بعد حصوله على جائزة الدولة .. فوزي خضر: المسرح ظل صامدا لآلاف السنين وسيظل ولن ينتهي

بعد حصوله على جائزة الدولة .. فوزي خضر: المسرح ظل صامدا لآلاف السنين وسيظل ولن ينتهي

العدد 676 صدر بتاريخ 10أغسطس2020

د. فوزي خضر  شاعر ومؤلف مسرحي وله كتابات ودراسات في الأدب والتاريخ، حصل على ليسانس الآداب – قسم اللغة العربية وآدابها واللغات الشرقية وآدابها جامعة الإسكندرية 1989 بتقدير «جيد». ثم درجة  الماجستير في «الموشحات في العصر الغرناطي 1995» بتقدير «ممتاز» ثم الدكتوراه في «عناصر الإبداع الفني في شعر ابن زيدون 2000» بمرتبة الشرف الأولى.
حصل على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التشجيعية عام 1994 ثم جائزة الأمير عبد الله الفيصل في الشعر المسرحي عام 2019، ثم فاز مؤخرا بجائزة الدولة للتفوق في الآداب.. لذا كان لنا معه هذا الحوار..
كيف استقبلت خبر فوزك بجائزة الدولة للتفوق في الآداب؟ وماذا تعني لك هذه الجائزة؟
كان استقبالي لخبر فوزي بجائزة الدولة للتفوق في الآداب  استقبالا سعيدا للغاية، ويشعر الإنسان أنه يسير في الطريق الصحيح. فلجائزة الدولة للتفوق مكانة خاصة عندي، فالإنسان مهما حصل على جوائز يظل تكريم دولته له هو التكريم الأهم.
كيف تم ترشيحك لهذه الجائزة؟ وما هي شروطها؟
جائزة الدولة للتفوق هي جائزة يستطيع الإنسان أن يتقدم لها بنفسه ومن الممكن أن ترشحه إحدى الجهات المعتمدة في الترشيح لدى المجلس الأعلى للثقافة، وقد شرفت بترشيح آتيليه الإسكندرية لي، وبهذه المناسبة أشكر الآتيليه ورئيسه د. محمد رفيق خليل ومجلس إدارته وأشكر كل من رشحني في القائمة القصيرة، وأشكر بالتأكيد لجنة الجوائز بالمجلس الأعلى للثقافة. أما عن شروط الجائزة فتستلزم أن يكون الأديب منتجا لمدة 15 عاما على الأقل، تصدر له أعمال على هذا المدى الواسع من السنوات، وبالطبع كلما كان له رصيد فني وثقافي معترف به كلما ساعده ذلك في لحصول على الجائزة.
- ما أبرز هذه الجوائز التي حصلتم عليها من قبل؟
ربما كانت أهم الجوائز بالنسبة لي حتى الآن، هي الجائزة الأولى في الشعر عام 1972 بالثقافة الجماهيرية، حيث كانت أولى الجوائز التي تقدمت لها وحصلت عليها، ثم جائزة (أندلسية) في الشعر عام 1998 حيث حصلت عليها وأنا أمر بظروف قاسية. وهي جائزة تمنحها مؤسسة أندلسية في الثقافة والعلوم، وتمنح جائزتين سنويا إحداهما في الشعر والثانية لأفضل مشروع هندسي في مصر.
وقد حصل على هذه الجائزة من قبل أستاذي محمد إبراهيم أبو سنة. وجاءت جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 1994  فكان عاما سعيدا بالنسبة لي حيث حصلت فيه أيضا على الجائزة الثانية في التأليف المسرحي على مستوى البلاد العربية. وفي 2019 حصلت على جائزة الأمير عبد الله الفيصل العالمية في الشعر، فرع الشعر المسرحي، وخلال ذلك حصلت على عدد لا بأس به من الجوائز لعل أهمها الجائزة الأولى في التأليف الإذاعي على مستوى الإذاعات العربية عدة سنوات عن تأليف برنامج (كتاب عربي علم العالم) ربما كانت هذه هي أهم الجوائز.
ما أهم الأعمال المسرحية التي كتبتها؟
صدر لي 78 كتابا متنوعا بين الشعر، والمسرح، وأدب الطفل، والدراسات النقدية والكتب التاريخية، وقد طبعت هذه الأعمال في مصر والسعودية وقطر والكويت والأردن. أما الأعمال المسرحية فقد كتبت مسرحية الأسطورة التي عرضت على مسرح قصر ثقافة الحرية عام 1973 من إخراج سعد الدسوقي، وأوبريت صفحة جديدة وقد عرض في القلعة بالقاهرة، والمجمع الثقافي بدمنهور، ومركز الإبداع بالإسكندرية عام 2002، ومسرحية (الشيخ الرئيس.. ابن سينا) التي حصلت على جائزة الأمير عبد الله الفيصل، ومسرحية (صاحب التذكرة.. داوود الأنطاكي) ومسرحية (الحسن بن الهيثم) الذي كان أول من فكر في بناء السد العالي.
ما أبرز المحطات الفنية والثقافية في مشواركم؟
البداية في كتابة الشعر بعد أن تعلمت الأوزان على يد زميلي بالمدرسة الثانوية الشاعر فهمي إبراهيم، كنت حريصا أن أستكمل أدواتي من الناحية اللغوية والعروضية وغير ذلك، إلى أن حصلت على الجائزة الأولى في الشعر عام 1972 وكانت المحطة الأولى بالنسبة لي. نزلت من الإسكندرية للقاهرة وأنا أشعر أني أعظم الشعراء، وذهبت للشاعر حسن توفيق، وكان مديرا لمكتب الشاعر الرائد صلاح عبد الصبور، وقدمني للأستاذ وقدمت له أشعاري، فقرأ حوالي عشر قصائد، ثم قال قم بنا للإذاعة فعندي موعد مع الأستاذة هدى العجيمي لتسجيل برنامج مع الأدباء الشبان. ذهبنا للإذاعة ومعي قصائدي لكن الأستاذة هدى العجيمي قالت له نحن نناقش الدواوين المطبوعة، فقال لها عبد الصبور: أعلم ذلك ولكن فوزي خضر هو الشاعر القادم، وقدم عني حلقة في غاية الروعة، قدمني بها للأوساط الأدبية، وكان حريصا على أن ينشر لي باستمرار في مجلة الكاتب حينما كان رئيسا لتحريرها. ثم ذهبت لمقهى ريش حيث تعرفت على الشعراء نجيب سرور ومحمد عفيفي مطر وغيرهما، وجاء يوم الجمعة ومجلس نجيب محفوظ فجلست معهم، حينها كان محفوظ يتحدث عن الأدب والجغرافيا، وكيف يؤثر موقع الأديب الجغرافي من حيث سكنه ومعيشته في تواجده الأدبي، ثم تحدث عن المسرح والرواية وغيرهما، إلى أن بدأ الحديث عن الشعر فتقدمت بمقعدي للأمام وكنت أجلس مجاورا للأستاذ فاروق عبد القادر، إذ إن الحديث عن الشعر وأنا أرى نفسي أعظم الشعراء، فتحدث نجيب محفوظ عن شعراء واتجاهات ومذاهب شعرية لم أسمع بها من قبل ولم تمر عليّ، فتراجعت بمقعدي وعدت للإسكندرية وأنا مؤمن بأن الشاعر والأديب لا بد وأن تتوفر له ثقافة عريضة في كل المجالات، عدت وأنا أشعر بضآلتي ولم يعد لدي الإحساس بأني متفوق، بل شاعر جاهل لا بد أن يقرأ. فعكفت على القراءة  يوميا لمدة سبع ساعات في أي شيء وكل شيء، أي كتاب يقع تحت يدي أقرأه وأستوعب ما فيه، هكذا علمني نجيب محفوظ دون أن يقصد. وفي عام 1991 كنا في جلسة وكان نجيب محفوظ يمتدح ثقافتي التي تتبدى في برنامج (كتاب عربي علم العالم) فقلت له: أنت الذي جعلني قارئا دون أن تنصحني بالقراءة، وما زلت أشعر حتى الآن بحاجتي للقراءة.
وفي منتصف السبعينيات كنت ألتقي أمل دنقل كثيرا وأفخر بأنه كتب لي بخط يده بين قوسين (المستقبل لك).
بدأت حين ذلك أكتب القصيدة المدورة وهي قصيدة عبارة عن دفقة شعورية كبيرة تتشابك فيها التفعيلات من بدايتها لنهايتها فكأنما هي صرخة من شاعر للوجود. وقد كتب عني د. عزالدين إسماعيل فكانت كتابته دفعة قوية لي للاستمرار في هذا الشكل الشعري. وفي الثمانينيات بدأت أكتب الشعر الروائي فالديوان عبارة عن قصائد تمثل حكاية طويلة أو تمثل سيرة ذاتية، ثم انتقلت إلى القصيدة القصيرة جدا، فنشرت عددا كبيرا منها في مجلة الشعر حين كان رئيس تحريرها د.عبد القادر القط، وقد أثنى على كتاباتي في هذا الشكل.
وقد كان أول ديوان يصدر في هذا الشكل لهذه القصيدة هو ديواني (قطرات من شلال النار) عام 1993 ثم أعقبه ديوان شظايا للشاعر أحمد سويلم، ثم ديوان للشاعر عزت الطيري ثم توالت الدواوين وأطلقت المسميات المختلفة على هذا اللون، فقيل القصيدة التلغرافية، والقصيدة (الهايكو) نسبة إلى تسميتها في اليابان وغيرها من المسميات، كانت هذه هي أبرز المحطات الأدبية في حياتي.
- و ماذا عن برنامج كتاب عربي علم العالم هذا البرنامج الإذاعي الذي استمر لسنوات؟
البداية حين اجتمعت مع المخرج العبقري مدحت زكي والأستاذ أمين بسيوني، واتفقنا على عمل برناج يعيد للعلماء العرب حقهم الذي سلبه الغرب، فعلى سبيل المثال يرتبط اسم نيوتن بالجاذبية الأرضية، بينما يقول جورج سارتون وهو من أهم مؤرخي العلم في العالم، إن أبا الريحان البيروني هو مكتشف الجاذبية وليس نيوتن.
 وتقول المؤرخة الألمانية زيجرد هونكه، وهي من أشهر مؤرخي العلم، إن مخترع الآلة البخارية التي طورت صناعة وسائل المواصلات ليس (إيستفنسون) وإنما تقي الدين محمد بن معروف  القاضي المصري.
بدأنا في تقديم هذا البرنامج الذي يقول إن العقل العربي قادر على أن يقود الحضارة الإنسانية كما قادها أجداده، وأن يعلم العالم في الفروع كافة، إذا توفر لأبناء الأمة الرغبة الحقيقية في التقدم، وأخلصوا العمل والتعلم وكانوا أمناء في محاولة التوصل لحقائق العلوم، وإذا ساعدتهم الدولة بتوفير ما يحتاجون إليه من معامل وغيرها. وخلال البرنامج  تحدثت عن إنجازات العلماء العرب الذين أسهموا في تقدم العلم العالمي كل في مجاله، مثل جابر بن حيان في الكيمياء وابن سينا في الطب وغيرهما، وذلك من خلال شكل درامي، فهو مسلسل في عشر حلقات يذكر من خلال المواقف الدرامية، بعض المعلومات عن الكتاب بطريقة غير مباشرة بلغة فصحى بسيطة وصلت للباعة في الأسواق ووصل الهدف من البرنامج لكبار المفكرين، والأدباء، فأثنى عليه اليمين واليسار، مثل الشيخ محمد الغزالي، ونجيب محفوظ، ونهاد شريف، ويوسف عيسى وغيرهم. وقد أذيع من هذا البرنامج ثلاثة آلاف حلقة في عشرين دولة، وفاز بنصيب الأسد في جوائز الإذاعات العربية.
ما رأيك في الحركة المسرحية المصرية قبل أزمة كورونا وتوقعاتك لما بعدها؟
قبل كورونا كنا أمام حركة مسرحية جيدة، تطمح إلى تحقيق شيء جديد، وخصوصا مع ظهور عدد من الفنانين والمخرجين الشباب الذين يملكون قدرات طيبة. أما توقعاتي عن مستقبل المسرح بعد كورونا وفي ظل التقدم التكنولوجي كالسوشيال ميديا، فأقول إن المسرح هو الفن القوي الذي عاش منذ آلاف السنين ومر عليه حالات كثيرة من التطور التكنولوجي وظل صامدا وموجودا وله تأثيره لن يؤثر فيه في اعتقادي توجه تكنولوجي جديد.
فحين ظهرت السينما قيل إن المسرح انتهى عصره، وحين ظهر التليفزيون أيضا، ولكن ظل المسرح وسيظل المسرح هذا الفن القوي المرتبط بمشاعر الجماهير، المرتبط بالتفاعل بين الممثل وبين الجماهير، فهو فن لا ينتهي، أما الاستفادة في المسرح من أي توجه تكنولوجي فهو متاح لمن يقدر عليه.
ختاما، رسالة توجهها لشباب المسرحيين وشباب الشعراء..
أريد أن أوجه رسالتي لشباب المؤلفين المسرحيين، فأنا مقتنع بمواهب وكفاءات المجال التنفيذي في المسرح، إخراجا وتمثيلا ومهندسي ديكور وإضاءة وغير ذلك، لكني أتوقف ببعض التحفظ عند المؤلف، علينا أن نبحث دائما عن الجديد ولا نكون مأسورين للإطار التأليفي الذي سبقنا في أي عصر من العصور. أما لشباب الأدباء الشعراء فأقول إن الشعر مشكلته في هذه المرحلة هو أنه يوجد حقيقيون تتوه أصواتهم بين كثير من الأدعياء الذين ينشرون غثاء لا يمت للشعر بصلة، ويصنفون كتبهم بوصفها دواوين شعر وهي ليست بشعر، الأصوات الجادة تائهة وسط الأكثرية التي استسهلت الكتابة دون أن يمتلكوا الشعر.


عماد علواني