محمد الشافعى: مانيكان عرض اجتماعي خلق حالة نوستاليجا لدى الجمهور

محمد الشافعى: مانيكان عرض اجتماعي خلق حالة نوستاليجا لدى الجمهور

العدد 830 صدر بتاريخ 24يوليو2023

د.محمد عبد الرحمن الشافعي أستاذ علوم المسرح بجامعة 6 اكتوبر، حصل على بكالوريوس علوم المسرح، ولعشقه الشديد لفن السيرك فكانت رسالة الماجستير بعنوان «تقنيات الإخراج المسرحي في توظيف فنون السيرك في العرض المسرحي»، ثم دكتوراه الفلسفة في الدراسات المسرحية، عمل كمساعد مخرج أثناء دراسته، ثم التحق بورشة مركز الإبداع الفني، أخرج عدد من العروض، صاحب مشروع نحو سيرك أكثر إنسانية والذي بدأ بعرض «نقطة ومن أول السيرك»، بالإضافة لمشاركاته كعضو لجنة تحكيم في عدد من المهرجانات المسرحية، ثم مديرا تنفيذيا لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ثم المنسق العام للمهرجان، وأخيرا يقدم على خشبة مسرح ثقافة بني سويف، من خلال الفرقة القومية المسرحية، العرض المسرحي «مانيكان» تحت رعاية الهيئة العامة لقصور الثقافة،  والمسرحية ديكور وأزياء سماح نبيل، موسيقى محمد عبد الوهاب، أشعار أسامة بدر، مخرج منفذ وإضاءة محمد سيد خالد، و إخراج د. محمد عبد الرحمن الشافعي، وتتميز تلك التجربة بخصوصيتها نظرا لكونها آخر ما كتب د. محسن مصيلحي الذي رحل عن عالمنا إثر حادث حريق مسرح بني سويف الذي يقدم على خشبته العرض وعن العرض وكواليس اختياره و موضوعات أخرى كان لنا معه هذا الحوار: 
بداية ما الآلية التي اخترت بناء عليها نص العرض ومكانه؟ 
كانت البداية مشروع ابدأ حلمك في بني سويف و الذي استمر تسعة أشهر ، وبعد الانتهاء منه ومع بداية الموسم المسرحي للهيئة العامة لقصور الثقافة هذا العام، اقترح المهندس محمد جابر مدير إدارة المسرح أن يكون هناك مخرجين مختلفين في مواقع غير التي ينتمو إليها، ومنهم المخرج طارق الدويري الذي يخرج في الإسماعيلية، محمد جبر في السويس، جمال ياقوت ومحمد مرسي بالإسكندرية، وسامح بسيوني في الجيزة، وإبراهيم المهدي في المنوفية وإيميل جرجس في أسيوط، ومحمد صابر في طنطا و هكذا، مجموعة كبيرة من المحترفين يعملوا مع فرق الأقاليم وتلك كانت فكرة جريئة لأن عروضهم ستنتج بميزانية قوية، وحين عرض جابر الفكرة و رأيت أسماء كبيرة خارج القاهرة، اخترت الأقرب على المستوى النفسي والمسافة، بني سويف؛ لسابق تجربتي معهم. وعلى جانب آخر أشارك في لجان تحكيم مهرجان نوادي المسرح و فرق الأقاليم منذ عام 2014 حتى العام الماضي، و دائما ما كان يثيرنا ونسجله كملاحظة خاصة باستمارة اللجنة» إحنا بنقدم إيه لمين!!» فلماذا أقدم مثلا جان بول سارتر في أسيوط، أقدم العرض للجنة والمسرحيين أم للمكان وأهله!! خاصة الأماكن المكتظة بالسكان، ومن هنا قررت اختيار نص مصري بسيط في لغته يصل للناس ويرتبط بمواقفهم الحياتية، فكان نص مانيكان آخر ماكتبه الراحل د.محسن مصيلحي عام 2004 وخاصة أننا فقدناه في حريق مسرح ثقافة بني سويف الأليم 2005 ليقدم آخر ما كتب في آخر مكان شهد وجوده وأهدتنا حقوق النص زوجته. وتلك كانت اللمسة الإنسانية التي اعتبرها إحياء لذكراه وهو له إرث فني كبير ومهم وعمل عليه كبار المخرجين، حتى عرض مانيكان حين كتبه أول من أخرجه د. هناء عبدالفتاح في الجامعة الأمريكية، وشاهده د.محسن مصيلحي.

حدثنا عن «مانيكان»  ورؤيتك التي قدمتها من خلاله؟ 
النص اجتماعي يمس كل فئات المجتمع والشخصيات التي مرت في حياتنا، مما يسهل وصوله للجمهور ويؤثر فيهم، و يدور حول فتاة ?اترينست تعمل في أحد متاجر منطقة وسط البلد، أواخر الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات مما يخلق حالة نوستالجيا لدى الجمهور، لنجد الجمهور الذي اعتاد على سارتر ويونسكو فجأة وجد نص برؤية بسيطة بدون فزلكة وأعتقد أنهم انسجموا مع العرض حيث كنت أشاهد وجوه بعينها كل يوم وفي كل مرة يكون لهم رأي فني مختلف. 
فتلك الفترة كانت هادئة ومريحة على الرغم من بعض المشاكل التي كان يمر بها المجتمع وقتها لكن كان الجميع سعداء، واختيار منطقة وسط البلد أيقونة كبيرة  للمجتمع المصري بمختلف فئاته. 
ويدور العمل حول فتاة أنستها ظروف الحياة، حياتها الشخصية، حيث الظروف الاجتماعية التي مرت بها أسرتها ووضعتها في مكان رغما عنها، فنرى علاقتها بصاحب المتجر وزميلها وكيف تتغير العلاقة على ثلاثة مراحل، مرحلة آنية، مرحلة فلاش باك، ومرحلة مستقبلية، فكلما انفردت بنفسها ترى أصدقاءها و أهلهم في  ال mannequins من الأطفال لكبار السن، فيدور بينها وبين كل مانيكان حوار فمانيكان السيدة المتقدمة في العمر تتخيله والدتها، فتعود لطفولتها وكيف كانت تشجعها في حين كان والدها يخاف عليها ويرغب في تأمين مستقبل جيد لها، لكن لم تسمح ظروفه فيعطل طموحها، وترى أصحاب طفولتها ومراهقتها لتكتشف في النهاية أنها ضيعت نفسها وسط ال “mannequins” والتابوهات و الممنوعات فقد انقضى عمرها في هذا المجتمع ولا تعلم ما الذي عليها فعله، و في النهاية، تتمنى لو تعود طفلة مرة أخرى لتفكر بشكل مختلف وهنا يتحرك مانيكان الطفلة وتقول لها: “لو عايزة تبقي زي لم يكن عليكي العيش في هذا المكان من البداية” و يفتح المانيكان الباب ويخرج من المتجر.

كيف ساهمت السينوغرافيا والصورة البصرية في توضيح رؤيتك؟ 
حاولنا من خلال السينوغرافيا تجسيد منطقة وسط البلد بمتاجرها فنجد لافتات للأمريكين ومصر للتأمين و ونبي وكوكاكولا وتليمصر، وكل قطعة ملابس داخل المتجر تمثل جزء من المجتمع، الجلابية والطرحة والجينز والبدي ستومك و الميكروجيب، فقد مررنا بكل هؤلاء فكان أكبر نموذج يمكن أن يجسده د. محسن هو منطقة وسط البلد،التي كانت تعبر عن كل فئات المجمتع وطبقاته والتي  أصبحت محدودة مع ظهور ال malls
الأزياء والديكور للمهندسة سماح نبيل، والتي بذلت جهد كبير في تنفيذهما فنظرا لوجود ثلاث أزمنة كان من الضروري أن يظهروا في الملابس والديكور حيث كان جزء من إيقاع العرض كان في الأزياء والديكور والإضاءة ، و الحالة الجمالية الموجودة شكلت فارقا في العرض وفي تأثيره على المشاهدين، كما وظفت مهندسة الديكور الإعلانات التي صاحبت تلك الفترة بشكل مميز وشعرنا أننا عدنا لوسط البلد. 

تحدثت عن تجربتك في مشروع إبدأ حلمك ما الذي تميزت به تلك التجربة؟ 
كنت ومجموعة من المدربين مشاركين في مشروع إبدأ حلمك في بني سويف، أنا تدريب الدراما، المصمم محمود حنفي تدريب المناظر والخيال البصري، الفنان محمد عبد الوهاب تدريب موسيقى، تصميم رقصات وحركة الفنان تامر فتحي، شادي الدالي تدريب تمثيل، و أحمد طه المدير الفني للمشروع.
كانت تجربة هامة حيث مزجت التجربة بين الطلاب، فمنهم رواد القصر، و آخرون يدخلوا القصر لأول مرة، وقد غيرت فكرتي عن المجتمع الصعيدي، مجتمع تخيلته مختلف التقاليد ومنغلق، لكن، فوجئت بطلبة من مختلف الثقافات والأعمار والتعليم من طلاب الطب حتى الغير ملتحقين بالمدارس، و المثير بشدة هو تعامل أهالي بني سويف مع أبنائهم من الجنسين و اعتبار ان قصر الثقافة مكان آمن لهم يتدربوا ويلعبوا ويمثلوا، هذا بخلاف حضور الأهالي مع الأبناء فهناك سيدة كانت تحضر يوميا برفقة ابنتيها الطالبات بكلية الطب والهندسة، و الزوجة الحامل التي يحضر معها زوجها، كل ذلك أذهلني. وجدته مجتمع متطور ربما لايكون موجود في القاهرة، فخلقت التجربة حالة إنسانية بين الطلاب والمدربين، و انتهت المرحلة بعرض مشروع التخرج. 
“حكاوينا “عرض مسرحي يطرح كثير من الموضوعات المثارة والمهمة لهم منها “النجاح، الفشل، الحب، العلاقات، السوشيال ميديا، إلخ”، ويتخلل تلك المشاهد الدرامية بعض الرقصات وأغاني من التراث الغنائي المصري، والهدف من المشروع هو تخريج فنان مسرح شامل.

رسالة الماجستير كانت بعنوان  “تقنيات الإخراج المسرحي في توظيف فنون السيرك في العرض المسرحي” هلا شرحت لي كيف يتحقق ذلك؟
\حين تكلمت السينما عطل المسرح و مر بتجارب و معاناة كبيرة جدا حتى يخرج مما يقدمه ليواكب التطور الحاصل في السينما، منها ما نجح و استمر و ما لم يستمر، ما استمر لدينا من هذه التجارب العروض المسرحية الغنائية و الموسيقية الكبيرة، و جسدوا عروضا كلاسيكية بوجهة نظر جديدة، وقد جسدت أفلام كان لديها قابلية لتعرض مرة أخرى بشكل حي أمام الجمهور، و من الشركات التي قامت بذلك ديزني حيث أنشأت Branch مسرح وحدها، و نجح أيضا السيرك، والفكرة كيف تقدم الممثل والمسرح بشكل مختلف وغريب عما اعتاد عليه الجمهور، و خيال لايتوقع رؤيته على المسرح، بجانب أن فنون السيرك جزء من إعداد الممثل لابد أن يكون على دراية به، ليس الممثل الذي نعرفه لكن الممثل الذي تنادي به، و تبحث عنه كل المسارح  و موجود في دول أخرى،  نعم لدينا بدائل يمكنها جذب الجمهور، ولننظر  لقطاع الفنون الشعبية والاستعراضية حيث يحقق السيرك القومي أكبر دخل في وزارة الثقافة، لما له من قاعدة كبيرة من الجمهور، وإذا تم استغلالها وأضفت إليها جمهور المسرح بتقديم عروض السيرك بشكل درامي سيصبح لدينا شكل جديد من المسرح، قد يشكل فيما بعد اتجاه مستمر.
وأحب أن أوضح هنا ان المهرجان التجريبي تصله العديد من الأعمال لفن السيرك ونعاني من الحيرة هل سيتم استيعابها إذا وافقنا على انضمامها أم سنتعرض للنقد والتساؤلات لماذا اخترناها؟، دائما نختار بعناية و نبحث عن الجديد ليشاهده الناس، وأعتقد أن هذا العام سيكون لدينا ما يشبه ذلك ضمن عروض المهرجان.

تهتم كثيرا بالفنون الشعبية فكيف من وجهة نظرك يمكن إعادة إحياء تراثنا الشعبي و توظيفه بما يتناسب و وقتنا الحالي؟ 
المسرح في أساسه فن شعبي، لكننا نقدم الفن الشعبي لدول أخرى، وحين نقدمه لا نجدد فأصبح مُستهلك و الجمهور يعرف ما سيشاهده مسبقا، فلابد أن يكون هناك فرصة لتقديمه بشكل جديد وحديث، فشاهدت مؤخرا عرض “ يس و بهية” على خشبة مسرح الجمهورية، عرض مستلهم من تراثنا وقدمته المخرجة برؤية تناسب اتجاهاتها وهذا جيد إن استمر لأن تراثنا به الكثير الذي يمكن استغلاله، وأعلم أن هناك فرقة خاصة تعمل الآن على تجهيز عرض ينتمي للمسرح الفلكلوري أو الشعبي وبما أنها شركة كبيرة ستقدم عروضا كبيرة و أعتقد ستتناوله بشكل مختلف جديد ومبهر. 


النقد عنصر مشارك في العملية المسرحية وله دور كبير في تقديم منتج جيد والملاحظ في الفترة الأخيرة زيادة فكرة الرأي الصحفي الذي يطلق عليه نقد والكثير من المجاملات فكيف ترى ذلك؟
لدينا نقاد كبار ربما عزفوا عن الكتابة كنوع من الإحباط أو الزهد، ولدينا جيل جديد اثبتوا تواجدهم في المسارح ولكن يحتاجوا بالتأكيد للرواد ليوجهوهم حتى لايصير الأمر مجاملات وبعيدا عن النقد، ولا ننسى أن لدينا الكثير من المنافذ للكتابة النقدية، منها جريدة مسرحنا ومجلة المسرح وحتى من خلال السوشيال ميديا، وبالطبع هناك هناك من يختار الكتابة عن أحد عناصر العرض دون غيرها أو حصر رأيه في فكرة العرض فهو عيب الناقد لأني أعتقد ليس لديه الكثير الذي يدعم كتاباته وأرائه، سواء خبرة أو دراسة، لهذا لم يتطرق لباقي عناصر العمل. ونتطرق من هنا لدور الناقد الذي هو مترجم للجمهور وصناع العمل لانه يفسررللجمهور ويوجه فريق العمل للعيوب والمميزات ليتلاشى تلك العيوب في تجاربه التالية، وعليه أن يتمسك ويرى ويطور المميزات.

هل ترى أنه لدينا فرقة شعبية يمكنها أن تحمل راية المسرح الشعبي؟ 
للأسف لانملك ذلك، ولكن أتمنى حين يفتتح مسرح السامر أن يكون اختيار العروض التي تتفق ومنهج ومسمى وتاريخ السامر،  فقد كانت فرقة السامر موجودة لكن لم يكن لها كيان؛ وبالتالي لم يكن إنتاجها كبير، ولي الشرف أن يكون والدي المخرج الراحل عبدالرحمن الشافعي أول مدير لمسرح السامر وكان له نصيب الأسد من العروض.

بالحديث عن المخرج الكبير عبد الرحمن الشافعي كان له أثر كبير في تحديد طريقك و طموحاتك؟ 
لا أعلم متى بدأ هذا التأثير والتأثر فقد وجدت في كل مكان محيط بي مسرحا و فنا، وفي المنزل مكتبة كبيرة فيها كل الكتب والنصوص و الدراسات و هناك شخص يعمل في هذا المجال طيلة الوقت كنت مصاحبا له دائما، و أشاهد البرو?ات و الفنانين و المعارك الفنية والكواليس كلها، فكان من الصعب أن يكون لدي طموح في مكان آخر، هذا بخلاف أن الحوار مع والدي كان شيق جدا عن الفنون و لديه الكثير الذي يطلعك عليه، ويدعم دائما أحاديثه من خلال المكتبة فكان يفتح أفكاري و رغبتي في المعرفة، لقد منحني الكثير.

سيرك الشمس تلك التجربة الفريدة فما السر في إعجابك الشديد بها؟ وهل يمكن مقارنته بما يماثله؟ 
ليس أعجاب به فقط بل وصل الأمر أن تواصلت معهم و استضفنا خلال الدورة ال29 من المهرجان التجريبي “دومنيك شامبين” أحد مخرجيه الكبار، وتم تكريمه وهو الذي تسلم سيرك الشمس بعد استقلال فرانكو دراغون عنه عام 1998 وإنشائه لمؤسستة “ دراغون انترتينمنت” التي يقدم من خلالها عروضه في كل مكان بالإضافة لامتلاكه مسارح خاصة به.
لايقارن Du soleil بأي سيرك آخر؛ لأنه حتى الآن ليس هناك ناقدا قادرا على تصنيفه كونه مسرحا أم سيركا ، فقد وضعوا اسم سيرك وفاءً للفكرة في بدايتها، وإذا كانت الفنون سبعة فهو ثامنها لأنه يضم كل ماهو مختلف، حيث كان أول من طور وغير في هذا الفن، فحين تنطق مصطلح سيرك تستدعي صورة المهرج والساحر لكنه قدم الأكبر والأجدد ولم يستخدموا الحيوانات في عروضهم ، قادرين على المجازفة في الأفكار لأنهم ينقذوا ما يشعروا به عكس مانفعله نحن نفكر كثيرا ونجد من يشجع ومن يحبط، أيضا لديهم إمكانيات مرعبة على الرغم من أن البداية كانت في جراج، كل ذلك خلق هذا السيرك، ومازال أول عرض لسيرك الشمس الذي قدم عام 1984 يعرض حتى الآن وكذلك كل عروضه، حيث يمتلك السيرك أربعة مسارح  في كندا الفرع الرئيسي،و في ألمانيا واليونان والإمارات، بالإضافة إلى الخيم التي تتجول حول العالم وكان قد عرض في مصر عام 2019. 
و بالتطرق لأهم  مايميز du soleil كان استعانتهم منذ بداية الفكرة بالمخرج “فرانكو دراغون” وكان ذلك غريبا لأي سيرك وحتى غريبا على المخرج  نفسه، فمن الصعب أن يتعامل فجأة مع لاعبين أكروبات بعد أن كان يتعامل مع ممثلين، ولكنهم نجحوا معا، وبالمناسبة فالعام الماضي حضر إلي مصر المخرج فرانكو دراغون لمعاينة منطقة الأهرامات حيث كان ينوي إنتاج عرض ضخم على أرضها؛ ولكن ؛ رحل قبل البدء في مشروعه - وكانت مفارقة غريبة لأننا حاولنا تكريمه في المهرجان التجريبي ولم نوفق- أيضا من مميزات سيرك الشمس  أنه يبني مسرح للعرض الذي يقدمه وفقا لتكنيك العرض، ولهذا عروضه مستمرة  فعرض “Au” يعرض في  لاس فيغاس منذ عام 1998 وهو آخر عرض لدراغون قبل استقلاله عن السيرك، عرض مائي تدور كواليسه تحت الماء وقد صمم الاستيدج خصيصا للعرض، و أذكر في حديثي مع دومنيك صرح أنه في  عام 2004 قدموا عرض بلغت ميزانيته 150 مائة وخمسون مليون دولار، فهم يعلموا متى سيحصلوا منه على ما أنفقوه ومتى سيدر عليهم الربح،
لدرجة أنه  مع بداية الألفية أصبح du soleil جزء من الدخل القومي الكندي؛ حيث كانت تحجز تذاكر طيران و الفنادق لأجله، وكانت البلد كلها رعاته، والمدهش في الموضوع أن صاحبه باعه عام 2019 وباع الأماكن والأفكار والكرو و قامت ثلاثة بنوك بشراءه لأنه لم يستطيع أحد شراءه ثم في 2020 خسر السيرك فعاد صاحبه واشتراه مرة أخرى.

بمناسبة السيرك كان لديك مشروع اسمه نحو سيرك أكثر إنسانية بدأ بنقطة و من أول السيرك حدثنا عنه ولماذا توقف؟
الفكرة كتبتها في 2005 نحو سيرك أكثر إنسانية وعرضته على كل رؤساء البيت الفني للفنون الشعبية حتى 2013 وللأسف وضع في الدرج بحجة ضعف الإمكانيات الفنية والبشرية، فحين تولى د. مدحت فهمي رئاسة البيت وهو كان أستاذي بالجامعة طلب مني تنفيذه و ساندني وكانت هناك برو?ات لأربعة أشهر و قدمنا “نقطة و من أول السيرك” عام 2013 أكثر وقت حرج كانت تمر به مصر، لكن لم يحظى بحقه على الرغم من عرضه لثلاثين ليلة عرض بسبب الحظر والمظاهرات، وكان مقررا استكمال المشروع بهذا التكنيك،  وتقدمت بثلاثة مشاريع وتحمس المديرين لكن لم تنفذ، ففي عرض نقطة و من أول السيرك لم يكلفهم جنيها لأن الفنانين عاملين في السيرك و صمم الإضاءة عمرو عبدالله إهداء منه وصممت الملابس على حسابي، لا أنادي أن يكون لدينا سيرك الشمس ولكن علينا من تطوير برامج السيرك ففي العالم كله فقرة المنوعات المنفصلة انتهت من الستينيات فلماذا الوقوف عند تلك النقطة خاصة مع وجود فنانين سيرك متميزين لا يتم توظيفهم بشكل صحيح، الموضوع فكرة أكثر من كونه ميزانية، ففي حديثي منذ شهر مع فاروق حسني قال لي السيرك إنساني وهذا هو ملخص مشروعي، وتسائلت ماذا لو كان آمن المسؤلين  بالمشروع في عهده لكان دعمه وفي النهاية النجاح ينسب لمن يدعم الفكرة.

بصفتك المنسق العام لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي مازلنا نتسائل لماذا ليس هناك رعاه لمهرجانات المسرح أسوة بالمهرجانات السينمائية خاصة الأعرق مسرحيا؟ 
بالفعل تلك الدورة سيكون هناك رعاة لها، بالإضافة إلى أن خططنا المستقبلية للمهرجان ستكون مختلفة وسوف نشاهد فكر جديد في المهرجان. 

شهد المهرجان تغييرات في رئاسته متتالية ثم عودة لرئيس المهرجان السابق سامح مهران كيف ترى ذلك؟ 
الأمر يرجع لسياسة وزارة الثقافة في النهاية لما تراه مناسبا، لكن د. علاء تولى رئاسته في فترة حرجة وصعبة ومع ذلك قدم دورة تحسب للمهرجان و لم يستسلم للأزمة العالمية كورونا، وحاول تقديم دورة تناسب الإمكانيات المتاحة وقتها على مستوى العالم وليس على المستوى المحلي فقط بمعنى” عمل من الفسيخ شربات”، و د. جمال ياقوت أضاف الكثير للمهرجان وجميعها كانت إيجابية من وجه نظري رغم تحفظ بعض المهتمين بالشأن المسرحي، وكانت هناك فعاليات تحسب له وللمهرجان، أما عودة د. سامح مهران فكان رئيسا للمهرحان أربع دورات بعد توقف ست سنوات وكانت دورات ناجحة جدا، فرأس مهرجانا من لاشئ ليبدأ من الصفر بجرأة وتحدٍ، و اخر دورتين كان بدأ المهرجان يستقر، ومع عودته لديه أفكار مختلفة عما سبق و الوزارة تدعمه ولكن نأمل أن تكون هذه الدورة بداية حقيقية للتجديد، و  سنشعر بذلك بدءً من الدورة التالية في 2024 حيث نعمل عليها الآن، و بالمناسبة تم إلغاء نوادي المسرح التجريبي التي استحدثت الدورة الماضية. 

 هل هناك جديد تعمل على تنفيذه الفترة المقبلة؟ 
هناك مشروع وعد وليد طه بتنفيذه بمناسبة 60 عام للسيرك القومي ولكن حتى الآن لا أجد جدية في الأمر، وهناك مشروع آخر لكن في انتظار الموافقة عليه. 


روفيدة خليفة