انتصار عبد الفتاح: المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية «رسالة سلام»

انتصار عبد الفتاح: المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية «رسالة سلام»

العدد 773 صدر بتاريخ 20يونيو2022

شهدت الدورة التاسعة للمهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية  تحت شعار  «حوار الطبول من أجل السلام» اقبالا دوليا وجماهيريا كبيرا،    حلت به تونس ضيفا للشرف، وبمشاركة دولية من 43 دولة، المهرجان  رؤية المخرج الفنان الدكتور انتصار عبد الفتاح. دكتور انتصار عبد الفتاح المشرف العام لمركز إبداع «قبة الغوري» وخبير الشئون الثقافية والفنية بوزارة الثقافة سابقا، ورئيس الإدارة المركزية للمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية سابقا. أنشأ العديد من الفرق الفنية كما مَثل الفن المصري في عدد كبير من المهرجانات، كما تم تكريمه في الكثير من المهرجانات المحلية والدولية وحصل على العديد من الجوائز الدولية وشهادات التقدير. هو ابن الفنان والمؤرخ الفني والكاتب الصحفي «عبد الفتاح غبن» والشقيق الأصغر للدكتور الفنان الكبير «هناء عبد الفتاح»»
حول مهرجان الطبول ومسرحة المهرجان كان لمسرحنا هذا الحوار مع مؤسس المهرجان الدكتور الفنان انتصار عبدالفتاح. 
نشأت بحي السيدة زينب ووالدك هو الكاتب والباحث الكبير عبد الفتاح غبن هل أثرت تلك النشأة على إبداعاتك؟
نعم، وبالتأكيد أثرت هذه النشأة علي، والدليل على ذلك أني لازلت مقيما في نفس سكني بالسيدة زينب وسوق الناصرية، فكان التأثير أولا :»في التراث» كنت أذهب إلى موالد السيدة زينب وأرصدها وعملت أبحاثا عن سوق الناصرية وسوق السد ونداءات الباعة وصورت كل عربات الباعة الجائلين والتعليقات التي كانت تكتب على هذه العربات، وأول شيء فعلته هو مسرح (العربة الشعبية) وكان مستلهما ومستوحى من عربات الباعة الجائلين في الأسواق والموالد المصرية. بالإضافة إلى ذلك كان والدي يمتلك أرشيفا كبيرا وأوراق قديمة بمكتبه في منزلنا، وكتب والدي  عدة مقالات منها عن (سيد درويش وبيرم التونسي والذي كان صديقه وأيضا العقاد والمازني وأم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم، وبالطبع تأثرت بكل هذا وانعكس علي وجعلني أشعر وأحس بالشخصية  والثقافة المصرية، وهو ما  أحاول استثماره والاستمرار فيه في أعمالي الإبداعية

- دائماً ما تدعو للتسامح والمحبة والسلام في أعمالك ومهرجاناتك، متى بدأت تلك الرسالة؟ 
أنا أؤمن جدا برسالتي التي أنتهجها في عملي، والتي تدعو إلى المحبة والتسامح والسلام، والحقيقة أن رسالة السلام بدأت عندما توليت مركز ( إبداع قبة الغوري ) وقتها قال لي وزير الثقافة الفنان (فاروق حسني )  أريدك أن تضع فلسفة جديدة  لمركز إبداع قبة الغوري ونريد أنشطة تتلاءم وحجم وقيمة هذا المكان، وبالفعل أجريت بحثي الميداني ورصدت المكان ودرسته، وأنشأت عدة فرق في مركز إبداع قبة الغوري من خلال فلسفة خاصة لهذا المكان الجميل؛ لأن هذا المكان يضم قاعة (الخنقاء ) وهى القاعة الصوفية وأيضا الكُتاب،وأنا أخذت فكرة (الكُتاب ) وهو رمز لكل رموز الثقافة المصرية مثل (العقاد وطه حسين وأم كلثوم وعبد الوهاب ) فجميعهم تعلموا في (الكتاب ) وتساءلت: ماذا على ان افعل كامتداد لهذا (الكتاب ) وفي نفس الوقت للقاعة الصوفية، فقمت بتأسيس فرقة «سماع للإنشاد والموسيقى الروحية» من خلال رؤية وفلسفة تؤكد على أهمية الحفاظ على هذا التراث الهام وتقديمه بالطريقة والأسلوب القديم، والفرقة تعمل على إحياء القوالب القديمة مثل فن أداء التواشيح والمقامات النادرة والطوائف التراثية المختلفة لإنشاد بردة البوصيري ونهج البردة وبرؤية معاصرة واستلهام فنون الخط العربي، وأقمت عدة حفلات ونجحت جدا ولم أكتف؛ لأن المشروع أكبر من هذا، فهو يهتم بالتراث الإسلامي والقبطي، وأرسلت لقداسة البابا(شنودة) رحمه الله، هذا الرجل الوطني، وطلبت منه مجموعة من (الشمامسة) لينضموا إلينا في رسالة سلام؛ لأننا نهتم بالتراث الإسلامي والتراث القبطي معا ؛ لأنهم عملة واحدة للشخصية المصرية،  فرحب بالفكرة وكتب على المشروع «على البركة «وهو ما أعتبره وثيقة هامة، وفعلا انضم إلينا مجموعة من الشمامسة بقيادة ( أنطون عياد ابن المُعلم ابراهيم عياد ) ومن أول لحظة حصل تداخل جميل بين هذا التراث وذاك؛  في النهاية هو تراث واحد، وأقمنا منظومة وتركيبة جميلة تؤكد على تفرد الشخصية المصرية من خلال التراث الإسلامي والتراث القبطي، ونجحت التجربة، وانضم إلينا مجموعة من طلاب الأزهر من إندونيسيا،ومجموعة من مؤدي الترانيم الكنائسية التي تختلف عن التراتيل القبطية، وأصبحت « رسالة سلام» من أهم الفرق، وسافرنا بها إلى أكبر الكنائس على مستوى العالم في (النمسا ) وفي(ألمانيا ) من خلال أربع أو خمس ولايات منهم برلين وفرانك فورت وميونخ وغيرها، وسافرنا لإيطاليا والفاتيكان وفرنسا ( كنيسة سان جيرمان ) مرتين وحضرمعنا اليها  الكاتب الكبير ( جمال الغيطاني ) رحمه الله الذي صادف وجوده وقتها هناك، والشاعر ( سيد حجاب ) رحمه الله، وقد تم التنسيق مع الدكتورة ( أمل الصبان ) المستشارة الثقافية في ذلك الوقت في فرنسا وهي التي بذلت وقتها مجهودا عظيما جدا، وفي  كنيسة (سان جيرمان ) حضر الآلاف من الشخصيات الهامة،وطلبت انضمام  (كارالين دوما )  الليبرالية الشهيرة في مجموعتها مع رسالة سلام، وقدمنا رسالة قوية جدا في كنيسة سان جيرمان   لاقت نجاحا كبيرا جدا، واوكتب الأستاذ جمال الغيطاني رحمه الله  مقالة هامة جدا في هذا الشأن بعنوان ( عبور انتصار إلى باريس )، وبعد ذلك كانت الفاتيكان آخر محطة لنا والصين، ونحن نستعد لقافلة السلام بإذن الله لبعض البلدان الأوروبية بناء على رغبتهم في أن تعود مرة أخرى إلى أوروبا. 

 هل  العالم في حاجة إلى رسالة سلام ؟  
بالطبع العالم في حاجة إلى رسالة سلام، فالعالم كله في حالة تغير، وفي حالة عنف وانقسام، وبالتالي فنحن نحاول أن نحي قيم الانسان النبيلة وقيم «رسالة سلام «التي تدعو للتسامح والسلام والبناء. 
- كنت تهدف إلى إنشاء مشروعك الفني الذي يشمل إحياء التراث الإسلامي والقبطي، هل تحقق هذا المشروع بكل تفاصيله التي كنت تنشدها؟
جزء منه كبير تحقق ولكن هناك الكثير والكثير لم يتحقق، هى فقط مجرد البداية، ولا ننسى تأسيسي أيضا لملتقى الأديان (بسانت كاترين ) الذي قدمت منه ثلاث دورات لاقت نجاحا كبيرا جدا، ثم انتقلت إلى مجمع الأديان بمصر القديمة في الفسطاط، ولازلنا نقدم ملتقى الأديان حتى الآن من خلال مهرجان ( سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية )  لأن الفكرة بدأت (برسالة سلام ) ثم مهرجان ( سماع ) ثم (ملتقى الأديان)  
بمعنى وأنا أعمل في «رسالة سلام»، كانت عيوني على سانت كاترين وأقدم مشروعي ملتقى الأديان هناك تحت شعار ( هنا نصلي معا ) ولا زالت لدي مشاريع أخرى للتأكيد على هذا المعنى بإذن الله في الفترة القادمة. 

ماذا عن مهرجان الطبول؟ والهدف منه؟-  
 أحب أن أشير إلى  أن الدورة التاسعة من « المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية» لاقت إقبالا غير مسبوق من الجماهير، وهذا المهرجان يتم تحت شعار( حوار الطبول من أجل السلام )  ونحن نعرف أن الطبول تستخدم كلغة حرب، ونحن ندعو لتحويل لغة الطبول من لغة حرب إلى لغة سلام، وهذا ما تحقق من خلال ( المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية )  الذي يهتم بلغة  الطبول على مستوى ثقافات العالم، وأيضاً الحفاظ على الفنون التراثية القديمة بين الثقافات المختلفة وهو ما يصدر البهجة والسعادة للجمهور، وأحب أن أشير إلى أن الجمهور في هذا المهرجان يشكل جزءا أساسيا مشاركا في هذا المهرجان.

- كم عدد المهرجانات والفرق التي أسستها؟ ومنذ متى بدأت فكرة المهرجانات لديك؟  
  أسست فرقة الطبول النوبية والآلات الشعبية المصرية في عام 1990، وأعدت إحياء وتأسيس بعض الفرق ومنها فرقة (حسب الله )، ثم فرقة (رسالة سلام )، وبالطبع قبل كل ذلك فرقة مسرح (العربة الشعبية )، أيضا هناك فرق مسرح ( الحقيبة ) وأسست فرق خاصة لمسرح الحقيبة، بالإضافة إلى مهرجان ( سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية )،ومهرجان (ملتقى الأديان ) تحت شعار( هنا نصلي معا )، و(المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية)، وأيضا (ليالي  للمقامات الروحية) التي نقدمها دائما في رمضان والذي لاقي نجاحا كبيرا، وإن شاء الله هناك العديد من الأفكار والمشروعات الكبيرة القادمة بإذن الله .

ما سبب تسمية مهرجان سماع بهذا الاسم ؟- 
كلمة سماع كلمة صوفية وتعني فن السماع، أي كيف نسمع؟!، فالسماع أساسا يعمل على الارتقاء والتوازن النفسي، والسماع غذاء الروح، كيف نسمع ما بداخلنا في لحظة صمت، وكيف نسمع الآخرين وكيف نرتقي ونسمو؛ ولذلك وضعت شعارا بالنسبة لمهرجان سماع أو فرقة سماع وهو ( فلنسمع حتى نرى  ونرى حتى نسمع ) وهذا الشعار يوجد دائما  في كتاب المهرجان وفي حفلات رسالة سماع، وبالمناسبة فن السماع ليس فقط في التراث الإسلامي، ولكن أيضا في التراث القبطي كما أشرنا مسبقا، فالاثنين تراث واحد ومقام واحد يعبر عن الشخصية المصرية.

 - الطريقة الصوفية  تظهر جلية في أعمالك ؟وضح لماذا؟ 
من خلال الصوفية في المسرح بالفعل قدمت عروضا في هذا المعنى، منها عرض ( طقوس السمو ) الذي لاقى نجاحا كبيرا  وتم عرضه عدة مرات بناءً على رغبة الجماهير، الذين  لديهم الرغبة في عرضه مرات أخرى؛ ففي كل مرة يتم عرضه بشكل مختلف، أيضا قدمت (أطياف المولوية ) من خلال المنهج الصوفي وهو ما أسميه ب ( المسرح الكوني ) وليس  المنهج الصوفي فقط وهو ما تحقق في عرض(أطياف المولوية ) وعرض (طقوس السمو ) بأجزائه، وهو ما جعله يدخل في مفهوم التجريب في الشكل واللغة المسرحية. 

- لك تجارب مع المسرح البوليفوني، هل كان هذا الاهتمام مدخلا للتفكير في ذلك المهرجان الذي يهتم بموسيقى الشعوب؟ وهل من مشاريع قادمة في مجال المسرح الصوتي ذلك الذي لا يهتم به أحد سواك؟
 بالطبع هناك تجارب في هذا المعنى والحمد لله تحقق كثيرا جدا، حيث بدأت المسرح الصوتي بعرض (الدربكة ) وهو من أوائل التجارب التي قدمتها  ولاقت نجاحا كبيرا، ثم (ترنيمة واحد وترنيمة اثنين )، ثم انتقلت للمسرح البوليفوني وقدمت عروضا كثيرة منها  أطياف المولوية، وعرض «خروج للنهار»  بأجزائه الثلاثة فكان الجزء الأول في قصر الأمير (طاز)، وفي الخروج للنهار لأول مرة تم توظيف قصر الأمير (طاز ) بأكمله حيث يدخل الجمهور من البوابة، ويتنقل من مكان إلى مكان ومن حجرة إلى أخرى، وكان هذا العرض من أهم وأضخم العروض التي اشتغلت عليها، حيث الخروج للنهار) المستلهم من كتاب الموت الفرعوني، ) 
أيضا من أشهر عروض المسرح البوليفوني عرض ( مخدة الكحل ) الذي لاقى نجاحا باهرا، وأيضا عرض (السيمفونية لير )، وعرض ( الكونشرتو ) وعرض ( سوناتا )، وحاليا  أجهز لعروض في هذا الموضوع منها عرض مهم جدا اسمه «حبات اللؤلؤ».» 

- ما الجديد في الدورة التاسعة من المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية عن الدورات السابقة؟
 مهرجان الطبول من المهرجانات المهمة جدا، ولغة الطبول لغة مهمة  فالجمهور المصري والعربي بشكل عام  جمهور ايقاعي يحب الإيقاع وبالتالي فكرة مهرجان الطبول لاقت نجاحا غير مسبوق، والدليل هذه الدورة التي جمعت جماهير حاشدة وغفيرة جدا على كل المواقع الست وبالآلاف من الجماهير المتحمسة، حتى أن الكثير منهم لا يجدون الأماكن فكانوا يجلسون على الأرض بكل الحب والحماس. أما عن الجديد في هذه الدورة من مهرجان الطبول أني استطعت أن أؤسس من خلال هذه الجماهير الكبيرة وأصواتهم الجميلة  (كورال الشعب ) وهو ما جربناه في مسرح (الهناجر )، وكنتم أنتم من ضمن الحضور وسمعتم مدى جمال هذا الكورال، ولكنه اتسع بشكل غير عادي ليشمل أكثر من سبعة آلاف متفرج  في قلعة صلاح الدين، حيث تلاحموا مع الموسيقى العسكرية في أغاني حب الوطن،  وهو ما يدعونا لعمله كل دورة باسم « كورال الشعب» الذي يلتحم مع الموسيقات العسكرية في أغاني في حب الوطن، أيضا الجديد في هذه الدورة عودة مهرجان الطبول لشارع المعز، كما أقمنا عروضا في مسرح (السور الشمالي ) الذي ضم أكثر من خمسة آلاف متفرج وأقمنا أكبر (  ديفيليه ) ولاقى نجاحا كبيرا مبهرا، وتميزت هذه الدورة بالتغطية الاعلامية، وكان هذا المهرجان بالنسبة للجمهور مصدرا للبهجة والسعادة لكل الأسر والأطفال والكبار والشباب، والحقيقة كانت منظومة متكاملة فعلا ومشرفة لمصر.

- ما مفهوم المسرح بالنسبة لك؟ 
 المسرح بالنسبة لي بحث وقد يكون قصيدة أو  نداء من البائعين، وقد يكون لقطة لأي شيء أنتظره أستطيع أن أقيم به عرضا تجريبيا .أنا أحب أن تكون عروضي مستوحاه من الشارع المصري، 
 قدمت عروضا مهمة  في (ليالي المقامات الروحية ) و(ليالي إبداع الشارع المصري ) والذي تم عرضه في ممر ( بهلر) في وسط البلد وأيضا تم عرضه في ( ميدان روكسي ) و( ميدان الكربة )، ولا أنسى الجماهير الغفيرة، وفي هذا العام عرضنا في أماكن عدة منها الدرب الأحمر في (بيت يكن الأثري) وفي ( حي السيدة زينب) وفي حارة (مونج) و(بيت السناري)، ومن هنا أردت أن أقول إن الشارع  مهم جدا وانا أحب أن أعرض عروضي بين الجماهير البسيطة 

- ما خططك ومشاريعك القادمة؟ 
 استعد الآن لعرض مهم  (اسمه حبات اللؤلؤ ) وأقوم بإعادة بروفات (كونشرتو 2 ) بناء على رغبة الجماهير، وأجهز  كونشرتو واحد واثنين» وسأنفذها في عرض واحد برؤية جديدة، وأقدمها في مسرح (الغد ) أو بناء على رغبة الجماهير. وأستعد لعمل بروفات لكي تعرض  خلال شهور مع الإعداد للمشروع الدولي والقومي (حبات اللؤلؤ ) وهو عرض مهم لأنه يجمع حبات اللؤلؤ المتناثرة في الوطن العربي


سامية سيد