شيخ المسرحيين د. كمال الدين عيد: قضيت 15 يوما في بيت بريخت ببرلين  عام 1982

 شيخ المسرحيين د. كمال الدين عيد: قضيت 15 يوما في بيت بريخت ببرلين  عام 1982

العدد 566 صدر بتاريخ 2يوليو2018

تلقت الأوساط المسرحية المصرية بل والعربية إعلان حصول شيخ المسرحيين د. كمال الدين عيد على جائزة الدولة التقديرية في الآداب بوصفه تكريما لكل المسرحيين، ورد اعتبار تأخر كثيرا ليس لما يمثله د. عيد من قيمة علمية وأدبية وإنسانية رفيعة المستوى فحسب، وإنما لما يمثله المسرح ذاته من قيم العدالة والحرية والنبل الإنساني، تلك القيم التي تكاد تغيب عن مجتمعنا في الآونة الأخيرة. وقد استحق عالمنا الجليل هذه الجائزة  بعد مشوار طويل حافل بالعطاء والعلم, وخدمة المسرح، حيث تتلمذت على يديه أجيال كثيرة، و صار طلابه نجوما. د. كمال عيد من القامات الشامخة التي أسهمت في نهضة المسرح المصري, مخرجا مبدعا وناقدا متميزا وعالما وأستاذا أكاديميا, أثرى المكتبة المسرحية بإصدارته التي بلغت  35 كتابا ما بين التأليف والترجمة في مختلف صنوف المعرفة المسرحية. ولد بالقاهرة عام 1931, تخرج في المعهد العالي لفن التمثيل عام 1952. حصل على بكالوريوس أكاديمية الفنون المسرحية عام 1962، ماجستير الآداب الدرامية من جامعة “بودابست” عام 1970، ودكتوراه في فلسفة الآداب الدرامية من أكاديمية العلوم المجرية عام 1974 . وبعد عودته من البعثة عين مخرجا بالمؤسسة المصرية للمسرح والموسيقي (البيت الفني للمسرح حاليا)، كما عين عام 1988 وكيلا للمعهد العالي للفنون المسرحية. من مؤلفاته : المسرح الاشتراكي، دراسات في الأدب والمسرح، زوايا جديدة في الدراما،  المعمل المسرحي، المفاهيم السيكولوجية في مسرح الطفل، سينوغرافيا المسرح عبر العصور، تاريخ تطور فنية المسرح، مناهج عالمية في الإخراج المسرحي، قضية الأوبرا بين التقليدية والتجديدية، اتجاهات في الفنون المسرحية المعاصرة، أعلام ومصطلحات الموسيقي الغربية، أعلام ومصطلحات المسرح الأوروبي. ومعه كان هذا الحوار 
الجائزة تعد تتويجا لمشوار حافل بالعلم والعطاء. حدثنا عن هذا المشوار ؟
 دخلت معهد الفنون المسرحية سنة 1945 تعلمت على أستاذي رحمة الله عليه زكي طليمات, ود. طه حسين ومحمد صلاح الدين باشا, وأحمد يوسف في الفنون الجميلة ودريني خشبة في الأدب المسرحي وكلهم عمالقة علمونا كيف نعلم العلم المسرحي, بعد ذلك ذهبت إلى بعثات في الخارج مرتين, مرة لدراسة الفنون المسرحية في الإخراج المسرحي في جامعة الفنون في المجر, ومرة ثانية عندما درست الماجستير والدكتوراه على حسابي الخاص, زرت مالا يقل عن عشرين دولة, سعيا وراء مسرحها, حتى عندما كنت أعمل في الخارج, في ليبيا والكويت والسعودية في العراق وغيرها كنت أتعلم المسرح الأصلي والحقيقي, والمسرح الأوروبي خاصة في إسبانيا وبريطانيا وفرنسا والنمسا.

إلى جيل تنتمي سيادتكم، وما أبرز إنجازات هذا الجيل؟ 
 أنا واحد من جيل أنشأ مسرح الستينيات مع زملائه سعد أردش وكرم مطاوع وجلال الشرقاوي ومحمد عبد العزيز وفاروق الدمرداش, وسمير العصفوري وأنور رستم وكمال ياسين. أقمنا مسرح الستينيات بعد جهاد بذلناه في فرقة خاصة اسمها المسرح الحر المصري تيمنا بالمسرح الحر الفرنسي الذي قام على يد الفرنسيين الأحرار وقدموا المسرح الحر الفرنسي. وقدمنا نحن التجارب الاجتماعية المصرية في فترة الستينيات, فقدمنا لأول مرة نعمان عاشور ولطفي الخولي ورشاد رشدي وسعد الدين وهبة ومحمود دياب وكلهم من الكتاب العظام في الوطن العربي كله. 

وكيف ترى المسرح الآن؟ 
لا يمكن أن تفصل المسرح عن السياسة أو المجتمع وعن البشر, قبل الانفتاح ظهرت 28 فرقة مسرحية خاصة لم يبق منها اليوم إلا فرقتين هما فرقة جلال الشرقاوي مسرح الفن وفرقة محمد صبحي المسرح الجديد. إذن المسرح تعرض لنكسة في الثمانينيات والتسعينيات حتى استرد روحه بعد الثورة المصرية الجديدة التي قامت بعد خروج الإخوان من دائرة الضوء الجماهيري. ومع ذلك أرى أنهم شوّهوا المسرح المصري, المسرحيات التي تقدم حاليا كلها من ذات الفصل الواحد التي لا تزيد عن الساعة أو الساعة وربع وهذا ليس مسرحا, وأتحدى أن يقدم أحد في العالم اليوم مسرحيات الفصل الواحد, فهي قدمت من كبار الكتاب الأوروبيين, منهم انطون تشيكوف الروسي ويوجين أونيل الأمريكي, كل منهم بدأ مسرحه بمسرحيات الفصل الواحد ، ولكن هذه المرحلة انتهت و بدأ هؤلاء الكتاب يكتبون المسرحيات الطويلة التي ما تزال حتى اليوم عظيمة. هذه تجربة علمية أوروبية لا يمكن أن نتغاضى عنها ، وتاريخ الدراما منذ القرن الخامس وحتى اليوم يثبت بالدليل القاطع أن المسرحيات الطويلة والتي تتراوح بين ثلاثة أو أربعة ساعات هي المسرحيات المؤثرة في الجماهير و التي تقدم النماذج الحية والحرة والدقيقة, المقصد أن هذه المسرحيات التي في مصر الآن -مع احترامي لها ولمؤلفيها ولمخرجيها - تختلف كثيرا عن المسرح المصري الكبير الذي بدأ في الستينيات والسبعينيات كما تختلف اختلافا شديدا عن المسرح الأوروبي المعاصر. 

ثورة يناير أثرت على المشهد المسرحي بشكل كبير فهل استطاع المسرح لمصري أن يتجاوز هذا المنعطف الدرامي؟
إن مصر لم تنعم بالأصول العلمية والفكرية التي يجب أن تقدمها هاتين الثورتين, الثورة التي تتحدث عنها وثورة 30يونيو, بمعنى أن هذه الثورات كان يجب أن تترجم إلى نماذج ملهمة للعمل والعلم, وهو مالم يحدث ، مثلا في البحث العلمي على الأقل فيما يخص مهنتنا المسرحية, كما لم تنعم مصر بمسرح يتوازى مع قيمة الثورتين العظيمتين الأخيرتين، بمعنى أن الأهداف العليا للثورة وتجنيد الفكر لقيادة الجماهير واطلاعها على الحقيقة وعلى مشكلات العصر, وعلى مشكلات المجتمع لم تتحقق، ورغم كل ما يقدم لم أجد مسرحا وطنيا يقف إلى جانب الثورة بكل أسف. مثلا هناك مسرحية كنت ترجمتها بعنوان (وطني) تقدم نموذجا في كيفية الدفاع عن البلاد و كيف يقدم البسطاء أرواحهم في خدمة الثورة وفي خدمة الوطن ، من هنا أرى نقصا في الكتابة في هذا الاتجاه. 

وكيف ترى السبيل للنهوض بالمسرح ؟
من الضروري الآن العودة لنظام البعثات الخارجية، كما كان في عهد عبد الناصر؟ أنا ذهبت إلى البعثة سنة 58 و قبلي سعد أردش و بعدي جلال الشرقاوي وكرم مطاوع, أين البعثات؟ لماذا تتوقف البعثات إلى الخارج؟ جلدنا كله تغير بعد البعثات، حصلنا على شهادات علمية و عملي , لابد من عودة البعثات في المسرح حتى ينهض. في عهد فاروق حسني كان يرسل بعثات لمدة سنة, وهي لا تكفي, نحن درسنا أربع سنوات وخمس سنوات دراسة علمية في جامعات وأكاديميات. المسرح بطوله وعرضه وعمقه ومداه التاريخي الطويل لا يمكن دراسته في سنة واحدة, , نريد جدية في البحث العلمي المسرحي, لا تعجب حينما أقول لك أنه ناقشني في الدكتوراه سبعة مناقشين وليس اثنين, وأستاذي لم يصعد إلى المنصة, إنما جلس في الصالة حتى لا يدافع عن الطالب, تاريخ المسرح منذ القرن الخامس قبل الميلاد لا يمكن استيعابه في بعثة قصيرة ، لكن الدراسة العلمية المنتظمة إلى جانب الدراسة العملية هي الطريق الوحيد والأمثل لقيادة البحث العلمي في مصر, وعلينا أن نأخذ الموضوع بجدية. وقد وصلنا بالبحث العلمي إلى هذا الوضع المخجل, يوجد بعض رؤساء أقسام المسرح ليس عندهم كتاب واحد , و عيب أن يتبوأ مثل هؤلاء قضية المسرح في الجامعات المصرية. وأنا أفنيت عمري منذ 1945 لأكتب خمسة وثلاثين كتابا. 

- أين تكمن مشكلة المسرح المصري ؟
عدد الإداريين في المؤسسات المسرحية كثير جدا, لا تعجب إذا قلت لك إنني تعلمت في العاصمة بودابست عاصمة المجر, تعداد المجر عشرة ملايين, منهم مليونان يسكنون العاصمة, ويوجد فيها سبعة وعشرين مسرحا حكوميا , من يقود هذه المسارح ؟ يقودها إداري في وزارة الثقافة المجرية، و ستة من النساء العاملات يدرن مسارح المجر وليس في العاصمة فقط ولكن في الأقاليم أيضا , لدينا هنا ملايين ولكن أمام هذه الملايين يوجد كثير من الممثلين الأكفاء العظماء الجيدين لكنهم لا يعملون, شيء مخجل يأخذون مرتبات ولا يعملون, الفنان يصدأ, ويريد أن يعمل وأن يجرب صوته, أن يختبر نفسه في عدة أدوار تطور من كيانه ومن علمه ومن آفاقه الفنية, هذا غير موجود, هنا خطأ في رسم سياسة الريبورتوار, أقولها بكل جرأة، هو خطأ كبير مثل المسرحيات المعاصرة ذات الفصل الواحد , قد يكون عندنا مسارح قليلة لكن كان يمكن تشغيل هذه المسارح يوميا, كما في أوروبا .

- يرى البعض أن الحل يكمن في العودة للهوية مارأيك ؟
لفظ الهوية يعود إلى أصله من لفظة هو, والهوية المصرية تنقص العروض المصرية, إلى حد بعيد ، هذه ليست مشكلة المسرح لكنها مشكلة كتاب المسرح الذين يجب أن يعنوا بالتراث. هناك تراث أدبي وفرعوني ومصري ومسيحي وكان يمكن تسليط الضوء على هذه العصور التاريخية لإثراء فكر الجماهير وثقافة الجامعة .هذه مشكلة تتعلق بالكتاب وبخطة التعاون مع أولئك الكتاب. 

انتشرت في السنوات الأخيرة فكرة الدراماتورج بشكل كبير, فهل هذا نتيجة ضعف النص المسرحي؟
لقد درست مادة علم الدراماتورج ثلاث سنوات في الخارج, وكتب كتابا نشر منذ أشهر اسمه (علم الدراما شيء وعلم الدراماتورج شيء آخر), الكتاب كلفني 25 ألف جنيه من مالي الخاص, وأنا بكل تواضع أهدي طلابي في أكاديمية الفنون في الدراسات العليا كتبي مجانا، وهذه الكلمة ليست جديدة, وهذه مادة عالمية أرجو من قسم النقد بالمعهد ومن الجامعات التي بها أقسام للعلوم المسرحية أن تنشئ مادة بعنوان علم الدراماتورج، وبالمناسبة وجدت في جامعة الإسكندرية مادة اسمها الإنتاج المسرحي، لا يوجد في العالم كله مادة بهذا الاسم, هذه تقليعات غير علمية وقد بحثت في سبع جامعات من أكبر الجامعات الأوروبية عنها و لم أجدها، توجد أخطاء كبيرة, لن أتحدث عنها الآن إلا بعد أن أضع النقاط على الحروف وأنشر هذا الكلام في كتاب وأقول (الشاطر يرد عليا). أعود إلى الدراماتورج فأوضح أن الدراماتورج في أي مسرح في أوروبا هو الرجل الثاني في المسرح بعد المدير الفني, فأي مسرح في أوروبا يقدم في السنة حوالي ثماني مسرحيات جديدة بالإضافة إلى الريبورتوار, والمسرحيات الثماني نصفهم على الأقل مسرحيات أجنبية, والدراماتورجي هو الرجل الذي يحول المؤَلف الدرامي إلى روح الدراما, فالكاتب الذي يترجم أو يكتب المسرحية قد لا يفهم كثيرا في الدراما, فيحول الدراماتورجي بعض الجمل غير الدرامية ويلبسها ثوب الدراماتورج, ولهذا فهو في أي دولة لابد أن يعرف ثلاث لغات أجنبية على الأقل ولديه تجربة واسعة, أما عمله الثاني فهو أن يدرب الكتاب الجدد من الشباب على كيفية التأليف المسرحي وهذه مهمة صعبة, إن لم يكن يفهم في الدراما وإن لم يكن يفهم في علم الدراماتورجيا, فوظيفته الثانية بجانب مراقبة درامية المسرحيات المترجمة هي تعليم الكتاب الجدد. أنا عندما قدمت مسرحية (الحضيض) لمكسيم جوركي سنة 1963 في افتتاح فرقة الإسكندرية في عهد أحمد حمروش وعلى الراعي, كان المترجم الناقد الكبير فؤاد دوارة وجلسنا سويا في الإسكندرية ثلاثة أيام , لم أكتب دراماتورج ولكن قمت بعمل الدراماتورج, حيث كان لابد أن أعيد بعض كتابات المترجم وألبسها الروح الدرامية, ولم أقل إنني دراماتورجي .

- هل أضاف لنا التجريب أم زاد من تشويه المسرح المصري؟
التجريب موجود كل يوم في المسرح, وأنا كتبت مقالا في جريدة مسرحنا انتقدت فيه د. سامح مهران حينما غير اسم المهرجان إلى التجريبي والمعاصر, فهذا غير ذاك, فالتجريب موجود منذ القدم منذ أيام الفراعنة, وكتب عن التجريب د. ثروت عكاشة منذ زمن, وأنا لا أجد تجريبا جديدا في المسرح, التجريب الموجود الآن من الخارج , فليس التجريب أن تظلم المسرح وتدخل بشمعة وأن لا ترى وجوه الممثلين, هذا ليس تجريبا, بل هذا تخريب, التجريب أن تقدم جديدا يتفاعل معه المسرح وينطلق وتقدمه للمسارح الأخرى. ولكنني لا أرى في هذا التجريب شيئا جديدا . أنا لست ضد التجريب ولكني مع التجريب الذي يقدم تغييرا جذريا إنسانيا وعلميا وعمليا في كل مراحل المسرح المصري. 

- من أين يبدأ التجريب إذن؟
يبدأ من الفكر المتجدد, ويأتي في الحوار مرة، ثم في فن التمثيل: السرعة البطء الإيقاع ويأتي أيضا في خطة الإخراج وفي المفهوم الإخراجي عند المخرج وفي الحركة المسرحية وبقية العناصر الأخرى من الألف إلى الياء و كلها من الفكر إلى العرض المسرحي.

- هل ابتعد الجمهور عن المسرح لأننا لا نتفاعل معه؟
بكل أسف الجمهور لا يحب المسرح لأن المسرح أهمله, أهمل القيمة العلمية للجماهير, أهمل اجتماعيات الجماهير, ولا يقدم إلا بعض الأهواء التي لا تستفيد منها الجماهير. 

- أين نحن من المسرح السياسي, وهل له مردود إيجابي؟ 
المسرح السياسي بدأه الألماني بيسكاتور قبل بريخت, وأنا عشت خمسة عشر يوما في بيت بريخت في برلين عام 1982 ، نحن بعيدين جدا عن المسرح السياسي, لا أعرف لماذا؟ رغم أن الناس كلها تتكلم في السياسة. وميزة الثورتين الأخيرتين أنهما جعلا الناس سياسيين وصرنا شعبا سياسيا و المسرح يجب أن ينتبه إلى هذه الحقيقة, وأن يغرس الناس في السياسة, حتى تتفاعل وتتفهم كل خطوة من الخطوات الإصلاحية للسياسة العامة والعظيمة التي تحدث اليوم. 

 - هل فقدنا المكانة العربية بعد العودة من كل المهرجانات بخفي حنين؟
المهرجانات لا تبني مسرحا , المسارح العربية تقدم مسرحية لمدة يومين أو ثلاث ثم يغلق المسرح, ذهبت إلى عدة مدن عربية, لا تقدم مسرحا إنما يقدمون فقط مهرجانات, والمهرجانات متبادلة, يتبادلون الدعوات والأماكن، شيء مخزي ومكرر, مجرد محافل للطعام والشراب ، و أن تقدم عرضا لمدة يومين أو ثلاثة في بلدك ثم تأتي لتقدمهم في مهرجان! هذا ليس مسرحا, وهذا ليس مهرجانا. 
 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏