مائة وردة إليه فى مكانه الأخير رشدي إبراهيم .. الاحتجاج والثورة

مائة وردة إليه فى مكانه الأخير رشدي إبراهيم .. الاحتجاج والثورة

العدد 569 صدر بتاريخ 23يوليو2018

منذ سنوات، ومع بداية فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري، كنا نفجع قبل انعقاد دوراته برحيل مبدع من مبدعي هذا الفن، ولكن لأن هذا المبدع كان يسكن في أقاليم مصر وليس من قاطني القاهرة، كان رحيله يمر بلا أي توقف ولا أي إشارة من جانب القائمين على أمور المسرح المصري، مهما كانت قيمة هذا المبدع ومهما كان ما قدمه للمسرح المصري عامة والمسرح القاهري خاصة.
وقبل انعقاد هذه الدورة بيومين فقط يرحل المخرج البورسعيدي رشدي إبراهيم، مواصلا مع سابقيه فكرة الاحتجاج على التجاهل التام لرواد المسرح الحقيقيين، فقط لأنهم خارج أضواء القاهرة، مع أن الكثيرين من فناني القاهرة الذين هم في نفس الوقت ربما لهم صوت ومسموع وحيثية في هذا المهرجان، يدينون بالفضل لهم من حيث نشأتهم الأولى، كل ما فعله هؤلاء هو الرحيل فقط عن المنشأ؛ لا التفوق في الموهبة والحرفة، ولن أعدد أسماء من زامل الرجل أو من خرج من تحت يده سواء من فناني بورسعيد ومفكريها أو من كل أقاليم مصر، فهم يعرفون أنفسهم، وهذا ليس وقت ولا مكان لوم لأحد.
فرشدي إبراهيم لم يكن مخرجا فطريا أو موهوبا، فقط حاول أن ينمي قدراته عن طريق قراءة ما تيسر أو جمع المعرفة العشوائية، ولكن تركيبته المعرفية الرسمية أهلته لأن يكون أستاذا بحق، فهو قد حصل على دبلوم المعلمين، ثم وقت أن كانت الدولة تهتم بالمواهب مهما كانت نشأتهم، حصل على دبلومة في الإخراج المسرحي من معهد المسرح بفولفو جراد في الاتحاد السوفياتي آنذاك، أي أنه معلم في الأساس لفنون الإخراج المسرحي، فقد امتزجت الشهادتان بحق ومثلتا رشدي إبراهيم، لذا فهو حينما بدأ رحلة الإبداع، فهو قد بدأها مع النشء في المرحلة الأولى، فأخرج للمسرح المدرسي بالمرحلتين الإعدادية والثانوية.
ثم، وخروجا من أسر التعليمات والمناهج التي كانت رحبة آنذاك، قرر أن يؤسس فرقة مسرحية جديدة، تتفق مع ما يراه وما تشربه من قيم اجتماعية وميول سياسية كان لها الوجود الكامن في نفسه ثم تبلورت أثناء فترة الدراسة بالخارج، فأسس فرقة (المسرح المصري) بمركز شباب بورسعيد، وقدم أعمالا وضحت اتجاهه الفكري والفني مثل: الملوك يدخلون القرية، والقضية، وقطة بسبع ترواح، وأدهم الشرقاوي، وبنظرة بسيطة للأعمال التي قدمها ستجد أنها كل أعماله مؤيدة لفكرة الثورة والتحرر مغلفة بفكرة المساواة في الحقوق والواجبات، وكان هذا هو الخط الذي لم يحِد عنه في احتياراته فيما بعد، ولذا تنوعت النظرة لرشدي إبراهيم، فهو تارة جريء وواضح وصريح عند البعض، وعند الآخرين كان من مثيري الشغب والداعين للثورة وانتزاع الحقوق.
واستعانت به فرق الثقافة الجماهيرية منذ نشأتها، وأيضا بدأ من المراحل الأولى حيث عمل كمساعد مع محمد سالم وماهر عبد الحميد، ثم بعد ذلك أخرج هو لتلك الفرق، بدأ من بورسعيد ثم انتشر في فرق الصعيد والدلتا، يعلم الحب والمسرح والثورة، مهما بدا أسلوبه عنيفا من جانب البعض، فهو وفكرة الثورة كانا توأما ملتصقا لا يمكن فصله، ثم استمر بعد ذلك من الشباب، فعمل مع جامعة قناة السيس بعد إنشائها وعمل مع فرق نوادي المسرح مجاورا العظماء من أبناء بلدته الذين رحلوا أيضا في صمت.
الحديث عن رشدي إبراهيم وقيمته من الممكن أن يأخذ حيزا لا يتسع له هذا الصدد، ولكن فقط يمكن أن نشير لعدد الجوائز التي نالها، ومن الممكن أن نقول إن عدد تلاميذه من المتحققين الذين هم تحت عدسات الأضواء الآن يزيد على الكثير خاصة ممن كانت نشأتهم الأولى في بورسعيد أو المطرية أو الفرق التي زارها مخرجا، بل إن رشدي إبراهيم كانت له سابقة لو لم يحاول البعض نسيانها بكل السبل، ولو ذكرت أمام البعض لسمحت أن تقف فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري له إجلالا في دوراته الأولى، فهو أي رشدي إبراهيم كان صاحب الإنجاز الأول لفرق الثقافة الجماهيرية في تمثيل مصر بالمحافل المسرحية الخارجية، حيث قدم عرض (حلم يوسف) لفرقة بورسعيد في مهرجان المسرح العالمي بفولفو جراد؛ وحصل على المركز الأول وقتها، لتكون سابقة أعتقد أنها لم تتكرر حتى الآن، وحتى لم تستغل جيدا لا من جانبه ولا من جانب الجهة المنتجة.
ولكننا أمام نتيجة أن رشدي إبراهيم كسابقيه من مبدعي الأقاليم يبدون أنهم اختاروا ما قبل بدء فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري، وقتا للرحيل عن الدنيا، ليكون الرحيل بمثابة احتجاج على النكران والتهميش الذين تعرضوا له من جانب الهيئة الرسمية ومن جانب بعض التلاميذ الذين يغضبهم فكرة إيضاح أنهم في وقت ما كانوا صغارا أمام فنان كبير يقطن أقاليم مصر.


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏