مسابقات التأليف..هل تقدم لخشبة المسرح مؤلفين متميزين؟

مسابقات التأليف..هل تقدم لخشبة المسرح مؤلفين متميزين؟

العدد 674 صدر بتاريخ 27يوليو2020

تتنوع وتتعدد مسابقات التأليف المسرحي المحلية والعربية،   فمنها على سبيل المثال  مسابقة التأليف ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح، ومهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي ومسابقة لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، ومسابقة إدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة،  ومسابقة الشباب والرياضة  ومسابقة المركز القومي للمسرح، مسابقة ساويرس، وجائزة تيمور  وغيرها..
أما المسابقات الدولية فمنها مسابقة الهيئة العربية للمسرح وتضم ( التأليف الموجه للطفل، والتأليف الموجه للكبار، والنقد المسرحي ) ومسابقة  الدوحة، و كتارا ، و الشارقة للإبداع العربي الإصدار الأول  ، وجائزة الأمير عبد الله الفيصل، و مسابقة قنبر الدولية بالعراق وجائزة الفجيرة للمونودراما، وجائزة الدولة القطرية لأدب الطفل، وجائزة راشد بن حمد الشارقي الأدبية، وجائزة الشيخ زايد للكتّاب.
ولكن هل لهذا التنوع دورا وأثرا بارزا في الحركة المسرحية المصرية، هل تفرز هذه المسابقات مؤلفين جددا، لاسيما وأن أغلب الفائزين بهذه الجوائز في السنوات الأخيرة أدباء مصريين، هل تقدم هذه النصوص على خشبات المسارح أم تظل حبيسة الأدراج؟
 حول هذا الموضوع التقينا ببعض الفائزين بهذه الجوائز وكتّاب المسرح لنتعرف أكثر على أبعاده  وعلى أبرز الفائزين بجوائز التأليف في السنوات الخمس الأخيرة .يقول الكاتب المسرحي د. محمد أمين عبد الصمد، إن الجوائز والفوز بها شيء، وآلية إنتاج العروض شيء اخر ، فالبيت الفني مثلا لا يشترط في النص المقدم على خشباته ان يكون فائزا، فهذا  يرجع لاختيار المخرج، أما طرح النصوص على المخرجين فهذا يحدث في الثقافة الجماهيرية مما يساعد على تفريخ كتّاب جدد، لذلك تجد معظم كتّاب المسرح من أبناء الثقافة الجماهيرية . ثم يضيف : إن بعض المؤلفين يكتبون ولا يشغلهم تقديم أعمالهم، وهناك آخرون قادرون على التسويق، فلم يعدّ يشترط السلعة الجيدة، بل تميز المؤلف في العلاقات والتسويق أصبح سابقا على تميز النص.
،ويستطرد موضحا : مسرح الغد هويته العروض التراثية، المسرح القومي للرصين والكلاسيكيات، ومسرح فاطمة رشدي ( العايم) للمسرح الكوميدي ،  والمسرح الحديث وغيرها من المسارح التي لو تمسكت بهويتها وقدمت عروضا تحقق هذه الهوية، فستكون نتائج ذلك تفريخ كوادر في الكتابة والإخراج، إلا أن المعيارية مفقودة، والعروض تتم في اطار ترضيات . كما يؤكد ان المؤسسة الوحيدة التي تقدم اليوم كتابا جدد هي الهيئة العامة لقصور الثقافة، على اتساع خريطتها، مثلما قام بهذا الدور مسرح الهناجر من قبل أثناء إدارة د. هدى وصفى له، حينها تبنت وجوها جديدة وبناء جيل كامل من المسرحيين، مضيفا ان مركز الإبداع يتحمل جزءا من المسئولية، وأن عليه تفريخ عناصر حقيقية وإتاحة الفرص، وهذا لن يتأتى إلا بتغيير آليات الإنتاج، التي  تآكلت، في البيت الفني للمسرح والبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، ووصف المسرح بأنه أصبح لقيطا في الوقت الراهن، بلا معايير ماذا يقدم ولماذا ولمن وبمن ؟! كما ان آلية اختيار مديري المسارح من المفترض أن تتم وفق إعلان عن مشروعات لتطوير المكان وتنميته وتتم مناقشة المتقدمين بهذه المشاريع ، إلا أن ذلك لايتم .
وعن المسابقات والجوائز يختم حديثه بأن لدينا عددا لا باس به من مسابقات التأليف المسرحي  المحلية والدولية، ولكن الأزمة تكمن في تفريخ مؤلفين ومخرجين جدد يجيدون التعامل مع أشكال متنوعة من المسرح تقدم داخل قاعات البيت الفني للمسرح او مسرح الساحة أو الحوض المرصود وغيرها .
الرقابة جزء من الأزمة
أما الشاعر سيد عبد الرازق، وهو طبيب بيطري، فاز مؤخرا بجائزة الأمير عبد الله الفيصل في الشعر المسرحي فيقول: ان الأزمة التي تواجه  المؤلفين والمخرجين هي الرقابة التي باتت تلاحق  الكتاب سنويا لذا فالمخرجين يفضلون النصوص العالمية لأنها مجازة رقابيا .
ثم يضيف: أن المسرح الشعري ليس جماهيريا  وليس هادفا للربح لذا فهو لا يقدم في مسارح الدولة أو القطاع الخاص وإنما أصبح نوعيا بحيث يحتاج لشريحة معينة من الجمهور هي القادرة على تلقي مثل هذه الأشكال كالمسرح الشعري وغيره . ومن خلال متابعته لعروض مسرح الثقافة الجماهيرية في محافظته أسيوط، يقول السمة الغالبة  ان النصوص مكررة ومعظمها أدب عالمي، وقد عملت بأغلبها كمؤلف أغاني أو مدقق لغوي، فالتجارب الجديدة قليلة ثم يقترح أن تتقدم الهيئة العامة لقصور الثقافة سنويا بإجازة نصوص جديدة رقابيا تضاف لقائمتها مما يساعد في تعريف المخرجين بمؤلفين جدد يمكن للمخرج متابعتهم، بالإضافة لتسليط الضوء على جميع الحاصلين على الجوائز الأدبية المحلية والدولية ولا يقتصر الأمر على تكريم الوزارة ولكن تقديم الأعمال بشكل جيد، ويعاد طباعتها ضمن أعمال فائزة وتقديم العروض المسرحية ، والشعر في أمسيات شعرية.
سبيل سهل للفوز
الشاعر الضوي محمد الضوي، مدرس الأدب العربي الحديث بكلية الآداب جامعة المنيا، وقد حصلت مسرحيته (في حضرة الحيرة) على جائزة الشارقة للابداع العربي 2013-2014 ، يقول: إن المسابقات الأدبية الدولية كثيرة ومتنوعة بين العمل الأولى أو الإصدار الأول كجائزة الشارقة الأدبية للشباب، وللكتّاب الكبار كجائزة الشيخ زايد للكتّاب .
وعن جائزة الشارقة  يقول: هذه الجائزة فاز بها العديد من الشعراء المصريين ممن اتجهوا للمسرح الشعري، ربما لأنهم استشفوا ذائقة لجنة التحكيم التي تميل للمسرح الشعري والموضوعات التي تستلهم التراث العربي والحضارة الإسلامية برؤية معاصرة، وقد تجد اغلب هذه النصوص ليست بالفارقة، ربما لأننا أمام تجارب شبابية أولى وهو ما تشترطه المسابقة.
مضيفا: وقد فاز بهذه الجائزة من الشعراء المصريين على سبيل المثال لا الحصر الشاعر عبيد عباس من اسبق الفائزين  بنص ( أمير الصعاليك ) و الشاعر شعبان البوقي عن نص ( ذي الصمة القشيري)،  والشاعر سيد الطيب بنص عن المتنبي والشاعر علي حسان والشاعرة هناء المشرقي ، مؤكدا أن المسرحية الشعرية في مثل هذه المسابقات بمثابة صك يفتح الباب حتى لو كانت المسرحية غير محبوكة دراميا.
ثم يتساءل هل توجه الشعراء لكتابة هذه المسرحيات ولعا بالمسرح أم لأنه سبيلا سهلا للفوز، لاسيما وان الشاعر قادر على تطويع اللغة، ويجيب: في ظني ان اغلب الشعراء الذين يتجهون لكتابة المسرح للمسابقات ليس ولعا بالمسرح ولكن من أجل التسابق، لذا فالمسئولية ليست على المؤسسات وحدها بل يتحمل الكتّاب والمؤلفين جزءا من هذه المسئولية.
ثم يوضح : أنا اكتب المسرح وغايتي هي المسابقات فما أكتبه في تقديري أقرب لمفهوم الأدب المسرحي لا للعرض، وإثناء كتابة النص اكون معنيا بتفصيلات الديكور والإضاءة  وغيرها لتتحقق المتعة كاملة من القراءة، وكذا كثير ن الكتاب يكتبون المسرح كنص أدبي لا للعرض، ففارق كبير بين المتعة الأدبية و متعة العرض
بينما يرى الشاعر والمؤلف المسرحي درويش الأسيوطي ان المسرح هو الذي يمكن تقديمه على خشبة المسرح، أما الأعمال التي لا تقدم فهي نصوص ليست معدّة للعرض، وربما كاتبها لم يشاهد أو يمارس مسرحا من قبل، فمن يمارس المسرح يكتب مسرحا قابلا للعرض .
اما عن لجان التحكيم وذائقة هذه اللجان فيقول أنه لابد من إعادة النظر في شروط التسابق، ولجان التحكيم، فمن يحكم مسابقة لابد وأن يكون رجل مسرح ساعتها ستتوافر الشروط والمعايير المناسبة .
مضيفا : أن 80 % من النصوص المقدمة بالهيئة العامة لقصور الثقافة جديدة حتى لو كانت نصوصا عالمية فيتم التعامل معها بالتمصير أو بأي شكل من أشكال الدراماتورجيا  ، فليست هذه هي الأزمة بل الأزمة في المخرج نفسه، فالبعض يفضل تقديم نص رآه من قبل والبعض يحب المغامرة .
بينما يقول د. فوزي خضر، دكتوراه في الآداب الأندلسي، حصلت على جائزتين في التأليف المسرحي المركز الثاني على الوطن العربي في مسابقة بجامعة الملك سعود بالرياض والتي أخرجها عام 1995 المخرج التونسي الكبير عبد الغني طاره، أما الجائزة الثانية ففي العام الماضي وهي جائزة الأمير عبد الله الفيصل العالمية للشعر العربي ، وهي في ثلاث فروع: فرع التجربة الشعرية وفاز بها الشاعر السوداني محمد عبدالباري وفرع القصيدة المغناة وفاز بها الشاعر كريم العراقي، وحصلت عليها في فرع الشعر المسرحي .
مضيفا: أن نتائج هذه المسابقة تشير لعدالة المحكمين، فقد عهدنا في كل جائزة عربية كبرى ان يكون من ضمن الفائزين ولو واحدا من أبناء الدولة التي تنظم الجائزة، أما جائزة الأمير عبد الله الفيصل فقد أثبتت مصداقيتها بنتائج المسابقة.
ثم يوضح: أن مسرحيته التي فازت بعنوان (الشيخ الرئيس ابن سينا ) وهي تتناول حياة وأراء وأعمال هذا العالم العربي الكبير، مضيفا: لدي عدد من المسرحيات النثرية ولكني في الشعر المسرحي اتخذت اتجاها أتناول فيه حياة وانجازات العلماء العرب المشهورين مثل ابن سينا الذي يعد من أعظم أطباء العالم، مسرحية(صاحب التذكرة) داوود الأنطاكي، صاحب تذكرة داوود الشهيرة في الصيدلة، وقد طبعت هذه المسرحيات من المجلس الأعلى للثقافة.
ويذكر أنه كتب أيضا في نفس الاتجاه مسرحية ( الحسن ابن الهيثم والسد العالي) موضحا أن ابن الهيثم كان أول من فكر في بناء السد العالي منذ أكثر من ألف عام، وانه يعكف الآن على كتابة مسرحية شعرية عن أبي الريحان البيروني الذي اكتشف الجاذبية الأرضية بشهادة كبار علماء تاريخ العلوم في العالم أمثال جورج سارتون  وغيره، وليس مكتشفها نيوتن كما يعتقد الكثيرون.
مؤكدا أن هذا الفرع أو الاتجاه المسرحي الشعري رغم ندرته إلا أن عددا كبيرا من الشعراء المصريين قد شارك في هذا الفرع بجائزة عبد الله الفيصل العالمية للشعر العربي. مما يؤكد أن هذا الفرع مازال موجودا لكنه لم يخرج للنور كما ينبغي.
ثم يضيف : أنا مع المسرح العرض لان المسرح سواء كان شعرا أو نثرا يكتب كي ينفذ و يعرض على خشبة المسرح، وإن كان ما اكتبه عملا أدبيا يكتب ليحفظ في الأدارج فيجب ان أحول انتاجي الأدبي الى شيء أخر غير المسرح، فالمسرح عمل جماعي والتأليف أحد أجنحته ولا يكتمل العمل المسرحي في رأيي إلا بانتاجه وعرضه على خشبة المسرح للجمهور.
أما المؤلف الشاب أحمد سمير، فيقول: حصلت على المركز الثاني بمسابقة الهيئة العربية للمسرح  في مسار الكتابة المسرحية الموجهة للكبار، ورشحت للقائمة القصيرة الموجهة للطفل في العام الماضي.
مضيفا : في الأعوام  الخمس الماضية لمعت أسماء عديدة في المسابقات الدولية سواء بحصد الجوائز أو الوصول للقائمة القصيرة فنرى في جيل كبار الكتاب الأساتذة إبراهيم الحسيني و صفاء البيلي و السيد فهيم وفي جيل الشباب سعيد شحاتة و كرم نبيه و محمود عقاب و طه زغلول و عبد النبي عبادي
أما عن التعامل مع النصوص من قبل مسرح الدولة فيوضح  أن آلية الاختيار تنحصر في تقديم المخرج لمشروعه الخاص، فهو من يأتي بالنص وهذا ما يجعل النصوص الفائزة في المسابقات الكبرى غير موجودة، إذ أنها تظل حبيسة الأدراج لحين يقترب منها احد المخرجين .
 مؤكدا على ضرورة وجود لجنة خاصة تعمل على إنتاج النصوص التي تحقق انتشار دوليا،  ويحقق أصحابها جوائز لبلادهم وألا ينتهي أمرهم بالجائزة والتكريم بعدها، بل يجب التعامل مع التتويج على أنه خطوة أولى يجب أن يتبعها خطوات أخرى حتى يصل المنتج للجمهور فيمنحه الحياة. هثم يوضح: في الدورة الأخيرة لمسابقة الهيئة العربية للمسرح – على سبيل المثال-فازت مصر بالمراكز الثلاث الاولى، ورغم ذلك لم ينتبه أحد إلى هذا الإنجاز ولم يتطرق أي مخرج للنصوص الفائزة.
مضيفا: في ظني أن الدعم هو أهم ما يحتاجه المؤلف المصري وهذا ما يتوجب على الدولة تقديمه بمختلف أشكاله، كتأسيس مسابقات كبيره تبرز كتابا جددا ووضع نسبة من خطة الإنتاج الفني للكتاب الشباب و تقليص مساحة النصوص الغربية في خطوة لتصعيد تيار مسرحي يعبر عن المجتمع بصورة مباشره لا بصورة ممصرة.


عماد علواني