وداعا المنتصر بالله.. صانع البهجة

وداعا المنتصر بالله.. صانع البهجة

العدد 684 صدر بتاريخ 5أكتوبر2020

 

تلقى الوسط الفني بحزن وأسى نبأ وفاة المنتصر بالله أحد أضلاع مدرسة الكوميديا الراقية.. ولد المنتصر بالله في القاهرة يوم 21 فبراير 1950 ، وحصل على ماجستير الفنون المسرحية عام 1977 ، ودخل البيوت المصرية من خلال عدد من المسلسلات التليفزيونية منها « أبناء ولكن « ، و « أبناء المنيرة « ، و « أنا وانت وبابا فى المشمش « و» أرابيسك « و « شارع المواردي « و « آن الأوان» ، 
كما استطاع أن يقدم أدوارا متميزة  بالعديد من المسرحيات منها  مسرحية « شارع محمد على « الدور الذي حفر له مكانة كبيرة فى قلوب الجهور، ليس فقط لمشاركته التمثيل مع عديد من الفنانين الكبار فريد شوقي وشيريهان ووحيد سيف ، وإنما أيضا لإتقانه دور المغني الذي لا يجيد الغناء ولا يتواني في إضحاك الجمهور في كل مرة بالسخرية من نفسه ومن الآخرين، كما شارك  في مسرحيات « علشان خاطر عيونك « و « العالمة باشا « و « حضرات السادة العيال» ، وفي السينما قدم  أعمالا لا تقل تميزا عن أعماله فى المسرح والدراما التلفزيونية،حيث شارك في أفلام « تجيبها كده تجيلك كده هي كده» أسوار المدابغ، التحدي، الحدق يفهم، الزمن الصعب، الشيطانة التي أحبتني، الطيب أفندي، الفضيحة، المعلمة سماح، المغنواتي، المواطن مصري، حارة الجوهري،، ياتحب يا تقب، حنحب ونقب، شفاه غليظة، ضد الحكومة، فقراء ولكن سعداء، محامي تحت التمرين، ممنوع للطلبة، نأسف لهذا الخطأ، ناس هايصة وناس لايصة، يا ما أنت كريم يارب. 
أصيب المنتصر بالله بـ جلطة المخ في 2008 تسببت فى ابتعاده عن الفن لمدة عامين ، ثم عاد لفترة قصيرة، لم تطل. حول مشواره الفني حصلنا على عدد من الشهادات التي قدمها بعض أهل الفن من أصدقائه وغيرهم. 
المخرج سمير العصفوري قال» المنتصر بالله ممثل فى ذاته ، كان مهيأ لأن يكون ممثلا قويا واعدا ولديه قبول كبير،  كل من يراه يحبه، وعلى المستوى الإنساني كان إنسانا طيب القلب وذو أخلاق راقية، أهم ما يميزه أن الفكاهة  تسبقه فى الحياة والتعاملات اليومية، فجهازه الفكاهى خلاق ومبتكر، لديه القدرة طوال الوقت على أن يكون مرحا يسعد جميع من حوله، حتى في أقسى الأزمات الإنسانية كانت لديه تعليقات فكاهية ممتعة،  وليست مجرد نكات. كانت ردود أفعاله وآراؤه الفكرية جيدة، فهو مثقف يميل للكوميديا و يستطيع لعب الأدوار الجادة ببراعة.
أضاف: قدمنا عددا كبيرا من العروض المتنوعة مع  ازدهار مسرح التلفزيون،  وقدمنا سويا سلسلة من الأعمال للتلفزيون  التي يتم تصديرها إلى العالم العربي ، كانت بعض الدول ليس لديها مسرح، فقمنا بعدة جولات فى الأردن وتونس ولبنان وكانت منتصر سريع الاستجابة، ومن السهل أن يجسد أي  دور يسند إليه وينجح فى تجسيده ببراعة شديدة.
سيظل في الذاكرة
فيما وجه الفنان محمد صبحي خطابه مباشرة على المنتصر بالله فقال:  «إنا لله وانا إليه راجعون، صديق العمر وزميل الكفاح منذ عام ..1972 .. كنت صديقاً وحبيباً، بدأنا ادوارا ثانوية كثيرة وحلمنا وكافحنا،  و اثبت انك فنان مختلف عن كل من حولك،  ستظل في ذاكرة جمهورك المصري والعربي تمثل خفة الظل العالية.
الحضور الصادق
فيما قال الفنان عزت العلايلى «للأسف لم نعمل سويا ولكنى أعرف المنتصر بالله كصديق وزميل عزيز وكانت علاقتي به على المستوى العائلي،  أعرف أولاده وعائلته، و هو فنان بديع وكوميديان له مذاقه الخاص ، وهو إنسان يندر وجوده وكان يتميز بالحضور الصادق،  لم يكن متصنعا،  فقد حباه الله بموهبة حاضرة فقدم أعمالا متميزة وترك تراثا فنيا بديعا وحقق وجودا كبيرا فكان حاضرا دائما.
ممثل بلا متاعب
فيما قال المؤلف المسرحى والسيناريست فيصل ندا : « المنتصر بالله كان بسمة فى حياتنا ، حتى وإن لم يمثل، مجرد وجوده يشيع البهجة في جلساتنا، فلديه المقدرة على إطلاق كم كبير من النكات المتتالية دون توقف ، كان سريع الحفظ بشكل ملحوظ، وقد سافرنا مع بعضنا البعض وقدمنا أعمالا كثيرة ..هو ممثل بلا متاعب فليس لديه طلبات مبالغ فيها ، لم يحصل على حقه فى النجومية،  لم يصبح نجم شباك على الرغم من موهبته الكبيرة، وقد عانى فى فترات مرضه من تجاهل الأصدقاء، ويعد رحيله صفعه على وجوه الفنانين والنجوم علها تجعلهم يتواصلون مع بعضهم البعض ويساعدون بعضهم البعض.
 انضباط فؤاد المهندس وتميز الهنيدى
الناقد ورئيس تحرير مجلة 6 أكتوبر محمود عبد الشكور قال « أجمل ما فى أداء المن تصر بالله  أنه كان يجمع بين انضباط أستاذه فؤاد المهندس والتزامه بالنص، مع القدرة الفائقة على الارتجال مثل الكبير الراحل أمين الهنيدى، وغيره من كبار المرتجلين،
علينا أن نتذكر مثلا سجالاته الذكية مع فؤاد المهندس فى المسلسل الناجح «عيون» أو إفيهاته معه فى مسرحية «علشان خاطر عيونك»، و راجعوا الإفيهات المتبادلة فى مسرحية «عائلة سعيدة جدا» من إخراج السيد بدير، كيف كانا يتبادلان القافية عن أسماء الأفلام، وكيف يضبط الاثنان أداءهما وإيقاعهما على نفس الموجة. كان المهندس والهنيدى يفرشان الإفيه بكل سعادة للمنتصر بالله الموهوب، الذي يضحك الجمهور بهدوء وسلاسة, نادرا ما استخدم الحركة العشوائية، أو المبالغة في الأداء، كانت لديه ثقة عظيمة في موهبته، ولديه القدرة أيضا على أداء الأدوار الجادة،  (الخطيب الثرى مثلا في سواق الأوتوبيس)، وكذلك أدوار الشر الممتزجة بخفة الظل والدهاء مثل دور أخوك الصغّير حلاوة فى حلقات أنا وانت وبابا فى المشمش،  ودور صفوت فى مسلسل عيون أو دوره فى أرابيسك..الخ.. كان لديه حضور هائل ساعده حتى أن يكون مقبولا في تقديم البرامج، وضيفا محبوبا على كثير من البرامج، وما زلت أتذكر حلقة جميلة له فى برنامج «من سيربح المليون ؟» خطف فيها الأضواء من الجميع، فهو وجه مصراوى صميم، ابن بلد، اعتماده الأول كان على فطرة وموهبة ضخمة، وتابع:
لا أعتقد أن أدواره التي تجاوزت 120 دورا فجرت كل إمكانياته، و اللافت أن الشهرة جاءته متأخرة نسبيا، رغم أن قائمة أعماله تشمل مشاركات فى مسلسلات قديمة نسبيا مثل «متاعب المهنة» و»الدوامة» و»الشاطئ المهجور» ومسرحيات من السبعينيات مثل «20 فرخة وديك» مع أمين الهنيدى، ولكن سرعان ما فرضت موهبته نفسها فى أفلام مثل «تجيبها كدة تجيلها كدة هية كدة» و»يا تحب يا تقب» و»المواطن مصرى» و»ضد الحكومة» و»الحدق يفهم»و»الموظفون فى الأرض» و»المرشد .. ومسلسلات مثل «عيون» و»أرابيسك» و»اللقاء الثاني» و»التوأم» و»آن الأوان»، بالإضافة إلى مسرحيات مثل «شارع محمد على» و»علشان خاطر عيونك» و»العالمة باشا» .. و كان فؤاد المهندس من أكثر المتحمسين له، وقد أشركه معه فى فيلم قديم مثل «فيفا زالاطا» .. لا جدال حول قدراته و موهبته، فهو  يتفرد بطريقة ذكية ناعمة فى الإضحاك لا يمكن أن تنسى.
كاريزما خاصة
و قالت الفنانة حنان شوقي : « كان له مذاقه الخاص فى السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، وقد قدمت معه أعمال منذ بدايتي وكان لى معه عدد كبير من الأعمال الهامة وهو فنان له كاريزما خاصة، فنان من العيار الثقيل، لا يمكن الاستغناء عنه ، وتربطنى  بالمنتصر بالله علاقة  صداقه واحترام  وود،  و قد كانت أكثر أعمالي معه فى السينما والدراما التلفزيونية، وللأسف لم نقدم أعمالا مسرحية معا،  ومن أعمالنا فى السينما على سبيل المثال فيلم «مواطن مصري « ، «على الرصيف» . أضافت : كان إنسانا شديد الطيبة ويساند كل زملائه ، وكان فى جلساته كثير البهجة والمرح وخفة الظل ، وكنت أول من نبه إلى ضرورة تكريمه، وكان ذلك بمهرجان آفاق مسرحية، وقد حرص رئيس المهرجان المخرج هشام السنباطى على تكريمه بشكل مشرف ولائق، وكان ذلك فترة مرضه .. فقد تربينا على التنافس الشريف وحب الفن.
صانع البهجة
فيما قالت الفنانة هند عاكف « كانت بداية عملي فى المسرح والفن مع الراحل المنتصر بالله بمسرحية « العالمة باشا «،  وهو إنسان خلوق وكوميديان من العيار الثقيل،  وكان بالنسبة لنا «أخ كبير»  لا تخلو جلساته من الضحك والمرح والبهجة، فهو صانع للبهجة والكوميديا وله مدرسته الخاصة فى الأداء وتقديم الأدوار بشكل بسيط غير مبالغ فيه، التلقائية عنوانه ، كان يقدم قفشات على المسرح دون تحضير فيبعث الضحك، فإذا كان قد رحل بجسده فأعماله باقية وخالدة .
مساحة من الإضحاك
فيما قال المنتج أحمد الإبيارى أن المنتصر بالله يعد أحد أهم الفنانين الكوميديين ووصفه بأنه مثل لاعب خط الوسط بفريق كرة القدم ، لديه مقدرة خاصة على الارتجال بخفه ظل شديدة تجعل المتفرج يعيش معه أكثر من معايشته للعرض.  قدم معنا  عرضين مسرحيين مهمين،  تجربة فى تونس وهو عرض « رقم 100 مطلوب « إخراج السيد راضى، في هذا العرض رغم وجود ممثلين كوميديين كبارا  معه فقد استحوذ على إعجاب الجماهير بشكل كبير، والمسرحية الثانية هي  «حضرات السادة العيال» ، مع الفنان يحيى الفخراني إخراج حسن عبد السلام، وقد برع في أداء دوره، ومن  علاماته البارزة مسرحية « شارع محمد على « فقد كان – رحمه الله -  يستطيع أن يصنع لنفسه وللآخرين مساحة واسعة  من الإضحاك.
صاحب اختراع النكتة الملحنة
أما المخرج عصام السيد فقال « قدمت معه عدة أعمال مسرحية كمساعد مخرج،  وأخرجت له  عملا واحدا ، ولكن للأسف لم يخرج للنور، من المفترض أننا كنا سنقدم عملا لمسرح القطاع الخاص ولكن لظروف ما توقف العرض ولم يخرج للنور.  أضاف: المنتصر بالله كان فنانا موهوبا و محب بشغف لفنه، يتصف بالتزامه الشديد كما أنه صاحب اختراع «النكتة الملحنة» وكان بارع فى هذا اللون، حاضر البديهة بشكل لافت ، لديه ملكة خاصة في الارتجال وبالأخص في الكوميديا،  يستطيع بمهارة شديدة إلقاء الإفيه،  وقد كان يحفظ كمية كبيرة من النكات وبفقده  فقدنا قيمة فنية كبيرة وكوميديان من طراز خاص.


رنا رأفت