«زورق من الورق» كتاب مهم جدا لكل عشاق المسرح

«زورق من الورق» كتاب مهم جدا لكل عشاق المسرح

العدد 796 صدر بتاريخ 28نوفمبر2022

من الكتب المهمة في الدراسات المسرحية كتاب “زورق من الورق” تأليف أيوجينيو باربا، ترجمة د. قاسم بياتلي، وصدر بسلسلة الألف عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2006.
وعلى الرغم من أن المؤلف والمترجم غنيان عن التعريف إلا أنني أرى أنه من الأهمية أن نذكر نبذة صغيرة عن كل منهما، لما لهما من جهود كبيرة ومؤثرة على المسرح، ولكونهما مثالين لابد من الاقتداء بهما والتعلم منهما.

المؤلف أيوجينيو باربا 
مخرج معلم مسرحي إيطالي، أسس مجموعة مسرح الأودن تياتر في عام 1964، والتي لا تزال تمارس نشاطاتها في الدنمارك.
أسس المدرسة العالمية للمسرح الأنثربولوجي في عام 1980، والتي تقام دوراتها في كل سنة أو سنتين في إحدى الدول العربية التي يتم اختيارها لمزاولة نشاطها، الذي يركز على البحث والتنقيب في مختلف الإشكاليات المسرحية، صدر له مؤلفات عديدة بمختلف اللغات تركزت على ما توصل إليه من بحوث في مجال الإخراج وإشكاليات عمل الممثل وفي (انثربولوجية المسرح)، أخرج العشرات من العروض المسرحية التي عُرضت في أنحاء مختلفة من العالم، وأصبحت أعماله مصدرًا لدراسة الإشكاليات الجديدة- المعاصرة في المسرح الأوربي، وتركت أثرها الواضح على الكثير من الفرق المسرحية ودفعتها لمواجهة التقاليد المسرحية من منظور آخر بعيد عن الأطر والقوالب الراكدة.

المترجم د. قاسم بياتلي
مخرج وباحث مسرحي عراقي الأصل، أسس فرقة مسرح الأركان عام 1984، أنتج وأخرج العديد من العروض المسرحية التي قدمت في إيطاليا (البلد الذي يعيش ويعمل به) وفي بروكسيل، كوبنهاجن، لندن، كيمبردج، الدار البيضاء، الشارقة وتونس. صدر له ثلاث كتب باللغة الإيطالية: الجسد المكشوف، حوارات حول معلمي المسرح في القرن العشرين في أوربا، ذاكرة الجسد، تحت سنوات افسلام.
صدر له باللغة العربية ستة كتب: الرقص في المجتمع الإسلامي، دوائر المسرح، مسرح داريو فو / حوارات حول المسرح وجروتوفسكي والمسرح.
وأهتم بأوجينو باربا فترجم له مجموعة كتب منها: ترجمة مسيرة المعاكسين، والكتاب الذي نتحدث عنه الآن (زورق من الورق)، كما صدر له خلال فعاليات مهرجان المسرح التجريبي في دورته الأخيرة (29) 2022، كتاب دراما تورجيا العرض في أصل مسيرة مخرج/ حرق البيت.
قدم الكثير من المحاضرات الجامعية في أنحاء العالم واشترك في ندوات عالمية حول المسرح، يُدرس تكنيك الممثل بشكل دائم في المسارح الإيطالية.
يعد من أهم المخرجين الذين قدموا ورش مسرحية بمسرح الهناجر.
 الكتاب يقع في حوالي (300) صفحة من القطع المتوسط، ومكون من ثماني فصول.

الفصل الأول أصل نشأة انثربولوجية المسرح
وفيه يتناول المؤلف كيفية تشكيل وعيه الإبداعي والعوامل التي أثرت فيه، فيروي قصة حياته منذ طفولته إلى أن يصل إلى لحظة اكتشافه وتأسيسه لعلم جديد هو انثربولوجيا المسرح، فيتناول فيه علاقته بجدته وما كان يلاحظه في شخصيتها وملامحها الشكلية التي تختلف باختلاف الحالة التي تكون عليها: يقظه، نائمة، تمشط شعرها، ...، وكذلك احتفالات وطقوس الكنيسة، ثم التحاقه بالمدرسة العسكرية واغترابه في دولة أخرى وعمله بالمسرح، وتأسيس لفرقة الأوديون تياتر، ورحلاتها وما نقلته من رقصات مختلفة من عوالم أخرى، ومراقبته للمثلين في أثناء خروجهم من شخصيتهم ودخولهم إلى الشخصية التي يجسدونها على المسرح وخروجهم منها ودخولهم إلى شخصيتهم الحقيقية مرة أخرى، إلى أن توصل إلى انثربولوجيا المسرح فعثر على ما كان يبحث عنه طيلة سنوات عمره.

الفصل الثاني وهو بعنوان تحديد
وفيه يقدم المؤلف تعريف لأنثربولوجيا المسرح بأنه: دراسة السلوك المشهدي (المسرحي) لما قبل التعبير الذي يوجد كأساس لمختلف الأجناس والأساليب والأدوار للتقاليد الشخصية والجماعية.
ويضيف أن قاعدة ما قبل التعبير تشكل المستوى الولي الابتدائي لتنظيم المسرح، أما المتفرج فلا يمكن ان يميز بين المستويات المختلفة لتنظيم العرض ولا يمكنه الفصل بينهما، كما يوضح أهمية انثربولوجيا المسرح التي تقوم بالتوجيه نحو الواقع التطبيقي في دراسة الممثل والتي تختلف عن الدراسات والكتابات الأخرى التي تهتم بالنظريات والرؤى الخيالية.
ويؤكد المؤلف من خلال هذا الفصل على أهمية التفرقة بين مصطلح إنثربولوجيا المسرح والإنثربولوجيا الثقافية، فانثربولوجيا المسرح تشير إلى حقل جديد فهي دراسة سلوك الإنسان ما قبل التعبير في حالة من العرض التمثيلي المنظم.  
كما يوضح أن عمل الممثل يقوم بصهر ثلاثة مستويات قابلة للتمييز ما بينها هي: شخصية الممثل، خصوصية التراث المشهدي، توظيف الجسد.

الفصل الثالث بعنوان مبادئ تتكرر
وفيه يرفض المؤلف تقسيم المسرح إلى شرقي وغربي باعتباره خطأ شائع، ولكنه يفضل أن يكون التقسيم إلى قطب شمالي وقطب جنوبي، وبناء علىه يعرف ممثل القطب الشمالي بأنه الذي يبدو في الظاهر أقل حرية، فهو يعطي صورًا لسلوكه المشهدي من خلال شبكة من القواعد التي تمت تجربتها بشكل جيد والتي تقوم بتحديد أسلوب وجنس من الأجناس الفنية.... الخ
أما ممثل القطب الجنوبي فلا ينتمي إلى أي جنس من الأجناس العرضية التي تتميز الشفرات المفصلة للأسلوب........الخ 

الفصل الرابع عنوانه ملاحظات ونقاط للحائرين ولنفسي 
وفيه يطرح سؤالين: هل من يقوم بفعل مسرحي مسئول أمام المتفرجين الذين لم يشاهدوا عمله؟، هل يمكن أن تكون هويته المهنية التي تم خلقها ومعايشتها في الحاضر جزءًا من الإرث؟
أما الإجابة فهي: أنه في عصر الذاكرة الإليكترونية والفيلم وإمكانات إعادة إنتاج المنتج، يتوجه العرض المسرحي نحو الذاكرة الحية، والتي ليست عبارة عن متحف، بل هي تحول مستمر وهي التي تحدد العلاقة.
كما أن باستطاعتنا أن نوصل للآخرين الإرث الذي لم نستهلكه نحن كليًا. إن المشاهد لا يقوم بإيصال كل شئ ولا يبلغ الأشياء للجميع
ويعد الفصل الخامس أهم فصل في الكتاب من حيث الكم والكيف والذي جاء تحت عنوان الطاقة أو بالأحرى الفكر، فيحتوي كم كبير من التعريفات والمصطلحات العلمية الخاصة بالممثل وادائه، وهو يهتم بالقوة الروحية وليست البدنية، وأن هذه القوة متمثلة في الفكر فيقول في بداية الفصل: إن الطاقة بالنسبة للممثل هي ال كيف، وليست ال ماذا، كيف يتحرك- كيف يبقى بدون حركة- كيف يعطي صوره لحضوره البدني ويحوله إلى حضور مشهدي، كيف يجعل اللامرئي مرئيًا أي إيقاع الفكر.
 ويضيف أنه من المفيد للممثل أن يفكر بالكيف على أساس استراتيجية ماذا، ويستشهد بمثال (لعبة الكونغ فو) والتي يعني معناها باللغة الصينية المسك باليد بقوة أو لفف الشئ، وكذلك التعلم العملي.
وعن شعور الممثل أثناء آدائه التمثيلي يقول: يشعر الممثل بالاتجاهات ويحس بالتغيرات، فهو يشعر أنه موجه، ويكون الدور بهذا المعنى عبارة عن اندفاعات متتالية، الواحدة تلو الأخرى من حركات الشعور، وفي توقيف هذه الحركات، بعد انتهاء حوار الممثل المقابل تختبر مهاراته، كما يعرف ذكاء الممثل بأنه: (حيويته. ديناميكيته. فعله. ميوله. طاقاته، هو إحساس معاش يثير فيه، في درجة معين وجراء عادة معينة، نظرة عميقة، شعورًا مكثفًا، نوعًا من الوعي بذاته، أنه الفكر- فعل)
الفصل السادس الجسد الممتد (نقاط حول البحث عن المغزى) وفيه يعود مرة أخرى لذكرياته عن المسرح في طفولته _التي بدأها في الفصل الأول والتي كان لها أعمق الأثر في تشكيل وعيه الفكري والإبداعي_ فيروي عدة مواقف لعل أبرزها أو أكثرها أهمية مشهد معين ترك كان له دورًا كبيرًا في علاقته بالمسرح فيما بعد وهوظهور حصان حقيقي على خشبة المسرح، وفي هذا السياق يقول: «لم أكن أعلم أن ذلك الحصان سيكون هو البيت الشعري الأول من الأغنية التي سأغنيها فيما بعد»
ويأتي الفصل السابع بعنوان ما هو المسرح؟ هل هو عبارة عن بناية؟
ومن خلال الإجابة على هذا التساؤل يطرح باربا مجموعة من التعريفات والمصطلحات العلمية المتعلقة بالمسرح والأنثربولوجيا منها:
 تعريف المسرح على أنه مؤسسة لها اسم ونظام داخلي، وهو الرجال والنساء الذين يقومون بإنجازه، ومع ذلك فإننا عندما نقوم بزيارة دروننجلوم أو الفرانسيس، أو مسرح فرانس في بارما، أو الأولمبيك في البندقية، أو ميس ابي داورو (الذي بني عندما اختفى الرجال الذين ابتدعوا التراحيديا في أثينا) أو أحد المسارح الصغيرة التي بناها الأمراء والحاشية والأكاديميات عندما زينت المدن الصغيرة، فإننا نشعر بنفس ردود الأفعال الحسية المرئية التي يمكن أن يثيرها العرض المسرحي الحي، ويصبح ذلك الحجر والطابوق عبارة عن فضاء حي، وإن لم يكن هناك عرض يقدم، فهذه البنايات هي نفسها أيضًا عبارة عن طريقة للتفكير،ة طريقة للحلم بالمسرح، طريقة لتحليله وإيصاله عبر القرون.
الفصل الثامن وينقسم إلى قسمين، القسم الأول يحمل  عنوان: زورق: فراشة وحصان
وفيه شرحًا وافيًا عن سبب اختيار (زورق من ورق) عنوانًا لهذا الكتاب حيث الفقرة: (إن أولائك الذين بنوا مسارحهم لم يبنوها من الحجارة والطابوق، ومن ثم كتبوا عن ذلك، دفعوا أيضًا إلى بروز اتباسات كثيرة، كانت كلماتهم تصبو إلى أن تكون جسرًا ما بين التطبيق والنظرية، ما بين التجربة والذاكرة، ما بين الممثلين والمتفرجين، بينهم وبين من سيكون وريثًا لهم، ولكنها لم تكن عبارة عن جسر: كانت زورقًا «مشحوف»، فالزوارق «مشاحيف» خفيفة تتصارع ضد تيارات النهر، وتعبر النهر، وتستطيع الوصول إلى الضفة الأخرى. ولكن لا يمكن إطلاقًا أن نتأكد كيف سيتم استقبالها، وكيف سيتم استقبال ما تحمله............) 
أما القسم الثاني فيحمل عنوان: حصان من الفضة. أسبوع من العمل، وهو عبارة عن جزء مقتطع من كتاب آخر للمؤلف يحمل عنوان «دوائر المسرح»
وفيه يؤكد على أهمية المصطلحات والتعريفات التي قدمها في هذا الكتاب موجهًا كلامه إلى القارئ وكأنه يراه امام عينيه ثم يقدم له تمرينات عمليه لما قدمه نظريًا على مدار أسبوع كامل.  


نور الهدى عبد المنعم