جون ماكجراث.. مظاهر العولمة في نص المسرح الحديث و(Hyperlynx) نموذجا

جون ماكجراث.. مظاهر العولمة في نص المسرح الحديث و(Hyperlynx) نموذجا

العدد 571 صدر بتاريخ 6أغسطس2018

 تعتبر الولايات المتحدة أول من نشر العولمة عبر العالم بعد انهيار الدول الشيوعيّة في نهاية التسعينات من القرن الماضي، ومع التطور التكنولوجي أصبح العالم قرية إلكترونيّة صغيرة تترابط أجزاؤها عن طريق الأقمار الصناعيّة والاتصالات الفضائيّة والقنوات التلفزيونيّة، وهو ما أدى إلى ظهور (العولمة)، كما ورد من الباحثين أن ارتبطت العولمة بتطور النظام التجاري الحديث في أوروبا، مما أدى إلى ظهور نظام عالمي معقد اتصف بالعالميّة ثمّ أطلق عليه اسم «العولمة».
وبما أن المسرح بحكم طبيعته وخصائصه يرتبط دائما بالجمهور والكثير من الفنون حتى أصبح أكثر اتصالا بالظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية مما يؤكد ما قاله أحد مؤسسي علم الاجتماع جورج لوكاش، من أن «الفن تمثيلا للحياة». وفي هذا الصدد تتضح العلاقة بين المجتمع والسياسة والمسرح، وكيفية ظهور العولمة في نص مسرحي حديث النشأة، فلم أجد أنسب من نص (Hyperlynx) للكاتب البريطاني جون مكجراث لتناول فكرة العولمة وسلبيتها في نص مسرحي، فالرغم من رؤية الكثير لهذا النص على أنه أشبه بالمحاضرة التلقينية فإن شغفي له كان يزيد لاكتشاف معاني النص على الرغم من عدم ترجمته إلى العربية، كما قادني الحماس لاكتشاف سمات ذلك الكاتب المميز جون بيتر مكجراث (1 يونيو 1935 - 22 يناير 2002)، الذي يُعد مؤلفًا ومنظرًا مسرحيًا تناول قضية استقلال اسكوتلندا في مسرحياته. وكان أحد أبرز الشخصيات البارزة في الدراما البريطانية ملتزمًا بالاشتراكية مستخدما المسرح كمنصة سياسية لتعزيز آرائه وإثارة جمهور الطبقة العاملة للرد على النظام الرأسمالي الراسخ في بريطانيا من خلال أفكاره الاشتراكية حول طبيعة الصراع الاجتماعي وقضايا ممارسة الظلم، ويمكن تصنيف مسرحيات ماكجراث على أنها أمثلة لاستخدام المسرح كأداة لتقديم الرسائل السياسية. لذلك كان يجد في المسرح الملحمي ما يساعده في تقديم تلك الرسائل السياسية، كما استنتجتُ أنه قام بدمج المسرح الأرسطي مع الملحمي وخرج بتجربة جديدة خاصة ظهر بها في نص هيبرلينكس.
كتب مكجراث نص هيبرلينكس عام 2002 متأثرا بأحداث 11 سبتمبر 2001؛ وهي أحداث بالولايات المتحدة الأمريكية تم فيها تحويل اتجاه أربع طائرات نقل مدني تجارية لتصطدم ببرجي مركز التجارة الدولي بمانهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وسقط نتيجة لهذه الأحداث آلاف الجرحى والمصابين، وكانت تلك الأبراج ترمز إلى الحركة الرأسمالية في العالم. إذا فقد أحدثت هذه الأحداث تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية حيث بدأت بإعلانها الحرب على الإرهاب، ثم الحرب على أفغانستان وإسقاط نظام حكم طالبان، والحرب على العراق. فاستخدم مكجراث جميع هذه الأحداث واضعا فيها وجهه نظره وأساليبه المسرحية واصفا فيها مشاركة العولمة في حدوث تلك الأحداث.
فتدور أحداث النص حول العرب والإسلام ونظرة الغرب للشرق والشرق للغرب، والسلطة الأمريكية والديمقراطية الزائفة، وأحداث 11 سبتمبر وتأثير العولمة على الإنسان، فقد يأتي كل ذلك في وحدة مكان درامي، وبشكل سردي من خلال شخصية واحدة تسمى (Heather) تقوم بعملية تجسس من قبل السلطة على الجماعات المناهضة للعولمة وهنا يظهر لنا كيف يعمل جهاز الاستخبارات الذي يقوم على التجسس مما يجعلنا نستنتج زيف الديمقراطية في الدعوة إلى الحرية الشخصية وزيف بعض الأفكار التي يقوم بتنديدها العالم الغربي. ولكن تأخذ البطلة موقف تفاوضي في تفكيرها في أن تكون عميل مزدوج، ففي نفس الحين تخشى على نفسها فيصبح موقفها تفاوضي، وأثناء وجودها في رحلتها العملية تظهر ملامح العولمة من خلال ذكرها لأشياء حدثت في الماضي تبدأ في سردها. لذلك كان اعتماد النص على المونودراما؛ فهناك عدة تعريفات «للمونودراما»، لكن جميعها تتفق على إنها مسرحية يقوم بتمثيلها ممثل واحد يسرد أحداثها عن طريق الحوار؛ وبرز هذا الشكل المسرحي وازدهر في العصر الحديث خاصة بعد نشوب الحرب العالمية الثانية، وهذا يعود إلى ظهور المدرسة النفسية بقيادة سيجموند فرويد ومن تلاه، وساهمت في ترسيخ فن المونودراما، بالتركيز على الأمراض الشخصية والعصبية والنفسية للإنسان، ومن ثم انعكاس هذا على خشبة المسرح، حيث يأخذ الفنان المسرحي مادته من الحياة ليضعها في نهاية الأمر بأمراضها وانفصامها ووحدانيتها على خشبة خالية تبحث عن مُخلص، أو من يستمع إليها. وبالفعل ذلك مانفذه ماكجراث فقد أخذ من السياق السياسي المحيط في تلك الفترة وظهورها على لسان شخصية فردية في النص مما يظهر ملامحها النفسية وموقفها من العولمة من خلال اللغة التي تتحدث بها أي تشبيهاتها اللغوية وحركتها الإيمائية التي حملت السمات الملحمية. كما ركز على الوصف الدقيق في بعض المشاهد التي تصفها البطلة مما يمكننا القول إنه وصفا سينمائيا.
فبدأ الفصل الأول في 11 سبتمبر في الساعة الثانية نهارا، فيكون تحديد الزمن الدرامي هنا علامة رمزية لأحداث 11 سبتمبر التي سبق ذكرها؛ ومن ثم يبدأ المؤلف من خلال الارشادات في وصف حركة البطلة فُيظهر توتر حركاتها من خلال المشي والجلوس، وكأن وراء هذه الشخصية لغز ما. أما عن ملابسها فكانت تقليدية الشكل ويرجع ذلك لطبيعة عملها التي يتم الكشف عنه من خلال سردها في الحديث، والذي يأتي أساس ذلك العمل التجسسي فهي لا تريد لفت الأنظار عليها. ويظهر من خلال استخدام اللغة والتشبيهات مظاهر العولمة عبر وصفها لتأخر الربيع، والذي رأيته رمزا لما فعلته العولمة على البيئة وحدوث خلل في النظام البيئي. ومن خلال اللغة أيضا توجه المؤلف بنقد حاد تجاه الإعلام، فتذكر البطلة أنها حين تشاهد مايقدمه التلفاز تشعر بالقيء، ونجد هنا التلفاز من إحدى مظاهر العولمة التي يُظهر سلبيتها النص، فقد يكون التلفاز وسيلة سهلة لتزيف الوعي وانحصار الفرد في ثقافة مايقدمه هذا الجهاز وبعده عن القراءة والتطلع والمعرفة، فكل ذلك من أهداف النظام الرأسمالي أن يصبح المواطن تحت تأثير الأجهزة التكنولوجية حتى يتحول إلى شخص استهلاكي.
ومن خلال السرد نتعرف على أسرتها، والذي جاء محملا بوظيفتين: الأولى التعريف بالأبعاد الشخصية والاجتماعية بالبطلة، والوظيفة الثانية هي انتقاد المجتمع الأمريكي الرأسمالي الذي نستنتج من خلاله التأثير السلبي لهذه الظاهرة. وعن طريق علاقة البطلة بأسرتها تظهر لنا ملامح العولمة؛ فتتحدث عن علاقتها بزوجة ابنها التي تصفها بالإهمال تجاه تربية أولادها وزوجها، فتعتبر هنا الزوجة أحد أنماط الإنسان الاستهلاكي الذي ينساق وراء الموضة والحصول على السعادة من شراء كل ماهو جديد. كما أن يظهر المؤلف النقد الموجه للشركات الرأسمالية، ورغبتها في نجاحها وتحقيق المال دون النظر عن الطريقة التي تحققه بها؛ فتسرد الشخصية أن هناك شركة ألبان ترفض سحب منتجاتها من الأسواق على الرغم من التأكد من وجود مادة في اللبن تسبب سرطان الثدي لدى النساء، إذا نستنتج أن نتيجة العولمة وانتشار الرأسمالية أدى إلى تدهور صحة الإنسان تصل إلى موته.
كما استخدم المؤلف تقنية «الفلاش باك» للبطلة، وهو أمر سينمائي أكثر من أن يكون مسرحيا والذي يوضح الجانب التاريخي والنفسي للشخصية، حتى يشير إلى تاريخ العالم في حقبة محددة ايضا، ويتحدث المؤلف عن القضية الفلسطينية ومشاعرالفلسطينيين من خلال سردها لرحلتها مع خطيبها الأول عندما كانت في سن الثامنة عشر، وعرضها لموقف تبرير القتل في الطرفين سواء كان من الفلسطينيين الذين يروا أن عدوهم الأول إسرائيل والثاني أميركا مما أنتج الفكر التطرفي وعمليات الإرهاب، ومن ناحية أخرى تبرير قتل الجنود الإسرائيليين للفلسطينيين وإقناعهم من قبل السلطات أن هؤلاء مصدر الإرهاب والترويع في العالم.
اما في الفصل الثاني: بداية من تغير الزمن الدرامي إلى بعد حادثة 11 سبتمبر وضرب برجي التجارة، فيعتبر الزمن الدرامي هنا وسرعة تغير الأحداث رمزا للتطور التكنولوجي وعصر السرعة الذي لم يكن شيء إيجابي في كل حالاته. فيعبر هذا الفصل عن التغير الذي حدث في العالم والذي أوجدته تلك الحادثة من خلال التغير في شخصية البطلة نفسها وفي إرادتها في العمل كعميل مزدوج، وتفكيرها في ابنها الذي يعمل في إحدى الأبراج التجارية بأميركا، فتكون شخصية الإبن هنا رمزا لضحية الإنسان من العولمة فهو ضحية كلا من (الاستهلاكية والرأسمالية، والفكر التطرفي). ويستكمل الفصل فكرة التطرف والإرهاب التي أشارلها في الفصل الأول، فيستكملها بشخصية سائق الطائرة الذي يضحي بحياته في سبيل التخلص من العالم الغربي المتمثل في البرجين.
فتظهر أيضا نظرة انتقادية لرؤية الشرق للغرب بشكل درامي من حيث اللغة فوصف الغرب بالظلام الأسود الذي يبتلع الشمس، أي يخشى العربي هنا من أن تبتلعه القوى الغربية من خلال الرأسمالية فنجد أن الشرق يطلق عليه كلمة الغرب من حيث أرض الغرباء الذي كل ما يأتي منها شر يجب محاربته، حتى وصل للخوف من الديمقراطية. ولكن رفض العرب للديمقراطية يمكن إعطائه تفسير آخر من حيث تعرض الحكام العرب المستبدين للخطر إذا نُشر الفكر الديمقراطي وتم تطبيقه، فمن مصلحتهم استخدام الشريعة، والتي تنتج في الكثير من الأحيان إلى نشوب الفكر المتطرف. كما جاء وصف شعور المرأة السوداء التي تعمل في البرج وهي ترى الطائرة تدخل على البرج مستخدما ماكجراث وصفا سينمائيا آخر يوضح مأساتها بشعور الموت ويظهرها كضحية للعولمة. إذن فقد استخدم هذا النص الدقة في الوصف حتى يساعد على تنشيط خيال القارئ ويدعوه للتأملمن مجموعة قضايا سياسية، لذلك رأيتُ أن هذا النص لم يكن مجرد محاضرة تنظيرية كما استقبله البعض بل إنه نص ثري ملئ بالتقنيات الفنية التي تستحق الدراسة والتحليل.


رغدة محمد