كنزة مباركي: كتبت «مدينة النانو» لجائزة الهيئة العربية للمسرح

 كنزة مباركي: كتبت «مدينة النانو» لجائزة الهيئة العربية للمسرح

العدد 595 صدر بتاريخ 21يناير2019

كنزة مباركي، صحفية، وكاتبة مسرحية، حازت على جائزة الهيئة العربية للمسرح عن نص «جحا ديجيتال» 2016، وجائزة الدكتورة هيفاء السنعوسي عن نص «امرأة بظل مكسور» 2015، وغيرها الكثير من الجوائز، وصدر لها الكثير من النصوص منها: «لايكا»، و«امرأة بظل مكسور»، و«جحا ديجيتال»، وحازت مؤخرا على المركز الثالث بجائزة الهيئة العربية للنصوص المسرحية الموجهة للطفل عن نص «مدينة النانو» لعام 2018، وكان لنا حوار معها حول كواليس كتاباتها للنص المسرحي، وعن العقبات التي تواجه مسرح الطفل في الجزائر.. وإليكم نص الحوار:
 - متى جاءتك فكرة النص؟
كتبت النص خصيصا لهذه الجائزة، لكن فكرته كانت تختمر في خاطري قبل ذلك، وهي فكرة تدخل ضمن ما يمكن أن أعتبره اشتغالا على مشروعِ كتابة موجهة للطفل. وترتكز أغلب نصوصه على هذه الثيمة بالذات؛ الاشتباك مع الموروث الثقافي لإنتاج نصوص إبداعية جديدة ومتجددة، وهذا الموضوع على وجه الخصوص يشغلني في مشروع كتابتي للطفل، وليس طارئا عليّ، فنصي «جحا ديجيتال» المتوج من قبل بالجائزة نفسها نقلت من خلاله الانشغال الإنساني بالانتماء، وتدور أجواؤه في فلك الاهتمام بالتراث ومعنى الموروث الإنساني والثقافي والحضاري للشعوب والأمم ومصيره في الصيرورة التاريخية، ونصي الثاني «لايكا مون» يدخل في صنف الخيال العلمي، يأتي بحقيقة علمية لينطلق منها ويفترض لها تكملة خيالية، وكل هذا دفع للطفل ليتعلم وليعرف ماهية الأشياء والقضايا والحقائق حوله.

- ما هي الفكرة التي طرحتها في هذا النص؟
النص يدور حول قصة فتيان عرب يحملون اختراعات نانوية متناهية الصغر في روبوتات مصغرة تحمل موروثات من بلدانهم، يلتقون في مركز النانو العربي لإطلاق هذه الاختراعات والذهاب بها إلى مدينة النانو، مدينة المستقبل التي تحمل روحا عربية وتنفتح على موروثات عالمية إنسانية مشتركة تجسدت من خلال مكعب روبيك الشهير الذي يمثل رمزا رياضيا هندسيا ولعبة شهيرة عالميا، والحلزونات رمزا لحيوان الحلزون الذي يستعمل لدى بعض الشعوب لأغراض تجميلية، بالإضافة إلى توظيف النص للحلزون رمزا للمتتاليات الرياضية والفلكية كما يستعمل خلال الحلزونات (أولر، أرخميدس وباركر).
وانطلقت في كتابة نصي هذا من إشكالية مفادها؛ هل نملك خيار معاداة التطور التكنولوجي المتسارع في عالم لا تهدأ الحياة على رتم واحد فيه؟ وهل نكابر وندعي أننا سنجبر أطفالنا على مقاطعة الأجهزة الرقمية والإنترنت والحياة تضج حولهم بكل ما هو رقمي؟ أطفال اليوم واليافعين مثلا في الفئة العمرية من 14 إلى 18 سنة، وهم من وجهت إليهم نصي المسرحي (مدينة النانو) مقبلون على العالم الرقمي بشكل كبير، والفن الموجه إليهم لا يجب أن يحمل نية المنع والتصدي لما هم مقبلون عليه، ولكنه ملتزم بضمان المتعة والفرجة والفائدة في آن واحد، والفائدة تكمن في منحهم شحنة بقيم إيجابية تدفع فيهم الرغبة لأن يكونوا انتقائيين في اختياراتهم وتفضيلاتهم الجمالية والفنية، والحياتية أيضا.

 - لماذا اخترت الكتابة للطفل؟
بدأت الانفتاح على عالم الفن والأدب بكتابة الشعر، الجسر الذي أحالني إلى ضفة الكتابة المسرحية، وقبلها إلى الحياة في معناها الجميل، وعملي في الصحافة مكنني من التعامل مع المسرح وقضاياه، إذ تابعت عروضا كثيرة للكبار والصغار، وكانت لي مشاركات كثيرة في مختلف التظاهرات الثقافية والفنية التي أتاحت لي التقرب من المنتجات الفنية ومتابعة الحراك الثقافي، من خلال هذه التجربة التي أضيفها إلى ما حاولت تكوينه من رصيد معرفي في المجال – ولا أزال - تكونت لدي فكرة عن الفروق الكثيرة بين ماهية الأشياء وواقعها بين النظري والتطبيق، بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، وآمنت دوما بفكرة العطاء في حدود المعنى، بعيدا عن الفراغ الذي يضيع فيه كل جهد ومحاولة. سحرني المسرح الذي في مخيلتي، وبتشجيع من زوجي الذي رأى أني أستطيع الكتابة لهذا المسرح، ومع مجيء طفلي الصغير لقنتني الأمومة الكثير من الدروس التي وجدتني أبث شحناتها الجميلة والإيجابية في نصوصي لتنفذ إلى قلوب الأطفال وعقولهم.. خضت التجربة، ووجدتني أحقق متعة لطالما بحثت عنها على المستوى الذاتي، قبل أن أصل إلى مستوى استحضار الآخر، القارئ، والجمهور في ذهني وأنا أكتب، شيئا فشيئا بدأ هذا المتلقي يجلس قبالتي ويرقبني منتظرا عصفورا ملونا يخرج من الكلمات، وهنا بدأت انطلق أكثر، وأتورط أكثر حتى وجدتني أكتب نصوصا للكبار وللصغار حصلت على إعجاب من اطلعوا عليها من قراء ومتذوقين عاديين ومن نقاد متخصصين وممارسين مسرحيين.
ومنذ انخراطي في هذا المجال كاتبة في مسرح الطفل؛ وضعت نصب عيني مجموعة من الأهداف وحددت الغاية، وطبعا يمكن للأهداف أن تكون مرحلية تأتي بعدها أخرى بمجرد تحقيق السابقة ولكن الغاية ثابتة تشكل منتهى ما يرمي إليه أي مشروع. فغايتي هي تقديم مشروع كتابة في مسرح الطفل مغاير ومختلف يرفع مستوى الفن المقدم للطفل في ظل معطيات واقعية جديدة، وهذا أمر حتمي وضروري ما دام كل شيء يتغير ويتطور من حولنا، وهنا أنظر للتغير كقيمة مضافة لا على أساس كونه دعوة لتغيير الجلد والانسلاخ عن ماهية الشيء. ومن بين الأهداف منح الطفل جرعات من المعرفة والإحساس بالانتماء العربي والإنساني من خلال ما أقدمه له في نصوصي، بالإضافة إلى المتعة والفرجة اللتين يضمنهما المسرح والفن عموما. والاشتباك مع الموروث الثقافي هدف مرحلي يمكن به تحضير أرضية متينة لأجيال تعرف موروثاتها وتقرأ ماضيها من خلال الإضاءة التي توجهها أنت وغيرك من المشتغلين في المسرح الطفلي لهذه الموروثات عبر مواضيع وأفكار النصوص والعروض. تأتي بعده أهداف أخرى تقتضيها مراحل الحياة الذاهبة إلى الأمام دائما ومشروعك على قيد الاستمرارية، وهذا الانتقال طبعا لأهداف أخرى يكون بتحقيق ما سبق. أترين؟ أنا ملتزمة حقا ببناء مشروع ودراسته بشكل جدّي وجاد، لا يهمني القطاف السريع بقدر ما يهمني أن ينضج الهم الإبداعي لدي على مهل مقدما أثرا جديرا بالتناول والتلقين بالدراسة والنقد أيضا. وهنا أشير إلى النقد الذي يمثل هو الآخر مشروعا حقيقيا، فالناقد الحق هو من يعمل على إنتاج منظومة فكرية يسير وفق معطياتها ويملك مشروعا نقديا يشتغل عليه بأدوات تلك المنظومة التي لا تتكئ على مقولات جاهزة فحسب؛ ولكنها تناقش الموجود وتخلق الرؤى المتجددة والقراءات المسايرة لتطوير الأشكال الإبداعية ومضامينها الجديدة.

 - ما هي الصعوبات التي تواجهينها أثناء كتاباتك للأطفال؟
بصدق لا أحب الحديث عن الصعاب.. كل شيء صعب في هذه الحياة ومع الإصرار والإخلاص والصدق يستحيل الصعب سهلا.. أؤمن أن الكتابة للطفل محفوفة بالمتعة والجمال.. ولنبعد كلمتي الصعوبة والاستسهال اللتين استعملت لوقت طويل من قبل كثيرين استسهلوا هذا المجال ولم يتعاملوا مع الطفل بمسئولية فيما وجهوا له من كتابات، أرى أن الكاتب للطفل يجب أن يكون واعيا ملتزما بما يقوم به ويقدمه.
 - ما هي السمات التي لا بد من توافرها في كاتب الأطفال؟
أثق دائما بحاجتنا كبارا للتعلم المتواصل، عبر وسائط مختلفة من بينها الفنون والمسرح، فكيف لا نوفر ذلك للطفل ونحن منخرطون في مشروع بالغ الأهمية اسمه الكتابة للطفل؟ ثم كيف لا نتحسس مواطن يمكن من خلالها تسريب جرعات الجمال المعرفي إليهم.. للمعرفة جانبها الجميل الذي يمكن أن يتفتق في الأعمال الموجهة للطفل وبالتالي مهم جدا أن يكون كاتب مسرح الطفل مقبلا على التعلم دوما، مقتنعا بضرورة نقل الخلاصة الأجمل لما تعلمه إلى الطفل، ذواقا وانتقائيا، مسئولا وملتزما، صادقا، متواضعا وبسيطا. وفوق هذا كله؛ أن يكون مدركا أن الفن مستخلص مركز للجمال، وأن الإبداع مستخلص الدهشة.
دعيني أقول أيضا وبصدق إنني أكره أن أكتب أنا أو غيري نصين أو إن شاء الله عشرين نصا للطفل ونتوج بملايين الجوائز ثم نصدِّر أنفسنا بكوننا المتخصصون في أدب الطفل.. نحن نبني تجاربنا، ونساهم في اثراء المجال ولسنا متخصصين. التخصص تفرّغ وبحث وتركيز على شيء دون سواه، والتجربة التي تتكون تحتاج على الأقل مقومات وإشارات تحيل على بوادرِ جديةِ المشروع الذي تشتغل عليه لنعرف إن كنت حقا متخصصا أم أنك تسابق الوقت لترسخ حضورك في الساحة أكثر من حضور أعمالك في دواليب حركة التطور الفني والإبداعي. مهم جدا أن يكون الكاتب عموما راسخا في النضج متواضعا، فما بالك إذا كان كاتبا للطفل.

 - هل مسرح الطفل يأخذ حقه في تقديم عروض باستمرار؟
في الجزائر هناك توجه فعلي للاهتمام بعروض الطفل من قبل المسارح الجهوية والديوان الوطني للثقافة والإعلام، إذ تشهد أيام الجمعة والسبت صباحا وأيام العطل عروضا وتظاهرات موجهة للطفل، بمعنى؛ على مستوى التقرير العددي الكمي سنجد أن عروض الطفل تأخذ حقها فعلا، يبقى المشكل الذي يثار حول النوعية، هل كل هذه العروض ذات مضامين جيدة للطفل؟ وهل ينطبق مثلا معيار محدد للفئة العمرية عند اقتناء التذاكر أم أن ذلك لا يهم القائمين على قاعات العروض بقدر ما يهمهم أن تغص القاعات بالجمهور فحسب؟

 - ما هي العقبات التي يعاني منها مسرح الطفل؟
كثيرة هي العقبات، لكن دعيني أذكر مشكلة البساطة المبالغ فيها إلى درجة التسطيح والترفيه لعروض الطفل، والتلقين الجاف والتهريج والوعظ والإرشاد المبالغ فيهما.. هذه الأساليب تقتل الإبداع الخالص الموجه للطفل، تقتل نصوصا تحاول أن تقدم خيارات جمالية للأطفال.. كثيرا ما تأتي الفكرة والنص راقيا ومناسبا للطفل وهادفا لترقية ذائقته ثم يسقِط هذا كله في الماء مخرج يتحسس من تجسيد ما جاء في النص بحذافيره، ويقابلك بمجموعة من التبريرات من قبيل: «يجب أن تكتب من منطلق أنك تكتب للخشبة، يجب أن تحضر عددا كبيرا من البروفات الخاصة بالأعمال المسرحية لتعرف كيف تكتب النص ليكون فوق الخشبة...» وغيرها من التبريرات التي تعرفها وطبقتها ولست بحاجة لرفع تقرير مفصل للآخرين ليعلموا كيف تحركت وأين ومتى وكم عدد المسرحيات التي شاهدتها وكم عدد أصدقائك من المخرجين والممثلين والنقاد وكم كتابا ومسرحية قرأت قبل أن تكتب، ولكي يقتنع أن فكرتك ونصك مؤهل ليمنح تأشيرة عبور من شرطة الرقابة التي تسكن رأسه.. ثم إن النظر إلى مسرح الطفل على أنه مسرح من الدرجة الثانية يأتي بعد مسرح الكبار يجعل الكثيرين يستسهلونه ولا يتعاملون معه بجدية والتزام ومسئولية.
 - هل توقعت الجائزة؟
لا لم أتوقعها، ولكنني تمنيت أن يحصل نصي على التقدير الذي يكافئ تعبي وجهدي الخالص، لا سيما وأنني حاولت أن أقدم ابتكارات واختراعات نانوية متخيلة فيه بالإضافة إلى سعيي لتقديم المتعة والفرجة التي يتطلبها نص موجه ليجسد فوق الركح. ما قدمته في (مدينة النانو) يمكن اعتباره محاولة تقديم ابتكار واختراعات تقنية يحولها الخيال إلى واقع عند تجسيد النص مسرحيا. ولم لا يحوِّلها واحد ممن سيشاهدون العرض يوما ما إلى ابتكارات حقيقية؟؟ الحلم مشروع والطموح كذلك.
 - حدثيني عن استقبالك لخبر حصولك على المركز الثالث؟
استقبلت الخبر بفرحة طفلة لأجل تتويج جهد وتعب أبذلهما بصدق لأقدم تحفة تليق بالمتلقي الطفل.. كانت فرحتي وقناعتي بما أحرزته كبيرتين. وطبعا أنا فخورة جدا بهذه الجائزة التي أحملها للمرة الثانية، والتي تقدم لتجربتي قيمة مضافة لكونها من أهم الجوائز العربية المحترمة في هذا المجال.
 - ما رأيك في كتاب المسرح العرب؟
هناك حراك ونشاط على مستوى التأليف المسرحي في البلدان العربية، الكتاب المسرحيون العرب يقدمون في المجمل نصوصا جيدة بمضامين متجددة، أرى دائرة الاقتباس تضيق وتنحسر لدى الكتاب الشباب الذين يتجهون إلى الكتابة من وحي واقعهم، ومن صلب تأملاتهم وقراءاتهم لما يجري حولهم، نملك الكثير من المفردات والمفاتيح التي تمكننا من فتح صندوق حكايات قادم من المستقبل وليس من الماضي فقط. نملك نصوصا كثيرة تطلق منها فراشات وعصافير ملونة كثيرة تحكي الجمال وتصنعه بعيدا عن التقليد والاقتباس والتكرار لتجارب الآخرين.
 - هل نعيش أزمة تأليف مسرحي كعرب؟
لا أعترف بهذه الجملة المفتعلة.. ولن أخوض كثيرا في الموضوع لأن الموجود لا يبرر. سأكتفي بالقول: إن هناك كتابا ينتجون نصوصا جديدة ومتجددة، مبدعون فيما يقدمون، متجاوزون للأفكار المستهلكة أو يطرحون الأفكار المطروقة من زوايا أخرى برؤى جمالية، يكتبون نصوصا مسرحية بامتياز، وفي النهاية يصطدمون بمخرجين يتمنون لو يلغى النص أو يكتبوا هم هذا النص ويخرجونه.. لا أعرف تفسيرا حقيقيا لهذه العقدة، ولكن أعرف أن الأزمة هي أزمة اعتراف بالنص المسرحي الشبابي وليست أزمة نص.
 - ما الذي يحتاجه المسرح العربي عموما ليصبح أكثر تطورا؟
يحتاج دعما من المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية، صدقا وإخلاصا من بناته وأبنائه، ومتابعة رصينة أمينة للحراك المسرحي من قبل النقاد.

 


ياسمين عباس