«فرقة الصواري» البحرينية.. تجربة في المسرح المفتوح

«فرقة الصواري» البحرينية.. تجربة في المسرح المفتوح

العدد 706 صدر بتاريخ 8مارس2021

في عام 1991 تأسست فرقة”الصواري” المسرحية البحرينية، والتي اعتمدت في تأسيسها على التأكيد على أهمية “المختبر المسرحي” القائم على أساليب علمية ومنهجية من خلال برامج تدريب وورش عمل تهدف إلى إلغاء مركزية الخشبة، وقد استفاد أعضاء الفرقة من تجربة “عبد الله السعداوي” الذي استفاد هو الآخر من تجربته في العمل مع الفنان المسرحي المصري عبد الرحمن عرنوس، وقدم مع فرقته مجموعة من العروض نذكر منها “الرجال والبحر والرهائن” تأليف عصام محفوظ، وإعداد درامي للشاعر البحريني الكبير قاسم حداد، مع إعطاء مساحة خاصة للارتجال وتكوين فضاءات مسرحية مغايرة.
تلا ذلك تقديمها لمسرحية “صديقان” للكاتب العراقي محيي زنكنة،ثم مسرحية “الجاثوم أو الكابوس” تأليف يوسف الحمدان، وهو أحد المؤسسين للفرقة مع السعداوي بالإضافة إلى إبراهيم خلفان والذي قدمت له الفرقة مجموعة من العروض ذات الطابع التجريبي ومنها “لقمة الزقوم” و”هل قتلت أحدا؟” و”ثرثرة”.
وتعتمد الفرقة بشكل أساسي على فكرة “المختبر المسرحي” وقد أتاح لها ذلك أن تقدم بعض عروضها في أماكن مفتوحة كسواحل البحار وأفنية المنازل، ومنها عرض”القربان” والذي قدم في فضاء قلعة قديمة وغرف هذه القلعة.
واستلزم هذا البحث عن صيغ خاصة في الإخراج والأداء يرويها لنا أحد أعضاء الفرقة البارزين وهو”يوسف الحمدان” حيث يشير في شهادة له عن التجربة: إلى أن أغلب العروض تم فيها التحاور بين الجمهور والممثلين، فيقول: “العبرة بالنسبة لنا في التمرين أساسا‘ العرض كالتدريب، كالبروفة، كل يوم يتغير، هناك إخراج لحظي يتم تدريب الممثلين عليه عبر التمارين، يأخذ فسحة من الارتجال ويدخل في حيز التصميم أحيانا، تحدث هكذا حالات في عروض”السعداوي” المسرحية فالممثل مهيأ دائما في كل تجربة أن يقدم فعلا مختلفا في شخصيته.
في مختبرنا استحضرنا تراثنا، قرأنا المثير فيه مسرحيا، قرأنا اللامرئي
والأسطوري، وان للطقس العاشورائي حضور كبير في مسرحية”سكوريال” استنطق فيها السعداوي جسد الممثل حتى أقصى تجلياته، استدعى فيه حالة ارتودية قاسية، تضافرت معه السلاسل الكثيفة الحادة التي كانت تستعمل لاختبار قوة الروح والجسد في العزاء الكبير، حاولنا من خلال هذا التراث أن نستحضر حلقات الزار، وطقس الخلاص عبر قرع المهابيش في ليالي خسوف القمر، حاولنا قدر الإمكان استنطاق وهج التراث الخلاق في تجاربنا المسرحية، في مختبرنا المسرحي أجرينا حوارا بين الفن التشكيلي والموسيقى والمسرح وذلك في صالة فنون صغيرة، كما قدمنا محاولة لقراءة لوحات فان جوخ، وتم العرض في غرف متعددة، حيث تعرض التجربة أكثر من عشرين مرة، يشاهدها في كل خمس دقائق متفرجون مختلفون.
كذلك كما يروي”الحمدان” استوحت الفرقة “فن الكاريكاتير” وقدمته في عرض تشريحي في إحدى “غرف تشريح الموتى” وقدم لثلاثين متفرجا يوميا.
وفي عرض”القربان” استخدم المخرج “السعداوي” شاشة سينما تعرض فيلما يعرض لبعض المجازر الدموية التي تحدث في العالم، وأمام الشاشة يتساقط الممثلون كأنهم ضحايا للنظام القمعي الجائر وضحايا للهيمنة الرأسمالية. وقد أداها ببراعة مجموعة من الممثلين الذين تم تدريبهم جيدا أمثال مصطفى رشيد وخالد الرويعي  وحسين الرفاعي وياسر القرمزي ومحمد الصفار وسلمان العربي وحميد مراد وعلى عيسى وأحمد الفردان
وقدم هذا العرض مرة ثانية في مهرجان”عمان” و”مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي” عام1996.
وبالإضافة إلى محاولات تطوير الأداء التمثيلي لدى أعضاء الفرقة، واكب ذلك تطور في الأداء الموسيقي الذي كان يقوم به الفنان خليفة زيمان الذي كان يمزج في ألحانه بين واقعية الرؤية وطقوسية التراث، ظهر ذلك جليا في مسرحيتي “القربان” و”الظلمة”، وقد حصلت الفرقة على جائزة أفضل إخراج مسرحي عن عرض “الكمامة” للمخرج عبد الله السعداوي، وتأليف الكاتب الإسباني “ألفونسو ساتيدي” من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام1994.
ومع هذا الفوران الفني، والدعوة الدائمة لإيجاد مسرح بديل إلا أن الفرقة عانت في بداياتها من قلة الموارد المالية، وفي هذا يقول “حمدان” في شهادته السابقة الذكر:”الدعم المالي للفرقة شحيح جدا، إن مسرحنا منذ تأسس وهو يتوجه للإنسان عبر طرح قضاياه الاجتماعية والمصيرية الملحة ويعالجها برؤى فنية متقدمة، ويشجع على تقبل الأفكار المسرحية المتقدمة ويهتم بخلق ذوق مسرحي جديد يبتعد عن المطالب الاستهلاكية والسطحية، وينفد إلى إشباع الجوانب الثقافية والروحية لدى المتفرجين، وهو بهذا التوجه لا يمكن أن يتراجع لأن ملاذه وحريته تكمن في تعزيز وتأكيد هذا التوجه، حتما سنواجه بصعوبات وضغوطات ستكون أكثر قسوة مما واجهتنا، ولكن لم نتوقف بعد عن التفكير وإثارة الأسئلة والجدل حول تجربتنا المسرحية وإمكانية تحسين أوضاعها، التجريب بالنسبة لنا بحث لا يتوقف”.
هذه الرؤية التقدمية التي يطرحها “مسرح الصواري” ليست وليدة اللحظة- بالتأكيد- بل هي ابنة شرعية للتحولات الاجتماعية في منطقة الخليج والبحرين. ولذلك يقول د. إبراهيم عبد الله غلوم في كتابه “ المسرح والتغيير الاجتماعي في الخليج العربي ..دراسة في سوسيولوجيا التجربة المسرحية في الكويت والبحرين”: “يمكننا أن نلاحظ كيف أصبحت ديناميات التغيير الاجتماعي قابلة للتمسرح على نحو ليس له مثيل في التاريخ الاجتماعي لمنطقة الخليج العربي، فقد اقترن هذا التغيير بشروط جديدة، لا يمكن أن يؤدي تمثلها بأي شكل من الأشكال إلا إلى خلق التجربة المسرحية، وليس تغييرها فحسب، عما كانت عليه في البواكير المسرحية، وأبرز ديناميات التغيير، نجدها في تلك الطبقة الاجتماعية التي أطلقنا عليها “البرجوازية المعارضة” ذلك أن هذه الطبقة وجدت في المسرح مضمونا حيويا لإشباع معارضتها كما وجدت فيه مضمونا لتفريغ همومها الذاتية.
وإن اختلفت الؤية كثيرا عند”فرقة الصواري” عما يطرحه “غلوم” فمسرحها كاشف وراصد وإن تحصن ببعض الرمزية يتتبع أعضاؤها خطى التجريبيين الكبار أمثال بيتر بروك وجرتوفسكي.
يقول “حمدان”: “نحن اخترنا المسرح لنواجه أنفسنا به، لنعري دواخلنا ودقائق حياتنا عبره، ونشخص واقعنا من خلاله، لنسمو بإنسانيتنا ونسع الأفق والمدى والكون عبرها فيه.. مستغلين التجسيد، إذ ينم هذا التجسيد خن بحث وأسئلة استقصائية تؤول بالبحث إلى مناطق التخلق والتشكل:.
مسرح”فرقة الصواري” إذن، هو مسرح طارح للأسئلة عبر فضاءات متنوعة في هذا النص والأداء والسينوغرافيا والحياة أيضا.


عيد عبد الحليم