سينما 30 .. الثورة والعلاقة بين المثقف والسلطة

سينما 30 .. الثورة والعلاقة بين المثقف والسلطة

العدد 575 صدر بتاريخ 3سبتمبر2018

في قرية ما من قرى الصعيد لا نعلم اسمها وفي الثلاثينات من القرن الماضي يحاول مخرج شاب العمل على مشروع سينمائي طموح، هو إنتاج أول فيلم سينمائي مصري ناطق، ولكنه يواجه الكثير من الصعوبات بحكم اختلاف الثقافة بينه وأهل هذه القرية وعمدتها ومساعديه (المأمور والشيخ والباشا). وفي النهاية، يستطيع المخرج تصوير فيلمه ولكن بعد الكثير من الأضرار والخسائر التي لحقت بأهالي هذه القرية مما اضطرهم للقيام بثورة على العمدة.
كان ذلك موضوع عرض “سينما 30” الذي قدم على مسرح الهوسابير من تأليف وإخراج محمود جمال الحديني، العرض بطولة فريق التمثيل بكلية التجارة، تصميم ملابس أميرة صابر، موسيقى عمرو صلاح، ديكور د. حمدي عطية، إضاءة أبو بكر الشريف.
يطرح العرض العلاقة الجدلية بين المثقف والسلطة، بشكل إنساني، يرجع لفترة الثلاثينات، لا يشير لمكان معين ودلالة اللامكان قد تكون إسقاطا على أي بلدة أخرى مع تشابه السياق الاجتماعي والسياسي، مشيرا لفكرة الحاكم الظالم - الذي يتحدث عنه العرض - كنموذج موجود منذ القدم وحتى الآن مع اختلاف وتعدد أشكاله. إن ذلك المحور الأساسي بالنسبة للعرض - العلاقة بين المثقف والسلطة - يتم تجسيده من خلال المثقف يمثله شخصية المخرج ذي الثقافة المغايرة عن ثقافة أهل القرية، الذي نجح في النهاية في تغييرهم بالفعل.. «منير» الذي جاء منيرا لعقولهم من دلالة اختيار اسمه، وأيضا شخصية الطبيب «الغريب» عن أهل القرية، ولكنه جاء من أجل ممارسة مهنته، أما السلطة فتمثلت في شخصية العُمدة الباطش الذي وضع عقبات أمام كل من المخرج والطبيب – وكل من يحاول أن يقوم بأي تغيير – عن طريق تهديد أهل القرية بعدم التعامل أو التواصل مع كل منهما، مثل تعذيب من يشارك في التمثيل في الفيلم الذي يقوم المخرج بتصويره (قيامه بجلد إبراهيم صاحب الخيال الواسع)، وأيضا منع أهل القرية من زيارة الطبيب حتى لو كانوا بحاجة لذلك (تهديده لهم بالقتل إذا فعلوا).. هكذا يتكشف لنا توتر العلاقات بين المثقف والسلطة بداية من وصول الطبيب للعمل بالقرية، ومرورا بوصول المخرج ومعه مساعده ومعدات التصوير، ونهاية بقيام الفلاحين بثورة ضد عُمدتهم وحاشيته – الشيخ والباشا والمأمور – الذين كانوا يتراقصون على أعماله الصغيرة والكبيرة، فمثلا الشيخ كان يصدر الفتاوى المغلوطة وكان يحرم الحب والتمثيل ويصفهم بالفحشاء والفُجر البين، والمأمور الذي كان على علم بكل ما يقوم به العمدة وكان يؤيده «العمدة: همنعكم بالقوة/ المخرج: سامع يا حضرة المأمور/ المأمور: هو ده النظام هنا»، أما شخصية الباشا فتتمثل في الشخصية الرأسمالية التي تنطوي تحت شخصية العمدة.
أما عن وضع المرأة في مجتمع العرض فقد مرت بمرحلتين – في رأيي – المرحلة الأولى في بداية العرض كان هناك وجود وظهور للمرأة، حيث كانت أول شخصية نشاهدها على المسرح فتاة تجلس بجوار كاميرا التصوير وتحتضنها، ثم مرورا بالأحداث التي توضح أن المرأة في هذه الفترة لم تكن تفعل سوى «شغل البيت» والحقل والإنجاب. أما المرحلة الثانية كانت بداية من اقتناع ومشاركة المرأة في الفيلم الذي يقوم المخرج بتصويره وحثه على استكمال عمله ونقل واقعهم الفعلي الذي يعيشونه «إحدى الممثلات للمخرج: أنت كل ما بتكلمنا بتقولنا عايزكم حقيقيين واحنا مش هنقول في حق العمدة كلمة زينة واحدة ونكون حقيقيين»، كما كان للمرأة دور واضح في الثورة التي قام بها أهل القرية وكانت النساء تحث الرجال على القيام بالثورة وعدم السكوت «إحدى الممثلات: هنخاف من إيه هنروح، يا روح ما بعدك روح».
على مستوى الأداء التمثيلي، كان الأداء الجسدي يخدم المشاهد الدرامية وأيضا هناك مرونة واضحة في الحركة لدى جميع الممثلين مما ينم عن تدريبات كثيرة قد قاموا بها، كانت شخصية المخرج «منير» تتحرك بحرية كبيرة على المسرح لكي يستطيع إقناعهم وإبهارهم والسيطرة على عقولهم، ونجح بالفعل في سحرهم وجذبهم للعمل معه، وأيضا شخصية العمدة الذي كان يتحرك في الفضاء المسرحي كما يحلو له باعتباره السلطة العليا في القرية والآمر الناهي في كل شيء، و«سراج» مساعد المخرج الذي كان يتحرك بحرية باعتباره المصور الذي يقوم بتسجيل اللحظات وتصويرها بالكاميرا، وأيضا شخصية الشيخ الذي كان يتحرك في الفضاء المسرحي بنشر الادعاءات الكاذبة، أما الشعب – الفلاحين – فكانت أغلب تحركاتهم على المسرح في شكل مجموعات مما يدل على تمسكهم بالترابط بينهم حينا وتقيدهم في حين آخر ومشاركتهم في ثورتهم ضد السلطة الباطشة في حين آخر. أما مخارج الألفاظ فكانت تحتاج لعبض المراجعة اللغوية وأيضا المصطلحات الصعيدية تحتاج لبعض التصحيح والضبط اللغوي لكي تصل للجمهور بشكل سليم.
أما عن الصورة المسرحية، فكانت شبه متكاملة، فنحن بصدد قطعة من صعيد مصر في زمن الثلاثينات لا يشوبها سوى أن يتم تغطية الأجزاء الظاهرة للجمهور من الممثلين (الأوجه والأيدي) بشكل كامل باللون الرمادي المستخدم في إخفاء لون جلد الممثلين، حيث كانت بعض الأجزاء من الرقبة وآذان الممثلين غير مغطاة بهذا اللون. ساعد هذا اللون الذي تم تلوين الممثلين به في اكتمال الصورة المسرحية مع تسليط الإضاءة عليهم فتظهر الصورة باللونين الأبيض والأسود فقط.. كما كان الديكور ببساطته عاملا مساعدا في اكتمال الحالة المسرحية، فهو عبارة عن خلفية باهتة اللون حتى لا تكسر حالة الأبيض والأسود وتتماهى مع الجو العام للمسرحية.
أما الملابس، فكانت ذات دلالات واضحة تدعم الفكرة الرئيسية للعرض، وهي فكرة الطبقية، فمثلا الفلاحون (الشعب) ارتدوا اللون الرمادي المحايد وأيضا القفازات الرمادية نفس لون دهان الوجه الذي دُهنوا به، أما العمدة والباشا والمأمور ارتدوا قفازات سوداء اللون مما يوحي بشكل ما أو بآخر عن اختلاف طبقاتهم كما ارتدى كل من العمدة والباشا عباءات سوداء أيضا ليبرز اختلافهم عن شعب القرية، وأيضا المخرج منير ومساعده سراج ارتديا القباعات السوداء والقفازات السوداء تعبيرا عن اختلاف ثقافاتهما وأيضا طبقاتهما. كما جاءت إضاءة أبو بكر الشريف عنصرا أساسيا مكملا للصورة المسرحية، فكانت إضاءة ذات ألوان باردة باهتة اللون حتى لا تكون عنصرا شاذا عن الحالة المسرحية، لذلك استخدم اللون الأخضر الفاتح والأصفر الفاتح والأبيض في البؤر المسرحية حتى يتضح اللونان الأبيض والأسود.
أما موسيقى العرض فكانت هادئة حينا وفي حين آخر يعلو صوتها على صوت الممثلين مما يزعج المتلقي، ولكنها بشكل عام كانت ممهدة لأحداث العرض، وربما كان علوها المفاجئ تمهيدا للحظات الصراع والذروة، ولكن الموسيقى في رأيي لم تكن عنصرا متوحدا مع عناصر العرض الملتحمة حيث تبدو منفردة بذاتها عن أحداث العرض، مما يعوق تماهي المتلقي مع العرض في بعض المشاهد.
نجح العرض - في رأيي - في إيصال فكرته للمتلقي على جميع المستويات، باستخدام بعض التيمات الواضحة، مثل تيمة الطبقية، وأيضا تيمة الحب، الذي يعد الخط الدرامي الثاني للحبكة من خلال التواصل العاطفي الصامت الذي نشأ بين المخرج منير والفتاة الصماء البكماء من أهل القرية التي رفع لها منير قبعته عندما رآها للمرة الأولى، وأيضا تبادلهما النظرات ينم عن الإعجاب والاحتواء المتبادل، ثم نراها في نهاية العرض تودعه بعد انتهائه من تصوير فيلمه وهي مرتديه ملابس ملونة تختلف عن ملابس أهل القرية وملابسها في بداية العرض؛ مما يدل على اختلافها عن أهل القرية.


شيماء الباشا