فرقة يوسف وهبي المسرحية في طنطا

فرقة يوسف وهبي المسرحية في طنطا

العدد 775 صدر بتاريخ 4يوليو2022

ولدت فرقة رمسيس بالقاهرة في مارس 1923 لصاحبها يوسف وهبي! وقبل أن تتم عامها الأول زارت طنطا وعرضت فيها مسرحيتين، أعلنت عنهما جريدة مصر في يناير 1924 قائلة تحت عنوان «حفلة خيرية»: «جاءنا من جناب المسيو موريس ليفي سكرتير جمعية الطائفة الإسرائيلية بطنطا أن الجمعية ستحيي حفلة خيرية لمساعدة الفقراء، حيث تمثل فرقة يوسف بك وهبي روايتي «انتقام المهراجا» و«الحلاق الفيلسوف» مساء 2 فبراير القادم بمسرح المجلس البلدي، فنرجو أن تصادف هذه الحفلة من كرام الطنطاويين إقبالاً».
وبعد أكثر من عام عاد يوسف وهبي إلى زيارة طنطا مرة أخرى ليمثل بها مسرحية «الدم» أو كما أسماها في طنطا «الوراثة الدموية»! وكتبت جريدة الأهرام كلمة عن هذه المسرحية في مايو 1925، قالت فيها تحت عنوان «الزوجة المعذبة أو حياة المجرم» إن فرقة رمسيس للأستاذ يوسف بك وهبي الممثل المعروف، لها مواقف رائعة تثير الشجون وخصوصاً في رواية «الدم أو الوراثة الدموية»، وستقدمها لعشاق الفن من أهالي مدينة طنطا، وتتجلى فيها الفضيلة. وسنشاهد فيها ضحايا الكوكايين والمورفين وغيره من أنواع هذه السموم القتالة، التي تفشت بيننا بشكل مريع، فقضت على حياتنا الاجتماعية والأخلاقية. ولا عجب إذا اختار الأستاذ هذه الرواية وقدمها لشباب طنطا وشيوخها على مسرح تياترو البلدية بطنطا في يوم السبت 16 مايو. ويتخلل الرواية أجمل مرقص فخم من شهيرات الراقصات الشرقيات ضمن الرواية فتشاهد (رقصة التمساح، ورقصة البجعة المذبوحة، ورقصة الأحلام اللذيذة). وتباع التذاكر بشباك اليتاترو.

مسرحية الذبائح
تُعدّ مسرحية «الذبائح» تأليف أنطون يزبك أهم مسرحية مثلتها فرقة رمسيس منذ ظهورها عام 1923 وحتى عام 1925! بل وأجمع النقاد وقتذاك بأنها باكورة ظاهرة التأليف المسرحي المصري المحلي، بعيداً عن الترجمة والاقتباس! ونالت الذبائح شهرة كبيرة عند عرضها، ويتضح لنا ذلك من أقوال الصحف عندما أعلنت عن قُرب عرضها في طنطا! فما ذكرته جريدة الأهرام قبل وبعد عرض المسرحية في طنطا، لا يُصدق!!
قالت جريدة الأهرام في أوائل فبراير 1926: «إلى أهالي مدينة طنطا العامرة، إلى الرؤوس المفكرة، والعقول المدبرة، إلى الذوات والأعيان، إلى الملاك والممولين، إلى المؤلف في مكتبه، والطالب في معهده، والمزارع في حقله، والتاجر في حانوته، والعامل في مصنعه، والأسرة في خدرها، إلى السعداء والمحزونين، إلى البؤساء والمساكين، إلى العجزة والمتسولين، إلى كل من يهمه دروس الحياة النافعة، إلى كل الطوائف من جميع الأجناس، إلى كل من ينظر بمنظار مكبر إلى عظمة الفن الخالد، إليكم جميعاً يا أبناء طنطا الكرام، لا فرق بين كبير وصغير وغنى وفقير! اسمعوا هذا الصوت الذي يناديكم فيقول لكم على أكبر صحيفة مصرية. ماذا أعددتم لهذه المفاجأة الجميلة التي سيفاجئكم بها بطل التمثيل العصري الممثل العبقري الأستاذ «يوسف بك وهبي» على مسرح تياترو البلدية يوم الاثنين 8 فبراير الساعة 9 ونصف مساء. يظهر لأول مرة في هذا العام على رأس فرقته ذلك الفنان المدهش بعد احتجابه الطويل فيمثل لكم الرواية الشرقية التي ما شاهدها أمرؤ قط إلا وخرج مدهوشاً من جمال موضوعها وروعة مناظرها. رواية «الذبائح»!! الذبائح كلمة يقولها كل فرد ولكنها جارحة تُدمي الجفون، وتذيب المهج، وتبكي العيون دمعاً أسود!! الذبائح تدل في معناها على قسوة تتفتت لها الأكباد وتنخلع لها الأفئدة وتنحني أمامها العواطف وتثير كوامن الأشجان!! الذبائح قوة هائلة خارقة للنواميس البشرية، وستقدر فيها يوم مشاهدتها مأساة دامية تنقطع لحصولها نياط القلوب. فيا أبناء طنطا الكرام لا تدعوا الفرصة تفوتكم وكونوا عند حسن الثقة بكم، وبادروا في هذا اليوم لتكريم هذا البطل على مسرحكم أنه يسر بمرآكم ويبتهج للقياكم. الفرصة ثمينة، والوقت من ذهب، والفقير يقتصد من نفقاته الشيء القليل حتى يرضي ضميره. وكونوا على ثقة أنكم كلكم مدعوون، فلا يعتب أحد لعدم إرسال تذاكر له، بل عليكم شراء تذاكركم من ادارة «سينما بلاس الباتيناج» بشارع عباس، ومن محلات تجارة السيد علي الفقي وولده محمد أفندي الفقي بميدان الساعة وبشارع المديرية ومن مكتبة الأمة بشارع البورصة. تذكروا دائماً يوم الاثنين 8 فبراير رواية «الذبائح»».
 لم تكتف جريدة الأهرام بهذا الإعلان التشويقي، فنشرت إعلاناً أكثر تشويقاً قبل العرض بيومين، قالت فيه تحت عنوان «شعب طنطا يحتفل بيوسف وهبي»: «نحن لا نوزع تذاكر للجمهور، لا لمجرد صداقة، ولا بطريق الإكراه! موقنين أن شعب طنطا المحبوب سيقول كلمته الأخيرة يوم 8 فبراير، وهي لا تحتفل إلا بيوسف وهبي بطل التمثيل المصري، بمحض إرادتها وحسن اختيارنا. احتفالات ليال ثلاث 8، 9، 10 فبراير بعض الأجواق في مدينة واحدة، أليس هذا مدهش وغريب جداً! فلمن يكون الفوز ولأي جوق من هذه الأجواق الثلاثة؟! أنا أراهن أن يوسف وهبي سيحوز نصراً مبيناً، وسيكسب المعارك الثلاث، وسيحتفل به شعب طنطا بإرادة قوية وعزم ثابت! ألا تريد أن تصدقني؟! ستعلم!! اذهب إلى تياترو البلدية يوم الاثنين 8 فبراير الساعة 9 ونصف مساء. وهناك تشاهد ألوفاً من كل الطبقات ينتظرون بفارغ الصبر رفع الستار عن رواية «الذباح» تلك الرواية الهائلة التي أبدع فيها الأستاذ يوسف وهبي، وأظهر فيها مجهوداً فنياً مدهشاً فمتى ظهر أمامهم على المسرح حيوه بقلوبهم قبل ألسنتهم! فلا تسمع منهم إلا تصفيقاً يشبه قعقعة الرعد، وهتافاً يدوي في المكان. وبعد تقول حقاً إن شعب طنطا يحتفل بيوسف وهبي!! يمكنك شراء تذاكرك من سينما بالاس ومن محلات تجارة السيد علي الفقي ومن مكتبة الأمة».
وجاء موعد الحفلة، وعرضت الفرقة المسرحية، وكتب عنها أحد نقاد طنطا المسرحيين، ونشر ما كتبه في جريدة فنية محلية تُطبع في طنطا، هي جريدة «الممتاز»! قال الناقد يوم 10 فبراير 1926 تحت عنوان «على مسرح البلدية»: «شاهدت للمرة الأولى رواية «الذبائح» على مسرح البلدية بطنطا، التي قام بتمثيلها الأستاذ يوسف بك وهبي، وهي الرواية الشرقية التي تجلت فيها عواطفنا وأخلاقنا. وتتلخص هذه الرواية في أن همام باشا تزوج بأمينة المصرية، وظل معاشراً لها عامين، ثم لعبت برأسه الشهوات وأضله الشيطان عن طريق الرشاد، فتزوج بنورسكا تلك الفتاة الأجنبية التي لا تربطه بها أي رابطة. فهي أجنبية عنه تغايره ويغايرها، فلا جنسية ولا قومية ولا لغة ولا دين. ظلت معه هذه الأجنبية زهاء العشرين عاماً فغيرت كل شيء، وطمست معالم كل شيء، وقلبت نظام الأسرة، وقوضت الهناء العائلي. وأقامت على الأخلاق المصرية الشرقية أخلاقاً غريبة. استيقظ ضمير همام باشا وبدأ يوبخه على هذا الانشقاق. وأحس بالجرم الذي ارتكبه، والهاوية التي سقط فيها. وشعر أن نورسكا تزوجته زواجاً مادياً، وأن الأهم لها إشباع مطامعها وإعلاء كلمتها، وتشبعها بالحرية المطلقة. فهي تأبى أن يكون لزوجها سلطان على قلبها وشعورها له، منها جمالها ودلالها ولها عقلها وعوائدها وحريتها. أقعد المرض همام باشا، وساقت إليه الظروف (مطلقته) المصرية في ثوب مُمرضة، بعد أن باعد الدهر بينهما، وانكشف الأمر فإذا بتلك الممرضة المتنكرة تلك الزوجة المصرية الوفية انساقت بشعورها وعواطفها إلى مواساته في محنته. فخلع عنها ذلك الثوب، وأسلم إليها مقاليد منزله وعادت ربة لبيته وسيدة فيه. هنا يتجلى دهاء المرأة في تصادم (الضرتين) مصرية وأجنبية، كلاهما تحاول أن تنتصر على الأخرى. وكلاهما تحاول أن تفوز بهمام باشا، ليكون لها وحدها. الأجنبية تزعم أن المصرية قد فجعتها في زوجها، وأن ليس لها أن تزاحمها بعد أن ألقى حبلها على غاربها وأنكرها!! والمصرية تقول إنه زوجها وإنها أول ثمرة من ثمرات الحياة وإنها هي التي شيدت هذه الأسرة، وعلى كتفها قامت هذه العائلة، وأن ضرّتها قد اغتصبت منها زوجها. هي أجنبية عنه وهو أجنبي عنها، وهناك تنافر في المشارب أسلمته جسمها دون قلبها. أما هي فقد أسلمته كل شيء لأنه زوجها، والرجال قوامون على النساء. وأخيراً وقعت الواقعة، وطلق همام باشا نورسكا، ولكن بعد أن أحدثت ثغرة في هناء الباشا وأقامت على الأنقاض جروحاً دامية، فتوالت النكبات فمن موت ولده إلى جنون محبوبة ولده. وكانت خاتمة هذه الذبائح موت همام باشا برصاصة من مسدس نورسكا! وتلك عاقبة أولئك الذين يتركون بنات جنسهم ويتزوجون بأجنبية منهم. إن في رواية الذبائح لعظة وعبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد. [توقيع] عبد اللطيف خليل».

مسرحيات متنوعة
نجاح يوسف وهبي في طنطا، كان السبب في زيارتها مرة أخرى في مايو 1926 وتقديم مسرحيات أخرى مثل «توسكا» و«مستشفى المجاذيب» كما أخبرتنا جريدة المقطم. وبعد عام وتحديداً في إبريل 1927 قرر يوسف وهبي عرض أشهر مسرحية له وقتذاك في طنطا، وهي «كرسي الاعتراف» على مسرح سينما الباتيناج! وكالعادة مهدت جريدة الأهرام لهذا العرض بكلمة قالت فيها، تحت عنوان «أهالي طنطا يحتفلون بتكريم يوسف بك وهي»:
«عزّ على الأستاذ «يوسف بك وهبي» أن ينتهي موسم تمثيل هذا العام بدون أن يزور عاصمة مديرية الغربية، التي هي في المكان الأول عنده. وقد وجد في آخر وقت أن الفرصة ملائمة لإحياء حفلة بها يُمثل فيها أجمل رواياته كتذكار منه لأهالي هذه العاصمة. وعليه فقد تم كل شيء وسيتوجه إليها مع فرقته يوم الأربعاء 27 إبريل الساعة 9 مساء، وسيمثل على مسرح تياترو سينما الباتيناج رواية «كرسي الاعتراف»!! كرسي الاعتراف هي الرواية المشهورة التي ظهر فيها الأستاذ ظهوراً مدهشاً في هذا العام، والتي منحته من أجلها حكومة روما وقداسة البابا نيشان الفخر، يمثلها في هذه الحفلة العظيمة حباً بشعب طنطا الذي يقدر الفنون الجميلة، ويشجع التمثيل الأدبي. وما أن ذاع نبأ زيارة الأستاذ هذه المدينة، حتى تهللت الوجوه بشراً وامتلأت القلوب سروراً، وقام الأعيان والتجار والطلبة للاحتفاء بتكريمه. وسينضم إليهم عدد كبير من أفاضل الشعراء والخطباء وأرباب الأفلام فينثرون الدرر الغوالي فوق رؤوس الحاضرين ويقدرون للأستاذ مجهوده الفني، وخدمته للمسرح. وسيشاهد شعب طنطا أن هذه الحفلة ستكون الأولى من نوعها، وما عليهم إلا أن يلزموا الصمت التام عند رفع الستار إلى سدولها. أما الطلبة وهم عماد هذه النهضة فالمطلوب منهم المحافظة على النظام وتقديم كل مساعدة للمشرفين. أما التذاكر فهي على قدر الكراسي الموجودة تماماً، ومتى نفدت يقفل باب البيع. وتُطلب من شباك تياترو سينما الباتيناج بطنطا».
وفي أغسطس 1927 عرضت الفرقة في طنطا مسرحية «الصحراء» بتياترو الباتيناج، وهي مسرحية تحكي نضال زعيم الريفيين «عبد الكريم الخطابي المراكشي» ضد الاستعمار الإسباني. وفي ديسمبر 1927 نشرت جريدة «روضة البحرين» خبراً، قالت فيه: «افتتحت فرقة رمسيس تياترو المجلس البلدي بمدينة طنطا مساء الثلاثاء الماضي بتمثيل رواية «ملك الحديد» بعد أن مضت مدة طويلة على تعطيل هذا التياترو. وقد نفذت تذاكر الحفلة كلها قبل موعد التمثيل بمدة، وحضره صاحب السعادة مدير الغربية، والذي أقام هذه الحفلة حتى يتمكن بالأرباح التي تزيد عن المصروفات، من إصلاح التياترو، وجعله مطابقاً لكرامة مدينة عظيمة كطنطا».
وفي فبراير 1928 عرضت الفرقة مسرحية «في سبيل التاج». وفي يناير 1929 عرضت الفرقة على تياترو الباتيناج مسرحية «الاستعباد»، وكتبت عنها جريدة «البلاغ» كلمة بعد عرضها، قالت فيها: كان التقدير الذي قوبلت به فرقة رمسيس في طنطا مساء يوم الاثنين الماضي بالغاً أشده. وقد قابل الجمهور المحتشد في المسرح في كل موقف وفصل من مواقف رواية الاستعباد وفصولها بحماس كبير، وهتاف وتصفيق شديدين، تجاوزا عنان السماء. حتى بلغ حب الجمهور لرمسيس أن أخذوا يهتفون بحياة الأستاذ يوسف بك. وفي اليوم الثاني تجمهر في نهاية رواية الاستعباد وقفزوا إلى المسرح، يحاولون حمل يوسف بك على أعناقهم بين الهتاف والتصفيق، وهو يتراجع ويشكرهم لهذا الشعور الصادق النبيل. وقد انتهت الليلة بشبه مظاهرة.
وفي فبراير 1929 مثلت الفرقة في طنطا وعلى مسرح الباتيناج مسرحية «الولدان الشريدان». وهي دراما عصرية من أربعة فصول وعدة مناظر، تأليف دي كورسيل، تعريب حبيب جاماتي. ويقوم بأهم أدوارها أبطال التمثيل في الشرق ونوابغ الفن «يوسف بك وهبي، وجورج أبيض». ويوجد خصم لمن يشتري التذاكر قبل يوم الحفلة، وجميع المحلات منمرة! هكذا نشرت جريدة «البلاغ».
وفي إبريل 1929 مثلت الفرقة مسرحية «يوليوس قيصر» ترجمة محمد بك حمدي. على مسرح البلدية بطولة يوسف وهبي وجورج أبيض. وفي ديسمبر من العام نفسه مثلت الفرقة مسرحية «إيفان الهائل» على مسرح البلدية أيضاً كما قالت جريدة البلاغ. أما مسرحية «الجحيم» فكانت آخر عرض لفرقة رمسيس في طنطا وفقاً للفترة الزمنية المحددة، وتم عرضها في مارس 1930 على مسرح البلدية، كما قالت جريدة الأهرام.


سيد علي إسماعيل