صبحي يوسف: الكبار أيضًا ضحايا وليس الصغار فقط

صبحي يوسف: الكبار أيضًا ضحايا وليس الصغار فقط

العدد 780 صدر بتاريخ 8أغسطس2022

المخرج المسرحي صبحي يوسف، حصل على ليسانس الآداب قسم مسرح من جامعة الإسكندرية عام 1985، وهو أول خريج لأول دفعة، بتقدير «ممتاز»، تخصص الإخراج، تحت إشراف الفنان القدير نبيل الألفي، وهو عضو نقابة المهن التمثيلية شعبة التمثيل والإخراج، شغل العديد من الوظائف في المملكة العربية السعودية منها، مخرج مسرحي بجامعة الملك سعود وجامعة جدة، ومديرًا فنيًّا لإحدى شركات الإنتاج الإعلامي بالرياض، ومخرج مسرحي بفرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالقسيم، وصاحب فكرة المهرجان الأول للمسرح السعودي عام 1997، والذي انطلق من القصيم برعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير المنطقة آنذاك، وهو مؤسس النشاط المسرحي بجامعة الملك سعود فرع القصيم، ومؤسس النشاط المسرحي بجامعة جدة، ومن أعماله المسرحية كممثلا في مصر «حلم ليلة صيف» إخراج د. حسين جمعة و«سالومي» إخراج فهمي الخولي و«حكايات حارتنا» و«غيط العنب» و«النديم» و«التماثيل» و«الجراب» و«العداء»، ومن أعماله في مصر كمخرجا «القفص» وكان ممثلًا أيضا فيه، وهو أول عروض قاعة يوسف إدريس بالمسرح الحديث عام 1991، و«الكورة أجوان» و«حلم ليلة كيف» و«ليلة زفاف إلكترا»، ومن أعماله كمخرج مسرحي في المملكة العربية السعودية «الضرس» و«السكين» و«الأجرب» و«فاصل ونواصل» وألحقني يا جاري» و«هاملت أخرج من رأسي» وهو أول عرض مسرحي بمعرض الرياض الدولي للكتاب، و«مسافر ليل»، له العديد من المشاركات الدولية وشارك وترأس لجان تحكيم مهرجانات عديدة، حصد العديد من الجوائز، كما حصل على العديد من التكريمات منها أنه كُرّم من معالي وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور إياد مدني في افتتاح مهرجان المسرح السعودي الرابع  عن كونه مؤسس المهرجان الأول للمسرح السعودي 2008 وكرمه معالي مدير جامعة جدة الدكتور عبد الفتاح مشاط لتأسيسه لنشاط المسرح بالجامعة 2017، وهو الشخصية المكرمة من جامعة الطائف في احتفالها بيوم المسرح العالمي 2019 ، لما قدمه للمسرح الجامعي في المملكة، وكرمه مهرجان الطائف لمسرح الشباب في دورته الأولى ديسمبر 2011 تحت عنوان «صبحي يوسف – تاريخ الإخراج»، ويُشارك المخرج «صبحي يوسف» في الموسم المسرحي للبيت الفني للمسرح هذا العام بالعرض المسرحي «ليلة القتلة» من إعداده وإخراجه، وهو من إنتاج مسرح الطليعة، ويُعرض في قاعة «صلاح عبد الصبور»، وهو إحدى الخمسة عروض المختارة من إنتاج البيت الفني للمسرح المصري، للمشاركة في المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الخامسة عشرة، دورة «المخرج المسرحي»، عن «ليلة القتلة» وأسئلة أخرى كان لنا معه هذا الحوار.
-حدثنا عن كواليس ليلة القتلة؟
النص على المستوى الفني ثري ومستفز لأي مخرج، وكنت أرغب في إخراجه منذ فترة طويلة، فنيًّا، فكرة اللعبة المسرحية المختلفة في هذا النص، هي مختلفة عن لعبة رانديلو، فكرة المسرح داخل مسرح، المؤلف ينص على أن الشخصيات المُمثلة من خلال ممثلين العرض، أن المخرج يستدعيها بممثلين آخرين، بمعنى أن كل دور له ممثل مستقل بدوره، ولكن المؤلف نص على أنه لا يمكن فعل ذلك، فكان هذا مستفز بالنسبة لي.
شاهدت أغلب العروض التي قدمت إخراجيًّا لهذا النص، في مصر وفي دول عربية مختلفة، حاولت أن أشاهد أكبر عدد من الرؤى الإخراجية المختلفة لـ «ليلة القتلة»، كان يُلح علي الدافع الأكبر بعيدًا عن الاستفزاز الفني المتواجد في النص، فكرة صراع الأجيال، ولم اهتم بالطرح السياسي المتواجد في النص، نتيجة أن النص كُتب في الستينيات، عندما كانت كوبا مليئة بالثورات، أمر غير مُلح في هذه الفترة، بقدر ما الجوانب الاجتماعية الأخرى، الخاصة باتهام الأجيال الصغيرة للأجيال الكبيرة أن هي المسؤولة عن تحطيمها، أو لا يعطوهم الفرص الكافية لأن يعيشوا حياتهم، فكرة نُقشت بشكل كبير، سواء فنية أو أدبية، فوددت أن أقدم، أن الكبار أيضًا هم ضحايا وليس الصغار فقط، وهذا ما جعلني أقسم كل شخصية إلى شخصيتين، دون اللجوء إلى الـ»فلاش باك» التقليدي أو غيره، تعمدت أن يكون الشكل أقرب غلى القاطع السينمائي بين كل جملة وجملة، وهكذا اصبح الأمر مستفزًا فنيًّا بشكل أكبر، كيف سوف أضع هذا التكوين على المسرح، وهذا ما دفعني أن يكون الجمهور جالس على جانبي المسرح، ومشارك في هذا الحدث وليس مشاهد، وأن يُشاهد نفسه من زوايا مختلفة في هذا العمل، هذا الأمر، جعل مهمة الممثلين أكثر صعوبة، خاصة أن النص الأصلي أكثر طولًا من زمن العرض الذي قُدّم، فهذا التكثيف الذي حدث  في العرض، اصبح يُزيد من مهام الممثلين، فما بين كل لحظة والأخرى، يتنقلون بين الشخصيات، يخرجون من الشخصية فيدخلون للأخرى، ولديهم ملابس وأكسسوارات تتغير داخل العرض، على جانب مفاتيح الموسيقى، كان جهدهم أكبر بكثير.
طبيعة العرض لا تُتيح للمثلين الخروج من القاعة حتى للحظات، الممثلين متواجدين من قبل دخول الجمهور، والجمهور يدخل وهم يمثلون على المسرح حتى لحظة خروج الجمهور، والحمد الله أنني وُفقت أن أجد ممثلين لديهم وعي كافي، لأن طبيعة هذا النص يحتاج إلى ممثلين لديهم وعي قبل الموهبة، ووفقت أيضًا أن عناصر العمل بشكل عام تكون على قدر المسؤولية وعلى ذلك الوعي.
للأسف المسرح الآن ليس عنصر جذب للممثلين مقارنة بالسينما والدراما، نادرًا ما نجد ذلك، الظرف الإنتاجي كان صعب بعض الشيء، لأن العمل بدأ بشكل فعلي قبل شهر رمضان مباشرة، فأغلب الممثلين إما منشغلين في تصوير مسلسلات رمضان، أو في انتظار فرصة الدخول في هذا التسابق، فعلى الرغم أن مصر عامرة بالممثلين، إلا أن كان أمامي شبه أزمة، لكن الحقيقة أن في مصر الدولة يبدو أن الناس تُعاني أن الأجور قليلة، فبدأت في البحث عن «فدائيين» لديهم وعي وثقافة وموهبة، ويبدأ بروفاته التي تستغرق ساعات وساعات في الموسم الرمضاني، ووفقنا في ذلك، والعمل دخل في حيز التمثيل أكثر بعد شهر رمضان.

-حدثنا عن فريق عمل العرض ومقاييس اختيارك لهم؟
عناصر العمل تم اختيارها بعناية شديدة، الشاعر الكبير عوض بدوي قدم للساحة الغنائية المئات من الأغنيات الشهيرة، ولكنه في الأساس رجل مسرح فكان لديه وعي كبير بالشكل الذي أرغب في تقديمه، فقدم لنا كلمات على نفس المستوى والرؤية التي أرغب في تقديمها، وأيضًا الملحن الشاب محمد حمدي رؤوف وهو نجل الملحن الكبير وصديق عمري الراحل حمدي رؤوف، ومن اشهر أعماله مسرحية «الملك هو الملك»، وكان وهب نفسه للغناء والموسيقى في المسرح، وابنه يمتلك نفس الوعي، وتجربته في الدراما كانت تجربة موفقه، فكرة تحويله للأغنية لأغنية درامية، وهذا بشهادة المتخصصين، أما الإضاءة فكانت لمصمم الإضاءة إبراهيم الفرن، والذي يصفه الناس بأنه «العالمي»، وهو بالفعل كذلك، لديه رؤية فنية مختلفة، استطاع بسرعة شديدة جدًا، أن يقدم رؤية ضوئية هائلة في مساحة الغرفة، مساحة القاعة، والممثلين لديهم وعي كبير وهم ياسر مجاهد ونشوى إسماعيل ولمياء جعفر وإميل شوقي ومروج وشيماء يسري، ولا أغفل أن هناك إدارة مهمة في مسرح الطليعة تعمل بجد لتصل أن مسرح الطليعة يكون له من اسمه نصيب، المسرح الطليعي كان المقصود منه قديمًا أن يكون به تجارب جديدة، الإدارة تعاملت معنا بسهولة شديدة، وقدموا لنا دعم لوجيستي كبير جدًا، وحتى الإدارة العُليا في البيت الفني للمسرح، دعمونا جدًا، وعلى الرغم أنني بعيد عن مصر منذ 29 عامًا، وهذا أول عمل أقدمه بعد رجوعي لمصر، فكنت لابد أن أفهم أشياء كثيرة نتيجة الغياب، ولكن الحقيقة أ. إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح، تقابلنا خارج مصر، وتحدث معي في رجوعي إلى مصر، فبعد عودتي إلى مصر، دعمني بشدة، وعندما حضر العرض في الافتتاح قال أنه راهن رهان ناجح.
وكما ذكرت أسماء الممثلين المشاركين في العرض، ولكن هناك عناصر أخرى في العرض هامة وهم ترجمة فتحي العشري وأشعار عوض بدوي وموسيقى وألحان محمد حمدي رؤوف وديكور وأزياء سماح نبيل وتصميم إضاءة إبراهيم الفرن ودعاية خالد مهيب وسوشيال ميديا محمد فاضل وساعد في الإخراج لمياء جعفر وأحمد علاء ومحمد مسعد ومخرج منفذ وليد الزرقاني.

-حدثنا عن رؤيتك واختيارك لعناصر الرؤية في العرض؟ وكيف حققت هذه الرؤية القوية بعناصر إنتاجية تبدو بسيطة؟
لم أفكر في تكلفة العمل وأنه يكون مُكلف أو لا، ما ركزت عليه تنفيذ الرؤية التي كنت ارغب في تنفيذها، وحتى أن الناقد الكبير محمد الروبي عندما حضر العرض قال أن هذا الديكور لا يتم إلا من خلال رؤية مخرج كبير هو مدرك لما يقدمه، الديكور مبني على المكان أكثر، وقد ينحصر في حبال وستة كراسي (عدد الممثلين) وبعض الأكسسوارات، هذا مناسب لطبيعة العمل، أكثر من ذلك سيكون مبالغ في أمره دون داعي.
الدلالات المقدمة في عرض ليست بالضرورة أن تصل بنفس المستوى لكل المتلقيين، في المسرح خاصة نراعي ذلك، لأن لدينا مستويات مختلفة للمتلقي، ويسعدني بشدة عندما استمع لرد فعل الجمهور وآرائهم، عندما يخبروني أن منهم كانوا يمارسون أو أحدًا ما مارس ذلك عليهم ما قدم في العرض، رأي الجمهور ووصول رؤية العرض للمتلقي بأشكال مختلفة أهم لدي من فكرة المعايير الفنية وشكلها، ولكنها هي عندما وصلت للجمهور، جعلتهم يشعرون بذلك، الأثر هو أثر العرض على الجمهور.
التفاصيل الصغيرة هي ما تصنع هذه الدلالات وبالتالي، عملنا كما تعلمنا، فقد تعلمت من أستاذي الكبير نبيل الألفي رحمة الله عليه، أن المسرح مراعاة مقتضى الحياة بشكل فني.

-ما رأيك في ما كان عليه مسرح الدولة وما هو عليه الآن، إيجابياته وسلبياته، وخاصة بعد فترة غياب 29 عامًا؟
أنا ابن مسرح الدولة، فكرة الحديث المستمر عن مشاكل وأزمات مسرح الدولة، منذ نشأتي كنت أسمع عنوان واحد هو «أزمة المسرح المصري»، ومتعجب كيف مع عدد الدكاترة الذين يفوق عددهم الشعب في المجال الفني، كيف لم يجدوا حتى الآن تعريف لأزمة المسرح المصري؟!، المشاكل لا تشكل أزمة بمعنى أزمة، هي في نحو بعيد عن مشاكل المسرح نفسه، لا أتخيل أن هناك مشاهد كما تعلمنا «سيكلوجية المشاهدة»، أنه يتواجد في العتبة وسط هذا الكم الهائل من البائعين والضجيج الذي ليس له مثيل، ويدخل بصفاء ونقاء ليستمتع بعرض مسرحي يقول جملة مفيدة، هذا أمر في غاية الصعوبة، لن أتحدث على مسرح الطليعة الذي نعرض داخل قاعته، ولكن سوف أتحدث عن المسرح القومي العريق الذي إذا فرغناه من محتواه، وقلنا أنه مبنى تاريخي، لا يصح أن أبحث عنه وأنا أمامه لأنه محاط بالبائعين الذين يحجبوا الرؤية، من وجهة نظري هذه أزمة، ولكنها ليست أزمة المسرح المصري.
الفكرة في مشاكل مسرح الدولة، دون نفاق أو رياء، شكرًا للدولة أنها ما زالت تقدم هذه الخدمة الثقافية للمشاهد، بحكم عملي في العديد من الدول العربية، أود أن أطمئن الناس أننا تقريبًا الدولة الوحيدة في الوطن العربي، التي لديها مواسم مسرحية مستمرة طوال الوقت، لدينا عروض مسرحية كثيرة، المسرحي الحقيقي أو المهتم بالمسرح، ربما لا يستطيع مشاهدتها كلها، وهذا غير متوفر في دول كثيرة ربما افضل من وضعنا الاقتصادي بشكل كبير.
الدول العربية ذات الموارد الاقتصادية الأكبر، هي لديها مسرح جيد، ولكن لديها مسرح كل فترة كبيرة، ليس لديها مواسم مسرحية أو فرق مسرحية مستمرة، حتى تونس التي تتميز بمسرح مختلف وجيد، أحيانًا تونس تتصدر الصورة في الكيف وليس في الكم.
ولكن المسرح المصري يحتاج إلى تطوير، مازلنا نُعاني في مصر من إمكانيات الصوت والإضاءة، أحيانًا نحتاج أن ننقل أجهزة من مسرح لمسرح لأن الأجهزة في هذا المسرح لا تعمل أو في حاجة إليه، ولكن كل ذلك لا أراه أنه قد يُعطّل العملية المسرحية، الإمكانيات لا تعطل الإبداع، لدينا كمية كبيرة من المواهب والعناصر المسرحية المتميزة.
مصر بخير طالما لديها مواسم مسرحية مستمرة، وكم العروض التي تتواجد في المهرجان القومي للمسرح المصري، لدينا عروض من جهات مختلفة، مسرح الجامعات والشباب والرياضة وقصور الثقافة والبيت الفني للمسرح والبيت الفني للفنون الشعبية، لدينا حراك ثقافي كبير، ولكن هذا لا ينفي فكرة التطوير، الفنان في حد ذاته هو في حاجة دائمة للتطوير، وأيضًا المباني والأجهزة تحتاج إلى ذلك.


إيناس العيسوي