مأساة كوريا على مسارح برودواي

مأساة كوريا  على مسارح برودواي

العدد 584 صدر بتاريخ 5نوفمبر2018

مما لا شك فيه أن تقسيم كوريا إلى شطرين؛ شمالي وجنوبي، في خمسينيات القرن الماضى عقب الحرب الكورية كان له آثار سلبية على حياة الشعب الكوري سواء في الشمال أو الجنوب، وهذه النقطة ستعالجها مسرحية يجرى افتتاحها بعد أيام في نيويورك على مسرح بابليك الشهير في برودواي عاصمة المسرح في الولايات المتحدة، وتسعى المسرحية في الوقت نفسه إلى التأكيد على حقيقة واحدة مهمة وهي أن الشعب الكوري شعب واحد سواء في الشمال أو الجنوب أو دول المهجر التي ينتشر فيها الكوريون رغم أكثر من ستين عاما من التقسيم.
المسرحية هي «أحلام الأوز البري» للكاتبة الكورية الأمريكية هانسول جونج، وتخرجها المخرجة الشابة لي سيلفر مان، وتدور قصتها حول رجل يعيش بمفرده في كوريا الجنوبية يتعرف على سيدة هاربة من قمع النظام الشيوعي في كوريا الشمالية، وتقوم بينهما قصة حب يجد فيها كل منهما السلوى عما يعانيه في حياته من وحدة.
تدور أحداث المسرحية في الزمن المعاصر وتتوزع أحداثها بين كوريا الشمالية والجنوبية والولايات المتحدة، وتستعرض المسرحية متاعب مواطن كوري جنوبي هو مينسونج الذي تطلق عليه «الأب الأوزة»، وتسافر زوجته وابنته إلى الولايات المتحدة للدراسة هناك بينما ينخرط هو في أعمال مضنية ليحصل على أجر يرسل معظمه إلى ابنيه وزوجته للوفاء بنفقات الحياة والدراسة في الولايات المتحدة ويبقي لنفسه أقل القليل ليعيش حياة شديدة التقشف في شقة ضيقة ومتواضعة في سول عاصمة  كوريا الجنوبية.
نموذج المعاناة
وتقول مؤلفة المسرحية – ويتفق معها طاقم المسرحية – إن مينسونج شخصية افتراضية بالطبع، لكن ما يمر به من معاناة نموذج لما يعانيه عدد لا يستهان به من الآباء في كوريا الجنوبية رغم ما تحققه هذه الدولة من نمو اقتصادي يضعها في مصاف القوى الاقتصادية الرئيسية في العالم.
فعلى مدى العقدين الماضيين أصاب التمزق أو الاغتراب الجغرافي المزيد من العائلات في كوريا الجنوبية بسبب حرص الأسر على تعليم أبنائها اللغة الإنجليزية وإلحاقهم بكبرى الجامعات في الغرب.
وفي ذلك يقول الممثل الكوري الأميركي بيتر كيم «إن ابن عمي المقيم في كوريا الجنوبية بالفعل «أب أوزة»، فقد أرسل زوجته وولديه إلى الولايات المتحدة، وهو يعيش حاليا في كوريا الجنوبية يحاول بدء مشروع خاص به ليدر عليه عائدا يساعده على الإنفاق على أسرته المقيمة في الولايات المتحدة، وهذا ليس بالأمر السهل في هذا البلد لمن يعرف طبيعة الحياة فيه جيدا».
وكيم هو الممثل الذي سيلعب دور مينسونج في المسرحية، وفي ذلك يقول إنه قبل هذا الدور لأنه يمس وترا حساسا لديه ولأنه قبل هذا وذاك ابن لوالدين مهاجرين من كوريا في ستينيات القرن الماضي، ويرفض تحديد كوريا الجنوبية أو الشمالية لأنه لا يعترف سوى بكوريا واحدة وشعب كورى واحد. ويمضي كيم قائلا «سوف تعبر المسرحية عن تلك المشكلة بطريقة مبتكرة للغاية وخلاقة للغاية ومسرحية للغاية، فهي تعبر عن شعور الإنسان الكوري بالوحدة والغربة وما يصيبه من تمزق بين عالمين».
أما مؤلفة المسرحية جونج التي كتبت المسرحية مباشرة بعد تخرجها من مدرسة الدراما في جامعة ييل، فتقول إنها كتبت المسرحية من واقع تجربة شخصية، فهي من مواليد كوريا الجنوبية وعاشت فيها لبعض الوقت ثم هاجرت إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراستها. وتواصل حديثها قائلة إن المسرحية تناقش قضايا عديدة منها التطلعات والجذور والحنين إلى الوطن. وتذكر أنها مرت بمرحلة اختيار عسيرة بعد إتمام دراستها.. هل تعود إلى وطنها أم تستقر في الولايات المتحدة، وانتهت قناعتها بأن الإنسان يضطر أحيانا إلى البعد عمن يحبهم من أجل مصلحتهم.
هاربة من الجحيم
والشخصية الثانية هي «نان هي» الهاربة من كوريا الشمالية التي يقع مينسونج في حبها، والتي جاءت من الشمال تحدوها آمال عراض في حياة رفاهية في كوريا الجنوبية، وكان ذلك مصدرا لصراع داخلي حيث كانت تعيش حياة معقولة في كوريا الشمالية وليست في حاجة إلى الهروب وترك أسرتها لتذهب إلى الجنوب، وكانت الكوابيس تطاردها وترى فيها أباها وهو يتعرض للتعذيب الوحشي على أيدى زبانية النظام الشيوعي ويتم إعدامه رميا بالرصاص عقابا له على هروب ابنته من الشمال.
وتلتقي بمينسونج عبر غرف الحوار (الشات) على الإنترنت وتقوم بينهما علاقة حب تكنولوجية، كما جاء في المسرحية؛ حيث تساعد التكنولوجيا الحديثة على تعميق هذه العلاقة.
وتقول جونج إنها التقت بالعديد من الفارين من كوريا الشمالية حتى تتمكن من رسم شخصية نان هي بواقعية، ولتحقيق نفس الهدف قامت بقراءة كتب عديدة عن الحياة في كوريا الشمالية ومنها كتاب المنشق يانج سونج الذي كان يوما ما أحد المسئولين البارزين في كوريا الشمالية، ويحمل الكتاب عنوان «سيدي الزعيم»، والمهم في رأيها أنها أثبتت أن الشعب في كوريا الشمالية يعاني وفي كوريا الجنوبية يعاني، وإن اختلفت المعاناة بين الشمال والجنوب.
ورغم اختلاف الشخصيتين كانت هناك أوجه تشابه بينهما حيث تعرض كل منهما للخيانة، تعرض مينسونج لخيانة زوجته وابنيه الذين لم يهتموا باستدعائه للحياة المريحة نسبيا معهم في الولايات المتحدة، بعد أن استقرت بهم الحياة في الولايات المتحدة. أما «هي» فقد تعرضت للخداع من سمسار صيني خدعها واستولى على مبلغ من المال قدمته إليه لتحويله إلى أهلها في كوريا الشمالية.  
وتقول إن المسرحية في النهاية دعوى إلى توفير حياة معقولة للمواطنين في الشمال والجنوب بدلا من الانخراط في الصراعات.
ورغم الموضوع الصعب الذي تناقشه المسرحية نجح المخرج في تخفيف حدته بالاعتماد على الموسيقى وبعض المواقف المضحكة.
عشرون عرضا تجريبيا
انتهت عروض المسرحية الغنائية الأمريكية «مقهى سموكي جو» التي تعد من عيون الأدب المسرحي الأمريكي، عرضت المسرحية على مسرح «ستيج 42» في برودواي، وبلغت عروضها 121 عرضا وسبقها عشرون عرضا تجريبيا.
ويعد ذلك أمرا غير مألوف في عالم المسرح الأمريكي حيث لا تزيد العروض التجريبية عن خمسة أو عشرة عروض على أكثر تقدير، لكنها بلغت مع هذه المسرحية عشرين عرضا رغبة في الوصول إلى أفضل عرض ممكن من جانب مخرج العرض الشاب جوشوا بيرجس، وجاء ذلك على الرغم من أنها كانت مجرد إعادة فقط لعرض مسرحي عرض لأول مرة عام 1995.
والعرض من تأليف وألحان الثنائي جيروم ليبر ومايكل ستولر وهما من أغرب الثنائيات في عالم الفن الأمريكي إن لم يكن على مستوى العالم.
فهما من سن واحد تقريبا حيث ولد الاثنان في عام 1933 ولد أحدهما في مارس والآخر في أبريل، وتعارف الاثنان في مرحلة مبكرة من حياتهما وارتبطا معا كفريق متكامل؛ الأول يكتب الأغاني والمسرحيات، والثاني يضع ألحانها، وتعاملا على هذا الأساس مع كبار المطربين والمؤلفين ومنهم ألفيس بريسلي، ولم يتعامل أي منهما إلا مع الآخر، وعندما مرض ليبر في 2007 بسبب متاعب الشيخوخة رفض ستولر التعامل مع سواه، ولم يغير ستولر الذي لا يزال على قيد الحياة ويتمتع بصحة جيدة وقدرة على العطاء موقفه بعد وفاة ليبر في 2011 ولم يقدم أي إنتاج حتى الآن، ويرجع النقاد نجاح هذا الثنائي إلى تقديمه أغاني ومسرحيات تتناول تعكس حياة المواطن الأمريكي العادي وتعرض تجارب ومشاعر إنسانية متنوعة،
39 أغنية
 والمسرحية عبارة عن عمل مسرحي ساخر غنائي بالكامل يعكس مشاعر إنسانية متباينة ولا يدور فيه أي حوار عادي بل يدور الحوار عبر 39 أغنية بين رواد مقهى سموكي، وهذه الأغنيات انتشر معظمها بين الأمريكيين منذ العرض الأول للمسرحية مثل «أنا امرأة» و»قف بجانبي» و»الكلب السلوقي» و»الحمقى يقعون في الحب».
ويغني هذه الأغاني مجموعة من تسعة مغنين مع أفراد الكورس بشكل حي في كل عرض دون الاعتماد على تسجيلات رغم ما يحتاجه ذلك من مجهود، ولعل هذا هو السبب للتصفيق الحاد الذي كانت تحصل عليه إحدى المشاركات بالغناء وهي الممثلة والمغنية أنطوانيت كومر التي تمر بعامها الثمانين وأدت أغنية «ماميا» بصوت نقي صافٍ، وكانت المسرحية سببا في عودتها إلى الغناء بعد اعتزالها في عام 2011.


ترجمة هشام عبد الرءوف