أحوال شخصية عنوان لا يعبر عن المضمون

أحوال شخصية عنوان لا يعبر عن المضمون

العدد 553 صدر بتاريخ 2أبريل2018

عرض «أحوال شخصية» الذي يقدم حاليا على مسرح أوبرا ملك تأليف وأشعار ميسرة صلاح الدين، إخراج أشرف حسني، عنوانه جعلني أتوقع ما سأشاهده، ولم أكن متحمسة لهذه المشاهدة، لأنني اعتقدت أن الأحداث تدور بمحكمة الأسرة وأن البطلات سيدات مقهورات ومعذبات بينهن المطلقة وطالبة الخُلع والنفقة، وستدور الحوارات حول الخيانات الزوجية وعدم إنفاق الزوج على زوجته والإهانات التي قد تتعرض لها المرأة من زوجها.. إلخ، هذه القضايا التي لا تنتهي ولا يتعلم منها أحد.
لكن الديكور الذي وجدت نفسي وكل المتلقين داخله كسر أُفق توقعي، فالجميع يجلس في محل لبيع ملابس السيدات التي عُلقت قطع منها بجانبي صالة العرض، بينما فوق الخشبة مُعلق عدد من الفساتين والشماعات مع وجود فترينات عرض بها مانيكانات، لفتني جدا هذا الديكور المبهر وهذه المانيكانات التي جسدتها بطلات العرض اللائي بدأن يتحركن ويخرجن من الفتارين ويتبادلن الحوار معا، الذي نكتشف منه أن لكل منهن قصة قبل أن تتحول من بشر إلى مانيكان.
هؤلاء المانيكانات يتحدثن مع بعضهن عن معاناتهن مع صاحب المحل الذي يتحكم فيهن ويعريهن ويلبسهن ما يشاء ويقررن الهرب، لكنهن يتراجعن عن فكرة الهرب بل ويقررن أن يحبسن الجمهور معهن (رواد المحل)، وتبدأ كل واحدة تحكي قصتها، لنكتشف من هذا الحكي أنه ولا واحدة منهن معذبة ولا مقهورة فجميعهن سيدات متمردات، واخترن بمحض إرادتهن هذا المصير وحين واتتهن الفرصة للهروب تراجعن، فالأولى التي تجسد شخصيتها «ندا عفيفي» هي الفتاة الصعيدية التي نشأت في مجتمع ذكوري لا يسمح بتعليم البنت مهما كان استعدادها ولا يورثها، ونجحت في الهروب من هذا المجتمع بمساعدة والدها، هنا يجب أن نتوقف فالأب في هذا المجتمع الذكوري هو الذي يساعد ابنته على الهروب، كما أنها تحدثت عن مدى ظلمها في عدم حصولها على ميراثها الشرعي الذي بدده شقيقها رغم أن الأب ما زال على قيد الحياة من هنا نتوقف أمام النص الذي يطرح قضايا غير موجودة أو غير منطقية وسوف نعود للنص فيما بعد.
أما الثانية التي تجسد شخصيتها «راماج» فهي الفتاة المدللة المعجبة بنفسها والمتعالية على صديقاتها، فتاة بهذه المواصفات من الطبيعي أن تلفت أنظار الرجال وأن يتقدم لها الخُطاب رغم حداثة سنها، وافقت على الزواج بمحض إرادتها دون إجبار من أحد وفي ليلة الزفاف صُدمت فيما لا تعرفه عن الزواج وقتلت زوجها الذي أراد أن ينهشها كما قالت، هذه البراءة والطفولة في التعامل مع الزوج رغم أنها اعتادت تصفح المجلات والمواقع الإباحية، تناقض آخر يقع فيه النص، حتى لو كانت تعرفت على هذه المجلات والمواقع بعد ذلك فتجربتها تجعلها تنفر منها ولا تُقبل عليها بالشكل الذي ترويه لزميلاتها.
الفتاة الثالثة «عبير الطوخي» هي المحامية التي تمت خطبتها لابن عمها عقب تخرجها في الجامعة بعد أن اتفقا معا على ألا تعمل وتتفرغ لبيتها، ثم قررت فجأة أن تعمل بالمحاماة وفسخت الخطبة بمحض إرادتها، وحين ارتبط بفتاة أخرى نجحت في الإيقاع بينهما واسترداده وتزوجته بعد أن وافقت على شرطه الأول وهو عدم عملها وأنجبت أطفالا، وبعد أن كبروا فرضت إرادتها وعملت بالمحاماة وطبيعي أن تبدأ السُلم من أوله كمحامية تحت التمرين وتدرجت إلى أن أصبح لها ذمة مالية مستقلة وادخرت أموالا من دون علم زوجها واضطرت أن تنفقها على مرض ابنها، فقام زوجها بتطليقها لأنها أخفت عنه أنها تمتلك أموالا، وهو الفعل الإيجابي الوحيد للزوج، وخرجت من حياة زوجها وأولادها خاسرة كل شيء كما تقول رغم أن بإمكانها أن تستمر في عملها الذي أصبح يدر عليها أموالا كثيرة.
القصة الرابعة لفتاة متطلعة لحياة الأرستقراط وتجسدها «لمياء جعفر» التي نجحت في الإيقاع بشاب ينتمي لعائلة أرستقراطية وتزوجته واقتربت جدا من أمه وتعلمت منها وقلدتها في كل شيء، وفي المقابل تعالت على أمها وأخرجتها من حياتها حتى بدأت تراها وهي تتسول في الشوارع بينما هي تقود سيارتها الفارهة، ولم تتعاطف معها رغم وقوعها على الأرض وتعاطف كل المارة وتتركها وتجري بسيارتها، إلى أن تتوفى الأم فتشعر بالندم.
إذن أين القهر الذي يدل عليه العنوان؟ فجميهن متمردات وقهرن ظروفهن، فلم أشعر بالتعاطف مع أي منهن، فإذا كان يوجد قهر بهذا العرض فهو الواقع على المانيكانات، وليس على البشر.
أداء الممثلات جيد جدا لكن «ندا عفيفي» التي جسدت شخصية الفتاة الصعيدية والتي أتقنت اللهجة بشكل يجعلنا نتصور أنها صعيدية، وقعت في خطأ صغير هو المبالغة الشديدة في الأداء لدرجة أن هذه المبالغة تؤثر على ملامحها.
العرض به ديكور أكثر من رائع للفنان أحمد أسلمان الذي صمم الأزياء أيضا بالروعة نفسها، غناء بسمة البنداري بصوتها المعبر والحساس جدا وعزفها على الجيتار، بمصاحبة فريق العازفين وليد عبد العزيز، إسلام أسامة، فادي كمال لموسيقى حازم الكفراوي الرائعة، إضاءة موظفة بشكل جيد عز حلمي، إذن الإيجابيات أكثر من السلبيات، خاصة إذا علمنا أنها التجارب الأولى للمؤلف والمخرج والممثلات باستثناء عبير الطوخي، وكل فريق العمل.
أهم من العرض وهذه التفاصيل التي قد نتفق أو نختلف حولها، فلا شك أن الجميع يتفق مع فكرة إنارة مسرح ظل مظلما لسنوات طويلة، فالفن أقوى من القنابل في مواجهة الإرهاب، وأن يكون مقرا لتجارب الشباب تحت قيادة فنان واعٍ ومثقف ومخرج متميز هو «عادل حسان» فكلها إيجابيات تستحق الإشادة والتقدير.


نور الهدى عبد المنعم