العدد 547 صدر بتاريخ 19فبراير2018
سامح العلي شاعر وكاتب ومؤلف مسرحي، قدم مؤخرا عرض «التانية في الغرام» وحوله كان هذا الحوار..
لماذا اسم (التانية في الغرام)؟
لأن (الأولة في الغرام) أبدعها الشاعر الراحل الكبير بيرم التونسي، فكتبت أنا (التانية في الغرام). وأنا منذ بدأت تجميع قصص الحب من التراث منذ عشرين عاما، (حسن ونعيمة) و(ياسين وبهية) و(ناعسة وأيوب) و(عشتار وجلجامش)، وبدأت البحث في التراث وجمع تراث العلاقة بين الرجل والأنثى وكل قصص الحب عبر التاريخ بأشكالها وتكوينها بدأت بعمل (الأولة في الغرام) من خلال قصص الحب تلك بعمل (ناعسة وأيوب)، وسجلتها كأسطوانة (سي دي) غنائية مثل قصة (علوان وفاطمة) التي في مسرحية (التانية في الغرام)، لكن (علوان وفاطمة) تختلف عنها بأن بها بعض مشاهد درامية، أما (ناعسة وأيوب) فحكيت القصة كلها من خلال الغناء وأسميتها (الأولة في الغرام) الخاصة بي، وعليه فهذه (التانية في الغرام). أما أول مسرحية أخرجتها للمسرح فكانت (الأولة في الغرام بيرم المصري) وليس بيرم التونسي، وفي ظل المناخ السائد حاليا أفكر جديا في اعتزال الفن بعد ما واجهته من صعوبات في إخراج هذه التجربة، بعد كل هذا الضغط العصبي والفني والنفسي والمادي وعلى كل المستويات، فأنا في الفن منذ ثلاثين عاما أبذل مجهودا كبيرا ولم يحقق لي أي مكاسب، لأني لا أملك مقومات الصعود، لا أملك إلا موهبتي. والفن في حد ذاته مجهد للفنان الحقيقي، فنحن أصبحنا في زمن الموهبة فيه لا تفرض وجود الفنان وحدها بل توجد وسائل أخرى تحقق ذلك.
كيف كانت تجربتك السابقة في الإخراج المسرحي؟
هذه هي التجربة الثانية لي. أما الأولى فكانت عرض (الأولة بيرم المصري) وهي (الأولة في الغرام) على مسرح الطليعة وقدمت بها مزيجا لمجمل أعمال بيرم التونسي وقدمت بها فكرة جديدة، وحققت نجاحا جماهيريا «كامل العدد» في شهر رمضان، وكان مدير الطليعة وقتها فنان محترم وهو الفنان القدير(ماهر سليم)، وكنت قد قدمت مشروعا اسمه ثلاثاء الطليعة، حيث أعمل في يوم إجازة المسرح وهو الثلاثاء من كل أسبوع، في هذا اليوم استحضرت الشعراء وأسميته (الثلاثاء القادم)، وهو اسم له مدلول عندي، ومزجت أشعار بيرم مع كل ما يصلح من أعماله لأن يصبح دراما، بالإضافة لدمج موسيقي للآلات الشعبية، فكان جديدا أن يعرض بيرم التونسي بالآلات الشعبية التي قدمها الفنان (محمد باهر)، مع الفنان (مصطفى رزق) الذي غنى أغاني الشباب وكأنهم أبناء بيرم، وقدمت ثلاث نماذج من داخل الشعر، فالشعر دائما بداخله امرأة ورجل وأراجوز ساخر، فقدمت الرجل المنتصب القامة عندما قال بيرم: أنا المصري كريم العنصرين وأداه الفنان (مفيد عاشور)، ثم الأراجوز أو الساخر الموجود بداخل (بيرم التونسي) وأداه (محمود عبد الغفار)، أما مصر فمثلتها الفنانة (نيفين رفقي) وكان معهم مجموعة من الشباب مثل (أحمد إبراهيم) و(رشا سامي) و(حسن نوح)، فقدمت ساعة كاملة تسجيلية إبداعية تثقيفية، كسرت فيها الإيهام بإدخال خمسة شعراء بين التمثيل. مثلما أقدم هنا في (التانية في الغرام) حيث أقدم أول موسيقى في المسرح المصري ارتجالية على الهواء مباشرة، حيث يقدم عازف الناي موسيقاه مباشرة دون إعداد مسبق أثناء الأحداث. فدائما أحب أن يكون الفن به عنصر جديد وحي.
أنت مؤلف وشاعر وباحث في التراث ما الذي جعلك تفكر أن تخرج (التانية في الغرام) بنفسك ولا تسندها لمخرج آخر؟
أنا أتعامل مع كل ما له علاقة بي إخراجيا، فالقصيدة التي أكتبها لها عندي حالة إخراجية على المسرح، فكما يقول عني الشعراء أني أكتب صورة سينمائية في الشعر، حتى في القصائد التي تحمل طابعا خاصا دائما أبحث عن الصورة في الشعر، لأني أرى أن الفن إن لم يحمل صورة به محتوى متناسق ومتكامل ومترابط، وله وجهة نظر ورؤية إبداعية.. لذلك أرى أن 90% من الشعراء ينظمون الشعر لكن لا يكتبونه، فليس لديهم وعي يشكل الحياة الحقيقية إلا إذا كان به صورة إبداعية حقيقية تؤرخ للذاكرة. لي نصوص كثيرة نالت جوائز ومع ذلك وحتى الآن بعد عشرين سنة تعيين بهيئة المسرح كفنان لم يتم إنتاج أي عمل مسرحي من تأليفي، فقط تتم الاستعانة بأشعاري، فلم أتكسب ماديا من الفن إطلاقا. بدأت في مسرح القرية وعمري عشر سنوات وليس لدي أي فكرة عن الإخراج والتمثيل، كانت تقام حفلة بعد الدورة الكروية، فيطلب مني أهل القرية أن ألقي أشعارا ومشاهد تمثيلية وكنت أقوم بإخراجها بنفسي ورسم الحركة لنفسي، وكنا نكتب ما يضحك أهل البلد، فمن صغري أنا متعلق بالمخرج بداخلي. وفي الجامعة أخرجت عروضا كثيرة وكلها حصدت جوائز، الإخراج مرهق عصبيا وقد نصحني اثنان من أساتذتي بأن استمر في الشعر لأني شاعر موهوب وأن ابتعد عن الإخراج فابتعدت عنه. لكن عندما طلب مني نصا أيام الثورة وعرض على مسرح البالون لم أرض إخراجيا عنه لدرجة أني حزنت جدا واكتأبت، وقد صدق الشاعر الراحل الكبير صلاح عبد الصبور حينما قال: (المخرجون مقصلة المبدعين) بمعنى المؤلفين، فأحيانا يكون المخرج له رؤية فيحذف من النص مايشاء ليحقق رؤيته، و97% من المخرجين لايفهمون أي شيء، ويظنون أن المخرج لا بد أن يضيف ويحذف. ولو أن المخرج فهم النص من البداية بشكل خاطئ أو قرأه برؤية مغايرة أو استوعبه من خلال دولاب حركة التمثيل المختزن بفكره فسيدمر الإبداع المكتوب تماما. لذا حاولت أكثر من مرة أن أوضح للمخرجين أن الإخراج هو أن تخلق روح وحالة وأن تصدق ماتبدعه، وقررت أن استعيد إرث المخرج بداخلي وتقدمت بهذه التجربة، لكن التجربة هنا في مسرح البالون إداريا صعبة. فلو كانت في البيت الفني للمسرح لكان أسهل كثيرا. مع أن هذه التجربة كما قال الفنان (محمد عبد الجواد) هي قوام مسرح البالون الذي يجب أن يقدمه، فعندما بدأت بتلك التجربة كنت أحلم أن تكون الرقصات لفرقة رضا، أو الفرقة القومية، والأوركسترا الخاص بالفرقة القومية للفنون الشعبية، بمعنى أن أعمل بأدوات البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، فاكتشفت في النهاية أني لم أعمل بأي أداة منها.
لكنك تقدم في (التانية في الغرام) قصة تراثية غير معروفة لمعظم الجمهور؟
هي قصة حب من التراث المصري الذي لا يعرفه أحد، حدوتة (علوان وفاطمة)، غير مشهورة مثل (حسن ونعيمة) و(ياسين وبهية) وغيرها، فكما سبق وقلت إني قمت بتجميع عدد كبير من الحواديت الشعبية، منها (هادي وكفانة) وهي حدوتة حدثت في أولاد العبابدة في البحر الأحمر و(علوان فاطمة) التي حدثت في الريف المصري، وكنت أجمع الواحدة تراثيا في فكري ثم أصيغها شعريا، وأصعب شيء هو أن تصيغ الدراما شعريا لأن القالب الدرامي لا بد أن تتاح له مساحة، لكن بالنسبة للشعر فنحن بداخل قوالب تفعيلة وعروض. وأهم مافيها هو تقديم البطل الشعبي بمفهومه الحقيقي، وليس بمأصدره لنا الإعلام في الفترة الماضية (أبو سنجة وأبو مطوة)، فالفن: مسرح وسينما وتلفزيون يؤثر جدا في الشارع، والمواطن المصري ابن التأثير والتأثر بنسبة مائة في المائة، فمثلا (عادل إمام) و(سعيد صالح) في مسرحية (مدرسة المشاغبين) أثرا في جيل بأكمله. وعندما تم تصدير نموذج سوي مثل (أم كلثوم) على رأس الفن أثر ذلك على الناس بشكل إيجابي في سلوكهم وحياتهم وكل شيء.
ومن حيث الشكل ما الجديد هنا؟
أقدم الراوي لأول مرة في المسرح على مستوى الكتابة، فبطل الحدوتة هو من يحكي قصته بنفسه، كما أن الغناء له شكل وطعم مختلف، حيث أحلم بتقديم أوبرا شعبية مصرية خالصة خاصة بنا، وقد كتبت كل المشاهد حتى التمثيلية وغير المغناة من خلال بحور الشعر الموزونة، فلو حذفت كلمة سيتغير المعنى، كما أقدم المحبظاتية أو الطبابلية ومعهم الغاوين في العرض وهو إرث شعبي قديم.