مهرجان الممثل الواحد والساعة الواحــدة

مهرجان الممثل الواحد والساعة الواحــدة

العدد 605 صدر بتاريخ 1أبريل2019

كانت نيويورك –وليس برودواى – على موعد مع مهرجان مسرحى متميز حقق حضورا جماهيريا لا باس به بفضل فكرته المبتكرة ،رغم ان كل من شاركوا فيه من كتاب وممثلين ومخرجين وغيرهم ليسوا من الاسماء المشهورة. وفى معظم الاحوال لا تتجاوز شهرة الواحد منهم حدود ولايته او حتى المقاطعة التى جاء منها، وهو مهرجان مسرحيات الممثل الواحد  United Solo Theatre Festival.
 استمر   المهرجان على مدى سبعة اسابيع عرضت فيه 120 مسرحية لاتزيد مدة المسرحية الواحدة عن ساعة.   وكان هدف المهرجان هو تقديم مسرحيات تعكس التنوع العرقى والفكرى والدينى الذى تتميز به الولايات المتحدة.


 وساعدت هذه الفكرة المبتكرة ايضا على جذب النقاد لمتابعة هذا المهرجان. ومن العروض المميزة التى لفتت الانظار مسرحية “الدائرة “ التى فازت بالمركز الاول. وهى  للكاتب المسرحى بريان ماير استاذ المسرح فى مدرسة تيرى سانفورد للمسرح بولاية نورث كارولينا.  جسد ماير نفسه   دور البطولة    وأخرجت المسرحية زوجته تونى ماير.
المسرحية كما يوحى اسمها  عبارة عن دعوة للخروج من دائرة الجريمة وفقدان الامل التى يرى المؤلف ان الولايات المتحدة تدور فيها بسبب الازمة الاقتصادية التى تعانيها.  ويقول مايرز إنه يكرس اعماله المسرحية كلها تقريبا للحديث فى هذه النقطة لانه من دعاة الامل والتفاؤل مهما كانت الظروف. ويضيف ماير (55 سنة) قائلا انه يوجه رسالة الى الاميركيين وليس الى مواطنيه السود فقط كما ذكر بعض النقاد...عليكم الا تتركوا الياس يسيطر عليكم مهما كنتم تشعرون بالظلم والتهميش وكنتم تتعرضون للتنمر.
نصف الكوب الممتلئ
وكان هو نفسه يتعرض لهذه الممارسات عندما نشأ فى نيوجيرسى لكنه ظل يتحلى بالامل. وتعرض لتجربة مؤلمة فى حياته عندما تم القبض عليه اثناء اقامته فى بنسلفانيا لتشابه إسمه مع شخص اخر وظل فى السجن لعدة أسابيع حتى ثبتت براءته بعد 8 جلسات محاكمة كاد يتحطم من جرائها . ومع ذلك فهو يشعر بالتفاؤل ويرى نصف الكوب الممتلئ وبدا يدرس الكتابة للمسرح على اساس علمى بدلا من الاعتماد على موهبته فقط. ويرى انها افادته فى التعرف على التعقيد فى قوانين الولايات المتحدة وفى نظامها القضائى وهو ما عبر عنه فى بعض مسرحياته فيما بعد. ولم يجد وسيلة لنقل هذا الشعور بالامل افضل من المسرح. ولذلك ترك عمله كمدير للتسويق فى جامعة لافاييت ستيت بالولاية وقرر العمل فى تدريس الفن المسرحى فى المدرسة التى تستمد اسمها من تيرى سانفورد (1917 -1998) الحاكم السابق للولاية والسناتور السابق الذى كان من محبى المسرح.
ويقول مايرز انه يكتب المسرحيات ويمثل فيها احيانا مثل مسرحية “ليلة 16 يناير “ و”عطيل الجديد” لكنه يجد سعادته فى الكتابة للمسرح اكثر. فالكتابة علاج لمشاكل عديدة يعانيها فى حياته.كما انها وسيلة مناسبة ليتقاسم تجاربه مع الاخرين. وهو يحلم باليوم الذى يكتفى فيه بالكتابة فقط. لكنه يحتاج احيانا الى تجسيد شخصياته لضمان وصول الفكرة الى المتلقى بشكل افضل. وقد كتب هذه المسرحية فى عام 2004 لكن احداثها صالحة لكل زمان ومكان.

ثلاث شخصيات
وتدور احداث المسرحية حول ثلاثة شخصيات يجسدها جميعا مايرز   تعانى من سلبيات المجتمع الامريكى مثل الادمان والتنمر وفقدان عمله ثم تتغلب على مشاكلها. وتعانى الاولى وتحمل اسم بينك بيكل الثالث  من ادمان الخمر. اما الثانية وقد اختار لها اسما مسلما وهو   سليم على من ادمان الهيروين (!!!)والثالثة نزيل بأحد السجون اسمه روب ستيل. ويؤكد على  دور غياب الاب فى مشاكلهم  حيث ان ايا منهم لا يعرف اباه او انفصل عنه واهمية استعادة الروابط العائلية للتغلب على المشاكل.
ويقول مايرانه قدم هذه المسرحية فى اصلاحية للاحداث فى مسقط راسه فى نيوجيرسى فنالت اعجاب نزلائها. وقدمها فى عرض خاص فى نورث كارولينا واثارت جدلا بين  الطائفة الاسلامية بسبب شخصية سليم على فاكد انه لم يقصد الاساءة للمسلمين مؤكدا  ان مشاكل الامريكيين واحدة بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية.

صاحبة الفتيات الملونات ...
رحلت فى هدوء
فى هدوء، وبعد 15 سنة من المعاناة مع ازمات صحية متعددة رحلت الكاتبة المسرحية الامريكية “نوزاكى شانج” إلى العالم الاخر عن عمر يناهز 70 عاما.
لم تكن شانج مجرد كاتبة مسرحية عادية بل كانت فى طليعة الكتاب المسرحيين السود الذين كرسوا ادبهم للدفاع عن بنى جلدتهم  والحديث عن معاناتهم فى المجتمع الامريكى. وكانت تتعاون مع فرق السود المسرحية وتسمح لها احيانا بتمثيل اعمالها دون ان تحصل منها  على اى مقابل . وكانت احيانا تشارك فى تمثيل اعمالها ولكن فى ادوار بسيطة.
 واهتمت فى اواخر اعمالها بالهجوم على الرئيس الامريكى السابق باراك اوباما الذى لم يقم باى اجراء جاد للدفاع عن حقوق السود فى الولايات المتحدة الى حد انها تمنت له الهزيمة فى الانتخابات الرئاسية عام 2012  وشاركت فى حملات معادية له .
وتعد شانج من العلامات المميزة ليس فى تاريخ المسرح الامريكى وحده بل فى تاريخ الثقافة الامريكية عموما كما سنرى فيما بعد.
واشهر مسرحياتها هى مسرحية “ لاجل فتيات ملونات فكرن فى الانتحار-عندما يكفى قوس القزح”. وكانت الصحافة الامريكية تشير اليها باسم مختصر وهو “فتيات ملونات” وهذه المسرحية حققت رقما قياسيا حيث تجاوزت عروضها فى برودواى 750 ليلة عرض-على فترات متقطعة - لتكون ثانى مسرحية  لكاتبة  من السود تتجاوز هذا الحاجز  فى تاريخ برودواى. هذا فضلا عن عروضها فى مدن وولايات اخرى. وكانت المسرحية الاولى “زبيب يجفف فى الشمس” للاديبة المسرحية لورين هانسبيرى التى كانت بمثابة موهبة توهجت وانطفأت سريعا حيث رحلت عام 1965 عن عمر لم يتجاوز 35 عاما.وهى تتحدث عن نفس الموضوع تقريبا وهو معاناة السود فى المجتمع الامريكى.  واذا كانت هانسبيرى اعتمدت على زوجها الناشر روبرت نميروف فى انتاج مسرحيتها وعرضها ،فإن شانج اعتمدت فقط على اقتناع الفرق المسرحية باعمالها.

العرض الاول
 وكان العرض الاول للمسرحية فى 1974 قبل ان تبلغ شانج عامها السابع والعشرين.  وزاد من سعادتها ان مسرحيتها تحولت اثناء عرضها الى فيلم سنيمائى    مع تعديل الحوار من الصيغة الشعرية التى لا تناسب السنيما. قام  بدور البطولة فى الفيلم الممثلة البريطانية السمراء ذات الاصول الزيمبابوية ساندى نيوتن.  
وتدور المسرحية حول سبع من الفتيات السود يتعرضن لتجارب مؤلمة مع المجتمع الامريكى تصل الى العنف والعنصرية والاغتصاب احيانا مما يدفعهن للتفكير فى الانتحار وهى للاسف ليست ظواهر دخيلة على المجتمع الأمريكى كما يعتقد البعض بعد سنوات من كفاح السود كما تقول شانج بل تمارس بشكل منتظم حتى الان.  
وتتمتع شانج بشعبية كبيرة بين عشاق المسرح فى الولايات المتحدة بفضل مسرحياتها الجيدة والمتميزة التى تكون مسرحيات شعرية احيانا ونثرية عادة احيانا اخرى حسبما تجد فى ايهما الأداة المناسبة للتعبير.  وكانت تعتمد فى كتابتها للمسرح   على موهبتها الفطرية وعلى بعض القراءات وبعض الدراسات الحرة غير المنتظمة  للفن المسرحى. وبسبب هذه الموهبة كانت تحاضر فى عدد من الجامعات الامريكية المرموقة مثل يل فى كونكتكت ورايس فى تكساس وعدد من جامعات نيوجيرسى حيث ولدت وكاليفورنيا حيث عاشت.   وتزيد شعبيتها ايضا بسبب دورها النشط فى الحركة النسائية الامريكية.
وتقول انتها  إنها تعتز كثيرا بلون بشرتها وبأصولها الافريقية. وهذا ما جعلها تستبدل اسمها الاصلى بوليت وليامز باسم شانج الذى يعنى بلغة الزولو “المراة التى تمشى كالاسد “.
ونالت المسرحية استحسان النقاد  حتى وصفها ناقد النيويورك تايمز بانها مسرحية رائعة وغير عادية تدعو البيض الى التفكير فى اسلوب تعاملهم مع السود.  
  وهى  ليست العمل الوحيد الجيد لشانج بل هناك ايضا المعالجة الامريكية لمسرحية الكاتب الالمانى الراحل برتولد بريخت (1898 – 1956)”الام شجاعة وابنائها. هذا فضلا عن مسرحياتها الاخرى  مثل “دراسة فى القسوة” و”الابيض والاسود وطائرتان “.ولايقتصر ابداعها  على المسرح بل لها 19 ديوانا شعريا و6 قصص وخمس مجموعات قصصية للاطفال. وظهرت كممثلة لادوار بسيطة فى عدد من المسلسلات التليفزيونية.


ترجمة هشام عبد الرءوف