الفينومينولوجيا.. والنقد المسرحي (2)

الفينومينولوجيا.. والنقد المسرحي (2)

العدد 801 صدر بتاريخ 2يناير2023

 من الضروري أن نتوقف هنا لكي ندرأ القراءة المبتذلة لموقف ستاتس الفينومينولوجي. ففي الوقت الذي يستمر فيه هذا المقال توضيح الايديولوجيات والتناقضات الداخلية المتعلقة بالفينومينولوجيا المنسوبة إلى هوسرل، فان هذه النظريات البالية لم تكن ذات مغزى بالنسبة للفينومينولوجيا في كتاب « تقديرات كبيرة « . فقد أنكر ستاتس أن هذا الكتاب ليس فينومينولوجيا صارمة، وذهب إلى حد القول انه «ليس فيه حجة، أو يشرع في إثبات أطروحة». فكتاب ستاتس ليس دعوة لاختزال الأداء إلى مجموعة من الجواهر الجامدة؛ وليس مرشدا ميدانيا لتجربة المسرح الخالص . يريد ستاتس، في الواقع، أن يحافظ علي الإحساس بالمرح في استجاباتنا للمسرح، بدلا من التخلي عنها من أجل نسق شامل من الشفرات . وهذه الدراسة لا تطبق انتقادات هوسرل مباشرة علي ستاتس وعلماء فينومينولوجيا المسرح الآخرين. إذ يقوم هؤلاء النقاد بتوجيه الفينومينولوجيا نحو التعبير عن السيميوطيقا والثقافة ولكنهم يفعلون ذلك بتناغم خاص مع الحس والعاطفة بمفردات الآنية والحيوية والجوهر، وباهتمام موجه نحو موضوعات معينة في الأداء أكثر من غيرها .
 فمن الشائع أن نسمع عن الفينومينولوجيا التي تطبق علي أشياء بعينها علي خشبة المسرح : الحيوانات وألسنة اللهب المفتوح وأجسام الممثلين – وهي أشياء ذات اهتمام خاص . وتوظف المخرجة واندا ستروكس الفينومينولوجيا في اتجاه فهم الأقنعة والعرائس، بينما تطبق كاري ساندال الفينومينولوجيا في تفسير دور الإعاقة في مساحة الأداء . من الطريف أن يجد خطاب النقد المسرحي الفينومينولوجي بعض الموضوعات أكثر فينومينولوجية من غيرها، ولكن في سياق تطبيقه داخل مجال النقد المسرحي كبديل للتحليل اللغوي الصارم، ولاغرو أن نجد في طريقنا نموذجا تُطبق عليه الفينومينولوجيا . ففينومينولوجيا المسرح توجه نفسها نحو الموضوعات/الأشياء التي لا يجب قراءاتها كعلامات (دلالات) لشيء آخر . إنها تستخدم كإطار نظري للتعبير عن العاطفي والحسي بشكل محض، علاوة علي الحالة الظرفية في دراسات الأداء . إذ يؤكد الفينومينولوجيين علي المحسوس والمعاش، فضلا عن المقروء . فالفينومينولوجيا تسمح للمتخصصين بالاختزال من بين أشياء أخرى، والقراءة السيميوطيقية للشيء/الموضوع بالطريقة التي شرحها ستاتس في كتابه . كما تقدم أيضا خطاب الجوهر وهو جانب علي نفس الأهمية في هذه الممارسة .
 يهتم بعض علماء فينومينولوجيا المسرح بالتقليل من شأن الإحساس المفرط في التحديد المرتبط بالجوهر في الدراسات الأكاديمية بعد البنيوية . ففي كتابه «المساحات الجسدية: الفينومينولوجيا والأداء في الدراما المعاصرة Bodied Spaces :Phenomenology and Performance in contemporary Drama» يستدعي ستانتون جارنر Stanton Garner فينومينولوجيا تهتم بصيغ المعطى الداخلي للتجربة، ويسعى لتوضيح البنية الثابتة لهذه الصيغ. والفينومينولوجيا المنسوبة إلى هوسرل تهتم، بالطبع، ببنية التجربة وجوهر العمليات الذهنية . فهوسرل لا يقدم مقولات نوعية عن أشياء سابقة علي الوعي الصادر منه، ويحذر: «لا يجب أن نخدع أنفسنا بالحديث عن الشيء المادي باعتبار أنه تسامي الوعي Transcending consciousness أو أنه» وجود ف ذاته existing in itself». فالأشياء/الموضوعات عند هوسرل هي دائما أشياء /موضوعات الوعي: من المعتقد أن ترتبط هذه الأشياء بالعالم، مع أن هناك فجوة: «هوة مفتوحة بين الوعي والحقيقة».
 تدعي فينومينولوجيا المسرح الوصول إلى جوهر الأشياء/الموضوعات نفسها . وعلي حد تعبير جوزيف روش، فان التخوف البديهي واختراق مثل هذه الظاهرات ذات الأولوية يشكلان جدول أعمال الفينومينولوجيين ... إذ تعتمد الفينومينولوجيا علي الجوهر، وهي مجموعة من التأملات الضرورية والكافية للوجود، والافتراض الأساسي للجوهرية . وسوف أؤكد أن خطاب الفينومينولوجيا في قاعات درس المسرح لا تميز بين جوهر الأشياء الواعية والجواهر الثابتة للأشياء في العالم. ويفهم هذا الوصف المخترق في فينومينولوجيا الأداء باعتباره استخلاصا للمعرفة من الشيء الموجود في العالم الجديد، المحض، والموزون بشكل عاطفي بطريقة يتعذر علي المشاهد الوصول إليها الذي يبادر بأساليب الاختزال الفينومينولوجي .

هوسرل في الابستيمية الحديثة :
 من المعرف أن ميشيل فوكوه يفكك الصدع بين التفكير الكلاسيكي – حيث تتم مواجهة العالم في نظام مرتب مسبقا من التشابهات والتشبيهات – والنمط الحديث – حيث وقع الترتيب التنظيمي الكلاسيكي للكائنات الحية، وشفافية اللغة، ودراسة القيمة الاقتصادية، فريسة للعلوم التي تركز علي لغز الحياة والكثافة الغريبة للغات التي تم فصلها عن مدلولاتها وعن دراسة العمل . وفي الابستيمية الجديدة، يزعم فوكوه، أنه ظهر تصنيف جديد يجب معرفته، والذي كانت له سيادة وخاضع في نفس الوقت : الصنو التجريبي الترانسندنتالي، ألا وهو الإنسان . وهذا التحول الخطير في فكرة الإنسان عن نفسه بالنسبة لعالمه قد كانت له نتائج في فلسفة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إذ يؤكد فوكوه أن :
 لم يعد السؤال : كيف يمكن أن تؤدي التجربة إلى الأحكام اللازمة ؟ بل هو بالأحرى : كيـف يمكـن أن يفكـر الإنسان فيما لا يفكر فيه، ويسكن فيه وكأنه احتلال صامت لشـيء يراوغه، ويتحرك بنوع من الحركـة المتجمـدة التي تأخـذ شكل الشيء الخارجي العنيد .
«أن تفكر في غير المُدرك» هو بالنسبة إلى فوكوه التفويض غير المعلن للفلسفة في حالة الحداثة . فغير المدرك هو مكان التنقيب عن اللانهائي الذي وعد أن يأتي به للإنسانية، من خلال تراكم المعرفة التجريبية، الوثيق الصلة بتجاوز حالتها المحدودة بشكل جديد. ويجد فوكوه فينومينولوجيا هوسرل في خدمة هذا التفويض: «إذا كان للفينومينولوجيا أي ولاء ... فان هذا الولاء للاستفسار المتعلق بصيغة وجود الإنسان وعلاقته بغير المدرك. وقد تحقق هذا التوصيف في مقدمه كتاب هوسرل «الأفكار – الجزء الأول Ideas I» في طبعة عام 1931، حيث يصور غزواته في مجال الوعي الخالص :
 من كان لعقود من الزمن في براري قارة جديدة غير مطروقة فعلا، بدلا من التكهن بأطلانطا جديدة، وتعهد أجزاء الزراعة البكر، لن يسمح لنفسه أن يحيد بسبب رفض الجغرافيين الذين يحكمون علي التقارير في ضوء خبراتهم وعادات تفكيرهم ....
الفينومينولوجيا هي فلسفة تشكلت خلال لحظة تاريخية معينة، وتحمل علامات نوع خاص من المذهب الوضعي، والتوجه بعد المسيحي نحو المعرفة والمجهول والمفهوم المعياري للوعي . وربما يتخذ أول هذه الملاحظات الثلاثة الاقتباس السابق كنقطة انطلاق له. إذ لا يتم تقديم استعارة هوسرل للمستكشف كمجرد نزوة . فالاختزال الفينومينولوجي بالنسبة له هو الذي يتيح الوصول إلى التطبيق الصارم للوعي الترانسندنتالي الخالص، والى مجال الذاكرة التخيلية the eidetic (مجال الجوهر)، التي لها بريق بكارة البلد غير المكتشف . ويستثني هوسرل أيضا كل العلوم المرتبطة بهذا العالم الطبيعي لكي تؤثر علي اختزاله الفينومينولوجي، ولكن هذا اختزل مؤقت يستخدم ببساطة لترسيخ الفينومينولوجيا كعلم من نوع جديد . إلى حد أن 1) مشروع الفينومينولوجيا النتقيب عن المعرفة، 2) أن تنتشر الفينومينولوجيا كعلم جديد، فهي مشروع وضعي بمعنى أنها تزعم جمع المعرفة من أجل النهوض بالفهم الإنساني . فهي تشارك في الغائية الكبرى للميتافيزيقا والعلوم الغربية لكي تكتشف المبادئ التي يقوم عليها أساس المعرفة ووجود الإنسان من خلال التفكير في غير المدرك .
 يتصور هوسرل أن الفينومينولوجيا هي نقطة الوصول إلى مجال الوعي الخالص، وبهذا المعنى يقوم هوسرل بدور النبي، الفينيومينولوجيا هي النبوءة العلمانية . وقد كتب هوسرل أنه «يرى البلد المفتوح بشكل لا نهائي للفلسفة الحقة، أرض الميعاد التي لن تطأها قدمه. وهنا نرى الخاصية الوضعية الممتدة للفينومينولوجيا من خلال المنطق الاستعماري، ونبدأ أيضا في قراءة الفينومينولوجيا باعتبارها مدينة للمسيحية بسبب مجازيتها. تتناسب الفينومينولوجيا مع الإيمان المسيحي من حيث أنها تتطلب البدء من خلال التطبيق الطوعي الصارم لمبادئها (بتوجيه من نبيها هوسرل). وبمجرد تطبيقها بخطواتها المتعددة ومع بعض الصعوبة، يتحرر المبتدئ من فخ الموقف الطبيعي وتهرب الزمنية من واقعية العالم الموجود، وتكتسب إمكانية الوصول إلى عالم الصفاء والتسامي . في الواقع يمكن ترجمة المصطلحات المألوفة التي تصف الاختزال الفينومينولوجي (الوضع بين قوسين والاختزال) أيضا بأنها «الامتناع abstaining». يمتنع المبتدئ في المنهج الفينومينولوجي عن افتراض وجود العالم الطبيعي بنفس الطريقة التي قد يمتنع بها الشخص الذي يتحول إلى المسيحية عن الزنا أو اللغة البذيئة أو المشروبات الكحولية . وتميز مجازات النقاء والوصول المرئي إلى مجال الترانسندنتالي الفينومينولوجيا إلى متلقي للتوجه المعتاد تجاه المعرفة والخبرة . وبالنسبة للفينومينولوجي، كما هو الحال بالنسبة للمسيحي، فان معرفة حالتنا ليست كلها متساوية، بل يتم تصنيفها وفقا لقربها من الترانسندنتالي .
 تضع الفينومينولوجيا أيضا بلا خجل نموذجا معياريا للوعي. وبالنسبة لهوسرل، فان نموذجه هو نموذج كل وعي، وهي حقيقة يعرفها بالوصول إلى الأفكار المعبر عنها للآخرين، والذين يمكن اكتشاف أنهم يتفقون معه . ونموذجه في الموقف الطبيعي يتحدث عن نفسه، ولكن بنبره منطق مشروعه لنا جميعا :
 نبدأ تأملاتنا كبشر يعيشون بشكل طبيعي، نجسد ونحكم ونشعر, مستعدين في الموقف الطبيعي. وسوف نوضح ما يعنيه ذلك بتأملات بسيطة يمكن القيام بها علي أفضل وجه بضمير المتكلم المفرد. «أنا واع بعالم منتشر في الفضاء إلى ما لا نهاية ...»
هذا التحول البلاغي من «النحن» إلى «الأنا» مبرر داخل الفينومينولوجيا لأنه هوسرل لا يستطيع في الواقع أن يعيش أي حياة داخلية غير حياته . وبالتالي فان الصيغة المعيارية هي التي 1) تضع تجربة ادموند هوسرل المعاشة في المركز، ويمتد نموذجه في الوعي إلى الخارج ليشمل الجميع، 2) يختزل أولئك الذين لا تتشابه تجربتهم المعاشة مع تجربة ادموند هوسرل. وهذه الملاحظة لا تهدم شرعية الفينومينولوجيا؛ في الواقع، إن القواسم المشتركة للتجربة عبر الذاتية هو بالتحديد رهانات اللعبة بالنسبة لهوسرل . ومع ذلك، فانه يفعل إلى جانب اعتبارات خصوصيات داخل الخطوط الثقافية والجنسانية وعبرها، في مراحل مختلفة من التطور من الولادة إلى النضج والتغيرات الجذرية الموصوفة في الوعي في حالات الغيبوبة أو التأمل الملحوظة تحت تأثير المخدرات أو العوامل البيئية .
 الفينومينولوجيا بالنسبة لهوسرل، برغم تطبيقاتها الحالية علي المسرح والأداء، هي نتاج لحظة تاريخية/فكرية معينة وتم إضعافها إلى حد كبير من خلال التطورات في الفلسفة والنظرية النقدية التي تلتها. ولم يتضمن شرط احتمالها كفكر انتقاد السلطة الأبوية والبنيوية واللغة التي جاءت بعدها. ولم يستطع هوسرل أن يتنبأ بهذه التطورات: بالطبع فكر هوسرل نفسه كان المقوم الأساسي لإمكانية النقد التالي. ولا يوجد في أي مكان آخر هذا الجانب من المشاركة الأصولية للفينومينولوجيا مع النظرية النقدية اليوم بشكل أكثر وضوحا مما هو عليه في إعادة صياغة هوسرل وإدماجها في التفكيك .

مشكلات الأصل واللغة في الاختزال الفينومينولوجي :
 يولد شبح الهدم المنسوب إلى دريدا من توصيف ذلك التحليل بأنه لا يتسم بالوقار وأنه هدام. إذ تقرر اعتباره نفورا انعكاسيا من النزوع إلى الجوهر شديد القوة، بحيث يعمل كمذيب قوي، أو يهدم بنيات المعنى، أو يذوبها في حساء الفطري. والتفكيك المفهوم عن كثب ليس مدمرا بل هو مثمر. فهو يقدم المرح لتفسيراتنا بتوضيح الكيفية التي ترتكز من خلالها مبادئ الميتافيزيقا علي أساس يرتجف من الشك. ومن خلال كشف التناقضات الداخلية التي تغطيها الفلسفة، يشير التفكيك إلى مشاكل المعنى التي كانت موجودة بالفعل، ولكن بدلا من محوها, تقوم بدلا من ذلك بدراسة المعنى . ويفتح من جديد إمكانية وفرة المعنى . وبهذا المعنى يعمل التفكيك مثل فينومينولوجيا الفلسفة، يجمد الافتراضات ويشكك في المألوف.
 وهذا أمر متوقع بالنظر إلى معرفة دريدا الوثيقة بفينومينولوجيا هوسرل، والتي شغلت المرحلة الأولى من حياته المهنية. ففي كتابه «مشكلة المنشأ في فلسفة هوسرل The Problem of Genesis in Husserl’s Philosopy»، و«مقدمة لأصل الهندسة An Introduction to the Origin of Geometry»، «الكلام والظاهرات Speech and Phenomena» علاوة علي مقالات «في الكتابة والاختلاف Writing and Difference» و«هوامش الفلسفة Margins of Philosophy». يرسم دريدا مشروع هوسرل الفينومينولوجي، ليس لتدميره، بل لكشف تناقضاته بشكل مثمر في اتجاه تأسيس منهج التفكيك. وكما يفسر جون دي كابوتو، فان أعمال دريدا ليست هجوما علي هوسرل ولكنها تحرير لأعمق ميوله. وبالمثل، يصف ليونارد لولور نقد دريدا بأنه «نقد فينومينولوجي فائق» ويعتمد علي مفهوم الاختلاف Difference المتشدد بين مفارقة القصدية paradox of intentionality والفكرة Noema في فلسفة هوسرل. إذ يهتم نقد دريدا للفينومينولوجيا : 1) رضاه بميتافزيقا الحضور تغفل مشكلة تفسير المنشأ دون وجود الدليل للقيام بذلك. 2) تأجيل هوسرل لمشكلة اللغة، مما يثير الشك حول امكانية الاختزال الفينومينولوجي في المقام الأول .
 وقد تناول دريدا مشكلة المنشأ في أطروحته كطالب، وفي كتابه «فلسفة المنشأ في فلسفة هوسرل» ثم كثفها وراجعها في مقاله « نشأة الفينومينولوجيا وبنيتها The Genesis and Structure of Phenomenology» التي نشرها في كتابه «الكتابة والاختلاف». وفي كلى النصين يلاحظ دريدا أن هوسرل يدشن الاختزال الفينومينولوجي لكي يشبع المطلب البنيوي (وهذا من أجل «لمجمل منظم أو شكل منظم، أو وظيفة منظمة وفقا لشرعية داخلية) في أولوية علي مطلب الأصيل وعلي حسابه ( البحث عن أصل وأساس البنية). وبالتالي، فان وصف الاختزال الفينومينولوجي الموجود في كتاب «الأفكار – الجزء الأول» والوصول إلى الوعي الخالص نتيجة لذلك يميل إلى تجنب قضايا النشأة والزمنية. بمعنى آخر، انه يصف الجواهر في حالة جامدة، بدون إحساس بمصدر هذه الأشياء أو كيف صارت الأشياء أصلا إلى الوعي. وهذه الأولويات ليست جديدة علي هوسرل في هذه المرحلة من فكره . لقد كانت حاسمة في أعماله الأولى حول نشأة الوحدات الرياضية. وطبقا لدريدا، فحقيقة أن هوسرل سعى إلى الحفاظ في نفس الوقت علي الاستقلال المعياري للمثالية المنطقية أو الرياضية فيما يتعلق بكل وعي فعلي واعتماده الأصيل بكل ما يتعلق بالذاتية عموما، ولكنه مهد الطريق بشكل ملموس للاختزال الفينومينولوجي . بمعنى آخر، لقد قدمت فكرة الكيانات الرياضية الموحدة التي لن يتم العثور عليها قبل تكرارها في الوعي، في نفس الوقت، مفهوما للبنية والتكوين قاد هوسرل إلى عزل بنية ونشأة أشياء أخرى عن الوعي .
 يتأقلم هوسرل مع النشأة بدمجها في مبدأ ميتافيزيقي، وهي مبدأ المبادئ بالنسبة له (الدليل الذاتي علي ذلك المعطى للوعي). فبالنسبة لهوسرل، يتيح الاختزال الفينومينولوجي الوصول إلى الأشياء التي يتم تناولها بفعالية بواسطة قصدية الوعي (الحاجة لأن يكون الوعي دائما هو وعي بشيء) ويتم تلقيه بشكل كامن بفضل حضور هذه الأشياء. والسؤال الحاسم وغير القابل للحل بالنسبة لدريدا هو كيف يمكن أن تتشكل هذه الأشياء في جوهرها بطريقة غريبة وساذجة للوعي .
.....................................................................................
•بانيل كامب يعمل أستاذا بجامعة براون بولاية ترينتي بالولايات التحدة . 
•هذه المقالة نشرت في Journal of Dramatic theory and Criticism, Fall 2004  . 


ترجمة أحمد عبد الفتاح