حسن العدل: المسرح كان وسيلة الترفيه لدينا في الجيش

حسن العدل: المسرح كان وسيلة الترفيه لدينا في الجيش

العدد 841 صدر بتاريخ 9أكتوبر2023

من أهم سمات عظمة مصر وجيشها العظيم أنه يضم كافة فئات المجتمع التى شاركت ومازالت تشارك فى حماية هذا الوطن وطوال الوقت تجدها مستعدة للتضحية من أجله ومن أجل رفعته، وهناك عدد كبير من الفنانين كان لهم دور بارز فى حرب أكتوبر المجيدة ومنهم الفنان القدير حسن العدل، «مسرحنا» التقت به ليحدثنا عن تأثير الحرب عليه فنيًّا و إنسانيا، وكيف كانت مشاعره بعد النصر العظيم, وكيف يرى دور المسرح فى تناول تلك الفترة الهامة جدا فى تاريخ مصر .

-بداية ما هو تأثير و أثر مشاركتك في حرب السادس من أكتوبر على رحلتك إنسانيًّا وفنيًّا ؟
تأثرنا وأثرنا، من البداية تاثرنا بأشياء كثيرة جدًا، كان هناك اعدادات أولية منذ الطفولة، أنا مواليد الثورة 1952، لقد نشأت في كنف عبد الناصر وحبنا له ووطنيته الشريفة، كان هناك منظمة شباب، كنت مشارك فيها وأنا في المرحلة الإبتدائية، وتقدم تنظيف الشوارع وإرشاد للناس، المدرسة في المرحلة الإبتدائية كان بها مسرح وفنون تشكيلية، وكان هناك مدرس موسيقى، كل هؤلاء أثروا فينا، إلى أن ذهبت إلى مدرسة ابن لقمان الإعدادية في المنصورة، وكانت تنتقي نوابغ المحافظة، أنا من قرية منية سندوب، تبعد عن المدينة ما يقرب من ثلاثة كيلو ونصف، كُنا نذهب إلى المدينة سيرًا، وفي المدرسة وجدت مسرح كبير، وكان معي رئيس فريق التمثيل وقتها، الكاتب الكبير محمد الشبّة، كان رئيس فريق التمثيل، وكُنا نقدم مسرحيات وطنية وأشعار وتربية عسكرية وفن تشكيلي ولعبة كرة القدم، كان الجو العام مُهيء للإبداع، كان المخرج عبد الغفار عودة يخرج لنا في المدرسة، كل ذلك كان يكون شخصياتنا، وكذلك في المرحلة الثانوية، كل ما ذكرته أثر في شخصيتي وبنائها، إلى أن طُلبت للجيش، وقبل دخولي الجيش في 67، تظاهرنا من حبنا لجمال عبد الناصر حتى لا يرحل، واعتبرنا أن هناك صراع في القوات المسلحة على السلطة وأن هذا هو سبب الهزيمة، إلى أن ذهبت لمركز التدريب بعد أن طُلبت للجيش، كانت حرب الاستنزاف، فبالتالي قاموا بتجنيد كل المؤهلات العليا والمتوسطة وفوق المتوسطة في هذه الأسلحة التي تحتاج تكنولوجيا معينة، وبعد التجنيد كنت في مجموعة من المفترض تذهب لروسيا في الأول من فبراير 1972، قبل المعركة بسنة ونصف، وبعد شهر قالوا أن الخبراء الروس رحلوا، فذهبنا لمركز تدريب في بني سويف لكي نتعلم الأساسيات العسكرية، مركز التدريب «يغسل» الإنسان لكي يتحول من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية.
بدأت وجدت مسرح روماني كبير، مساحة شاسعة لا يجدوا فيه أحد، وأماكن أخرى لا جدار، فقمت برسمها، وبالفعل رسمت، جداريات، رسومات حماسية بدلًا من الجير الأبيض، وقدمنا بعض المسرحيات ألوان أكت التي كنت أتذكرها، وكتبتها وقدمناها، بمعنى أن النشاط المسرحي الذي أحبه قدمته بشكل إيجابي للترفيه عن النفس وفي نفس الوقت هو مُحمّس، والمسرحيات الوان أكت هي مسرحية مليئة بالشخصيات لكن مدتها ما يقرب من نصف ساعة من فصل واحد فقط، وكانت تدور حول الوطنية والبلاد، وكانت إحدى الروايات التي قدمت فداكي يا فلسطين، وبعد انتهاء فترة التدريب جئنا على القاهرة وذهبنا لمكان على طريق السويس اسمه الكيلو أربعة ونصف، ولحقنا على كتيبة اسمها 39 فهد صاعقة، فنخلطنا مع معهم، وأخذنا فرقة صاعقة حتى ننخلط معهم أكثر، وهذه الكتيبة مخصصة لصاروخ ممودكا، قطرة حوالي 18 سم، قطعتين الكتيبة 3 فصائل، الفصائل فيها طقم موّجه والمعمر ومعه أربيجيه، لم يكن لدينا طلبات خاصة، وبالتالي نظرًا لأنني كنت أرسم، قائد الكتيبة كان يأخذني لرسم الخرائط التي نحتل مكانها، كنت معه كأني من القيادة، عبد الناصر له فضل في تكوين الجيش مع الشهيد البطل عبد المنعم رياض والفريق سعد الدين الشاذلي، وقبل الحرب بأسبوع ذهبنا لتعليق الخرائط، وكان هناك اجتماع القادة، وكان قائد كتيبتي وقتها جمال الدين حفيظ كان وقتها رائد، في خلال هذا الأسبوع نصف سرية تذهب، إلى المكان المقصود قبل القناة بأمتار، الذي نستعد منه للهجوم، إلى أن ذهبنا غلى هناك وقمنا بعمل حفر رملية، إلى أن جاء  يوم 5 أكتوبر للاستعداد، ويوم 6 أكتوبر الساعة 11 بدأت الكتائب التي حولنا يجمعوا ويستعدوا في هدوء تام، كان لدرجة أننا كنا نستمع لصوت العصافير من الهدوء من بورسعيد للسويس، صمت تام، والساعة الثانية وخمسة دقائق، وجدنا الطيران المصري فوق رأسنا يعبر القناة، والقائد أمر بالعبور، وكنا على استعداد لذلك، وكل سرية أمامها الفصائل الخاصة بها، وسمعنا بعدها طلقات من المدفعية ترج المكان، كانت تضرب في الناحية الشرقية على خط برليف، عبرنا بعد الموجة الأولى، وسرنا حوالي كيلو، وخط الدفاع الأول خط برليف، كل ذلك كان في سنفونية كبيرة، كانت احتفالية كبيرة، ما صنعناه في التدريب كان أكثر صعوبة من العبور، العبور كان اسهل من نموذج العبور.
-هل للحرب تأثير سلبي عن تأخرك عن أبناء جيلك فى الوسط الفنى ؟
بالتأكيد كان لها تأثير سلبي، وظهر ذلك بشدة في تحديد الأجور الخاصة بنا، وأثرت ليس عليّ فقط، وإنما على جيلي كل من حضر هذه الحرب، في شتّا المجالات وليس في الفن فقط، تأثرنا بروح الحرب الجميلة، لقد تعودنا على الجلد نفسيا وجسمانًّا.
-حدثنا عن الأثر الإيجابي لحرب السادس من أكتوبر عليك فنيًّا ؟
قدمت أكثر من عمل مسرحي على المسرح القومي كانت بدايتها «مهاجر بريسبان»، وعمات مع الفنان شكري سرحان والفنان محمد توفيق، والفنانة نبيلة السيد في مسرحية اسمها «سرك يا دنيا» كانت آخر 1979، واخرج لجامعة المنصورة ولجامعة القاهرة، واخرجت للشركات، وعندما كنت أخرج عملًا مسرحيًّا كنت أقوم بعمل خطة لها، وجعلتني أكثر نظامًا، الإنسان الذي تعود أن يتحكم في الوقت، أي عمل يقدمه كان بالنسبة لي معركة، عندما كنت مخرج كنت ارى نفسي قائد، وعندما كنت أمثل كنت التزم جدًا بالموعد المحدد لي، واذهب قبل موعدي، تعلمت من الجيش قيمة الوقت، ومن لم يدخل الجيش أو يعيش أجواء الحرب، اعذره أنه لم يتعلم تلك النعمة، الحفاظ على الوقت وعلى دقة المهام وتنفيذها، والجيش علمني أهمية العمل الجماعي، والمسرح هو عمل جماعي.
المسرح القومي بداية من «مهاجر بريسبان» عام 1980، إلى «لم تسقط القدس»، وبعد ذلك قدمت مسرحيات أخرى، وأخرجت ثلاثة روايات «الرجل الذي فكر» و»للحياة رائحة أخرى» و»مسحراتي العرب».
-هل العروض التي تناولت حرب أكتوبر كافية أم  نحتاج إلى مزيد من العروض التي توضح عظمة هذا الانتصار؟
ليست كافية، العروض التي تتناول حرب أكتوبر تحتاج مواصفات خاصة، ميكانيزم المسرح لم يستوعب ذلك وقتها، الآن من الممكن ولكن نحن في حاجة إلى أشخاص لديهم الروح والإحساس لتنفيذ ذلك، حرب أكتوبر تحتاج كتابة معينة بكتابة خاصة، غير ما يقدم لشكسبير، ما هو تقليدي على المسرح.
عملت مع مخرجين أجانب على المسرح القومي، وعملت أيضًا مع مخرجين كبار مثل سعد أردش وفهمي الخولي وهناء عبد الفتاح، وقدمت روايات كثيرة سافرت بها جميع البلاد العربية، وقدمت روايات مع نور الشريف وتوفيق الدقن في البدايات سنة 1980، المسرح القومي يُعلّم جدًا، لدية الأوامر مثل الجيش تمامًا.
والعمل مع يوسف شاهين ممتع، عملت معه سبعة أفلام، يقوم بعمل خطة عمل منظمة مثل الجيش، والعمل معه مُريح جدًا وملتزم جدًا، العمل الفني هو معركة فيه خطط منظمة.
روح الحرب والانتصار وجدتها مع يوسف شاهين، الجميع يعملون بروح واحدة، كل عناصر العمل كيان واحد لا يتجزء، كيفية توحيد روح كل من في العمل الفني مثل الجيش.
-من وجهة نظرك كيف نقدم أعمالًا تبرز فكرة انتصار حرب السادس من أكتوبر ليتعرف عليها اكثر الأجيال الجديدة؟
أي عمل ناجح منضبط يُعد انتصار، أي عمل ناجح ينجح بُناءً على المقومات، للأسف نحن ليس لدينا ذلك، الآن الأعمال المسرحية بروفاتها تمتد لعام وربما أكثر، وهذا شيء غير صحي، لأن ليس لدينا تخطيط فني بروح السادس من أكتوبر، التي يتحدث عنها الناس، يجب أن يكون لدينا خطة عمل، نحن للأسف نعمل بشكل عشوائي.
قديمًا كًنا نقوم بعمل بروفات ترابيزة لكل عناصر العمل، في كل الأشكال الفنية، مسرح وسينما وتليفزيون، الآن الحلقات في الدراما مثلا يُكتب حلقتين ثم التصوير ويُستكمل كتابة العمل أثناء التصوير؟!، نحن نفتقد روح السادس من أكتوبر في حياتنا، يجب أن يشعر كل من يتواجد في عمل فني أنه في معركة، ولديه مهمة يجب أن يقوم بها على أكمل وجه، والنجاح العمل معناه أننا انتصرنا، وهذا تطبيق عملي على استحضار روح السادس من أكتوبر على حياتنا.
والأجيال الجديدة التي لا تعرف شيئًا عن الحرب، ليس شرطًا أن نقدم لهم سيرة الحرب وما حدث بها، يمكننا أن نقدم لهم روح السادس من أكتوبر في أي عمل فني يُقدّم، ليس شرطًا أن نقدم معركة حربية لنتحدث عن حرب السادس من أكتوبر وإنما الأهم روح المعركة واستحضارها في أعمالنا وحياتنا اليومية.
-حدثنا عن أعمالك المسرحية في العشر سنوات الأخيرة؟
بعد انتهاء فترة خدمتي الوظيفية في المسرح القومي وخرجت على المعاش، قدمت رواية عن أحداث 25 يناير، وتم عرضها في 2012 على مسرح الطليعة، وكانت مسرحية وطنية، وهي مسرحية «الأبرياء» إخراج المخرج المتميز أحمد إبراهيم، وكان معي الفنانة فايزة كمال والفنان كريم الحسيني ومجموعة من الفنانين الشباب.
وقدمت رواية مع المخرج الحسن محمد وعُرضت على مسرح الهوسابير، وكذلك قدمت عملًا مسرحيًّا إخراج مازن الغرباوي على مسرح السلام «حدث في بلاد السعادة»، ومازن كان يمثل معي قبلها في المسرح القومي عام 2015، مسرحية «وبحلم يا مصر» من إخراج عصام السيد، عن رفاعة الطهطاوي، وكانت بطولة الفنان علي الحجار ومروة ناجي وأعضاء المسرح القومي، وقدمت أيضًا من إخراج مازن الغرباوي مسرحية «ألمظ وعبده الحامولي» على مسرح البالون، وقدمت مع الفنان الدكتور يحيى الفخراني مسرحية «يا أما في الجراب يا حاوي».
وتم تكريمي العام الماضي في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، المخرج مازن الغرباوي قال لي «لولاك ما كُنّا جئنا لأرض سيناء».
-من وجهة نظرك كيف ترصد سلبيات وإيجابيات المسرح قديمًا والآن؟
المسرح سابقًا كان به انضباط أكثر من الآن، كًنا نقوم بعمل بروفات في المسرح القومي مكثفة، وكُنا نتناقش دائمًا، وكانت بروفات الترابيزة مهمة جدًا، وكان الاختلاف لا يُحدث خلاف، وكان مسموح للنُقاد حضور البروفات وطرح وجهات نظرهم، قديمًا كان مسموح ذلك، وكانت الكلمة لها سحر وتأثير، ولكن الآن هناك شباب طموحين جدًا، مع التطور التكنولوجي سهّل عليهم الكثير، ولكن المعنى الذي كان يُقدم، قديمًا كان أفضل من ذلك، وكان هناك مساحة للتعبير عن الرأي، وكان لا يعمل إلا من لديه زخم ثقافي كبير، حتى يستطيع تنفيذ هذه الفكرة المطروحة.
للآسف الآن أصبح الشكل أهم من المضمون، قديمًا كانت الكلمة هي الأساس في المسرح، سبب بقاء أعمال شكسبير، لأنه يكتب عن الإنسانيات في مواقف مختلفة، في دراما متغيرة، ولكن الأساس عنده الإنسانيات، التي نعيش عليها جميعًا، وهي تأخذ من روحنا، جميعنا لدينا جوانب إنسانية مختلفة.
وأنا سعيد بجيل الشباب الآن، ولكنهم يحتاجون مزيدًا من القراءة والاطلاع، وهناك عروضًا متميزة شاهدتها في الفترة الأخيرة لمخرجين محترفين مثل المخرج محسن رزق، وعرض «سيدتي أنا» على المسرح القومي، محسن رزق مخرج محترف ومختلف ومتميز، قارئ جيد، ومطلع على كل ما هو جديد.
-وما النصائح التي تقدمها للآجيال المسرحية من الشباب؟
يجب أن يلقي نظرة على الأعمال القديمة، سواء أعمال مسرحية مصورة أو مقروءة، يجب أن يتناول العمل المُقدم عن الإنسانيات بكل جوانبه، يجب أن يحتوي العمل على موقف إنساني مختلف، الجمهور ليس ذو نفس واحدة، فهو ذو أنفس مختلفة، القراءة والاطلاع على كل ما هو قديم وحديث، ويجب أن يهتموا بالقراءة عامة وليس في الفن فقط، يجب أن يكون لديهم ثقافة عامة متنوعة، المسرح يتقدم للناس، فيجب أن يقدموا شباب المسرح، أعمال من داخل الناس، موضوعاتهم وهمومهم وثقافتهم المتعددة.
و أخيرا ما الجديد لديك فى الفترة القدمة ؟
لدي عملين مسرحيين مازالوا في مرحلة الإعداد لهما، الأول مع المخرج مازن الغرباوي على مسرح البالون، والثاني على المسرح القومي مسرحية «صاحب الوردة» إخراج الفنان أحمد عبد العزيز وتأليف عبد الرحيم كمال، وأقدم فيها شخصية الشيخ الذي «يُشاكس» الحجاج، ولدي فيلم سويسري فرنسي مصري، من المفترض أن يُعرض فى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وقدمت فيلمًا آخر انتظر عرضه، وهو فيلم «القاهرة مكة» وأقدم فيه دور والد الفنانة منى زكي.


إيناس العيسوي