المهرجانات المسرحية في مصر.. هل تحقق العدالة الثقافية؟

المهرجانات المسرحية في مصر.. هل تحقق العدالة الثقافية؟

العدد 552 صدر بتاريخ 26مارس2018

تعد المهرجانات المسرحية المتنفس الأول للطاقات الإبداعية، حيث يتعرف عليها النجوم والمختصون وتقيم إبداعاتهم على أسس علمية وأكاديمية وفنية، في هذه المساحة نسأل عن فكرة مركزية الفعاليات المسرحية والمهرجانات ومدى أهمية خروج المهرجانات إلى الأقاليم لتحقيق عدالة ثقافية، إضافة إلى رصد للمهرجانات في مصر مع عدد من رؤساء المهرجانات.

          قال الدكتور جمال ياقوت: في الإسكندرية مجموعة من المهرجانات التي تقام بشكل منتظم، ومنها مهرجان “مسرح بلا إنتاج” الذي أسس عام 2008 وفلسفة إنتاجه تقديم مشهد مسرحي مبهر، اعتمادا على الخيال وليس المادة، وشعاره “الخيال وليس المال”، فهو يشجع الشباب على أن يمارسوا المسرح ويقدموا إبداعاتهم بعيدا عن الاحتياج المادي. وقد تحول المهرجان إلى الصفة الدولية في الدورة السادسة، ويتكاتف في إقامته نحو خمسين شابا من الإسكندرية يبذلون قصارى جهدهم، فهو يقام بالجهود الذاتية إضافة إلى الدعم اللوجيستي، ويقام على 6 مسارح في الإسكندرية.
تابع: هناك أيضا في الإسكندرية مهرجان “مركز الحرية للإبداع” الذي تحول إلى مهرجان محلي عربي، بالإضافة إلى مجموعة من المهرجانات مثل مهرجان “الشوارع الخلفية”، ومهرجان “الإسكندرية الدولي للمسرح المعاصر” الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية، ومهرجان “نقابة المهن التمثيلية”. أشار ياقوت إلى أن الإسكندرية بها عدد معقول ومنتظم من المهرجانات تلقى تعاونا من المسرحيين الكبار، ولكن ينقصها اهتمام الدولة على مستوى التمويل المادي.
أضاف: هناك مجموعة من المهرجانات المهمة في المحافظات الأخرى، مثل مهرجان زفتى، ومهرجان ميت غمر، ومهرجان شباب الجنوب، ولكن هذه المهرجانات تمويلها ضعيف، وهناك مناطق أخرى محرومة من إقامة فعاليات ثقافية؛ حيث لا يوجد بها من يقاتل من أجل ذلك، ويجب أن تكون هناك عدالة ثقافية في توزيع الخدمة المسرحية. أضاف: أغلب المهرجانات الرسمية تقام في القاهرة، بخلاف مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي الذي يستهدف فكرة تنشيط السياحة.
وتمنى عمل فعاليات مسرحية في بقية المناطق التي يتم تجاهلها، ووجود خطة لهذا الأماكن، وأن تقوم الدولة بتفعيلها حتى تقدم الخدمات الثقافية والمسرحية بشكل يحقق عدالة ثقافية. وأضاف د. جمال ياقوت أن مستوى المهرجانات في السنوات الأخيرة قد تراجع بشكل عام، وهذا يرجع لعدم توافر تمويل كافٍ لاستضافة فرق قوية، والاعتماد على شروط «التبادل الثقافي» وأن تتحمل التكاليف المالية الخاصة بالتذاكر وهو ما يساهم في تحجيم فرص وجود فرق عالمية لها إبداعات ملموسة، إضافة إلى أن جزءا كبيرا من المهرجانات الرسمية، لا تفتح المجال لمشاركة فرق من خارج القاهرة بها كفاءة كبيرة.
مراعاة عدم التشابه
وقال الدكتور حسن عطية رئيس المهرجان القومي: نحتاج مهرجانا في كل عاصمة وإقليم، نحتاج في أسيوط ليكون معنيا بوسط الصعيد، مع مراعاة عدم التشابه، وأن ندعمها مثلما ندعم مهرجانات العاصمة. أضاف: ونحتاج أيضا إلى إقامة مهرجان بالإسكندرية لدول البحر المتوسط، مثلما هناك مهرجان لسينما البحر المتوسط، مع مراعاة حجم الجمهور الموجود في المحافظة، لأننا لا نستطيع إقامة مهرجان كامل في منطقة نائية أو مدينة عدد المهتمين بها قليل، كما أطالب بعودة مهرجانات الثقافة الجماهيرية لأن لديها ستة أقاليم كانت تقام بها ستة مهرجانات، ثم يقام لها مهرجان ختامي في مكان ما مختلف كل عام، وهو ما لم يعد يحدث.
وأطالب بعودة مهرجانات المسرح الجامعي، فقديما كانت تقيم كل جامعة مهرجانا خاصا بها، ثم يقام للفائزين مهرجان، وتم استبدالها بمهرجان إبداع، حيث تقام بجانب الفعاليات المسرحية مجموعة أخرى من الفعاليات الفنية. تابع عطية: المسرح الجامعي حقق نجاحات في السنوات الأخيرة لدرجة أنه أصبح ينافس الفرق الكبرى، وهو ما يحتاج الدعم والاستمرار، كما نحتاج تسليط الضوء على المهرجانات التي تقام في المحافظات، ومنها المهرجانات الجامعية المختلفة مع زيادة عدد ليالي العرض.
وعن خريطة المهرجانات في مصر، قال: هناك عودة مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي والمعاصر، الذي عاد بعد معاناة، ومهرجانات أو ملتقيات مثل مهرجان «آفاق مسرحية» الذي يحتاج أن يتبلور بشكل أكبر لأنه يهتم بالفرق الحرة والمستقلة، وهو شيء جيد، إضافة إلى المهرجان القومي للمسرح الذي يعد حصادا لنتاج العام من العروض المسرحية الممثلة لأكثر من جهة إنتاجية.
الشعارات
أما الدكتور سامح مهران، فتساءل: هل لدينا بنية أساسية تحتمل إقامة مهرجانات في عمق الريف والصعيد المصري؟ هناك أعداد كبيرة من قصور الثقافة غير مهيأة لعمل برامجها، فكيف تستطيع استقبال عروض تحتاج إلى تقنيات عالية الجودة! في الوقت الذي تعاني منه بعض خشبات المسارح في القاهرة.
وأضاف: أرجو ألا تأخذنا الشعارات، في البداية نحتاج إلى عمل بنية أساسية في المناطق المحرومة، مشيرا إلى أن هناك مناطق للأغنياء في القاهرة محرومة أيضا من الفعاليات المسرحية مثل منطقة الشيخ زايد, والسادس من أكتوبر، والتجمع الخامس، وجميعها أماكن محرومة من العدالة الثقافية.
وأشار مهران إلى أن خريطة المهرجانات تضم مجموعة من المهرجانات الجيدة وفقا للإمكانيات والظروف والسياق الذي يظهر من خلاله المهرجان، وهدفنا منذ عامين في «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر» ألا تستبعد مصر من خريطة المهرجانات الدولية، ولكن بعد الاستقرار سنأخذ منحى آخر، بالإضافة إلى اختلاف أهداف المهرجان، وقد أصبح لا يقدم عروضا مسرحية فقط، ولكنه يقيم الورش والندوات لإعادة تأهيل الشباب المسرحي.
وقال أحمد رمزي مدير النشاط المسرحي بساقية الصاوي، إن إقامة المهرجانات شيء ضروري للغاية، حيث يحرك المسرح ويدفع بالفرق المسرحية الحرة للمنافسة والعمل والاجتهاد، ومن المهم خروج المهرجانات إلى بقية المحافظات، ولكن المشكلة المؤرقة هي الإمكانيات التي إذا توافرت فلن تترد أي محافظة في إقامة مهرجانات، وهناك الكثير من المهرجانات التي تقام في المحافظات والتي تهتم بالفرق الحرة مثل مهرجان ميت غمر المسرحي ومهرجان زفتى، بالإضافة إلى المهرجانات التي تقام بالصعيد.
تابع: هناك ضرورة لأن تتعاون وزارة الثقافة مع الوزارات الأخرى، مثل وزارة السياحة، فمن الممكن أن يقام مهرجان لفن المايم ويكون دوليا، مما يسهم في الخروج من الأطر التقليدية.
لا بد أن تتوجه المهرجانات إلى الأقاليم
وقال الكاتب ومدير نوادي المسرح شاذلي فرح: ليس صحيحا أنه لا تقام مهرجانات خارج العاصمة، فهناك مجموعة من المهرجانات منها مهرجان أحمد بهاء الدين, ومهرجان سمنود، ومهرجان زفتى، وميت غمر، بالإضافة إلى مهرجانات الجامعة، ولكن هناك تقصير إعلامي ونقدي، 80% من النقاد يقومون بالتحكيم، ولكن هناك عددا كبيرا من النقاد لا يتابعون هذه المهرجانات.
وعن تجربة نوادي المسرح، أضاف شاذلي فرح: أقمت مهرجانات ختامية في المحافظات، ومنها الإسماعيلية، والإسكندرية، والزقازيق, والملاحظ أن جماهير الأقاليم أكثر توافدا من الجمهور في العاصمة، فهو متعطش للفنون المسرحية، وتساؤلي لما لا تقام المهرجانات الرسمية في إحدى المحافظات؟
المدن كثيفة السكان
بينما ذكر مهندس الديكور محمد قطامش أن كل مكان له خصوصيته، وأهميته وبالنسبة لفناني الأقاليم، فهم يفضلون العاصمة، (السامر) بالتحديد ويعتبرونه بيتهم الأهم وقبلتهم المسرحية، فلهذا المكان جلاله ويفضله هواة الأقاليم، حيث يسلط من خلاله الضوء عليهم.
ولكن السادة أعضاء اللجان كانوا يفضلون إقامة مهرجانات التصفيات المسرحية المختلفة بالمدن الساحلية (المصايف) إذا كان التوقيت صيفا، ويفضلونه بالصعيد إذا كان التوقيت شتويا بدون أي استراتجية، وأنا شخصيا أفضل إقامة بعض المهرجانات بالمدن كثيفة السكان (الدلتا)، للتأثير الثقافي الإيجابي على رقعة كبيرة من الجمهور، لكن المهرجانات خارج العاصمة يتحكم فيها عاملان ليس لهما أي هدف استراتيجي ثقافي، إما مزاج اللجان والمنظمين في حال توفر لهم الدعم المادي المركزي، أو المحافظين المرحبين بالمهرجانات والقادرين على أعباء الاستضافة، وفي الغالب لخدمة أهداف خاصة بهم ولا علاقة للثقافة بها.
النمطية تؤدي إلى الفشل
وقال المخرج هشام السنباطي مؤسس مهرجان آفاق مسرحية تتركز مشكلة المهرجانات التي تقام بالأقاليم في أنها لا تلقى أي ضوء إعلامي، وهو ما يتسبب في عدم نجاح بعضها، بالإضافة إلى أن هناك بعض المهرجانات التي تقام في العاصمة أيضا تفتقر أيضا إلى التسليط الإعلامي، وكما نعلم أن المهرجانات محصلة النشاط المسرحي، فإذا كنا نريد إقامة مهرجانات ناجحة في الأقاليم، فعلينا أن نهتم بفرق قصور الثقافة، وهو ما سيساهم في نجاح المهرجانات، ومن وجهة نظري أن المهرجانات في مصر لم يطرأ عليها الكثير من التغيرات، فهي تقدم بنفس التناول ونفس الأنماط، ولم يتم استحداث الكثير من الأمور المتعلقة بها، والنمطية في المشروع الناجح تؤدي إلى فشل.

 


رنا رأفت