مهرجان «كلباء» للمسرحيات القصيرة عروض مع الحرية وضد أفكار القمع والتبعية

مهرجان «كلباء» للمسرحيات القصيرة عروض مع الحرية وضد أفكار القمع والتبعية

العدد 582 صدر بتاريخ 22أكتوبر2018

إنتهت فاعليات الدورة السابعة لـ “ مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة “ والذي نظمته إدراة المسرح بإمارة الشارقة، وقد تنافست فيه عشرة عروض مسرحية في الفترة من 26 إلي 30 سبتمبر ــ بعد إختيارهم من بين 20 مسرحية ستقدم مخرجيها للمشاركة بالفاعليات ــ وعلى مدار أربعة أيام تنافست العروض العشرة فيما بينها علي جوائز المهرجان ومن أهم هذه العروض المميزة والتي لاقت استحسانا نقديا وجماهيريا وحصل البعض منها علي معظم جوائز المهرجان أربعة عروض هي : “رأس المملوك جابر” الحائزة على جائزة أفضل عرض مسرحي، إخراج أحمد عبد الله راشد، كما نال بطل المسرحية عبدالله الخديم جائزة أفضل تمثيل رجال ، و كذا عرض “الطاعون” والذي أخرجه سعيد الهرش وقد نال العرض جائزة لجنة التحكيم الخاصة بينما نال محمد جمعه جائزة أفضل ممثل، أما عرض “الصورة” إخراج دينا بدر فقد حصلت المخرجة على جائزة أفضل تمثيل نساء وأفضل إخراج أيضا، وأخيرا عرض “الأعمى والمقعد” إخراج أمنة النقبي، وهو من العروض التى لم تنل حظها من الجوائز هذا العام، ولكن يمكن اعتبارها تجربة خاصة نظرا لأن مخرجة العرض سيدة إماراتيه، ولأن العرض كان به العديد من الإيجابات التى يجب التنويه عنها.

“مغامرة رأس المملوك جابر” :
 بيع الرأس للحصول على الحرية.. 
بالرغم من أنها تجربة شبابية أولى لمخرج شاب هو أحمد عبد الله راشد إلا أنه استطاع الجمع بين مجموعة من المزايا منها تلك الدقة الشديدة في تعامله مع مفردات العرض المسرحي المختلفة ومدي مقدرته علي استحداث تناغم بينها، كما استخدام عناصر العرض المسرحي بتلك المهارة والبساطة ليؤكد علي مجموعة هامة من المعاني لعل من أهمها فكرة الحرية، وفكرة الإختيار، فالعرض بذلك إجمالا يرفع شعار الإبداع مع بساطة الإمكانيات.
فما زال نص “ مغامرة رأس المملوك جابر” للكاتب السوري سعد الله ونوس من النصوص التى تعتبر مغامرة مسرحية لكل من يحاول التصدي لها والغوص في أفكارها ؛ فالحدث الدرامي المستوحى من التاريخ يسقط بظلاله على الواقع الحالى من تكرار المأسي ذاتها، ونص العرض الذي تم تقديمه بالمهرجان أزاح كافة الأحداث والوقائع والشخصيات غير الأساسية، عدا القصة الرئيسية وهى استخدام الوزير لرأس المملوك جابر لإيصال رسالته لخارج البلاد لذا قام بحلاقة شعره وكتب رسالته لملك العجم لحثه على إرسال جيش خارجى للإنقلاب على الحاكم، وانتظر الوزير حتي نبت شعر المملوك جابر فأخفي الرسالة تحته ثم تركه ليسافر لملك العجم لتوصيل الرسالة، والسبب الذي أقدم عليه جابر وجعله يوافق علي الدخول في هذه المغامرة غير المحسوبة هو نيل حريته والزواج ممن يحب، وتنكشف الخديعة فى النهاية عندما تقطع رأس هذا المملوك بعد قراءة ملك العجم رسالة الوزير التي ذيلها بضرورة “ قطع رأس حامل الرسالة “ . 
“ بيع الرأس للحصول على الحرية “ هذه هى الجملة المفتاحية لهذا النص، وهي المفتاح الذي وجده المخرج واعتمد عليه وأكده بجدارة وسخر عناصره المسرحية كلها للتأكيد عليها، فظهر المملوك جابر على المسرح وهو يحلق فى فضاء المسرح باستخدام حبلا كالأرجوحة واختار اشهر مونولوجات هذه المسرحية ليعلن بها رغباته أمام الجمهور لنتعرف عبرها علي أمنيات جابر والأمنيات المضادة للوزير، كما استطاع باستخدام كرسي مربوط من الطرفين فى بداية المسرحية على التأكيد على الصراع الواقع بين الحاكم والوزير على الحكم فالحكم متأرجح فيما بينهما، ولم يتم استخدام أيه كلمات للإفصاح عن خطة “ قطع رأس المملوك “ بل تم الإكتفاء بضحك متبادل بين ملك العجم وخادمه والذي لوح بإشارة الذبح .
يعلن عرض “ مغامرة رأس المملوك جابر “ صراحة عن أن الموت هو جزاء تقدمه السلطات السياسية الغاشمة لأبناء شعبها كرد قاسي منها علي كل من يتطلع للحرية، فمهما حاولوا الحصول على حريتهم وأبسط حقوقهم بالعيش في سعادة وحب سيلاقون دوما ما يصطدمون به وما يعرقل أمنياتهم، وهذا ما اعلنه أحمد عبد الله راشد بسلالة ودقة على خشبة المسرح ؛ فالمسرحية الطويلة لونوس تم عرض فكرتها الاساسية في نصف ساعة فقط ــ وهى المدة المحددة لزمن العروض التى تقدم بالمهرجان ــ كما استخدم المخرج موتيفات بسيطة جدا وهى أيضا أحد القواعد التى يلتزم بها المشاركين بالمهرجان، لتكون هذه بالفعل المسرحية التى تستجق الجائزة الأولى في هذه المشاركة، فقد ألتزمت بالقواعد الموضوعة، مع الحفاظ على الحبكة المسرحية رغم ما قدمه المخرج من إعداد للنص الأصلي لكنه غير مخل بالحبكة ولا بالأفكار التي يتضمنها النص، كما نجح المخرج أيضا في تقديم اختيار أمثل للممثلين الذين كانوا جميعا من الشباب حديثي العهد بالتمثيل، كما قدم إجمالا عرضا يهتم بالموسيقي المسرحية ولحظات الإضاءة الخاصة والمعبرة عن الكثير من المشاعر المتضاربة بين الشخصيات المختلفة  وذلك دون مغالاة . 
ورغم حداثة سن مجموعة الممثلين الذين اعتمد عليهم العرض إلا أته ظهرت لهم خبرة كبيرة وتمكن من أدوارهم، ومن بينهم بطل العرض والحاصل على جائزة التمثيل بالمهرجان ــ الجائزة تُعطى لثلاثة ممثلين دون ترتيب ــ عبد الله الخديم، كما أنهم جميعا قاموا بتأدية أدوراهم في حدود المطلوب منهم بدقه كبيرة رغم الإخلال فى التشكيل اللغوي أحيانا إلا أن العرض كان من العروض القليلة بالمهرجان التى كانت اللغة فيها واضحة والجمل لا يوجد بها إلتباس.

“ الطاعون “ : محاولة للتعريف بمرض العصر الجديد.. 
يشتهر مخرج عرض “ الطاعون “ سعيد الهرش بأنه واحد من المخرجين الشباب المشاركين بالتنافس سنويا في معظم دورات المهرجان، وقد حصل بالفعل نتيجة مشاركاته السابقة على بعض الجوائز، كما حصل عرضه هذه الدورة على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، كما نال محمد جمعة دراماتورج النص والمجسد لدور الطاعون، جائزة أفضل ممثل عن دوره، وهو العرض الذي ظهر به الكثير من الجهد المبذول في كافة عناصر العرض المسرحي المرئية والمسموعة بالرغم من الأخطاء الواضحة في إعداد النص والإخلال بزمن الحبكة كي تكون مدة العرض وزمنه متوافقا مع شروط المهرجان .
“ الطاعون “ مأخوذة عن مسرحية “ حالة طوارئ “ للمؤلف الفرنسي ألبير كامي، وهى واحدة من الاعمال التى تقدم فلسفة كامو بوضوح ؛ فكانت عرض دارت فلسفته حول قيم الوجود، الحب، الموت، الثورة، المقاومة والحرية، كما قدم العرض الشخصيات الأساسية والأحداث كلها في نصف ساعة متناسيا أو غاضا البصر عن الشخصيات الثانوية بالنص الأصلي، وقد أكد العرض علي ماهية ما يمكن تسميته بطاعون العصر والذي جسده في فكرة السيطرة الكاملة الواقعة من الحاكم والمتحكمة من دون رحمة فى مصائر البشر .
قدم العرض شخصية القاضي مرتديا زيا دينيا ــ أزهريا ــ كي يقدم عبره رؤية حول رجال الدين المتحكمين في العقول من خلال استغلال أفكار الدين لصالحهم، وهو ما لم يكن متواجدا فى النص الأصلي، كما أن بطل المسرحية الأصلية ــ ديجو ــ لا يظهر بنفس الأهمية فى المسرحية التى قدمت بالمهرجان، ف كامو قدمه على أنه النموذج البشري الأمثل والأنقي والثائر والمحب والذي سيدفع الثمن بموته كبديل عن من  يحب، ولكن فى العرض لم يظهر هذا الجزء فأختفي البطل وحبيبته معا فى عمق المسرح مع باقي المرضي بالطاعون، وافرد الدراماتورج الجزء الأكبر لـ “ نادا “ السكير وهو شخصية تعري الواقع والمجتمع من خلال تحديها الصادم والناقد بطريقة لاذعة لأحوال الشعب وجبروت السلطة الحاكمة . 
ومع الإختلاف حول نجاح العرض فى تقليص النص الأصلي لتقديمه فى هذا الوقت القصير، إلا أن التجربة كانت تتكامل معا من خلال استخدام الديكور ــ المعتمد على المكعبات ــ والإضاءة التي اعتمدت علي لحظات خاصة لملئ الفراغ على المسرح بجانب الممثلين داخل الفضاء المسرحي، ورغم أن الأداء الحركى كان يظهر زائدا عن الحاجة في بعض الأحيان وغير مفيد دلاليا إلا أنه لم يكن منفرا بشكل كامل على الخشبة .
ولقد حاول المخرج إختيار الممثلين ليتناسبوا لضرورات أدوارهم بالعرض وكان أكثرهم نجاحا في الإختيار محمد جمعة الذي جسد شخصية “ الطاعون “ فقد ظهر خفيفا على المسرح، مؤثرا فى الجموع، لئيما وجريئا وطاغيا، وهو النجاح الذي لم يصل له كافة الممثلين على الخشبة رغم محاولاتهم لإتقان أدوارهم، ويمكن أن يكون عدم وضوح الجمل المنطوقة بسبب سرعتها كانت سببا فى هذا، فكان هناك صعوبة في الفهم أحيانا تمنع الجمهور من متابعة أداء الممثلين على المسرح في بعض اللحظات.
وهذه التجربة لو كانت قدمت فى ظروف أخري كان الحكم عليها يمكن أن يكون أكثر قسوة وتفنيدا للعناصر، إلا أنها تجربة يمكنك مشاهدتها من دون الشعور بالملل، فقط هي تحتاج للتخلص من بعض الزوائد واختيار أجزاء أخري من النص الأصلي لإكتمال صقل الحبكة وتوضيح خيوطها الدرامية . 

“ الصورة “ : عرض يحتوي علي ثلاثة ممثلين مصريين وصراع نفسي محتدم .. 

نافس عرض “الصورة” على جوائز المهرجان وأقتنص جائزتين منها، والنص المسرحي  للمؤلف البولندي سيلافومير مروجيك والإخراج لـ دينا بدر، وقد احتوي العرض علي ثلاثة ممثلين مصريين، وكان عرضا من العروض القليلة التى تميزت بوضوح لغتها وسلامة قواعدها اللغوية . 
وهذه المسرحية رغم أنها من المسرحيات التى توضع تحت مسمي المسرح التعبيري إلا أنه شابها بعضا من الخروج عن هذه المدرسة الفنية على المستوى الإخراجى، فكان الممثلين منفعلين بشكل مبالغ فيه أحيانا وخاصة رامي الطنباري بطل العرض ؛ فرغم أن الاساس هو تعبيره عن مكنوناته النفسية إلا أن الإنفعال الزائد جعله غير متوائم مع دوره فى كثير من الاوقات، كما أن الإطار الموضوع فى وسط خشبة المسرح والذي يستخدمه العرض كي يقدم عليه بعضا مما يعانيه البطل من ألم نفسي مجسد على خشبة المسرح باستخدام عازل من القماش الأبيض موضوع على الإطار ويتم إنارته بإضاءة خلفية ليظهر الممثل كظل للواقع وليس الواقع نفسه، كان يمكن الإستغناء عنه دون الإخلال بهذا الصراع النفسي أو تنفيذه بطريقة أخري بدلا من هذا التوتر الذي ظهر في استخدامه، فالبطل فى المسرحية يعانى من قتله لأعز أصدقائه بالخطأ وهجر حبيبته بعد الأذي النفسي الذي تسببه لها .
كما قدم العرض لقطة قريبة وواضحة لما جري في أحداث ثورة 25 يناير في مصر رغم رمزية الواقعة وإمكانية تكرارها فى العديد من بلدان العالم، والواقعة التي اعتمدها العرض هي قتل أحد المتظاهرين السلميين على يد ضابط شرطة، ليكتشف هذا الضابط أنه قتل صديقه الوحيد، وهو المشهد الذي يدوا مألوفا لدى المصريين فى العشرات من الوقائع التى مرت علينا خلال السنوات القليلة الماضية أثناء أحداث الثورة وما بعدها.
وقد استطاعت مخرجة العرض تقديم رؤية نفسية لهذا النص وبينت إلي حد ما صراع البطل ما بينه وبين نفسه بطريقة تحسب لها، وعدد الممثليين القليل جعل هناك تناغما فى المشاعر فيما بينهم مابين الحب والصراع والحزن ..، كما ظهروا جميعا وهم يرتدون ألوان تتوزع ما بين الأسود والرمادى ليكونوا فى اللازمان و اللامكان .
وكان العرض ذو الدقائق الثلاثون خيوطه الدرامية متماسكه مع بعض القصور البسيط، ولكنه قصور يمكن تجاهله أمام الحالة الإنسانية التى قدمت من خلال الشخصيات الثلاثة على الخشبة، واستخدمت المخرجة أيضا موتيفات بسيطة من كرسي وترابيزة وشطرنج ..، وكانت الإضاءة معبرة في معظم حالاتها عن الحالة النفسية للبطل وصراعه النفسي مع شخصياته التخيلية، وحركاتهم الجسدية بانفعالاتها وتوتراتها حاولت إيصال هذا الصراع وهذه الأحاسيس طوال مدة العرض .

“ الأعمى والمقعد “ : مخرجة واعدة قادرة علي تقديم عالم درامي متكامل بشخصيتين فقط ..

عرض “ الأعمى والمقعد “ للمؤلف السيرنلاكي درماسينا باتيراجا، وإخراج أمنة النقبي، والتي ظهرت كمخرجة مسرحية إماراتيه جيدة ولها براعتها الخاصة وقدرتها علي التحكم في عناصرها كما يمكنها المنافسة فى السنوات القادمة على جوائز المهرجان، ورغم أن المسرحية لم تنل أيه جوائز إلا أن الجمهور كان متفاعلا مع تجربتها بشكل كبير.
تتلخص حبكة المسرحية فى رجل أعمى واخر مقعد يتعرضا معا للضرب المبرح من بلطجية فى الشارع، ويقترح المقعد على الأعمى أن يكون عينيه علي أن يكون الأعمى قدميه،، تكامل من نوع خاص جدا، وبالفعل يوافق الأعمى على هذا الإقتراح، ومع أن النص الاصلي ظل الاعمى فيه يحمل المقعد طوال الرحلة إلا أن مخرجة العرض قررت أن يجر الأعمى المقعد كالحمار غير المدرك لمصيره الذي سيواجهه، ورغم أن المقعد يقدم وعدا للأعمى لأيصاله للقصر ذو “ السور الاسود والسماء الحمراء والورود الزرقاء “، إلا أن الجمهور يكتشف انه يستغله للوصول لمكانه الموعود، وبعد أن يتم قتل الاعمي من قبل البلطجية وبإيعاز من المقعد يرفض حارس المكان دخوله طالبا منه وجود رجل طيب القلب ليفتح الباب له أما هو فـ لا ، وينتهي العرض بتوسل المقعد للأعمى بان يعود للحياة دون جدوى . 
مسرحية قوامها الاساسي أثنين من الممثلين المتناغمين معا، لا يوجد نثر دخان على المسرح بلا سبب ليكون سحابات متكررة بلا معني ــ تكرر هذا التأثير فى أكثر من عرض متنافس دون سبب واضح ــ بل كان وجوده يعبر عن القصر الذي يتخيله الأعمى الطيب، كما تم استخدام موسيقي معبرة عن الحالة المسرحية في مجملها . 
والأهم فى هذا العرض أنه اختار نصا قصيرا فى الاساس وبالتالي فلا حاجة لإختزاله، فالأساس في النص ومن ثم العرض هو الرحلة، والرحلة يمكن أن تقصر أو تطول دون إخلال مادامت الفكرة الأساسية قد وصلت للجمهور دون مغالاة في الحذف ـ كما في بعض العروض الأخري ـ أو إطالة غير مبررة .
كما أن النقبي قدمت بداية إخراجية جيدة مقارنة ببدايات لمخرجين آخرين قدموا التجارب الاولى لهم بشكل متوتر وغير متماسك فنيا ولا دراميا، لذا ظهرت تجربتها أكثر تماسكا، وتفهما لطبيعة العناصر المسرحية، ومعرفة بطرق تضفيرها معا بشكل فنى، وهو ما يجعل من هذا العرض حالة يمكن أن تكون إعلانا عن مخرجة إماراتية سيكون لها تجارب مسرحية أخري يمكن أن تنافس على الجوائز بالمهرجانات القادمة  . 
 


سلوى عثمان