلات الناس ويعمل على حلها. وكان يحضر إلى أبو المطامير يومين أسبوعيا في غمرة مرضه أو الإرهاق أو ضغوط العمل ولا ينقطع أبدا مهما كانت ظروفه.
بالإضافة لحبه للخير وبعده عن الضغينة والمشكلات، فلم يكن يجرح أحدا حتى لو أخطأ أمامه، حتى الممثل إذا أخطأ لا يقول له أنت فاشل أو يحرجه، بل يحاول معه مرة وأخرى.
كان الجميع هنا يعرفونه بالحاج محمود الجندي وليس الفنان محمود الجندي حيث كان بسيطا مع الناس والجميع يحبونه ويصرون على دعوته للغذاء أو للعشاء، وكان يحل مشكلات أهل البلد ومشكلات أبنائهم، فكان تجربة متفردة منذ أن ذهب للعمرة وعاد إلى الله فكان يعمل بصدق ليس رغبة في شهرة أو كلمات شكر أو حديث عنه قائلا (مش عايز حد يكتب عني في جرائد) وكانت آخر كلماته في مرضه الأخير (أنا خايف ربنا مايكونش قبل توبتي).
العودة إلى الجذور
وعن تفاصيل المشروع والعرض المسرحي حدثنا الفنان أحمد أبو عوف، المخرج المنفذ لعروض الفرقة، قائلا: بدأنا هذه الفرقة مع الفنان الراحل محمود الجندي التي بدأت فكرتها منذ أربعة عشر عاما بمشروعه (العودة إلى الجذور) وهو عبارة عن أن كل شخص مشهور أو علم من أعلام مصر في أي مجال يعود إلى بلده وأصله ليخدم أهل بلده في مجال تخصصه أيا كان التخصص، فن أو رياضة أو طب أو أي مجال، فقال لي بما أنني فنان فإن الخدمة التي أستطيع تقديمها لأهل بلدي هي الفن، واقترح الفنان محمود الجندي أن نقوم بتكوين فرقة، بحيث نقوم بتجميع أكبر عدد ممكن من الشباب، ثم نعمل على تعليمهم فنا محترما. وبدأنا في تكوين مدرسة الجندي المسرحية وهي قائمة على شيئين، أولا: تقديم فن محترم في وقت انتشر فيه الفن الهابط بشكل كبير. ثانيا: اختيار موضوعات تهم الوطن، مثل مواجهة الإرهاب والفن الهابط بالفكر، فبدأ يختار موضوعات بعناية ويقدمها من خلال مسرحيات على نفقته الخاصة كل عام من حيث الديكور والإضاءة والصوت والفراشة وكل عناصر العرض المسرحي. في خلال تلك الفترة كان يظن أنه سيجد اهتماما من الدولة والمسئولين عن المسرح والثقافة في مصر، وأنه سيتم اعتماد الفرقة وتبني الدولة لها، وبالطبع نظرا لأحداث الثورة وما بعدها فلم يكن هناك استقرار في الوضع الثقافي في مصر. في العام الماضي حضر المسئولون وتم اعتماد الفرقة وهيكلتها رسميا وتم تسميتها فرقة الجندي المسرحية وتم الحصول على تخصيص بالتعاون مع محافظة البحيرة ورئاسة الوزراء لمساحة 1200 متر مربع في موقع متميز بأبو المطامير لبناء قصر ثقافة بها، وهو تحت الإنشاء وتم بناء ثلاثة أدوار منه وهو في مرحلة التشطيب الآن، منها دور عبارة عن قاعة مسرح كبيرة، والدور الثاني جاليري ودار ثقافية للطفل، والدور الثالث دور فندقي. ولم يسعفه العمر لافتتاحه.
قدمنا من قبل مسرحية (اللي بنى مصر) في توقيت حفر قناة السويس، عرض (اعملوا معروف) عن الظروف التي تمر بها مصر وضرورة تعاون الشعب مع الحاكم لبناء البلد، العرض الأخير الذي لم يعرض بعد (في قلوبهم مرض) يواجه فكر الإرهاب الداعشي ويدعم الفكر الوسطي الذي يتبناه الأزهر الشريف. وسيعرض بإذن الله يوم 27 أبريل بأبو المطامير بعد أن تأجل عرضه فجأة من قبل في ليلة العرض المحددة لظروف أمنية بعد أن قام الفنان الراحل محمود الجندي بصرف ما يزيد على مائة ألف جنيه من ماله الخاص لتجهيز العرض من حيث خشبة المسرح والفراشة وأجهزة الإضاءة والصوت وخلافه، هذا بخلاف العشرين ألف جنيه الميزانية المخصصة من قبل هيئة قصور الثقافة لإنتاج العرض. وهي من ألحان منير الوسيمي وغناء محمود الجندي بالإضافة لأغنية إهداء من المطرب لطفي بوشناق.
دروس في الفن والحياة
أما الفنان أحمد مهران، مدير فرقة الجندي المسرحية، فكان حديثه ذا شجون حيث يقول: تعجز الكلمات عن وصفه كإنسان قبل أن يكون فنانا. لم تكن علاقته بنا كعلاقة فنان بمحبيه بل كانت علاقة أب بأبنائه كان يزرع فينا الأخلاق والأدب والاحترام. وكيفية التعامل مع المجتمع والناس. وضع أسسا للفريق. إضافة للحياة الاجتماعية بمدينة أبو المطامير. أفعال الخير والتواصل مع الناس، لا ترفض طلبا لأي شخص، لا تتجهم في وجه أحد. كل هذا كان يعلمه لنا رغم أننا كبار في السن. أذكر آخر موقف حدث بيني وبينه قبل وفاته بيوم واحد بالمستشفى حيث كنت معه ومعي الأستاذ أحمد عوف المخرج المنفذ وبمجرد أن رآنا شاهدنا على وجهه الفرحة غير المصطنعة، حيث قال لي (أنا كان نفسي أعمل احتفال كبير يفرح أبو المطامير كلها). فرددت عليه قائلا (بإذن الله هاتخف وتقوم بسلامة الله وتقدم العرض والاحتفال كما تريد). فقال (ربنا يقويكم ويعينكم على اللي جاي)، فكانت تلك آخر جملة قالها لنا.
تعلمت منه الكثير على المستوى الفني، فعلمني كيف أدير فريقا وكيف أعالج موقفا كبيرا بداخل الفرقة أو خارجها وكيف أتحكم في أعصابي وكيف أحلل الشخصيات التي أتعامل معها، فكان الأستاذ محمود يعطينا دروسا في الحياة قبل الفن، وكان هناك الكثير من المواقف بيننا وبينه في السنوات الماضية فكان يزرع فينا حب الانتماء للوطن وحب الانتماء للفرقة وكيف تحب بدون مقابل وكيف تعطي بدون أن تأخذ.
كان يعلمنا كيفية علاج أي مشكلات أو مواقف. وأود أن أرسل له رسالة أننا سنكمل حلمك للآخر حتى لو كلفنا حياتنا، فأنا عن نفسي لو حلم الأستاذ محمود الجندي سيكلفني حياتي فأنا مستعد للتبرع بها من أجله.
ثم تتحدث سارة شبل، بطلة العرض لهذا العام، عن النجم الراحل قائلة: هذا هو العام الأول لمشاركتي بالفرقة وهو شرف كبير لي، أن أكون عضوا بفرقة الفنان العظيم، كان أبا بالنسبة لنا وكنا بالنسبة له عائلة كبيرة، كان يتعامل معي بكل احترام وطيبة ويشجعني دائما قائلا عني إنني موهوبة ومتميزة، وعادة ما كان يحدثني عن الدور ويشرحه لي ومؤكدا ثقته بي لأن أؤدي الدور بجدية، كانت البداية أن عرض علي الزملاء العمل معه، حضرت لمقابلته ولم أكن أتخيل أنني سأعمل معه فعلا، وكنت طوال الوقت أجلس فقط لأسمعه وأراه أثناء العمل، وعندما رآني لأول مرة شجعني وأسكنني بالدور مؤكدا رؤيته لي فيه وطلب مني الاجتهاد بالدور وهو دور الأم، وللأسف لم أجلس معه كثيرا فسريعا دخل المستشفى وقد زرته هناك، وفي الحقيقة كان طيب القلب بلا حدود، فكان فعلا أبا لنا جميعا. وأتمنى أن أكون على قدر المسئولية وأن أجيد أداء الدور الذي اختاره لي عليه رحمة الله.
المعاملة الطيبة والتسامح
وتحمل كلمات الفنان ناصر شراقي، الممثل بالفرقة، شهادة إنسانية للفنان الراحل فيقول: الحاج محمود الجندي رمز للتفاني حيث أفنى حياته ونفسه للآخرين، فهو منذ أكثر من اثني عشر عاما الأخيرة كان يعيش لأهل بلده فكانت دائما كلماته (نفسي أعمل حاجة لأهل بلدي، نفسي ألا يتجه أي شاب لأي اتجاه غير سوي، وأن يتجه الشباب للثقافة، بعيدا عن السلوكيات المرفوضة والمخدرات وغيرها)، كان يتعامل مع من يشذ عن القاعدة بأن يحاسبه حساب الأب لابنه، لا يذبحه ولكن يهمله حتى يعود فيعتذر فيعيده إلى المجموع مرة أخرى، كان حلم عمره أن يقيم قصر ثقافة متكامل بأبو المطامير، فليس شرطا أن يكون الجميع يجيدون التمثيل أو العمل المسرحي، فالقصر يحتوي على مكتبة وأنشطة أخرى خلاف المسرح ستفيد الجميع والشباب في مقتبل عمر المراهقة، فهو بهذا حمى الشباب من الانحراف ومن المقاهي.
أما معاملته معنا فنيا، فهو كان نجما ساطعا ولم يكن ينتظر أن يكتسب شهرة أو نجومية من بيننا، فكانت أخلاقه جميلة يعلمنا كيفية التعامل مع جميع الناس، الطيب والشرير، حتى من يحقد عليك لا تسيئ معاملته أو تضايقه، فمن يكرهك لا تسبه ولا تتشابك معه، حتى لو كان شخصا ينفي عنك فنك، عليك أن ترد عليه بفنك. ولو ارتكبت مثلا خطأ ما، يعطيني الملحوظة بيني وبينه فأقول له قل لي أمام الناس، فيقول لي لا يصح أن أقلل منك أمام الناس.
كنت أشعر بوجودي وفني كممثل في وجوده، فأشعر بكياني من محبته ونظرة الإعجاب منه وابتسامته الجميلة وهو يشاهدني أثناء التمثيل. وبإذن الله سأبذل كل ما في وسعي لخروج آخر أعمال الحاج محمود للنور.
مثال الإرادة والتحدي
ثم يكمل الحديث الفنان إبراهيم حسن، الممثل بالفرقة، قائلا: الفنان محمود الجندي الأخ والأب هو كل شيء لي ولكل أهل أبو المطامير، لا تستطيع أي كلمات التعبير عن كم الحزن والألم الذي أعانيه بعد فقدان أب حنون. والراحل محمود الجندي ضرب أعظم مثل لنا في الإرادة والتحدي والسعي لتحقيق الحلم، وكان يتحمل عناء السفر من القاهرة إلى أبو المطامير من أجل أن يعلمنا ويعرفنا أشياء كثيرة نغفل عنها سواء في الفن أو الحياة، فهو في بداية تأسيس الفرقة شرح لنا أساسيات سيتم بناء الفرقة عليها وهي العمل الجماعي وحب الوطن والإخلاص والاجتهاد في أي عمل سواء أكان مسرحا أو غيره. الأستاذ محمود كان كلامه دائما لنا: أحبوا أبو المطامير وأحبوا بلدكم وأحبوا مصر، وأخصلوا في عملكم ستنجحون، لا تنتظروا الأجر الدنيوي، بل انتظروا الثواب من الله. كان يحب في كل شيء أن يضرب المثل بآيات من القرآن الكريم في كل موقف. وكان متدينا ومحبا لجميع الناس.
عندما بدأت العمل معه لم أكن أفهم المسرح جيدا، فسألني لماذا أنا حزين لأن دوري صغير؟ وقال لي إن المسرح والفن ليس بالكم ولكن بالكيف، فلا تفكر في صغر حجم دورك، فأنت لو أحببت دورك وأديته جيدا ستصبح نجما، حتى لو كان صغيرا، المهم أن ترضى بالدور وتعيش حالته، فإن تعايشت مع الحالة وأجدت دورك حتما ستترك علامة مع الناس، فلا أحد يبدأ كبيرا.
وهو في الحياة الخاصة كان ينصح الناس فلو وجد أحد منا أغضب أباه يقول له أنت لم تغضب أباك بل أغضبتني أنا، وكان دائما لا يشعرنا أننا مجرد فرقة بل أبناؤه.
وأود أن أضيف أننا لدينا قصر ثقافة أبو المطامير وتم الانتهاء من إنشاء الخرسانة والطوب لكنه منذ عام توقف العمل به تماما فلا يهتم أحد من المسئولين بمتابعته، فنتمنى الاهتمام بالانتهاء منه لأنه سيكون منارة لشباب أبو المطامير لنشر الوعي بينهم وتكوين مواطن صالح بقراءة كتاب أو ممارسة نشاط فني أو ثقافي، فهذا يعود بالفائدة على أبو المطامير والبحيرة بل ومصر كلها فهو يعتبر طفرة ثقافية لأبو المطامير والبحيرة.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏