قراءة في كتاب زمن الدراما

قراءة في كتاب زمن الدراما

العدد 553 صدر بتاريخ 2أبريل2018

يقدم الناقد الفني الكبير الدكتور حسن عطية كتابه الجديد والجاد “زمن الدراما” بمقدمة أو هي مدخل جديد ومغاير لكل أعماله السابقة، بل هو مدخل غير تقليدي بالمرة.. حيث عرض لمفهوم الزمن (ونفيه وتداخله) في ذات الوقت، نفيه بمعنى عدم الاعتماد على كلمة زمن في الأساس أو التصنيف الأدبي لدى جنس أدبي وارتباطه بزمن ما أو حتى سيطرة هذا الجنس على الزمن الحالي، ولكن اختار كلمة (زمن) غير معرفة لتوسيع المعنى وألحقها بكلمة (الدراما) وهي شاملة لشتى الأجناس والفروع الأدبية والفنية، في عنوان نقدي ماكر، يحتاج لذاته إلى قراءات وقراءات متنوعة.
في البدء يقدم لنا الدكتور حسن عطية طريقته الخاصة ورؤيته النقدية، وكأنه يقدم لنا (نقدا للنقد لديه) طارحا لمراحله الأولى في الكتابة التي تعود لعام 1970 إلى نحو نصف قرن من الزمان ومن الإبداع المتواصل في شتى الأجناس الأدبية (القصة – الرواية – الشعر – المسرح – السينما – الإذاعة – التلفزيون).
طارحا سؤالا مهما، وهو: ما هو معيار العلاقة بالزمن؟ دون تقديم إجابات، بل قدم لنا إجابات على هيئة قراءات نقدية متمرسة للكثير من الفنون الإبداعية (الإذاعة – المسرح – السينما – التلفزيون)... وبعد قراءتنا لموضوع الزمن بشكل عام ينطلق سؤالي المتواضع: ما هو الزمن الذي يبحث عنه د. حسن عطية؟ وعن أي دراما يتكلم؟
يجذبنا الكتاب إلى عدة أزمنة في زمن واحد، في رحلة د. حسن عطية بين الدراما المسرحية والإذاعية والتلفزيونية والسينمائية.
وقد كان الجمع بين تلك الدرامات مقصودا، بل هو تجمع شديد الوعي، انطلق في الأساس من فكرة أن التصنيف لنوع درامي ما أو لزمن ما، هو لا ينفي وجود النوع الآخر، بل ولا يعد ذلك التصنيف نوعا من السيطرة والقوة، بل هو تصنيف نقدي يرجع لقائله، لذلك كانت كلمة (الدراما) معرفة (بأل) لتحمل صفة الشمول والعمومية، والموسوعية، وأيضا كي نبتعد عن أي تأويل يحمل التصنيف أو غيره، حتى التوازن وما تنتجه من أعمال درامية قبلها وبعدها تعرض لها الدكتور حسن عطية بحرفية شديدة الموضوعية بعيدا عن لعبة التأييد أو المعارضة في مقدمة الكتاب تمثل لذاتها بحثا علميا محكم الجوانب، وما بين ثورات الماضي والحاضر يخترق المؤلف الدراما المسرحية رابطا ما بين مسرح ثورات الربيع العربي الحالي، وبين بدايات الفن المسرحي في العالم العربي، بداية من مسرحية البخيل 1847 لمارون النقاش ثم كتابات (إسماعيل عاصم – إبراهيم رمزي – محمد تيمور - أمين صدقي – بديع خيري – بيرم التونسي – والأجيال التالية بعده...) ما قبل الثورات وبعدها.
لينطلق سؤال حيوي: هل جاءت هذه الثورات في موعدها التاريخي، التي احتضنها الشعب وسار بها؟ إلا أن المسرح المصري “فوجئ بها”.. ويالها من جملة “قد فوجئ بها مسرحنا المصري” (الكتاب ص29)، ومن كلمة “فوجئ بها” وهي كلمة نقدية لاذعة شديدة الأهمية في هذا الكتاب، بل أعتقد أنها هي أساس الكتاب كله، حيث يقر المؤلف أن هناك مجموعة من الحقائق يجب الوعي بها، أهمها:
عقلية الأربعينات المقيدة بفكرة المسرح المرفه عن متلقيه جنودا ونخبا جنت ثمار الحروب من ثراء فاحش، يتطلب مسرحا خاصا لها.
إن وقع المسرح في حيرة ما بين الانتماء الآيديولوجي للفئات التي كان يخاطبها قبل الثورة، وبين الاتجاه الجديد للمجتمع نحو طبقاته الوسطى والدنيا التي عجز المسرح عن التعبير عنها.
أو أن يقع المسرح في بوتقة (مسرح المواكبة) مواكبة القضايا والهموم الجديدة مواكبة مملؤة بالخداع.
التحول من المواكبة إلى التوازي والتنبؤ ولعب الدور السليم للفن كوسيلة للتعبير عن أفكار ومصالح البلاد.
بروز كتابات الحكيم وعزيز أباظة وعلي باكثير، لكن هي أعمال انعزلت عن الواقع.
سار المسرح وسارت الثورات والمسرح مغمضي العينين أحيانا، ومواكبا لها حينا آخر، منتقدا الماضي حينا ثالثا، خالقا أجيالا جديدة حاولت أن تتماشى مع حركة الشعب الثورية لتبدأ مرحلة الستينات قوية في كل شيء ومنها الإنجاز الثوري والمسرحي، وكتابات (عبد الرحمن الشرقاوي، ألفريد فرج، يوسف إدريس، لطفي الخولي، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، سعد أردش).. ثم يدخل المسرح المصري والعربي مرحلة أخرى قادها.. (سعدالله ونوس، يسري الجندي، أبو العلا السلاموني، محمد الفيل، قاسم محمد، محمد سلماوي، رأفت الدويري، وغيرهم..).
لتبدأ مرحلة المخرج سيد العرض مع الثمانينات والمسرح التجريبي، بل ودخول مصمم الرقصات في الصورة بشكل واضح، لينزوي النص المسرحي في الخلف، حتى الممثل ذاته لم يعد هو أساس العرض بل أصبح دمية.
كل ذلك مهد لمراحل أخرى تزامنت مع ثورة يناير 2011، التي تجلت في عروض مسرحية وغنائية تلقائية في شتى الميادين، ومع تغير النظام مع ثورة 2011، لم يتم طرح البديل أو التصور للنظام البديل المرجو ونفس الحال في المسرح أيضا، حيث عدم وضوح الرؤية المسرحية الواعية.
وتناول الكتاب باستفاضة مسرح الثورة وصناعه، ما بين النصوص والرؤى القديمة التي تشجب النظام السابق، ومن ثم يحدث التناقض بين الرؤى القديمة والوقائع الحياتية الآنية، لتجعل ما يدور على المسرح متأخرا عما يحدث في الواقع، وتعددت العروض مثل المسرحيات (بيت النفادي، شيزلونج، قوم يا مصري، دنيا أراجوزات، الديكتاتور، حواديت التحرير، تذكرة التحرير، ورد الجناين، المحروس والمحروسة، الحفلة التنكرية، سنو وايت والأقزام السبعة).
أما الفصل الثاني فقد خصصه الكاتب للدراما الإذاعية في لمحة شديدة الأهمية والخصوصية للدراما الإذاعية، التي لا تلقى أي اهتمام نقدي، ليقدم لنا الكتاب إشارة ذكية لأهمية الدراما الإذاعية وخصوصا مسلسلات (إيزيس، وغابت الشمس، سنوات المجد والرماد، بعد الغروب، عنترة بن شداد، الإمام محمد عبده، العهد، بليغ حمدي، شيخ من باريس).
وقدم لنا المؤلف قراءة ممتعة للفن الإذاعي ومتطلباته الخاصة جدا في الأداء والخيال والتلقي.
وكان الفصل الثالث بعنوان (الدراما السينمائية) وبدأها د. حسن عطية بالربط ما بين الواقع السياسي في العالم كله، والواقع الحياتي له هو شخصيا لمقاتل على جبهة الحرب وكناقد محترف ودارس وباحث للدراما في إسبانيا، كل تلك المفردات صنعت منه ناقدا يمتلك المرونة والحركة بين الأنواع الدرامية المختلفة برشاقة وجمال وجلال الكلمات والمفردات السينمائية المختلفة وكان التناول النقدي لما يسمى (سينما الثورة)، لكن عاد الكاتب بشكل جميل لما قبل ثورة يوليو وما بعدها بقليل، وأفلام تقدم نموذج الفتوة والبلطجي في موازة للواقع الحالي، لكن من زاوية مختلفة والتحول من الفتوة إلى البودي جارد، حيث التحول الزمني والحضاري ودخول مفردات واصطلاحات جديدة، ويقدم الكتاب قراءة لأفلام (زهايمر، الفاجومي، صرخة نملة، مولانا).
وكان الختام بالدراما التلفزيونية وفيها يعود المؤلف أيضا للربط ما بين الثورات؛ 1952 وما بعدها.. في مسلسلات (سنوات الحب والملح، الجماعة) والربط المباشر بين أحداث الماضي ووقائع الحاضر.
وأيضا تناول المسلسلات (ذات، موجة حارة، ونوس، سجن النساء).
هكذا تجول بنا الدكتور حسن عطية بين شتى الأنواع الدرامية بمرونة وذكاء ومكر شديد رابطا ما بين الماضي الدرامي والحياتي، والواقع الحياتي والدرامي في بوتقة واحدة وكأنه بمسرح أو يقوم بعملية أدرمة للواقع وتحضير للماضي بذكاء وعناية الأستاذ المخضرم.


محمود سعيد