المسيري وفاطمة رشدي وآخرون في طنطا

المسيري وفاطمة رشدي وآخرون في طنطا

العدد 776 صدر بتاريخ 11يوليو2022

اشتهرت فرقة أحمد المسيري في أقاليم الوجه البحري ومديرياتها في أوائل عشرينيات القرن العشرين، حيث وجدنا الفرقة تعرض عروضها في دمنهور، وهي عروض مرتجلة، تدور مواقفها حول شخصية البربري، الذي يقوم بها أحمد المسيري مقلداً شخصية علي الكسار الفنية، وهي شخصية «البربري عثمان عبد الباسط».
فرقة المسيري قررت زيارة طنطا، أسوة بزيارات الفرق المسرحية الكبرى، مما جعل النقاد يفكرون في ظاهرة عدم ديمومة المسرح في طنطا، وأن الأهالي ينتظرون فقط زيارة الفرق الكبرى كل فترة زمنية وأخرى! 
هذه الفكرة تحدث عنها مراسل مجلة «الفنون» في طنطا تحت عنوان «التمثيل في طنطا»، بتاريخ أكتوبر 1926، قائلاً: طنطا مدينة عظيمة وهي عاصمة الغربية وثالثة العواصم المصرية، ورغماً من مركزها الكبير لا زالت محرومة من الفنون الجميلة وأهمها التمثيل!! ومع أن شعبها الكبير ميال لمشاهدة هذا الفن الجميل فقد لا يزورها من الفرق الكبيرة إلا النذر القليل في كل ستة شهور أو ما يزيد!! إذاً فهي بحق محرومة من كل فن جميل، ولا أدري لماذا لا يكون بها فرقة دائمة ينتفع بها الشعب، ويكتسب دروساً جديدة في الحياة، لأن التمثيل ما هو إلا مدرسة بترقيته يرتقي الشعب! ثم لا ننكر بأن الفرق تعددت وزادت وما ذلك إلا خطوة واسعة في سبيل إعلاء الفن، ولكن ما الفائدة إذا كانت جميع هذه الفرق قابعة في مصر! فلا تزور باقي المدن اللهم إلا بعد أن يستوفي شعب مصر ويملّ رواد [شارع] عماد الدين من المشاهدات. ولكن من الأصح أن تعم هذه المشاهدات جميع المدن الكبيرة خصوصاً العواصم، وإلا فما فائدة التمثيل إذا كان لا يراه سوى أقلية الشعب؟ لقد سمعنا من زمن بعيد أن بعض الممولين أرادوا أن يشرعوا في تكوين فرقة، ولكن بعد مضي زمن غير قليل لم نر فيه شيئاً مما قيل، ولا ندرى ما سبب ذلك، اللهم إلا أن أصحابنا لا زالوا يبخلون بالبعض من مالهم المخزون. كان بالمدينة تياترو نقالي أشبه بتياترو السيرك، الذي في العباسية بأرض المولد النبوي، فكان يأتي به بعض أشخاص لا نعرف هل هم ممثلون أم (أرجوز)!! ولكن لعدم وجود فرقة كان الإقبال عليه عظيماً، فجمع أصحابه الكثير حتى استغنوا عن العمل أو أن النظارة ملوا هذه السخافات البالية الأراجوزية، فأخذوا يقبلون على دور السينما بكثرة هائلة!! ولكن نريد أن تكون مشاهدتنا مبنية على حوادث تهمنا معرفتها، فلا تكفي لوحة السينما لا سيما جل رواياتها غريبة وهذا لا يشرفنا!! لقد حضر شخص يُدعى «أحمد المسيري» ومعه فرقة لا تزيد على عدد الأصابع. ولقد علمنا بأنه كان يشتغل بالإسكندرية قبلاً مع فرقته، وقد نشر صورته وصور بعض ممثليه حضرة الزميل عبد المجيد حلمي صاحب مجلة المسرح تشجيعاً له ولأمثاله من مشجعي هذا الفن بعدد سابق من مجلة المسرح الغراء. والآن أخذ يشتغل هذا الشخص مع فرقتين، وهو ممثل لا بأس به خفيف الروح يجيد دور البربري. وفي المدينة هواة كثيرون يريدون الانضمام إليه، ولكن المكان الذي يعمل فيه غير لائق بفرقة مثل هذه، لا بأس بها إذا أعتنى بها مديرها وضم إليها عدداً من الممثلين الأكفاء، ونقل بفرقته إلى مكان لائق به، وأمامه ثلاثة مراسح بالمدينة منها مسرح البلدية ومسرح الباتيناج وكازينو عباس. فليتقدم مدير الفرقة لأحد أصحاب هذه المسارح ويستأجرها ليعمل بجد واجتهاد. ولا شك أن شعب طنطا يشجعه على عمله هذا بالإقبال عليه فتقدم يا عثمان، ونحن نشجعك وإلا فلا تنتظر تقدم في ذلك المكان الموبوء، وأعلم بأن كل مكان له شعب وكل تمثيل وله نظارة. [توقيع] «قنديل».
هذه الكلمة شجعت أحمد المسيري ليطيل البقاء في طنطا، أو التنقل بينها وبين الإسكندرية، وبعض المدن الأخرى، حيث إن الفرقة من الفرق الجوالة الشهيرة. فوجدناها تمثل في كازينو النزهة بطنطا مجموعة من المسرحيات كما أعلنت مجلة «ألف صنف» في يوليو 1927. وبعد شهر واحد وجدنا الفرقة توالي التمثيل في هذا الكازينو بعد أن علمنا اسمه الصحيح، وهو «كازينو حديقة النزهة» ومكانه على شاطئ الجعفرية بمدينة طنطا، والعرض يبدأ يومياً الساعة السادسة، بطولة «بربري طنطا المحبوب» وهو صاحب الفرقة ونجمها «أحمد المسيري»، ومعه بطلة الفرقة «رتيبة بهجت»، هكذا أخبرتنا مجلة «النيل المصور» في أوائل أغسطس 1927.
ومع انتقال المسيري بين البلدان والمدن، وجدنا إعلاناً له نشرته جريدة «المرشد» في سبتمبر 1930 به معلومات جديدة ومهمة، مثل عنوان إحدى مسرحياته، وأن مسرح الكازينو أصبح مسرحاً باسم المسيري!! ولأهمية هذه المعلومات، سأنقل نص ما جاء في الجريدة، وهذا هو: «جددي يا نفس حظك، هذا المساء الساعة 8 بمسرح المسيري الجديد، قهوة النزهة سابقاً شارع الفرير! التمثيل والضحك والطرب في الهواء الطلق «فرقة الأستاذ المسيري في ثوبها الجديد»، تقدم روايتها الجميلة المحبوبة وهي «نجمة الصبح»».
فاطمة رشدي
بعد عدة أشهر من تكوين فرقة فاطمة رشدي، أرادت عرض مسرحياتها في طنطا، ولأنها من أكبر الفرق المسرحية فكان لها تمهيد خاص قامت به جريدة «الضحوك» في يناير 1928، عندما كتبت تحت عنوان «الفنون في طنطا» قائلة:
«يسرنا أن نسجل ما نراه في هذه الأيام من إقبال الأجواق التمثيلية على مدينتنا مما لم يكن لنا به عهد من قبل. فقد شاهدنا في هذين الشهرين عدة أجواق تمثيلية وغنائية نال كل جوق منها ما يستحقه من الإقبال، غير أن أظهر ما شاهدناه في هذه الحفلات هو نظامها. فقد حضرنا حفلات اختلط فيها الحابل بالنابل واحتل الحفاة فيها أماكن السراة، ولم يجد حاملو التذاكر الممتازة والمخصوصة المحال المحجوزة لهم. كما أننا حضرنا الحفلات التي أقامتها إدارة تياترو الباتيناج فاستغربنا للفرق العظيم بينها وبين غيرها، وعلى الخصوص في النظام وراحة النظارة فسعينا لمعرفة سبب ذلك التفاوت. وبعد التدقيق عرفنا أن السبب بسيط جداً، وهو أن إدارة الباتيناج تهتم بالفن وبراحة المتفرجين، ولذلك لا يسمح بالدخول في حفلاتها إلا لحاملي التذاكر. ولا تباع التذاكر إلا بالأثمان المحددة لها ولذلك يبتعد عن حفلاتها كل غير كريم، وكل من لا كرامة له. وتقبل العائلات الكريمة مطمئنة وذو الأصول والحسب ومحبو الفنون والأدباء وكل ذي كرامة. وقد علمنا مع السرور العظيم أن إدارة الباتيناج ستحي يوم الثلاثاء 24 الجاري حفلة تمثيلية كبرى، هي خير ما شاهده سكان طنطا الكرام حتى اليوم، ذلك أن فرقة السيدة فاطمة رشدي المشهورة ستمثل رواية «السلطان عبد الحميد» علي مسرح الباتيناج في مساء اليوم المذكور. وقد قرأنا في مدح هذه الرواية وتقريظها الشيء الكثير، وأجمع النقاد الفنيون على أنها خير ما قدمه المسرح المصري لغاية اليوم. وأن أبطال الرواية هم: الأستاذ عزيز عيد الذي يمثل دور السلطان عبد الحميد، والسيدة فاطمة رشدي التي تمثل دور بديعة هانم، وحسين أفندي رياض، الذي يمثل دور سلامة بك، وبشارة أفندي واكيم الذي يمثل دور عنبر أغا. يقولون إن هؤلاء جميعاً أجادوا في تمثيل أدوارهم إجادة هي الكمال بعينه، ولنا الأمل بأن تلقى هذه الحفلة من إقبال الطنطاويين ما يشجع إدارة الباتيناج للاستمرار في هذا السبيل. وقد علمنا من ثقة بأنه إذا وجد مدير الباتيناج ما ينتظره من الإقبال على هذه الحفلة فأنه سيحيي بعدها بمدة قصيرة حفلة طرب بطلها ملك المطربين المصريين، وفخر نادي الموسيقى الشرقي البلبل الصداح مُطرب الأمراء والعظماء وهو «محمد أفندي عبد الوهاب»! من هو محمد أفندي عبد الوهاب؟! هو من سننقل إليك ما قيل في مدحه ووصف صوته العذب في عدد آخر».
وتوالت زيارات فرقة فاطمة رشدي إلى طنطا، حيث مثلت مسرحية «النسر الصغير» في منتصف فبراير 1928 كما أعلنت جريدة السياسة، قائلة: «فرقة السيدة فاطمة رشدي بمدينة طنطا يوم الأربعاء 15 فبراير سنة 1928 الساعة 8.45. يمثل الجوق الرواية الكبرى التاريخية ذات المواقف المدهشة «النسر الصغير». يقوم بأهم أدوار الرواية السيدة فاطمة رشدي ومدير الجوق الفني عزيز عيد». وفي مارس من العام نفسه عرضت الفرقة مسرحية «جان دارك».
وفي منتصف يناير 1929 عرضت الفرقة على تياترو سينما الباتيناج مسرحية «المائدة الخضراء» كما قالت جريدة السياسة. وفي مايو عرضت على تياترو مجلس بلدية طنطا مسرحية «النسر الصغير» أيضاً كما قالت جريدة البلاغ. وفي يناير 1930 عرضت الفرقة على مسرح بلدية طنطا مسرحية «مصرع كليوباترا» كما قالت جريدة كوكب الشرق. وآخر خبر عن فرقة فاطمة رشدي في طنطا، نشرته جريدة المساء في منتصف مارس 1931 قائلة: فرقة فاطمة رشدي يوم الثلاثاء 17 مارس سنة 1931 بمدنية طنطا «مجنون ليلى». يقوم بالدور المهم فاطمة رشدي، أحمد علام.
فرق أخرى
هناك فرق مسرحية صغرى، انتشرت في الأقاليم، وزارت طنطا، ومنها فرقة «أحمد الإسكندري» الذي عرض مسرحياته في طنطا ابتداء من عام 1902 كما أخبرتنا جريدة مصر. وفي عام 1911 زارت الفرقة طنطا ومثلت مسرحية «شهيدة الظلم» في تياترو طنطا وتم تخصيص ليلة العرض لأسرة فقيرة كما قالت جريدة المؤيد. وفي عام 1920 مثلت فرقة «حافظ نجيب» مسرحيتي «الجاسوس المصري» و«قوة الحيلة». وفي عام 1921 مثلت فرقة «عمر سري» في طنطا مسرحيتي «عفيرة» و«ابن صلاح الدين» كما أعلنت جريدة المقطم. 
وفي عام 1922 مثلت فرقة «فاطمة قدري» عدة مسرحيات لها، ولكن عندما جاءت عام 1928، حدثت حادثة كتبت عنها جريدة «الممتاز» قائلة تحت عنوان «حادثة المهرجين المدعين التمثيل»: «مما يؤسف له وتأباه النفوس أن يسمع الجمهور المتفرج في قهوة العائلات التي تعمل بها فرقة فاطمة قدري ألفاظ الهزء والسخرية من أحد ممثليها. وهذه الألفاظ خرجت من المدعو «فليب حداد» ليلة أمس بكل وقاحة وسفالة. ولكن تنبه حضرة الضابط النشيط مصطفى أفندي مهنى على ذلك اللفظ البذيء. وفي الحال ألقى القبض على ذلك المهرج وأحاله على التحقيق. فلحضرة الضابط النشيط منّا الثناء على يقظته وهمته. نتمنى أن ينسج على منواله كل من يرى أو يسمع ما تتأذى لسماعه النفوس حتى تتطهر البلد من أمثال هؤلاء الذين لفظتهم الآداب ونبذتهم الفضيلة».
وفي فبراير 1927 زارت فرقة «فكتوريا موسى» طنطا ومثلت فيها مسرحية «الساحرة» كما أعلنت جريدة المطرقة. أما جريدة الشبيبة فقالت: حفلة تمثيل وطرب ينظمها النادي الأهلي بطنطا في مساء الثلاثاء 8 فبراير سنة 1927 بتياترو الباتيناج بطنطا، يمثلها جوق السيدة فكتوريا موسى، حيث تعرض رواية «زهرة الشاي»، ذات المفاجآت المدهشة والمواقف التمثيلية العظيمة، تأليف الأستاذين العظيمين محمد بك مسعود، وعباس بك علام.
وفي عام 1929 أخبرتنا جريدة الكمال بأن الخواجة «عزرا ديشي» جعل كازينو البلفي في طنطا مسرحاً في الهواء الطلق، وأحضر فيه فرقة الممثل الكوميدي «أحمد فريد» بما فيها من ممثلين وممثلات وفي مقدمتهم السيدة «شفيقة المصرية». وقد عرضت هذه الفرقة مسرحية «لو كنت ملك»، وقام أحمد فريد بدور عوف، فأظهر كفاءة في أداء دوره الكوميدي.
جميعنا يعرف الممثل «رياض القصبجي» الشهير بالشاويش عطية في أفلام إسماعيل ياسين! ولكننا لا نعرف أنه كان صاحب فرقة مسرحية قبل ذلك، كونها في طنطا!! حول هذه المفاجأة قالت جريدة «سفينة الأخبار» في فبراير 1930: قد مضى على مدينة طنطا مدة غير وجيزة من الزمن وهي محرومة من فرقة تمثيلية تعمل في هذا البندر العامر! فقد أنشأ حضرة الأستاذ القدير رياض أفندي القصبجي فرقة تمثيلية كبرى تمثل في تياترو «البيجو بالاس» بشارع سعادة بطنطا، وأحضر لها لفيفاً كبيراً من أكبر وأشهر الممثلين والممثلات النابغات المشهود لهم بحسن المقدرة في التمثيل. وقد شاهدنا هذه الفرقة لأول مرة في الأسبوع الماضي فأعجبنا بها كل الإعجاب لما أظهره جميع أفرادها من البراعة الفنية خصوصاً ممثل الدور الأول في الرواية وهو حضرة الأستاذ النابه رياض أفندي مدير الفرقة فسر منه الجمهور سروراً عظيماً وذلك لخفة روحه وحسن منطقه. وكذا باقي أفراد الفرقة الذين برعوا في فن التمثيل وفي مقدمتهم حضرة الأستاذ محمد أفندي مرعي. وقامت الممثلة الأولى السيدة «مرجريت حداد» بدورها خير قيام حيث أظهرت نبوغاً فائقاً نالت به استحسان الجمهور. أما المطربة المبدعة الفنانة الحسناء الآنسة «فردوس علي» التي هي أصغر ممثلات الفرقة سناً فقد ألقت قطعة غنائية بديعة نالت استحساناً عظيماً».
آخر الفرق الصغرى التي عرضت في طنطا – في الفترة الزمنية المحددة – كانت «فرقة الآنسة نجمة» التي ترأسها الفنانة «نجمة إبراهيم» عام 1931، عندما عرضت مسرحية «مأساة الحلمية» في تياترو الباتيناج. ومن أعضاء هذه الفرقة: إبراهيم الجزار، حنا وهبه، أبو العلا علي، محمود عبد الوهاب. هكذا نشر عبد العزيز أحمد محمد الطالب بمدرسة الإبراهيمية الثانوية بطنطا في مجلة الصباح.


سيد علي إسماعيل