صدى الصمت.. كوميديا الاغتراب وانعدام التواصل

صدى الصمت.. كوميديا الاغتراب وانعدام التواصل

العدد 580 صدر بتاريخ 8أكتوبر2018

قد نتحدث لغة واحدة وقد نتشارك في الغربة وفي فقدان الأهل والأبناء، لكن طالما بين بلدينا حروب قديمة وشغب متبادل لن نفهم بعضنا أبدا ولن نصل في يوم من الأيام لتفاهم واضح، فما خلفته الحروب والسياسات لن يمحي بسهولة، هكذا مرر معد مسرحية «صدى الصمت» وهو نفسه المخرج (فيصل العميري) الموقف بين اثنين من المغتربين يعانيان الوحدة والرغبة في دفء الحوار.
المسرحية قدمت ضمن الدورة 25 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، وضمن الاتفاق الجيد بين مجلس إدارة المهرجان والهيئة العربية للمسرح، بأن يقدم المهرجان المسرحية الفائرة في مسابقة الهيئة لأفضل عرض مسرحي عربي ضمن مهرجانها السنوي الذي يقام كل عام في بلد عربي.
التعديل الذي قام به المخرج غيّر كثيرا من ملامح نص المؤلف (قاسم مطرود) حتى يناسب الظروف التي تعرض لها فريق العمل، فجاء براوٍ سمى نفسه (دراماتورج) العرض المسرحي، كان يقوم بترتيب المشاهد وشرح مشاعر الشخصيتين ويعدل بعض اللحظات الدرامية ويضع المتلقي عند بوابة كل مشهد جديد، كما أنه كان يقوم باللعب مع بعض الموتيفات والأجهزة والإكسسوارات المعدة سلفا كي يساعد تيمات العرض بوضع صوتيات تناسب المشاهد، وهو ما أحدث نوعا من الكوميديا وخفة الظل، غير أن التعديل وضع التيمات نفسها في مأزق مختلف؛ إذ إن المجتمعات العربية لا تستقبل فكرة زيارة رجل غريب لامرأة وحيدة في منزلها، فضلا عن التعامل المائع مع شخصية ذلك الرجل المعاق الذي يتصدر البانوراما والذي لم يتحدث طول العرض ومات في آخره، فما أفهمه أن نستفيد من فلسفة العبث ودوره في فلسفة اللعبة الدرامية، ولكن بالحد الذي يفيد تيمات العرض وموضوعاته. عن نفسي، فكرت كثيرا في الشخصية ولكن لم أتوصل لإشارات حقيقية تضمن أهمية وجودها في العرض المسرحي.
على جانب آخر، كانت شخصية المرأة الأجنبية التي كانت تحادث المرأة في التليفون كل فترة، مقبولة فنيا؛ إذ أراد صناع اللعبة الدرامية التأكيد على فكرة سهولة العلاقة بين لغتين مختلفتين وضياعها في حالة العرض بين أبناء اللغة الواحدة.
في البداية، يضعنا المعد أمام الحدث الدرامي مباشرة ويشير لتحكمه في التفاصيل المكونة للعرض المسرحي ثم يتحول للجلوس على يسار المتلقي كي يلعب دور الصوتيات المساعدة للفعل الدرامي لتبدأ بعدها موجات عدم التفاهم بين الرجل والمرأة التي قدمت وعيا يتفق ومبادئ الكوميديا السوداء؛ إذ اتكأ الفعل على التأثير الكوميدي الذي يرشح لمأساة القضية المطروحة ويغوص في تفاصيلها الدقيقة، كل من الرجل والمرأة في وادٍ وإذا أتي أي منهما بفعل فسر بطريقة خاطئة من الجانب الآخر. تبدأ اللعبة وكل منهما يعرف أن الجار عدو تاريخي كانت بينهما حروب ودم متبادل حتى إن كلا منهما فقد ولده في تلك الحرب، ولكن الوحدة الطويلة تخلف مشاعر مختلفة وتطرح الموضوع بمنطق مغاير.
فقط منضدة صغيرة كانت تتوسط المشهد المسرحي وفي العمق رجل قعيد على كرسي متحرك يبدو كصورة تساعد الفعل الكابوسي حيث العبث يسيطر على الجو العام ويضع الإنسان أمام علامات القدر. على أحد الجوانب كانت هناك صورة لابن المرأة الوحيدة المشغولة بأثر الوحدة وعدم التفاهم التي ترجو حياة مغايرة وتتمسك بكل أمل متاح. أما عن الزائر، فقد طرح النص كونه رجلا دمث الخلق يحاول التفاهم مع المرأة رغم كونه يعتبرها قليلة الفهم والوعي والإدراك، ومن ثم اعتمد معظم العمل على المونولوجات الداخلية الشارحة لموقف كل من الشخصين أو أنه كان يعرض لسوء التفاهم الواضح عبر لغة الإشارة، ومخرج العمل كان دائما ما يرمي لفكرة عدم التفاهم بين أبناء اللغة الواحدة ويعضدها بأفعال وحركات كوميدية لائقة، ورغم كونها فكرة قديمة ومستهلكة فإنها كانت مقدمة بطريقة جيدة للغاية نظرا لقوة الأداء التمثيلي.
في النهاية، عرفنا العرض على «فيصل العميري» المخرج الكويتي الذي أشاهده للمرة الأولى، وهو رجل يجيد التعامل مع كوميديا العبث بوعي فارق وقدرة على المرور للمتلقي، وإن كان مضطرا لتغيير بعض المواقف والأحداث كي يقدم العرض في القاهرة بعد مرور 3 سنوات على إنتاجه، والمعروف في هذا الصدد أن العروض التي تقدم في كثير من البلدان العربية لا تستمر إذ يمكن تقديمها فقط في المهرجانات المختلفة أو لعدد محدود من الليالي، خاصة وهي عروض لا تقوم على الكوميديا السافرة التي يفضلها معظم الجمهور العربي.


أحمـد خميس