أحوال ليست شخصية

أحوال ليست شخصية

العدد 550 صدر بتاريخ 12مارس2018

على مسرح أوبرا ملك التابع للبيت الفني، تم افتتاح باكورة عروض مسرح الشباب تحت إشراف مدير مسرح الشباب عادل حسان، عرض “أحوال شخصية” تأليف وأشعار ميسرة صلاح الدين، موسيقى حازم الكفراوي، ديكور وأزياء أحمد إسلمان، إضاءة عز حلمي، مكياج منة الأبيض، مادة فيلمية محمود صلاح، أغنية “مانيكان” و”كل يوم بسمع كلام” إهداء أيمن النمر، أداء تمثيلي: عبير الطوخي، لمياء جعفر، ندا عفيفي، راماج، جيتار وغناء بسمة البندراوي، ساعد في الإخراج شيماء إسماعيل، مخرج مساعد معتز مغاوري، مخرج منفذ معتز عبد الخالق، فوتوغرافيا عادل صبري، وإخراج أشرف حسني.
ما زالت مجتمعاتنا العربية لا تعي أن المرأة كل المجتمع وأن قهرها ينشئ أجيالا هشة ونفوسا مريضة، وأن حرمان المرأة من التعبير عما لديها من مشاعر وعن ممارسة الحياة بكل تفاصيلها وسلبها الكثير من حقوقها في الميراث وفي التعليم وفي السعادة، يدفعها رغما عنها لإنتاج أجيال مشوهة. عن قهر المرأة في مجتمعنا كان عرض “أحوال شخصية” الذي قدمه المخرج أشرف حسني، والذي أسميه أحوالا ليست شخصية لأنها تؤثر على المجتمع ككل سلبا وإيجابا.
من داخل محل الملابس تبدأ الحكاية بعد انتهاء مواعيد العمل وانصراف صاحبه للسهر على المقهى مع أصدقائه حتى الصباح، حيث تبدأ المانيكانات الأربعة - بطلات العرض - اللائي يحاولن الاتفاق على الهروب من المحل ويفشلن في الاتفاق، لتسرد كل منهن حكايتها وصراعها مع المجتمع والتحديات التي واجهتها حتى صارت مانيكانا، بدءًا من ابنة الصعيد التي هربت من قريتها ملوي ومن ثم تتعرض للمشكلة الأزلية في التفرقة بين البنت والولد وامتلاك الرجل لحقوقه كاملة في التعليم والحياة والميراث في حين حرمان البنت من كل شيء، حتى يفكر الأب في الثورة على عادات الصعيد ومنح ابنته حقها في الأرض وهو على قيد الحياة، فتثور كل القرية عليه فيضطر إلى أن يدفع ابنته للهروب نهائيا عن الصعيد، لتتوه الفتاة في شوارع القاهرة.
أما الثانية ابنة طنطا التي هرب والدها بعدما سطا على كل ما ادخروه في البريد لتحيا الزوجة منكسرة وتزوج ابنتها في الرابعة عشرة من عمرها ويعمل ابنها الصغير صبي في ورشة، وتندمج هي في عالم الإنترنت والمواقع الإباحية حتى تزوجها والدتها في الثالثة عشرة من رجل أكبر من أبيها، فتخاف البنت وتقتله دفاعا عن نفسها.
والنموذج الثالث للمحامية التي تزوجت وأنجبت طفلين وزوجها يصر على حرمانها من العمل وتحقيق ذاتها، لتستخدم كل الحيل في الحصول على حقها في العمل لتحقيق أحلامها في النجاح وشراء سيارة وشقة كبيرة، إلا أن محنة مرض ابنها وتدخلها لعلاجه عندما عجز زوجها دفعه لتطليقها وحرمانها من أطفالها وزجها بالشارع عندما اكتشف أنها تدخر في البريد من ورائه.
والنموذج الرابع للسيدة المتعالية الساخطة على ظروف أسرتها التي تزوجت ابن الطبقة الأرستقراطية، واستجابت له عندما تضرر من وجود والدتها معهم في البيت، فطردتها إرضاء له حتى اضطرت الأم للعمل متسولة، وتزداد قسوة الابنة حتى تتعرض لمرض غريب وتبحث عن أمها لتطلب منها السماح في الوقت الذي تفارق فيه الأم الحياة ولا يفيد الندم.
تنوعت في العرض أساليب القهر للمرأة ما بين الأب والأخ والزوج والابنة، لكنها في النهاية نتيجة واحدة القهر هو القهر وحرمان المرأة من كل حقوقها في التعليم والعمل والزواج والحياة بشكل طبيعي ومشروع يدمر مجتمعا بأكمله، فالعرض يدق ناقوس الخطر، إلا أن المخرج استطاع تقديم تلك الوجبة القاسية في إطار كوميدي غنائي أكسبه صيغة أقل مرارة على نفس المشاهد، كذلك أشعار العرض التي قدمها أيمن النمر وميسرة كانت قوية بما يكفي لتمنح العرض جمالا فنيا عندما تم تضفيرها بألحان حازم الكفراوي المتميزة وصوت بسمة البندراوي الدافئ والعزف الحي طوال العرض، كذلك كان قادرا على اقتراب الجمهور من حالة الدفء.
السينوغرافيا التي صممها أحمد إسلمان للعرض جاءت جذابة لمحل الملابس؛ شماعات الملابس معلقة في كل مكان، وفتارين عرض المانيكانات التي تتغير أماكنها حسب الحركة المرسومة، شاشة العرض في منتصف العمق التي كان يستطيع المخرج الاستغناء عن وجودها، فالمادة الفيلمية التي تم عرضها من وجهة نظري لم تضف كثيرا للعرض. بينما استطاع عز حلمي صناعة إضاءة متميزة حتى النهاية، وكذلك التفاصيل التي أكد عليها المخرج كانت شديدة التأثير كاستخدام السيدات لإبر وخيوط الكورشيه في كثير من المشاهد، والتعامل مع الجمهور في الصالة وإن لم يكن بقدر كبير والدخول والخروج من الفتارين.
جاء الأداء التمثيلي للفتيات الأربع متوهجا وجريئا وخفيف الظل طوال العرض؛ مباراة تمثيلية لهن أمتعت الجمهور حتى في لحظات الحكي الفردية، أكدت على الاختيار الجيد لأشرف حسني. أمتعتنا عبير الطوخي كالمعتاد فبكينا وضحكنا معها، وكذلك الأداء القوي لندا عفيفي في دور الصعيدية، ولمياء جعفر في دور الأرستقراطية، والجميلة راماج.
نص حكي جيد قدمه ميسرة صلاح الدين، وعرض حميم يسلط الصور من جديد على ما يحاك ضد المرأة من قهر وعنف في كثير من القرى والمدن ما زال من زواج القاصرات وقهر المرأة نفسيا وفكريا وجسديا، باعتبارها الغواية والكم المهمل الذي جاء إلى الحياة لإشباع غرائز الرجل دون أن تمارس حقوقها في الوقت الذي كانت المرأة في مطلع القرن التاسع عشر أكثر تحررا من ذلك كما يطرح العرض.
شكرا لمسرح الشباب ومديره عادل حسان وشكرا لكل صناع العرض الذين أسعدونا بعرض بهذا النضج.
“أحوال شخصية” تأليف وأشعار ميسرة صلاح الدين، موسيقى حازم الكفراوي، ديكور وأزياء أحمد إسلمان، إضاءة عز حلمي، مكياج منة الأبيض، مادة فيلمية محمود صلاح، أغنية “مانيكان” و”كل يوم بسمع كلام” إهداء أيمن النمر، أداء تمثيلي، عبير الطوخي، لمياء جعفر، ندا عفيفي، راماج، جيتار وغناء بسمة البندراوي، ساعد في الإخراج شيماء إسماعيل، مخرج مساعد معتز مغاوري، مخرج منفذ معتز عبد الخالق، فوتوغرافيا عادل صبري، وإخراج أشرف حسني.


عفت بركات