«أحدب نوتردام».. يثبت أن العمل الفني الكبير قادر على صنع نجوم حقيقيين

«أحدب نوتردام»..  يثبت أن العمل الفني الكبير قادر على صنع نجوم حقيقيين

العدد 744 صدر بتاريخ 29نوفمبر2021

لم يكن فيكتور هوجو كاتب فحسب لكنه كان سياسيًا أيضًا وكان يولي الإنسان وقضاياه وحقوقه اهتمامًا خاصًا، وبدا ذلك واضحًا في معظم مؤلفاته، التي جابت أنحاء العالم عبر ترجمات ومعالجات تحولت إلى أعمال تليفزيونية وسينمائية،  فضلاً عن لغته الشعرية التي تميزت بها كتاباته، ومن أبرز رواياته والأكثر انتشارًا على مستوى العالم «أحدب نوتردام» ربما لأنها أكثر رواية تناولت القضايا الإنسانية من خلال تسليط الضوء على الغجر وهم الفئة الأكثر تهميشًا في المجتمع الفرنسي وقتها وكذلك إلقائه الضوء على جمال الروح وإبرازه من خلال شخصية الأحدب.
حيث تدور الأحداث حول طفل أحدب يُدعى «كوازيمودو» لقيط قبيح المظهر ويربيه القس كلود فى كنيسة نوتردام ويدربه ليكون قارع أجراس الكنيسة يتم اختيار كوازيمودو ليكون الزعييم فى الاحتفال السنوى للمهرجين وهذا ما لم يعجب القس ويرفضه، حيث أراده أن يقضى بقية عمره فى الكنيسة وألا يظهر أمام. وكانت الفتاة الغجرية أزميرالدا الجميلة -والتي تعاني بسبب هذا الجمال الذي أصبح نقمة عليها- من الشخصيات المهمة فى احتفال المهرجين حيث يقع في حبها القس كلود والضابط فيبوس وكذلك كاوازيمودو، من هنا تبدأ الصراعات التي تنتهي بإعدام أزميرالدا بعد مساومتها من القس والضابط إلا أنها تختار الموت ويحتضنها كوازيمودو ويموت معها، هذه الرواية مأخوذة عن قصة حقيقية وقعت أحداثها في القرن التاسع عشر في فرنسا وقد عاصرها المؤلف، وتمت معالجتها بصيغ كثيرة مختلفة، وقد قدمت على خشبة المسرح في مصر عدة مرات حيث قدمتها فرقة رمسيس عام 1925 ترجمة حسيب جمال وإخراج عزيز عيد، بطولة يوسف وهبي وأمينة رزق، وعلى خشبة مسرح الطليعة أكثر من مرة ففي عام 1992 قدمها شريف صبحي كعرض حركي قام فيه بالإعداد والتمثيل والإخراج، وشاركه البطولة علاء قوقة وشهيرة كمال، وفي عام 2010 قدمت إعداد محمود جمال وإخرام محمد علام.
وربما لأن مسرح الطليعة اعتاد على إعادة تقديم عروضه القوية فهي تقدم الآن بترجمة وإعداد مسرحي للكاتب الراحل أسامة نور الدين باللهجة العامية، إخراج ناصر عبد المنعم، وهو ما جعلني أصر على أن أراهن على الفكر الشبابي القادر على صنع مسرح حقيقي واستمراريته، فطالما هذا الفكر المتجدد دائمًا موجود فالمسرح موجود بقوة وثبات، والفكر الشبابي ليس له علاقة بالعمر فالمخرج ناصر عبد المنعم دائم الشباب بعروضه المسرحية القوية المتميزة جدًا فهو لم يقف عند مرحلة أو فكرة لكنه دائمًا لديه الجديد، والجديد هذه المرة أنه نجح في تغيير أحد أهم الثوابت التي تقوم عليها العملية الفنية، بل أنه حطمها تمامًا، وهي أن النجم هو من يقوم بتسويق العمل الفني، فأثبت بشكل عملي لا يمكن أن يختلف معه أحد أن العمل الجيد قادر على صنع نجوم حقيقيين، من خلال اعتماده على مجموعة ممثلين جدد غير معروفين لتقديم عمل مسرحي كبير وناجح بكل المقاييس هو «أحدب نوتردام» لفيكتور هوجو، وهو ليس الرهان الوحيد الذي ربحه في هذا العمل، بل أن مجرد اختيار هذا النص تحديدًا وتقديمه على المسرح يعتبر مجازفة كبرى، فهو من النصوص الشائكة والذي يعتمد بشكل أساسي على التابوهات الثلاث (جنس. دين. سياسة)، لذا فهو لا يصلح لتقديمه إلا كما قٌدم من دون تغيير في الأماكن أو الشخصيات، فرجل الدين يتخلى عن تعاليم الدين حين يفتن بامرأة فيمارس عدد من الجرائم بداية من التحريض على خطفها، ثم قتل الضابط الذي أتهمت هي بقتله، ومساومتها إما أن تكون له أو للموت ويقبل أن يكتم شهادة الحق، فضلاً عن معاملته السيئة للأحدب الذي كان دائمًا يرد عليه قائلاً لقد خلقني الله هكذا يا سيدي، وهو الرد الذي يجب أن يكون لرجل الدين. كذلك رجل العدالة الذي تخلى عن العدل وأجبر أزميراندا على الاعتراف بجرائم لم ترتكبها، كما أنه حكم على كوازيمودو بالجلد جزاء سخريته من المحكمة والحقيقة انه لا يسمع، لكن القاضي الذي تخلى عن العدل هو الذي لا يرى ولا يسمع سوى مايريده.
الشئ نفسه يتكرر مع رجل الأمن الذي لم يكن أمينًا وأراد الإيقاع بالغجرية التي دفعت عمرها ثمنًا لتمسكها بعفتها ورفضت أن تكون فريسته، وعلى الرغم من كل ذلك فقد قدم العرض من دون إسفاف.
واعتمد بشكل أساسي على جمال الصورة التي تكونت من خلال الديكور الذي صممه حمدي عطية وتمثل في عدة لوحات غاية في الروعة والجمال شكلت أماكن وقوع الأحداث وهي: الكنيسة بجمال صورها وألوانها، المحكمة، بيت الغجر، السجن، واستعراضات كريمة بدير التي تعبر عن الأحداث بكل تفاصيلها وبالرشاقة نفسها التي اعتدنا عليها في استعراضاتها، وملابس نعيمة عجمي بشياكتها وجمال ألوانها المبهجة وتطابقها مع زمكانية الأحداث، أما إضاءة أبو بكر الشريف فهي دائمًا ما تعطي إحساسًا بأنها كائن حي يشعر بما نشعر به ويعبر عنه مثلنا تمامًا فنجدها ترقص وتمرح في احتفالات عيد المهرجين، تبكي مع ازميرالدا في زنزانتها ووحدتها بلونها الأزرق الحزين، تثور وتعنف مع ثورة القس كلود في مواجهته لأزميرالدا، تشتعل أثناء تنفيذ حكم الإعدام.
الصوت أيضًا بطلاً حقيقيًا وفاعلاً في أحداث العرض من خلال الأغاني التي كتب كلماتها الشاعر طارق على التي تقوم بدور الضمير أو لسان حال الشخصيات ومن أهم العبارات التي عبرت بصدق عن كوازيمودو أثناء محاكمته:  «بيني وبينك مساحة سكون وقطعتوا باديكم كل الخيوط/ أخرس بيوصف مشاعره لكفيف/ وحش بروح طفل طيب ببحلم بعالم يطبطب عليه»، مع موسيقى كريم عرفة التي غنت وبكت مع الأحداث.
 يغلف كل ذلك الآداء التمثيلي الذي تنوع بين التراجيديا والكوميديا والتعبير الحركي والراقص، الذي أعلن عن ميلاد مجموعة من الممثلين ولدوا أبطالاً هم: جورج أشرف، رجوى حامد، حسام الشاعر، مي السباعي، آية خلف، يحيي محمود، هبة قناوي، مريم الجندي، فادي ثروت، محمود طلعت، عمرو شريف، أحمد مخيمر، فكل منهم تميز في آداء شخصيته وتوحد معها ولم يقع في أخطاء العمل الأول.
أما الفنانين الكبار: محمد دياب يزداد خبرة وقدرة على تجسيد الأدوار الصعبة والمركبة، محمد حسيب يجمع بين الآداء الرصين للقاضي وكوميديا الموقف التي تجعلنا نسخر من الواقع المؤلم، أما محمد عبد الوهاب فقدم شخصية غاية في الصعوبة بآداء لا يقل روعة عن آداء رواد المسرح الكبار، وخاصة في مشاهد المواجهة مع أزميرالدا واعترافاته لها فهي  من المشاهد القوية جدا، جورج أشرف نجم المستقبل القريب جدًا، يقف وراء كل ذلك مخرج كبير اسمه ناصر عبد المنعم.


نور الهدى عبد المنعم