فانتازيا مسرحية عندما تضئ البصيرة الطريق

فانتازيا مسرحية عندما تضئ البصيرة الطريق

العدد 583 صدر بتاريخ 29أكتوبر2018

عندما تضئ البصيرة الطريق تتغلب بالتبعية على كافة المعوقات القدرية ويتجلى جوهر الفن وضرورته وهدفه الاكثر نبلا في حفظ الحق في الحياة والتمسك بحلم الغد الاكثر احتواء وعدلا والدفاع عن الحق الاصيل في الوجود بشكل يوازي الجهد المبذول لإثبات الوجود.
علي خشبة مسرح قصر ثقافة أسيوط وضمن فعاليات مهرجان الصعيد الثالث والذي نظمته جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين في أكتوبر 2018 قدمت فرقة النور المسرحية للمكفوفين عرضها المسرحي ( فانتازيا مصرية ) للكاتب / سعيد حجاج والمخرج / محمود عيد والعرض حاز علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة كأفضل عرض جماعي فضلا عن جائزة أفضل ممثل ثاني وهي جوائز من لجنة التحكيم اما الجائزة الكبرى التي سعوا اليها واستحقوها فهي استحسان الجمهور الخالي من التعاطف الانساني وتثمين موهبة من اعتلي خشبة المسرح بشكل حقيقي ليؤكد مبدعو فرقة النور للمكفوفين ان بصرهم قد كف قدرا الا ان بصيرتهم لم يخبوا نورها وضيائها ابدا .
العرض المسرحي ( فانتازيا مصرية ) للكاتب سعيد حجاج والمخرج محمود عيد يحكي عن قطب العريان ذلك الشاب الذي سقط في دوامات الفشل والفقر والعوز وفي خضم يأسه واقترابه من التضاؤل امام مشكلاته المستعصية علي الحل يرنوا الي سمعه صوت الراحل والده محاولا اثناء وليده عن الخضوع لليأس والخنوع فقرر ان يفضي اليه بسر رأي الاب انه الحل الوحيد لنجاة الابن من عثرته وترديه في غيابات الفشل والسر ببساطة هو ان يقوم الفتي قطب بالتجول ليلا بشرط ان يكون وحيدا ويمسك في يده خفية خلة اسنان حتي اذا تماهي امام ناظريه ارنب يلهو او كائن يرنوا يغرس قطب سلة الاسنان في رقبته وبذلك يصبح هذا الحيوان ملكا لقطب وهي ليس حيوانا عاديا بطبيعة الحال لأنه يكون عفريتا من العالم السفلي وقادر بالضرورة علي حل مشاكل الفتي ونفذ قطب كل ما اشار عليه صوت والده واصطاد بالفعل حيوانا اليفا فانسلخ العفريت من جسد الحيوان وظهر شاخصا ذليلا اما قطب الذي استثمر وجود هذا العفريت في تلبية غرائزه وملذاته من اموال وسلطته وتنمر وما الي ذلك من موبقات انسانية حتي ينقلب السحر علي الساحر ويخسر قطب العريان كل شيء في لحظة فارقة فمن يؤمن بالخرافات يخسر الواقع ويخسر ما هو آت .
استطاع المخرج محمود عيد ان يقود مجموعة الممثلين قيادة الاب الواعي لمتطلبات ابناؤه بشكل حميمي فاعتمد علي توسيع فراغ خشبة المسرح بأقصى درجة من الدرجات لتوفير المساحة الملائمة للتمثيل والاستعراضات والتي ذيلت في بانفلت العرض تحت مصطلح الحركات التعبيرية وصممها ( محمد جابر ) وواقع الامر ان تلك الاستعراضات في شكلها المبهج والحركات التعبيرية في تصميمها البسيط كانت من المفردات الهامة في العرض ذلك انها صممت لمجموعة من متحدي الاعاقة البصرية شكلا والمكتسبين بصيرة عقلية مضمونا فجاءت الحركات الراقصة دقيقة بشكل مبهج فلم نلحظ ارتباك ممثل او راقص ولم نثبت اصطداما لا اراديا من ممثل للأخر ومن راقص لأخر وانما رقصات دقيقة اثرت الصورة واشعلت الايقاع المتدفق بطبيعته من قبل الممثلين واعتمدت الحركات التعبيرية / الاستعراضات علي موسيقي شديدة التميز لـ ( اسلام مرغني ) واشعار ( حسام عبد العزيز ) معتمدة علي بساطة الايقاع والنغم ومصرة علي احداث حالة من البهجة مع الابتعاد عن التعقيدات اللحنية فخلقت الموسيقي حالة تفاعل مستحبة مع الصورة التشكيلية الدقيقة للاستعراضات وأطرت الحالة التشكيلية بديكور ( حمدي قطب ) الذي افرغ مساحة وسط المسرح للممثلين واكتفي بتحديد المكان وتفسير الحدث دون ان يتوغل في القراءة السيمولوجية المعقدة فاتضحت بالضرورة الرؤية الاخراجية للمخرج فانتهاج البساطة من منطلق ان البساطة روح الفن .
العرض المسرحي ( فانتازيا مصرية ) عرضا مسرحية لا يخلو من المواهب الواعدة علي مستوي التمثيل والذي يعد اكثر مفردات العرض تميزا واكثرها انضباطا وهذا هو جل ما يرنوا اليه اي مشاهد متخصص في فنون المسرح واعظم الاهداف الاستراتيجية لأي مخرج فالاستثمار في الثروة البشرية هو استثمار رابحا بطبيعة الحال وقادر علي قيادة العرض المسرحي من ظلام الاتباع الي نور الابداع فانتهج المخرج تدريب الممثل وسيلة وغاية لتحقيق هدفه الارقي وهو تقديم ممثلين مميزين من متحدي الاعاقة والخروج من نفق التعاطف المظلم الي سماء الاستمتاع بالتشخيص كموهبة وجل ما يلفت الانتباه في هذا العرض القدرة الفاقة علي تنفيذ خطوط الميزانسين دون ارتباك او تحسس للخطوات وكأن الممثلين مولودين فوق خشبة المسرح هذه فوعوا ابعادها بدقة لدرجة ان المتفرج لا يشك لحظة ان ابطال العرض من متحدي الاعاقة وذلك لرفض الابطال تسريب هذا الشعور وتصديره للمشاهد متجاوزين قسوة الطبيعة ومتسلحين بإيمان وقدرة ونور البصيرة فتميز الممثلون كل باسمه وهم ( جرجس سيدهم اسرائيل – حسن أحمد حسن – محمد نصر الدين – شيماء أحمد انور – اسراء محمود عبدالصبور – ابراهيم محمد فاروق – لبني نور الدين مرزوق – علي نور الدين مرزوق – حسين محمد عبدالصبور – هدير محمود عبدالصبور – مصطفي محمود كمال ) وساعد في الاخراج جرجس سيدهم ونجحوا في الحفاظ علي خط الفعل المتصل والتحكم في لغة الجسد ما استطاعوا الي ذلك سبيلا وتحييد اتجاه النظر وتحديد متي تطلب المشهد ذلك فاصبحت اجسادهم حاملا هاما للعلامات المسرحية دون افتعال ونجحوا في تصدير رسالة غير منطوقة أن الاعاقة ليست اعاقة جسد الاعاقة الحقيقية اعاقة فكر وروح

 


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏