فن كتابة المسرحية د. رشاد رشدي

فن كتابة المسرحية د. رشاد رشدي

العدد 755 صدر بتاريخ 14فبراير2022

كتب إدجار ألن بو  الكاتب القصصي المعروف قبل أكثر من مائة عام، يقول: «إن العمل الفني يحوي داخله كل ما هو مطلوب لفهمه»، ولكنه نسي أن يضيف لكلمة العمل الفني صفة «الجيد»، فالعمل الفني الغير جيد هو عمل لم ينل استقلاله، وليس مثل العمل الجيد المستقل الذي عبر عن عالم قائم بذاته.
 فلابد أن يكون العمل الفني – في المسرح – مستقلًا، وألا تكون المسرحية طبق الأصل للواقع، بل يتدخل الإيحاء والرمز والحوار لرسم مسيرة العمل الفني الجيد، أي أن الكاتب يقوم بعملية خلق تحاكي الواقع، وهذه العملية لابد لها من مقومات وعناصر،كي تحقق الهدف المنشود منها .
الشخصية تصنع الحدث المسرحي:
الدراما حدث، والحدث يصدر عن شخصية، ولابد أن يحتوي الحدث علي المفارقة، ولا يجب أن تكون الشخصيات دمى تتحدث بلسان المؤلف،بل يجب أن تعبر عن أفعال لها صفة الدرامية .
كما يجب أن تتمتع الشخصيات بالاستقلالية، فالشخص موصل جيد للتعبير عن الفكرة، كما في مسرح «برنارد شو»، كما يجب أن تحس - كجمهور - بأنها عالم مستقل، أو أن الشخصيات تُعبر عن فكرة كما في مسرح «بيراندللو»، فالشخصيات لم يرسمها المؤلف  على أساس علاقتها بالحياة، بل علي أساس علاقتها ببعضها البعض، فالأفعال التي تصدر عن المسرحية من بدايتها حتي نهايتها – مركب جديد، لم يكن موجودًا من قبل .
تطور الشخصيات المسرحية:
ليس صحيحَا – كما هو معتقد أن تتطور الشخصيات، كأن تكون في أول المسرحية شخصية طيبة، ثم تتحول إلى شريرة في نهاية المسرحية، إذ الشخصية تنبني علي سلوكيات وتجارب وتربية،ولا يمكن تحولها، فهي تتحدد في العلم الحديث منذ المراحل الأولى لنشأة الفرد، وما التصرفات سوى أشكال مختلفة في نمط رئيس،هو النمط السلوكي الغالب علي الشخصية .
وتطور الشخصية في الدراما هو إدراك الشخصيات لأمور كانت تجهلها، ومن هنا كانت «البيريسبيتيا» – كما يسميها أرسطو أو التحول، هو ما نسميه تطور الشخصيات في الدراما. فجهل أحد طرفي الصراع لحقيقة الطرف الآخر هو الأصل في أي صراع. وهذا الصراع ينتهي عادة بالمعرفة، وهي السبب في التحول في سلوك الشخصية . فغي مسرحية «عطيل» لشكسبير، تأخذ الغيرة قلب عطيل وتغذيها أكاذيب «اياجو» إلي أن تنتهي بقتل عطيل لحبيبته ديمونة»، ثم يكتشف الحقيقة، إذ ديمونة لم ترتكب اثما، فيقوم عطيل بقتل نفسه، وهنا يتحول البطل الثائر العملاق الغيور،القوي؛ إلى طفل ضعيف ضائع، مضطرب، ونتيجة لهذا التحول في الشخصية يقوم البطل بقتل نفسه .
فشخصية عطيل لم تتغير أو تتطور، ولكن عطيل اكتشف أشياء لم يكن يعرفها.
الشخصيات الفرعية في المسرحية:
إن أي مسرحية تحتوي على شخصيات رئيسة، وشخصيات فرعية، أو ثانوية. وتمثل الشخصيات الرئيسة محور الاهتمام الأول، كما أن الشخصيات الفرعية قد لا تمثل أي تطور في الأحداث، لكنها لا يمكن الاستغناء عنها كذلك، لأنها تخلق الجو العام للمسرحية، أو هي تقرب الفن إلي الواقع، كي يمكن تصديقها، أو هي تُضفي قيمة ما علي المسرحية، أو هي تعبر عن الزمان أو الأحداث بصورة أكثر واقعية، فمسرحيات «شكسبير» بها الكثير من الشخصيات الثانوية التي لا تتطور، أو لا تتحول علي الإطلاق، وهي كذلك موجودة في مسرح «سترندبرج» و«تشيكوف» وبعض مسرحيات «إبسن»، ولكنها شخصيات ضرورية لإكمال تجسيد الفكرة المسرحية والجو الزمانين والمكاني للأحداث . إذ لكل شخصية -هنا - وظيفة ما، فمنها ما يقوم مقام الكورس الإغريقي، ومنها يقوم بدور لابد من وجوده، كما أنها تقوي المفارقة الدرامية وتعمقها .
 والشخصيات الثانوية – في المسرح الحديث تضفي جوًا من الواقعية علي المسرحية من جهة، وتخفف من حدة الصنعة، فتصبح المسرحية محكمة الصنع بعيدًا ما يسمي بالوحدة العضوية للمسرحية – كما هي موضة النقاد الحداثيين – - الآن - لأن الوحدة العضوية المتكاملة كما يقول  عباس محمود العقاد تكون في الشعر والمقال. فالعبرة في المسرحية بوحدة الأحداث، وليس وحدة الموضوع، فقد نجد في المسرحيات شخصيات ثانوية لا ترتبط بالموضوع، لكنها تعمل على تنامي الحدث وتطويره وإبرازه، كما أنها قد ترتبط بالحدث بشكل غير مباشر كذلك .
وفي المسرح الحديث – كما في مسرح تشيكوف وسترندبرج، والمسرح المعاصر،بما فيه مسرح العبث «،ليست العبرة بوحدة الحدث، بل بوحدة «الشيما» – كما يقول أرسطو - وهي غير الموضوع، إنها الإحساس العام الذي يريد الكاتب المسرحي أن يثيره في المتفرجين .
فالأدب المسرحي الحديث هو أشبه بموسيقي سيمفونية تعتمد على نغمة رئيسة تساندها نغمات فرعية، هي في الحقيقة تنويعات علي النغمة الرئيسة.
الحدث الدرامي في المسرحية:   
لابد لكاتب المسرحية أن يختار نقطة البدء بكل دقة، لأن الدراما لا تستطيع أن تتبع الشخصية في مراحل نموها النفسي البطيء، ولكن الدراما تتبع الشخصيات أيًا كان لونها، وهي تتصارع، عندما تتأزم المشكلة في وقت معين، حين يحتد الصراع .
ومن هنا جاءت أهمية نقطة البداية، فالكاتب لا يستطيع أن يحكي الحكاية من أولها، والكاتب يبدأ المسرحية حين تبدأ الأمور في التأزم، فالموقف الرئيس في مسرحية «مروحة الليدي وندرمير لأوسكار وايلد» يتركز في الصراع بين الفرد والمجتمع، وكان على وايلد أن يحول هذا الموضوع المجرد الواسع إلي مسرحية مركزة، مجسمة, أي عليه أن يختار موقفًا محددًا مُحكمًا، وأن يفرض عليه الحدود التي تجعله يصلح للمسرح . فالفرد الذي اختاره أوسكار وايلد هي «مستر إرلين»، وهي الشخصية الرئيسة لزوجة تخلت عن ابتتها الصغيرة،وعن زوجها، وفرت مع عشيقها وأفهمت الابنة أن أمها قد ماتت. ومرت عشرون سنة كبرت خلالها الابنة ثم تزوجت، وأصبحت تحمل لقب «الليدي ويندرمير»، والأم تريد أن تفرض نفسها على المجتمع الذي نبذها بمساعدة من زوج ابنتها دون علم الابنة . والموقف يتحدد في موقف واحد، في حفلة الليدي ويندرمير، تلك الحفلة التي تجسم المجتمع .
ووايلد هنا لم يتتبع مسز إرلين عندما فرت مع عشيقها، مع أن مسز إرلين هي العنصر المحرك للمسرحية كلها، بل بدأ  الصراع حين ظهرت مسز إرلين وعادت إلي الميدان، ومحاولتها فرض نفسها على المجتمع الذي نبذها .
والمسرحية يجب أن تبدأ بالحاضر، وتشير إلي الماضي إشارات يتضمنها الحاضر، لأن الدراما توجد حيث يظهر موقف متأزم،أي في قمة الموقف، وهي تهمل ما يسبق هذا الموقف، وما يليه .
تطور الحوار والحدث:
يؤدي الحوار إلي تطور الأحداث، فالحدث في المسرحية لا يتطور ولا يتقدم في هدوء وبرود، وإنما تحت ظل من الشد والجذب، وتحت ظل من الصراع.
والحوار يقوم بمهمتين يؤديان إلي تطور الموقف الذي يعالجه منظر ما، وهو ثانيًا يشير إلى التطور في المنظر اللاحق، ويوحي به، وإن لم يفعل توقفت المسرحية وجمدت، وشعر المتفرج بالملل . 


حاتم عبدالهادي السيد